¤ô☼ô¤ الحوالة في القانون ¤ô☼ô¤
تنشأ الالتزامات وترتب آثارها الحقوقية على أطرافها، بحيث يكون كل منهم دائناًَ أو مديناً في وقت واحد، وقد يرغب أطراف العلاقة الحقوقية بنقل الحقوق والالتزامات إلى أشخاص آخرين ليسوا طرفاً في تلك العلاقة، والوسيلة القانونية هي الحوالة.
فالحوالة la cession لغة تعني التغيير والنقل من مكان إلى آخر أو من موضع إلى موضع، وأحال الشيء على فلان يعني أنه أسلمه له، وتحول عنه أي زال إلى غيره.
أما الحوالة في القانون فتعني نقل الحقوق والالتزامات من شخص إلى شخص آخر، حيث يحل الشخص الذي تمت الحوالة عليه محل الشخص المحيل في الالتزام دائناً أو مديناً.
هذا وقد أجاز الفقه الإسلامي من خلال مذاهبه إمكانية انتقال الحقوق والالتزامات عن طريق الحوالة، وإن كانت الأكثرية تشير إلى حوالة الدين دون حوالة الحق، أما المذهب الحنفي فقد أجاز حوالة الحق في حالتين هما هبة الدين، وبيع الدين.
وقد فرقت المذاهب بين نوعين من حوالة الدين هما الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة. فالحوالة المطلقة تتم برضاء أطراف ثلاثة هما الدائن والمدين والمحال عليه، أو برضاء الدائن والمحال عليه دون رضاء المدين. أما الحوالة المقيدة فتحتاج إلى رضا الأطراف الثلاثة حتماً.
أنواع الحوالة في التشريع الوضعي:
يميز التشريع الوضعي بين نوعين من الحوالة هما حوالة الحق، وحوالة الدين:
حوالة الحق
تعرف حوالة الحق بأنها عقد ينقل بموجبه الدائن ماله من حق على المدين إلى شخص ثالث يصبح دائناً محله فيسمى الدائن محيلاً، والمدين محالاً عليه، والشخص الثالث محالاً له.
ووفقاً لهذا المعنى فإن حوالة الحق تعدُّ عملاً من أعمال التصرف القانوني، فهي يمكن أن تكون بيعاً أو هبة وقد تكون وفاء لدين مترتب للمحال له بذمة المحيل.
1- شروط حوالة الحق: تخضع حوالة الحق للقواعد العامة التي تخضع لها العقود وفق النظرية العامة للالتزام من حيث أركانها وشروط صحتها، وسنقتصر هنا على بحث أحكامها الخاصة فهي الآتية:
أ - تتم حوالة الحق برضاء المحيل والمحال عليه: تخضع حوالة الحق لمبدأ الحرية التعاقدية، ولا يشترط لقيامها شكلٌ معينٌ إلا إذا كانت هبة عندئذ تحتاج إلى سند رسمي لصحتها، وفي جميع الأحوال فهي لا تكون نافذة بحق المدين إلا إذا قبلها بشكل صريح أو ضمني ولا يوجد شكل للقبول. فالقبول الصريح يكون بالتوقيع على سندها كشاهد، أو عن طريق الإقرار الشفوي أو بسند عادي أو رسمي. ويخضع القبول للقواعد العامة في الإثبات.أما القبول الضمني فيتم عن طريق قيام المدين بتسديد بعض الأقساط للمحال له.
وتكون الحوالة نافذة أيضاً بمجرد إعلام المدين المحال عليه بها والإعلام يتم بواسطة إعذار عن طريق الكاتب بالعدل[ر]، أو بواسطة بطاقة بريدية مكشوفة[ر]، أو عن طريق إبلاغه استدعاء الدعوى بالمطالبة بالدين، أو بإلقاء الحجز تحت يده وغير ذلك.
ب - يجب أن يكون الحق قابلاً للحوالة: يقضي المبدأ القانوني بأن جميع حقوق الدائنية قابلة للحوالة، إذ يكون كل حق قابل للتنازل أو التصرف أو الحجز قابلاً للحوالة، وعلى هذا فإن كل حق لا يقبل التصرف لا تجوز فيه الحوالة. فلا تصح حوالة الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان، ولا الحقوق التي يمتنع فيها على الدائن التنازل عنها بمقتضى القانون أو الاتفاق، ولا الحقوق العينية العقارية لأنها تكتسب وتنتقل بتسجيلها في السجل العقاري.
ج - يجب أن يكون الحق المحال به لا يزال قائماً: إذا كان حق الدائن قد انقضى لأحد أسباب الانقضاء قبل الحوالة فإن الحوالة لا تكون صحيحة.
2- الآثار المترتبة على حوالة الحق: يترتب على حوالة الحق نشوء آثار قانونية بين عدة أطراف هي:
أ - العلاقة بين المحيل والمحال له: ينتقل الحق المتنازل عنه إلى المحال له كاملاً وبجميع صفاته وملحقاته ودفوعه وضماناته من وقت إبرام عقد الحوالة، ويحل المحال له محل المحيل في الدائنية، ويلتزم المحيل ضمان عدم التعرض من أفعاله الشخصية، فلا يحق له بعد الحوالة أن يقوم بأي تصرف من شأنه الانتقاص من قيمة الحق أو من ضماناته، ولكنه لا يضمن للمحال له سوى وجود الدين في ذمة المحال عليه، إلا إذا تم الاتفاق على غير ذلك في عقد الحوالة، عندئذ يكون ملزماً بالوفاء بجميع ما وعد به في العقد.
ب - العلاقة بين المحال له والمحال عليه: يصبح المحال له دائناً مباشراً للمحال عليه من تاريخ القبول أو الإعلام بالحق المحال به، ومن ذلك التاريخ يمتنع على المحال عليه القيام بأي تصرف من شأنه الإضرار بالمحال له، ويتوجب عليه أن يدفع له الفوائد والأقساط ومع ذلك يستطيع المحال عليه أن يتمسك بمواجهة المحال له بجميع الدفوع التي كان يملكها في مواجهة المحيل، وبجميع الدفوع المستمدة من عقد الحوالة، فهو يستطيع أن يدفع بانقضاء الحوالة وببطلان الحق محلها، وببطلان عقد الحوالة أو قابليته للإبطال، أو الفسخ أو الإنفساخ، وبكل دفع آخر يترتب عليه عدم التزامه بالدفع.. الخ.
ج - العلاقة بين المحيل والمحال عليه: يبقى المحيل دائناً للمحال عليه قبل قبول هذا الأخير بالحوالة أو إعلامه بها من جميع الوجوه، أما بعد ذلك تنقطع الصلة القانونية بينهما، ويمتنع عليهما معاً أن يقوما بأي تصرف من شأنه إلحاق الضرر بالمحال له ويصبح المحيل من ذلك التاريخ شخصاً غريباً ليس له أي سلطة بمواجهة المحال عليه فيما يتعلق بالحق المحال به، وأن أي تصرف لا يكون نافذاً بمواجهة المحال له.
هـ - العلاقة بين المحال له والغير: يستطيع دائنو المحيل قبل قبول المحال عليه الحوالة أو إعلامه بها أن يحجزوا على الحق تحت يد هذا الأخير. أما بعد القبول أو الإعلام، لا يستطيع دائنو المحيل الحجز على الحق المحال به، لأن الحق أصبح للمحال له وأن مثل هذا الحجز، لا يكون نافذاً بمواجهة المحال له.
حوالة الدين
تعرف حوالة الدين بأنها عقد يلتزم بموجبه المدين بنقل دينه في التزام أصلي إلى شخص ثالث بتحمل وفاء الدين عنه. فيسمى المدين في الالتزام الأصلي محيلاً، والدائن محالاً له، والشخص الثالث محالاً عليه.
ووفقاً لهذا المعنى فإن حوالة الدين يمكن أن تكون بمقابل أو عملاً من أعمال التبرع أو الكفالة.
1- شروط حوالة الدين: تنشأ حوالة الدين بالعقد وتخضع في نشوئها وشروط صحتها إلى القواعد التي تخضع لها جميع العقود وفق النظرية العامة للالتزام، إضافة إلى الشروط الخاصة الآتية:
أ - تتم حوالة الدين بالرضا المتبادل بين المدين الأصلي والمحال عليه المدين الجديد: تخضع حوالة الدين لمبدأ سلطان الإدارة، ولا تحتاج إلى شكل معين لوجودها إلا إذا كانت على سبيل الهبة فعندئذ تحتاج إلى سند رسمي لصحتها.
ب - قبول الدائن لحوالة الدين: لا تقوم حوالة الدين إلا إذا قبلها الدائن الأصلي، وهي بذلك تختلف جوهرياً عن حوالة الحق لأن تغيير المدين الأصلي قد يلحق ضرراً بالغاً بالدائن، وبالتالي فإنها لا تقوم ولا يكون لها أثر قانوني ما لم يقبل بها المذكور. ويخضع القبول للقواعد العامة في الإثبات، ويمكن أن يكون صريحاً أو ضمنياً، ولا يخضع القبول إلى شكل معين. وإن مجرد الإعلام لا يكون كافياً، بل يعتبر عدم الرد على الإعلام بمثابة رفض للحوالة، ولا علاقة لقبول الدائن بحوالة الدين بنشوء عقد الحوالة، بل هو شرط لنفاذها بحقه.
ج - يجب وجود دين للدائن بذمة المدين المحيل: فلا تكون الحوالة صحيحة إذا لم يوجد دين مترتب للدائن بذمة المدين المحيل، أو إذا كان الدين موجوداً ولكنه انقضى قبل الحوالة، أو إذا كان الدين غير مشروع.
2- آثار حوالة الدين: يترتب على قيام عقد حوالة الدين نشوء مجموعة من العلاقات القانونية سواء بين الدائن والمحال عليه، أو بين المحيل والمحال عليه أو بين الدائن والمدين الأصلي (المحيل) وفق الآتي:
أ - علاقة الدائن بالمحال عليه: يحل المحال عليه محل المدين الأصلي في الالتزام بوفاء الدين من تاريخ إبرام عقد الحوالة إذا وافق الدائن عليها ويصبح المدين (المحيل) غريباً عن العلاقة التي كانت قائمة بينه وبين الدائن، وينتقل الدين نفسه بأوصافه وصفاته وضماناته إلى المحال عليه الذي أصبح ملزماً بوفاء الدين وملحقاته إلى الدائن، في موعد الاستحقاق، كما تنتقل الدفوع التي كان يستطيع أن يتمسك بها المدين بمواجهة الدائن إلى المحال عليه باعتباره خلفاً خاصاً له، ويستطيع أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة نفسه سواء تمت الحوالة بموافقة الدائن أو من دون موافقته، حيث يمكنه التمسك ببطلان العقد لعدم الرضا أو لوجود عيب فيه، أو عدم مشروعية السبب أو المحل.
ب - علاقة الدائن بالمدين الأصلي: تنقضي العلاقة التي كانت قائمة بينهما من تاريخ موافقة الدائن على الحوالة، ولا تبرأ ذمة المدين الأصلي إلا إذا كانت الحوالة مبرمة بين الدائن والمحال عليه، لأن المبدأ القانوني يقضي بأن يضمن المدين الأصلي يسار المحال عليه.
ج - علاقة المدين الأصلي بالمحال عليه: ينشأ عن عقد الحوالة التزام المحال عليه بوفاء الدين عن المحيل في موعد الاستحقاق، ولو لم يوافق الدائن على الحوالة، ولا يستطيع الدائن رفض الوفاء من غير المدين. أما بعد قبول الدائن بالحوالة تنشأ علاقة مباشرة بين الدائن والمحال عليه يفترض من خلالها أن المدين الأصلي قد أدى التزاماً للمحال عليه يعادل قيمة تلك الحوالة، أو أن المحال عليه أراد أن يتبرع بقيمتها للمدين الأصلي. وفي جميع الأحوال فإن التزام المحال عليه بدفع الدين للدائن نيابة عن المدين الأصلي يزول بزوال عقد الحوالة، ويحق للدائن في هذه الحالة أن يطالب المحال عليه أو المدين الأصلي أو كليهما معاً بالتعويض عما لحقه من ضرر، ما لم يثبت أنه لابد لهما في إبطال أو زوال عقد الحوالة.