۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبوالليل

عضو جديد  عضو جديد
أبوالليل


الجنس : ذكر
العمر : 39
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 18/01/2012
عدد المساهمات : 42

⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟  Empty
مُساهمةموضوع: ⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟    ⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟  Icon_minitimeالثلاثاء 31 يناير 2012, 1:56 am


⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟


المرحلة الأولى : تلقي الصحابة للسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

تلقى المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث النبوي كما تلقوا القرآن الكريم ؛ فقد كان الحديث النبوي مادتهم لمعرفة ما خفي من القرآن الكريم ، مادتهم التطبيقية التي تتعلق بهم في جميع أمور حياتهم ؛ من عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وآداب .
ولهذا كان الصحابة حريصين عليه ، محبين له ، يتسابقون إلى مجالس رسولهم الكريم ، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم القوي ، وحبهم لرسولهم ، وقد كان يعسر على بعضهم حضور تلك المجالس ؛ لانشغالهم بشئون حياتهم الأخرى ، فكانوا يتناوبون مجالسه صلى الله عليه وسلم ، كما كان يفعل ذلك الفاروق عمر رضي الله عنه حين قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينزل يوما ، وأنزل يوما ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك .
ولقد كان الصحابة يحفظون الحديث ، ويكررونه بينهم وبين أنفسهم ، وكان منهم من يجزئ الليل ثلاثة أثلاث ، فثلث للصلاة ، وثلث للنوم ، وثلث يذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إنهم كانوا يتذاكرون فيما بينهم ما يسمعون منه صلى الله عليه وسلم حتى يحفظوه .
ولم ينحصر تلقي الصحابة للسنة في حضور مجالسه صلى الله عليه وسلم ؛ وإنما كان التلقي أيضا من خلال تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في وقائع وحوادث شاهدها صحابته ، فتلقوها عنه صلى الله عليه وسلم ، ونقلوها إلى من بعدهم من التابعين ، وهي تمثل جزءا كبيرا من السنة النبوية ، ولاسيما هديه في العبادات والمعاملات ، وسيرته عامة .
ومن هذه الحوادث ما كان يقع للرسول صلى الله عليه وسلم نفسه فيبين حكمها .
مثال ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما فسأله : كيف تبيع ؟ فأخبره ، فأوحي إليه : أدخل يدك فيه ، فأدخل يده ، فإذا هو مبلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ليس منا من غش ) ) .
ومنها ما كان يقع للمسلمين فيسألونه صلى الله عليه وسلم عن حكمها ، ومن هذه الحوادث ما يتناول خصوصيات السائل نفسه ، ومنها ما يتعلق بغيره ، بل إنه صلى الله عليه وسلم قد يسمع أو يرى أحد الصحابة يخطئ فيصحح له خطأه ، وقد يختلف اثنان من الصحابة في مسألة من المسائل فيرجعان إليه ؛ ليفصل بينهما مبينا لهما الحكم الصحيح .

المرحلة الثانية : احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث ، وتثبتهم في قبوله بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبق لنا أن رأينا كيف حرص الصحابة على تلقي السنة والتمسك بها ، واقتدائهم برسولهم الكريم ، وقد سار التابعون سير الصحابة في هذا الاقتداء .
غير أن هؤلاء وأولئك في الوقت نفسه احتاطوا في قبول الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتثبتوا في قبول الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم ؛ خشية الوقوع في الخطأ ، وخوفا من أن يتسرب إلى السنة بعض التحريف وهي مصدر التشريع الثاني ، ولهذا اعتدلوا في الرواية ، احتراما للحديث ، لا زهدا فيه ، وكانوا حين يروون الأحاديث يتحرون الدقة عند الأداء ، واشتهر من بين الصحابة من كان ينكر على من يكثر الرواية ؛ كعمر بن الخطاب ، بل إن بعض الصحابة من كانت تأخذه رعدة ، ويقشعر جلده ويتغير لونه حين يروي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن الصحابة لم يسلكوا هذا الطريق لأن الحديث لديهم قليل ، بل فعلوا ذلك احتياطا وحرصا على السنة ؛ ذلك لأن كثرة الرواية مظنة الوقوع في الخطأ .
ولقد التزم الصحابة منهاج عمر في التقليل من الرواية مع كثرة تحملهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فها هو ذا أنس بن مالك يقول : لولا أني أخشى أن أخطئ لحدثتك بأشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا حدث حديثا عن رسول الله ، وفرغ منه قال : أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد روي عنه أنه قال : إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال Sad ( من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار ) ) .
وذكر السائب بن يزيد أنه صحب سعد بن أبي وقاص من المدينة إلى مكة ، قال : فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا حتى رجع .
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قال : قلت للزبير بن العوام : مالي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود ، وفلانا ، وفلانا ؟ قال : أما إني لم أفارقه منذ أسلمت ، ولكني سمعت منه كلمة ، يقول : ( ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) ) .
وفي رواية : سمعته يقول : ( ( من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ) ) .
وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال : قلنا لزيد بن أرقم : حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كبرنا ونسينا ، والحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم شديد .
ومن كل ما سبق يتضح لنا جليا كيف كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشددون في رواية الحديث ؛ كراهة التحريف أو الوقوع في الخطأ أو رواية ما لم يقله صلى الله عليه وسلم ، وقد نهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، أضف إلى ذلك أن تشدد الصحابة - وبخاصة في زمن عمر - إلى جانب أنه كان للمحافظة على السنة ؛ خشية الوقوع في الخطأ ، أو تسرب الدس إلى الحديث الشريف من الكذابين وأصحاب الأهواء ، أو حمل الحديث على غير وجه الحق والصواب ، فقد كان أيضا للمحافظة على القرآن الكريم ؛ خشية أن يشتغل الناس برواية الحديث ، ويتركوا القرآن وهو المصدر الأول لهذا الدين .
وإلى جانب ما كان من الصحابة ومن بعدهم من التابعين في الاحتياط في الرواية ، فقد كانوا يتثبتون في قبول الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبلوا ما يروى لهم إلا إذا اطمأنوا إليه ، وكان لهم في ذلك طرق ومناهج مختلفة ، فمنهم من لا يقبل الحديث إلا إذا شهد اثنان أنهما سمعاه منه صلى الله عليه وسلم كأبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب .
ومن الأمثلة على تثبت الصحابة في قبول الحديث :
المثال الأول :
ما رواه ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث ، فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شيئا ، ثم سأل الناس ، فقام المغيرة فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ، فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك ، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه .
المثال الثاني :
ما رواه الإمام البخاري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى الأشعري كأنه مذعور ، فقال : استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت ، فقال : ما منعك ؟ قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) ) ، فقال : والله لتقيمن عليه بينة ، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبي بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم ، فكنت أصغر القوم ، فقمت معه ، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ، فقال عمر لأبي موسى : أما إني لم أتهمك ، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كذلك ومن الصحابة من كان يستحلف الراوي للحديث أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، كعلي بن أبي طالب ، فقد قال رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر ، حدثني ، وصدق أبو بكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ( ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ ، فيحسن الوضوء ، ويصلي ركعتين ، فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له ) ) .
هكذا في سبيل الاحتياط للسنة احتاط الصحابة في قبول الحديث ، واختاروا لأنفسهم مناهج يسيرون عليها ، غير أنهم لم يشترطوا لقبول الرواية السير على هذا النهج دائما وأبدا ، فنجد من كانوا يتثبتون باستحلاف الرواة قبلوا أحاديث كثيرة دون استحلاف ، ويدل على ذلك قول علي رضي الله عنه في الرواية السابقة : وإن أبا بكر حدثني ، وصدق أبو بكر ؛ فيدل ذلك على أنه كان يقبل رواية أبي بكر دون استحلاف ، كما أنه رضي الله عنه عمل برواية المقداد بن الأسود في حكم المذي دون استحلافه .
كذلك لم يكن التابعون وأتباعهم أقل اهتماما من الصحابة في الاحتياط عند قبول الرواية ، فكانوا يتثبتون من الراوي ، حتى يستوثقوا منه وتطمئن قلوبهم ؛ لأنهم كانوا يرون الحديث دينا يجب النظر عمن يكون أخذه ، كما أوصاهم بذلك من سبقهم من الصحابة وكبار التابعين ، فقد كان ابن عون مثلا يقول : لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب .
وروي عن سليمان بن موسى أنه لقي طاووسا فقال له : إن رجلا حدثني بكيت وكيت ، فقال له : إن كان مليا فخذه منه .
وعلى مثل هذا كان يسير التابعون وتابعوهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبوالليل

عضو جديد  عضو جديد
أبوالليل


الجنس : ذكر
العمر : 39
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 18/01/2012
عدد المساهمات : 42

⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟    ⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟  Icon_minitimeالثلاثاء 31 يناير 2012, 1:57 am



المرحلة الثالثة : تدوين الحديث في عهد الصحابة والتابعين
على الرغم مما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الترخيص بالكتابة وإباحته لبعض الصحابة بتدوين الحديث ، وعلى الرغم مما كتب من كتب وصحف في عهده كانت بناء على إذنه العام في آواخر أيامه ، إلا أن الصحابة بوجه عام نراهم قد أحجموا عن الكتابة في عهد الخلافة الراشدة ؛ احتياطا منهم وحرصا على سلامة القرآن الكريم والسنة النبوية من الاشتباه ، فقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلب كثيرا . . . فلما أصبح قال : أي بنية ، هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فحرقها .
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكر في جمع السنة ، لكنه عدل عن ذلك فعن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب النبي في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له ، فقال : إني كنت أريد أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم ، كتبوا كتبا ، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا وفي رواية ، من طريق مالك بن أنس ، أن عمر قال عندما عدل عن كتابة السنة : لا كتاب مع كتاب الله .
فعمر كان يخشى من إقدامه على كتابة السنة أن ينكب الناس على دراسة غير القرآن ، أو يتخذوا كتابا مع كتاب الله ، غير أننا نرى عمر بعد ذلك ، وحينما يأمن حفظ القرآن يكتب بشيء من السنة إلى عماله وأصحابه
فعن أبي عثمان النهدي قال : كنا مع عتبة بن فرقد ، فكتب إليه عمر بأشياء يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال علي بن أبي طالب خطيبا : أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه ، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم .
كما روي عن عبد الله بن مسعود كراهيته لكتابة الحديث ، وكذلك روي عن أبي سعيد الخدري ، وعبد الله بن عمر ، وأبي موسى الأشعري ، وغيرهم .
غير أن إحجام هؤلاء الصحابة عن الكتابة لم يدل على إهمالهم للسنة ومذاكرتها أو تدوينها عند زوال مانع الكراهة ، حيث ثبت بعدها عن كثير من الصحابة الحث على كتابة الحديث ، أو على الأقل استباحة تدوينه بعد أن زالت أسباب الكراهة ، بل إن عمر نفسه الذي هم بجمع السنن ، لم يكن يشك في جواز الكتابة ، وإلا لما هم بفعل شيء منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن إحجام عمر إنما كان لمانع يقتضي التريث في التدوين والجمع ؛ ولذلك رأيناه يكتب بنفسه حين يأمن اللبس ، ويثق بمن يكتب له ، وربما سمع الفاروق بكتابة الحديث بعد أن رأى حفظ الأمة لكتاب الله تعالى ، ورأى جمعه في المصحف الشريف ، ويشهد لقولنا هذا قول عمر رضي الله عنه : قيدوا العلم بالكتاب .
كذلك فإن أبا بكر الصديق كتب إلى أنس بن مالك فرائض الصدقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد سبق لنا ذكر خبر صحيفة علي بن أبي طالب التي كانت تحتوي على أسنان الإبل ، وشيء من الجراحات .
ولقد نهج التابعون نهج الصحابة الذين تلقوا عنهم ، فمن الطبيعي أن تتفق آراء من سبقوهم من الصحابة حول حكم التدوين ، فالأسباب التي حملت صحابة رسول الله على كراهة الكتابة ، والعزوف عنها ، في كثير من الأحيان ، هي نفسها التي حملت التابعين عليها ، ومن هنا فقد كره الجميع الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة ، أما عند زوالها فالجميع يستبيحونها .
ولقد زادت كراهية التابعين للكتابة حينما اشتهر بينهم تدوين آرائهم الشخصية إلى جانب الحديث ، فخافوا الالتباس ، ومن هنا كرهوا الكتابة ؛ خشية أن تختلط آراؤهم بالحديث الشريف ، فهم إذا كرهوا أن تدون آراؤهم فتؤخذ مأخذ الحديث .
الرحلة في طلب الحديث :
مما لا ريب فيه أن الحديث نشأ نشأته الأولى في المدينة المنورة ، حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقونه منه صلى الله عليه وسلم ويتناقلونه فيما بينهم ، ويلقنونه التابعين بعد ذلك ، وظلت رحاب المدينة المنورة مقدسة عند طالبي الحديث ورواته ، حتى إن أبناء الأقاليم الأخرى كانوا إذا حجوا بيت الله الحرام ، وأتموا شعائرهم ، ولوا وجوههم شطر المدينة يسمعون الحديث من أهلها ، بل إن بعض الأئمة كان لا يرى بأسا في الاعتراف بأنه حج بيت الله ابتغاء سماع الحديث من محدثي الحجاز ، وإذا كان أهل المدينة قد تفردوا برواية أكثر الأحاديث ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بينهم يسمعهم أقواله ويريهم أفعاله ، يتأسون به في الصغير والكبير ؛ فإن بعض الأقاليم الأخرى بدأت تتفرد هي الأخرى برواية بعض الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم ، ثم تشتهر بعدها على ألسنة رواتها في كثير من الأقاليم والبلدان الأخرى ، ومن هنا كانت الرحلة في طلب الحديث ، حيث لم يكن للرواة أن يقتنعوا بأخذ الحديث من أهل بلدهم ، أو بأخذه من المدينة وحدها .
كذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم بعد عهد عمر توزعوا في الأمصار ، ونقلوا في صدورهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان لابد لمن أراد أن يجمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أن ينتقل من بلد إلى آخر ، ويسمع من الصحابة الذين سمعوا منه صلى الله عليه وسلم ورأوه وأخذوا الأحكام عنه ، ولقد كان هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يشجعون على الرحلة من أجل الحديث ، وطلب العلم بوجه عام :
من هذا ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله تعالى مني تبلغه الإبل لأتيته .
ومما يروى في حب صحابة رسول الله للارتحال من أجل طلب الحديث والتحقق من صحته ، ما حدث به عطاء بن أبي رباح ، قال : خرج أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر ، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة ، فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو أمير مصر فأخبره فعجل عليه ، فخرج إليه فعانقه ، ثم قال له : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله ، قال : فبعث معه ، فقال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغيرك في ستر المؤمن ، قال عقبة : نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية ، ستره الله يوم القيامة " . فقال له أبو أيوب : صدقت ، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة .
وكان الصحابي الجليل ، جابر بن عبد الله قد ابتاع بعيرا ، فشد عليه رحله ، وسار شهرا حتى قدم الشام ؛ ليسأل عبد الله بن أنيس عن حديث في القصاص .
وعلى هذا النهج ، وبمثل هذا النشاط في الرحلة في طلب الحديث كان التابعون ، فقد روي عن سعيد بن المسيب قوله : إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد .
ويروى عن كثير بن قيس أنه قال : كنت جالسا عند أبي الدرداء ، في مسجد دمشق ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا الدرداء أتيتك من المدينة ، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فما جاء بك ، تجارة ؟ قال : لا . قال : ولا جاء بك غيره ؟ ! قال لا . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) ) .
ويروى عن مسروق أنه كان كثير الترحال ، حتى قال عنه عامر الشعبي : ما علمت أن أحدا من الناس كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق . كما روي عن الشعبي أنه حدث بحديث ، ثم قال لمن حدثه : أعطيتكه بغير شيء ، وإن كان الراكب ليركب إلى المدينة فيما دونه .
هكذا كان العلماء يشجعون على الرحلة في طلب العلم ، ولقد كانت لهم رحلات كثيرة لا يتسنى لنا ذكرها لكثرتها ، ويكفي أن نذكر في هذا المقام ما كان لهذه الرحلات من فوائد ذات أثر بعيد في التحقق من الرواة ، فبظل الرحلة يرى الراوي من يروي عنه ويقف على كثير من سيرته وأحواله ، وكل ذلك يتم عن طريق سؤال أهل بلده والمخالطين له ، وكانت هذه الأسئلة تتسم بالتشدد ، حتى ليقال لهم : أتريدون أن تزوجوه ؟
كذلك كان من فوائد هذه الرحلات معرفة طرق كثيرة للحديث الواحد ؛ إذ يسمع الراوي من علماء البلد الذي رحل إليه ، ما لم يسمع في بلده من زيادات في الحديث ، أو تعارض في طرق الحديث الواحد ، وما إلى ذلك .
كذلك كان من فوائدها التثبت من الحديث ونشره وجمعه ، فقد ساعدت على المحافظة على السنة وجمعها بلا شك ، فأصبحت السنة في الأقاليم المختلفة أشبه بالسنة في الإقليم الواحد ؛ لتقارب عباراتها شيئا فشيئا حتى خيل إلى سامعها أنها رواية إقليم واحد .
وهكذا تعددت مراكز الحديث ومجالسه ، وشهدت الأقاليم البعيدة ، ما شهدته مكة والمدينة من نشاط علمي على يدي الصحابة ، ثم التابعين ، ومن جاء بعدهم .



المرحلة الرابعة : التدوين الرسمي للحديث
لقد دفعت الخشية من ضياع الحديث وذهاب أهله الخليفة عمر بن عبد العزيز للعمل على تدوين السنة رسميا ، كما أن ظهور الوضع في الحديث بسبب الخلافات السياسية والمذهبية كان عاملا آخر وراء تدوين السنة ، والذي ساعد على ذلك كله هو نشاط التابعين في ذلك الوقت ، وإجازتهم للكتابة بعد زوال الأسباب المانعة منها ، فحرص العلماء على سلامة الحديث من أن يدرس ويذهب بذهاب أهله ، لا يقل عن حرصهم على سلامته من الكذب والاختلاق .
كان هذان العاملان من أهم العوامل التي دفعت العلماء إلى خدمة السنة وكتابتها ، وقد دعا الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى جمعها وتدوينها رسميا ، حيث كتب إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه . وكتب إلى أهل المدينة : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه ، فإني خفت دروس العلم بذهاب أهله .
وجاء في كتابه إلى عامله على المدينة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم : اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبحديث عمرة فإني خشيت دروس العلم وذهابه .
كما أن هذا الخليفة أمر ابن شهاب الزهري وغيره بجمع السنن ، وهو أحد الأعلام الذين كتبوا السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبهم العلم ، في حين أن بعض علماء عصره كان لا يكتب سوى الحلال والحرام ، ويشهد لهذا قول أبي الزناد : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان ابن شهاب يكتب كل ما يسمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس .
وها هو ابن شهاب يقول : أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن ، فكتبناها دفترا دفترا ، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا .
ولم يقتصر جهد عمر بن عبد العزيز في جمع السنن على أمر من أمرهم من العلماء بجمع الحديث ، وإنما أرسل كذلك كتبا إلى الأمصار يحث المسئولين فيها على تشجيع العلماء على دراسة السنة وإحيائها ، كما جعل لأهل العلم نصيبا من بيت المال يسد حاجاتهم الحياتية ؛ كي يتمكنوا من التفرغ للعلم وجمع الحديث ، ثم نشره .
مما سبق نفهم أن التدوين الرسمي للحديث بدأ عند خلافة عمر بن عبد العزيز ، وبطلب منه ، وهذا لا ينفي تقييد الحديث قبل زمن عمر ، فقد كان تقييد الحديث وحفظه في الصحف وعلى الرقاع والعظام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لم يكن التقييد على هذه الصورة منقطعا ، كما مر بنا .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
⋞⊙❣⊙⋟ مراحل تدوين الحديث الشريف ⋞⊙❣⊙⋟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ السنة النبوية الشريفة ۩-
انتقل الى: