[♦◙♦] القانون المدني [♦◙♦]
تعريفه ونطاقه: يطلق تعبير القانون المدني droit civil على مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد إلا ما يتناوله بالتنظيم فرع آخر من فروع القانون الخاص[ر]. فهو يشمل عموماً نوعين من العلاقات القانونية: الأولى تنظم علاقات الفرد بأسرته ويطلق عليها الأحوال الشخصية[ر]، والثانية تنظم علاقات الأفراد المالية. فيدخل في نطاق الأحوال الشخصية المسائل المتعلقة بالأهلية والولاية والوصية والنسب وأحكام الزواج والطلاق والميراث. أما الثانية فتضم المعاملات والأحوال العينية والمتعلقة بالنشاط المالي للشخص.
تطوره التاريخي: يرجع أصل تسمية القانون المدني إلى القانون الروماني[ر]، وتعبير المدني civil مشتق من الكلمة اللاتينية civili والتي تعني المدينة، حيث كان القانون المدني يطبق في مدينة روما وعلى مواطنيها، في حين أن القانون الذي كان مطبقاً خارج روما يسمى قانون الشعوب.
وفي العصور الوسطى، تطور مفهوم القانون المدني ليصبح مرادفاً للقانون الروماني وخاصة موسوعة القانون المدني التي تم جمعها في عهد الامبراطور جستنيان، وذلك لتمييزها من القانون الكنسي[ر]. ولايزال أثر ذلك بادياً حتى اليوم، إذ إن كثيراً من المؤلفين الأنجلوساكسون[ر] يستخدمون مصطلح القانون المدني civil law للتعبير عن النظام القانوني المستمد من القانون الروماني، وذلك مقابل النظام القانوني الذي يقوم على الشريعة العامة common law.
طرأ تطور آخر على مصطلح القانون المدني ليصبح بعد ذلك مرادفاً لتعبير القانون الخاص. فعلى أساس قواعد القانون المدني ظهرت فروع جديدة في القانون الخاص (كالقانون التجاري وقانون العمل والقانون الزراعي) تأخذ كثيراً من قواعد هذا القانون وتؤسس أحكامها على نظرياته، الأمر الذي جعل من القانون المدني الشريعة العامة في العلاقات القانونية الخاصة، بمعنى أن قواعده تطبق على الأشخاص جميعاً بمختلف طوائفهم ومهنهم وذلك خلاف الفروع الأخرى التي تختص بطوائف أو مهن معينة أو تتناول أوضاعاً وحالات محددة. وفضلاً عن ذلك فإنه يرجع إلى قواعد القانون المدني في كل مسألة تسكت عن تنظيمها الفروع الأخرى للقانون الخاص.
الأساليب المتبعة في القوانين المدنية
1 ـ الأسلوب الفرنسي: يعدّ القانون المدني الفرنسي Le code civil الذي صدر عام 1804 وسمي بقانون نابليون حدثاً تاريخياً كبيراً في تاريخ التشريع الفرنسي، والذي لم يقتصر أثره على فرنسا وحدها بل امتد إلى كثير من دول العالم.
وقد اعتمد القانون المدني الفرنسي أسلوباً واضحاً، سهلاً، قابلاً للتطبيق على الحالات العملية. وقد استُمِدَّت نصوصه من القانون الروماني ومن الأعراف (القانون الفرنسي القديم). وقد تشبع هذا القانون بأفكار الثورة الفرنسية عبر تبنيه لمبدأ الفردية والعلمانية: فالقانون المدني قد انفصل عن الكنيسة في أمور مهمة كانت إلى عهد قريب محكومة من قبلها كمؤسسة الزواج على سبيل المثال. وأقر القانون المدني كذلك مبدأ المساواة والحرية الفردية (كحرية الطلاق)، وتبنى أيضاً مبدأ سلطان الإرادة في العقود والتصرفات القانونية والذي يعد أحد أسس القانون المدني.
2 ـ الأسلوب الألماني: دخل القانون المدني الألماني B.G.B حيز التنفيذ في عام 1900، بعد فترة طويلة من العمل العلمي الشاق لفقهاء القرن التاسع عشر. ويعد هذا القانون نقطة انطلاق لقانون عصري يلبي حاجات القرن العشرين في وقته. حيث إن صياغته الفنية ذات المستوى الراقي قد منحته استقراراً و سمعة كبيرين. وقد اتبع الألمان أسلوباً متميزاً من غيرهم حيث أفردوا قسماً عاماً يضم القواعد والمفاهيم والمصطلحات القابلة للتطبيق والاستخدام في الأقسام والأبواب الأخرى من القانون، وهذا أبرزما ميز القانون المدني الألماني من القانون المدني الفرنسي.
3 ـ الأساليب الأخرى: اتبعت الدول -التي تنتمي في نظامها القانوني إلى المجموعة الرومانية الجرمانية - أحد الأسلوبين الفرنسي أو الألماني أو الأسلوبين معاً، وقد استفاد القانون المدني المصري من كل الأساليب ولم يتقيد بأسلوب أو مذهب معين. وقد تبعه في ذلك القانون المدني السوري الذي دخل حيز التنفيذ في 15حزيران 1949 وبلغ عدد مواده 1130 مادة. وبدخوله حيز التنفيذ ألغي العمل بمجلة «الأحكام العدلية»[ر] التي كانت بمنزلة قانون مدني حديث مستقى من أحكام الشريعة الإسلامية. وقد قسم القانون المدني السوري إلى باب تمهيدي وقسمين، يضم الباب التمهيدي ثلاثة فصول في القانون والحق والأشخاص وتقسيم الأشياء والأموال، أما القسم الأول فقد خصص لدراسة الالتزامات والحقوق الشخصية، والقسم الثاني للحقوق العينية. أما العلاقات الأسرية فقد استقلت عن القانون المدني، كما هي الحال في أغلب الدول الإسلامية؛ لتعلقها بمعتقدات الناس الدينية والحلال والحرام، وأصبح يحكمها قانون مستقل هو قانون الأحوال الشخصية.