™«« شرح نظرية القانون »»™
مقدمة:-
عند دراسة مبادئ القانون لابد لنا الوقوف على أهم النظريات والتي تحكم هذه المبادئ على أن تكون دراستنا ابتداءاً بنظرية القانون والتي ندرسها في ثلاثة فصول يتعرض الأول منها إلى تحديد القاعدة القانونية والثاني منها إلى مصادر القاعدة القانونية وينتهي الثالث منها إلى بيان نطاق تطبيق القاعدة القانونية وتفسيرها.
وننتهي في دراستنا إلى نظرية الحق والتي ترتبط مع القانون ارتباطاُ وثيقاً كونه ينظم العلاقات الإجتماعية بين الأفراد عن طريق بيان ما يجب لكل فرد من حقوق وما يجب عليه من التزامات في علاقته مع أفراد مجتمعه..ودراستنا في نظرية الحق نتكلم فيها عن التعريف بالحق وتقسيماته ومن ثم أشخاص الحق ومصادر الحق واستعمال الحق على أن تكون هذه الدراسة على شكل فصول.
أولاً : نظرية القانون
الفصل الأول : تحديد القاعدة القانونية
لابد لنا في تحديد القاعدة القانونية أن نبحث في خصائص القاعدة القانونية واهم الفروق بينها وبين القواعد الاجتماعية الأخرى وكذلك أنواع القواعد القانونية (على أن تكون هذه الدراسة بعيده عن الطبيعية التقليدية والتي تعتمد على الحفظ وإنما على البيان والفهم).
المبحث الأول : خصائص القاعدة القانونية
من أهم خصائص القاعدة القانونية أنها لا تجد أرضيه للتطبيق طالما انه لا يوجد هناك مجتمع والسبب في ذلك أن القاعدة القانونية ترمي إلى تحقيق غاية نفعية للمجتمع تتمثل في تنظيم العيش وتحديد واجبات وحقوق أفراده وذلك عن طريق صياغته (من قبل المشرع) على حسب معتقدات واقتناعات وقيّم ومثل أي مجتمع كان على ان تشكل هذه القاعدة القانونية صور الأوامر والنواهي التي يفرضها الخطاب القانوني.
وبما أن القاعدة القانونية (1) منظمه لحكم سلوك الأفراد فهي لا تعترف إلا بالمظهر الخارجي ومعنى ذلك أن القانون لا يعتد بالنوايا والمشاعر الكامنة في صدور الأفراد..ومثال ذلك لتقريب الفهم (لو فرضنا أن خالد يحمل في نفسه كرهاً شديداً لأحمد فالقانون هنا لا يعاقب خالد على هذا الكره إلا عندما يقوم خالد بترجمة هذا الشعور إلى عمل أو سلوك من شأنه الإضرار بأحمد وقتها يتدخل القانون ويكون سلوك خالد الخارجي تحت طائلته ).
ومع أن القانون كما قلنا لا يتدخل في النية المجردة ما لم تقترن بمظهر خارجي يعاقب عليه … الا أن هذا القول ليس على إطلاقه والسبب في ذلك أن القانون قد يجعل النية سبباً في عقوبة اشدّ فهو ينظر للنية هنا من باب (الصراع مابين الخير والشر ولحظات التأمل في الفعل ونتائجه)….ومثال ذلك للتقريب ( إتيان فعل مجرمّ مع سبق الإصرار والترصد ..وهذه الحالة نجدها في قانون العقوبات أكثر تطبيقاً فلو قام خالد بالتخطيط لقتل احمد وأصر على قتله بترصده لأوقات خروجه من البيت واعترضه في الطريق وقتله بآله كان قد احضرها معه لتنفيذ جريمته فهنا تكون نية خالد + القتل = عقوبة أشد وهي الإعدام على خلاف لو كان خالد يحمل مسدس في جيبه وعند وقوفه أمام إشارة المرور التفت يميناً فوجد (سائق ليموزين) لم يعجبه شكله!!! وأطلق عليه رصاصه وقتلته هنا قد يصار إلى عقوبة سالبه للحرية قد تكون المؤبدة مع الأشغال الشاقة في بعض قوانين العقوبات) ..
ومن خصائص القاعدة القانونية أيضا إنها(2) قاعدة عامه ومجرده ..ومعنى ذلك أن عمومية القاعدة القانونية تكون على شكل خطاب معمم على أشخاص مكلفين بمضمونها ومختصة بوقائع مشمولة بحكمها على عكس التجريد فالتجريد لا تلتفت في خطابها إلى التفصيلات والفروق الثانوية فحكمها متعلق بالظروف والاعتبارات الرئيسية المشتركة حتى تطبق على جميع الوقائع أو الأشخاص المقصودين بحكمها ومن أمثلة ذلك (كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالضمان) أي أن هذه القاعدة عامه تسري على كل شخص يحدث ضرراً لغيره بالتعويض ….وهي بذلك عكس القرار الإداري أو الحكم القضائي فالخطاب فهي يختص شخص بعينه مثل ترقية (خالد من المرتبة الرابعة إلى الخامسة) أو الحكم بإلزام (احمد بالنفقة على زوجته) فهذا الحكم يختص به احمد وذاك القرار يختص به خالد دون غيرهما.
مع ملاحظة (العموم والتجريد في القاعدة القانونية قد لا يطبق على جميع أفراد المجتمع فهناك قواعد قانونية يكون فيها الخطاب القانوني لفئة معينه من الأشخاص أو طائفة محدده) ومثال ذلك (إلزام التاجر بمسك الدفاتر) هنا الخطاب يختص فقط فيه طائفة التجار داخل المجتمع ولا يصار إلى جميع الأفراد فالتاجر الصغير لا يلزم بمسك الدفاتر ولا حتى كافة التزامات التجار.
ومن خصائص القاعدة القانونية أيضا (3) إنها ملزمه ومقترنة بجزاء وعليه نجد أن القاعدة القانونية تسمو في مضمونها عن الإرشاد والوعظ والنصح للأفراد فالإلزام غاية يتطلبها تنظيم المجتمع ولا يمكن لهذا الغاية أن تتحقق لولا أن القاعدة القانونية تتمتع بإجبار المخاطبين بها إلى الانقياد لحكمها وإلا عد ذلك مخالفة للقاعدة القانونية يترتب عليه الجزاء …وهذا الأمر لاشك انه مرتبط بأهم المبادئ القانونية وهو ما يسمى بمبدأ المشروعية (لا جريمة ولا عقاب إلا بنص قانوني) والنص القانوني الملزم للمخاطبين به مقترن بجزاء عند الإخلال به وهذا الجزاء في القاعدة القانونية يتمثل في الأثر الذي يترتب وفقاً للقانون عند المخالفة لحكمها.
مع ملاحظة (طبيعة الجزاء عند مخالفة حكم القاعدة القانونية يلزم أن يكون موقعاً من قبل السلطة العامة وهي بذلك تختلف عن القواعد الضابطة الأخرى لسلوك الفرد مثل قواعد الأخلاق والقواعد الدينية).
…وصور الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة القانونية يتخذ أشكالا متعددة فكل فرع من فروع القانون له جزاء يتناسب مع ما تأمر به القاعدة القانونية وما يحقق الغاية منها …وأمثلة ذلك ما يلي:-
أ- الجزاء الجنائي (ما يميز الجزاء الجنائي انه اشد صور الجزاء في القانون فهو يتعلق بشخص الإنسان والعقوبة تختلف في قوتها ونوعها حسب صورة الفعل الذي يجرمه القانون فالقتل مثلاً تقع فيه العقوبة على جسم الإنسان بالإعدام وقد تأخذ العقوبة شكل الحبس أو السجن فتسلب حرية الشخص فيها وقد يصيب الجزاء أموال المجرم كما في حال الغرامة والمصادرة).
ب- الجزاء المدني( يترتب الجزاء المدني في حالة الاعتداء على حق خاص وتكون العقوبة فيه بجبر هذا الاعتداء وإزالته ومثاله بطلان التصرفات القانونية التي تم إبرامها وعدم الاعتراف بآثارها اللاحقة كالبيع الذي يرد على مواد يحظرها القانون….وقد يكون الجزاء المدني يستهدف إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد ومثال ذلك الفسخ في العقود المدنية والتي تقع صحيحة إلا أن احد الملتزمين فيها لا يقوم بأداء التزامه ويكون جزاءه حق طلب فسخ العقد ويأخذ الجزاء المدني أيضا صورة التعويض الذي يدفع لإصلاح الضرر الذي يحدثه شخص لآخر )..مثاله (( ذهب خالد بسيارته BMW بعد أن تعطلت به في شارع الثلاثين في العليا إلى وكالة الناغي للسيارات وتم التعاقد بينه وبين الوكالة على تصليح سيارته وتم الاتفاق بينه وبين الوكالة على أن يتم الانتهاء من الإصلاح بعد مدة أسبوعين من استلام السيارة والتزام خالد هنا دفع أجرة الإصلاح والتزام الوكالة إصلاح السيارة إلا أن الوكالة قد ماطلت خالد ومضى شهر دون إصلاح سيارته هنا يحق لخالد طلب فسخ العقد والرجوع على الوكالة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به من تأخير وخلافه)).
مع ملاحظة أن الجزاء المدني والجنائي قد يجتمعان في واقعة قانونية واحده عندما تكون المخالفة قد مست أمن المجتمع ومثال ذلك (لو قام خالد باختلاس أموال احمد فأنه سيعاقب هنا عقوبة جنائية تتمثل في السرقة وعقوبة مدنية تتمثل في برد المسروق إن وجد وإلا التعويض عنه).
ج- الجزاء الإداري (يتمثل في العلاقة المنظمة للنشاط الإداري فقد يكون فصل الموظف أو حرمانه من ترقيته أو خصم مرتبه أو غيرها عند قيام الموظف بالإخلال بالتزامه الوظيفي).
المبحث الثاني:- الفرق بين القواعد الاجتماعية والقواعد القانونية
أ- قواعد الأخلاق والقواعد القانونية
قواعد الأخلاق هي بشكل مختصر تلك القواعد التي تحض على فعل الخير وتنهى عن الشر والخصال الذميمة وتنبذ الظلم وإلحاق الضرر بالغير وقواعد الأخلاق تختلف باختلاف المجتمعات وما يخصها من عادات أخلاقية ..وما يهمنا هنا معرفة أوجه التشابه والاختلاف فيما بين قواعد الأخلاق والقواعد القانونية
• أوجه التشابه (كلاهما يهدفان إلى تنظيم الحياة الاجتماعية عن طريق قواعد مجرده تتوجه في خطابها إلى كل إفراد المجتمع مع وجود الجزاء الذي يوقع عند مخالفة حكمها).
• أوجه الاختلاف ( من حيث المصدر القاعدة الأخلاقية منشؤها ما استقر عليه معنى الخير والشر في ضمير الجماعة..في حين القاعدة القانونية يكون مصدرها تشريع واضح أو عرف محدد ومنضبط ..ومن حيث النطاق فالقاعدة الأخلاقية أوسع نطاقاً من القاعدة القانونية في حين وأضيق نطاقاً في حين آخر …في حين القاعدة القانونية تمتد إلى تنظيم بعض المسائل التي لا تتناولها مبادئ الأخلاق ومثال ذلك عند تنظيم إجراءات التقاضي وتحديد مواعيد الطعم في الأحكام وغيرها من القواعد التي تحتمها فكرة التنظيم الاجتماعي …كما أن القاعدة القانونية قد تضطر أحيانا إلى ترجيح غاية نفعيه على اعتبارات خلقية من اجل تحقيق الاستقرار في المعاملات ومثال ذلك سلطان الدائن على مدينه بعد انقضاء مده معينه من تاريخ الاستحقاق أو المطالبة وهذا ما يعرف بنظام التقادم المسقط بينما تقضي مبادئ الأخلاق بأن المدين لأتبرأ ذمته إلا بوفاء الدين أو بإبراء الدائن له.ومن أهم الفروق بينهما الجزاء فالجزاء في القاعدة القانونية مرتبط بمظهر ملموس مادي يمس المخالف في شخصه أو ماله وتقوم بإيقاعه السلطة العامة في المجتمع غير أن الجزاء في قواعد الأخلاق يكون معنوياً ويتخذ من تأنيب الضمير واستقباح النفس لذلك السلوك واستنكار المجتمع صوراّ له)
ب- قواعد الدين والقواعد القانونية
أوامر الدين تتمثل في مجموعة المعتقدات والقواعد التي يأمر الله عباده بأتباعها بغية تحقيق خير الإنسان وسعادته..فهي تنظم شؤون الدنيا وما يتعلق بالدار الآخرة عن طريق فرض الأوامر والتكاليف والتي تتخذ أحكامها أنواع عده منها ما يكون منظماً لواجبات الإنسان نحو ربه وتدعى هذه القواعد في مجموعها بمسمى (التوحيد والعقيدة والعبادات) ..وهناك نوع آخر من قواعد الدين تبين واجب الإنسان نحو نفسه وببيان الفضائل والرذائل ..ونوع ثالث ينظم علاقة الإنسان بغيره من الناس لحكم التعامل الذي يقع بين أفراد المجتمع ويعرف هذا النوع من القواعد الدينية بقواعد المعاملات.
*أوجه الشبه بين قواعد الدين والقواعد القانونية( هناك صلة كبيره بين القانون والدين من حيث نشأته وتطوره ويشترك القانون مع الدين في قواعد المعاملات ويقل اتصال العلاقة بين القانون والدين عندما تكون قواعد الدين موضحه للنواحي ألاعتقاديه والعبادات).
* أوجه الاختلاف( تكمن في طبيعة قواعد كلاً منهما فالقواعد الدينية أوسع مجالاَ من القواعد القانونية ..كما أن مصدر القواعد الدينية رباني أوكل تبليغها للناس عن طريق الأنبياء بينما مصدر قواعد القانون موضوع من بني البشر ..وعلى الرغم من أن الخطاب مشترك بينهم في كونه خطاباً عاماً مجرداً …إلا أن الغاية تختلف فالدين يهدف إلى غاية مثالية تريد السمو بالنفس الإنسانية وتحثه على إتباعها لتحقيق رضا الإله عن عبده …بينما القانون غايته نفعية تريد تحقيق النظام والأمن الاجتماعي…كما أن الدين يتهم في قواعده بالمقاصد والنيات على عكس القواعد القانونية لا تهتم إلا بالسلوك الخارجي والمؤثر بعلاقة الإنسان بغيره…وكذلك الجزاء فقواعد الدين تكون شامله لجزاء دنيوي وأخروي موكل أمر إيقاعها إلى الله عز وجل على عكس الجزاء في القاعدة القانونية فهو جزاء دنيويّ حال يوقع من قبل السلطة العامة).
ج-قواعد المجاملات والعادات الإجتماعية والقواعد القانونية
تعد قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية من القواعد التي تهتم في ضبط سلوك الفرد في مجتمعه والتي اندرج على إتباعها في علاقاته وصلاته مع غيره كتبادل الزيارات والدعوات وتقديم الهدايا في المناسبات ..الخ .
*أوجه الشبه بينها وبين القواعد القانونية( كلاهما يتوجه بالخطاب إلى الأفراد بتقريرهما لسلوك خارجي اجتماعي).
*أوجه الاختلاف بينها وبين القواعد القانونية(يكمن في الجزاء ..فالجزاء في قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية يتمثل في مظهر أدبي معنوي مقتصر على الاستهجان واللوم من الناس لمن خالف تلك القواعد بينما الجزاء في القاعدة القانونية يكون مادي محسوس يوقع من السلطة العامة.