◈♨◈ أنظمة الحكم Government forms ◈♨◈
تختلف أنظمة الحكم في المجتمع الدولي فيما بينها اختلافاً كبيراً وقلّما نجد دولتين متشابهتين كلياً في مؤسسات الحكم. وإذا كانت الدول أكبر في المساحة وأكثر في عدد السكان تتوسع دائرة الاهتمام الاجتماعي. يقتصر التقسيم العام لأنظمة الحكم على درجة تمثيل الإرادة الشعبية أو تفرض السلطة المطلقة فيجري الحديث عن نظام ديمقراطي بمعنى أن السلطة مسؤولة أمام برلمان منتخب، أو نظام مطلق بمعنى أن الحاكم يجمع بين يديه كل السلطات، أو نظام أرستقراطي بمعنى أن زمام السلطة يقع في أيدي صفوة من ذوي النفوذ سواء من حيث المال أو الجاه أو الملكية الإقطاعية، أو الخطوط الثقافية، وازداد هذا التقسيم تنوعاً، فأخذ في الحسبان الوظائف التي يفترض بالنظام أن يؤديها، والأشكال التي يسوس بها المجتمع، والغايات التي يبتغيها أو التي ينادي بها.
ومن جملة هذه الأنواع: الأنظمة الثيوقراطية (الدينية)، والبلوتوقراطية (حكم الأغنياء)، والأوتوقراطية (الحكم الفردي)، والمونوقراطية (الحكم الأسري) والكليبتوقراطية(حكم النخبة).
الثيوقراطية
هي النظام الذي يقوم في مجتمع يؤمن أنّ الحكم فيه منبثق عن الله، وأن السلطة التي يمارسها الرؤساء ووزراؤهم تجمع بين الزمني والروحي لذلك كانت قادرة على كل شيء محفوفة بالأبهة والعظمة، تنظم أحوال الحياة العامة والخاصة معها. فكانت المجتمعات في الأزمنة القديمة وعلى الأخص في الشرق، كما في مصر مثلاً مجتمعات كهنوتية توزع الأعمال الضرورية لديمومة المجتمع على الفصائل المختلفة للسكان بالتسلسل. ثم جاءت المسيحية ففصلت السلطة الروحية عن السلطة الزمنية وكأن إحداهما رقيبة على تصرفات الأخرى، لكن هذا الانفصال لم يكن في الحقيقة تاماً ولا شاملاً، وانتشر الحكم الثيوقراطي الذي يجتمع فيه الروحي والزمني في البلاد التي فتحها المسلمون، فيما كانت الكنيسة الكاثوليكية تعترف للأمير بحقوقه في التدخل في الشؤون الزمنية والخارجية وكأنه مطران لها خارج منطقة سيطرتها. أما باباوات القرون الوسطى فكانوا يتمسكون بالصلاحيات القضائية أيضاً فيصدرون الأحكام في المنازعات، ويحرمون من يحرمون من العفو الإلهي، ويعزلون الملوك ويتصرفون بما يقع تحت سيطرتهم من الأراضي.
وقد تقلصت هذه السلطات البابوية الواسعة بقيام عهد الإصلاح الديني الذي ازدادت فيه بالمقابل سلطة الملوك ورجال السياسة والتشريع فقامت الدولة المعاصرة.
تميز هذا الانتقال بإعلان الدولة المسيحية الاستقلال الذاتي للسلطة المدنية والاعتراف بحرية الضمير بالرغم من واجب الخضوع للكنيسة لدى مجتمعات اليونان ورومانيا وصربيا وبلغاريا، وما تزال بعض أثار الثيوقراطية ظاهرة حتى اليوم، كما في حكومة اللاما في التيبت وقد تكون كذلك في نظام المغرب.
وقد ظل نفر قليل من الكتاب والفلاسفة يشيدون بالنظام الثيوقراطي بعد أن كاد يندثر كما فعل جوزيف دومستر مؤلف كتاب البابا عام 1819م.
البلوتوقراطية
هي النظام الذي يدعو إلى وضع الحكم في يد أقلية من الصفوة المختارة التي تمتلك الملاءة اللازمة لإدارة شؤون الدولة فهي بذلك لا تختلف كثيراً عن النظام الأرستقراطي الذي يجعل السيادة، منذ كتابات أفلاطون وأرسطاطاليس بيد الأقلية المؤهلة فكرياً وأخلاقياً للحكم ومعرفة مصالح الجماهير. ومع الممارسة أضحت هذه الصفات نظرية فقط. إذ آل الحكم حيناً إلى الملكية أو إلى الاستبداد أو إلى تسلط الأطماع العسكرية على أداة الحكم.
الأوتوقراطية
هي من أنظمة الحكم التي لا تقوم فعلاً على تمثيل شعبي صحيح، بل على حكم فرد يتزعم المجتمع على نحو أو آخر، وينتهي بالإمساك بكل السلطات، زمنية وروحية على السواء، وكأن أكثر ما ينطبق ذلك عملياً على قياصرة الروس، علماً بأن التحدث عن نظام أوتوقراطي لا ينفي مطلقاً وجود قوانين، وكان تقنين القوانين في روسيا بالغاً أوجه في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، إلا أن الحاكم الفرد أو الزعيم أو القيصر كان لا يعترف عملياً بسلطة غير سلطته ويتدخل حتى في الشؤون العائدة للدين.
المونوقراطية
هي النظام الذي يشبه الملكية المطلقة تتركز السلطة فيه في فرد سيد سيادة غير محدودة ويخضع الناس فيه إلى حكمه خضوعاً كاملاً على مثل ما يذكر الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبس Hobbes الذي عاش بين سنتي 1588 و1679م في مؤلفه الشهير في «الخطاب عن أصول عدم المساواة بين الناس والأسس التي تستند إليها، ومفهوم السيادة، ثم بمؤلفه عن «المواطن والدولة العملاقة» Léviathan، وكان مناصراً للملكية المطلقة إبان الثورة الإنكليزية لكن ذلك لم يمنعه من قبول نظام كرومويل. وقد انتقد أفكاره هذه عدد من الفلاسفة والكتاب مثل ليبنتز Leibnitz وروسو وديدرو وكَنْت Kant. ويعزو كُتَّاب معاصرون إلى كتابات هوبس منشأ المجتمع البرجوازي لأنه يشيد بقدرات الفرد العقلية وباهتمامه بالمصلحة الشخصية، فيضعهما في أسس العقد الاجتماعي. والمونوقراطية في عرف هوبس هي حكم الفرد المطلق لا حكم الأفراد الذين تقيدهم القوانين والأعراف فهؤلاء يمكن أن يكونوا وزراء أو رؤساء وزراء يدبرون الأمور من خلال مجالسهم الوزارية، أما الحاكم الفرد فهو الذي يهتم «بالأمن العام للأمة»، بمعنى السيادة والطمأنينة والازدهار، ولهذا لا يمكن تسميته بالمستبد أو الظالم لأن العلاقة بينه وبين شعبه قد نشأت عن عقد، هو يتعهد فيه بالحفاظ على أمة الأمة. والأمة تتعهد بالطاعة التامة لأوامره، ويشبه ذلك ما يصفه المسلمون بحكم «المستبد العادل».
وانتشر هذا النظام في القرن السابع عشر والثامن عشر كما في فرنسا حيث مثلته أبلغ تمثيل شخصية لويس الرابع عشر ومقولته الشهيرة «الدولة هي أنا» وقد تفرع عن هذه الأبحاث نظرية الحق الإلهي أي إن حق مثل هؤلاء الملوك بالحكم المطلق أمر إلهي مكتوب لا جدال فيه وذلك لتسويغ الحكم الفردي.
ثم جاءت الثورات التي أرجعت السيادة إلى الشعب تكاد تمحو الحكم المونوقراطي من الوجود، لولا أن ظلت تظهر بين الفينة والفينة، في ظل اضطراب التوازن ونشوء بعض القلاقل الاجتماعية والدولية، نزعات هنا وهناك لإحياء النظام المونوقراطي المتهالك.
الكليبتوقراطية
مصطلح يطلق لا على نظام مقنن من أنظمة الحكم بقدر ما يحاول وصف نظام يعتوره الفساد من الداخل بسبب ضعف الحكم أو تسخيره للمصالح الفردية ولو بالخروج عن القوانين، أو عدم قدرته على تطبيق القانون أو عدم أهليته لذلك، بسبب انحرافه عن مبادئ العدل والديموقراطية. ترتدي مظاهر هذا الانحراف أردية مختلفة في كل منها افتئات على الصالح العام لمصلحة قلة من شبكات المنتفعين، وروابط الأهل والأقارب فيصبح الحكم متصفاً بالمحاباة، محاباة أداة الحكم لفريق من الناس تربطه بالحكام روابط المنفعة ولو كانت عن طرق غير مشروعة.