-الفضائيات: أن ذكر بداية وتطور الفضائيات كحصون فضائية تسبح في السماء،يمكن أن يكون تعريفيا كافيا لها.
لقد كان التقدم في صناعة وإطلاق الصواريخ فاتحة عهد لبداية البث الفضائي والقدرة على حمل الأقمار الصناعية المختلفة.فمن المعلوم ان الفضائيات كغيرها من آليات المعلوماتية، والتقنيات المتسارعة في التطور ، وفي الوقت الذي باتت تختصر المسافات وتقرب البعيد عبر الحدود، فأنها تعولم الحياة الخاصة وتكسر خصوصية الأفراد وتقوم بتمنيط السلوك والتوقعات وتخلق تركيبية إنسانية منجذبة لكل المواد المبثوثة عبر هذه الآليات ،وبشي لا يقبل فالفضائيات أصبحت سلاح نحارب به من قبل الغرب.
فالإعلام الغربي الذي كان قبل خمسين سنة ضئيل الفاعلية في تأثيره على المجتمعات العربية وقضاياه،فأن ثورة المعلومات قد جعلت منه اليوم وسيلة تفوق بقدرتها على الزعزعة والإضرار قدرة الجيوش،بل ولعلها من أمضى الأسلحة لقابليتها الكبيرة على خلب لب المشاهد ،وسهوله الحط من قيمه عند التلاعب به من خلال عرض العالم أمامه بكل دقائقه.
2-التغير الإجتماعي:من الممكن ان الاصطلاح دالا معرفا لنفسه وبحد ذاته ، إلا أننا سنتطرق لتعريف التغير الاجتماعي ،حيث يتم تعريفه بأنه التحول التلقائي أو المخطط الذي يطرأ على النية التحتية والفوقية للمجتمع،إذ تتحول هذه من نمط بسيط إلى نمط معقد ومتشعب يتماشى مع طموحات وأهداف النظام الإجتماعي.وحقيقة أن دخول الفضائيات قد حمل معه تغيير مقصود للمجتمع في بناءه ووظائفه ومعتقداته وقيمه وأفكاره،فمنه ما زاد في تطور وتقدم المجتمع ومستمر في ذلك ،والآخر زاد من إعاقة وهدم بنى المجتمع وتمزيق وتغريب قيمه وثقافته،وذلك مناطا بالطريقة الآلية التي تم التعامل بها في إستقبال الخطاب الفضائي.
المحور الثاني
تغيير بنائي وظيفي: قد يكون كلامنا فيه نوع من الإجحاف بحق آلية البث الفضائي عند ذكر سلبياتها والمتعلقة بالإستخدام السيئ لها،دون التعرض لما جلبته الفضائيات من فتح آفاق رحبة وواسعة قد زادت من المعرفة الإنسانية والاطلاع عن كثب على العالم،لمن تجاوز الوقوع في مخاطرها وأدرك كيفية التعامل معها لجني الارباح منها دون تكبد الخسائر، حيث بابتت لها أهمية كبرى بعد أن تجاوزت الحدود ودخلت البيوت بدون إستئذان تتمثل في تحقيق التنمية والتعليم وسرعة إيصال المعلومات إلى المناطق النائية والمعزولة.
لقد حققت الفضائيات العربية أهمية كبيرة لا يستهان بها ،فقد ربطت المغتربين العرب عموما بوطنهم الكبير ،كما أسهمت في رأب التصدع الذي أصيبت به مؤسسات العمل العربي المشترك إضافة الى تحسين الصورة التي رسمتها الصهيونية عن العرب والمسلمين في دول أوروبا والولايات المتحدة الامريكية ونعت الإسلام بالإرهاب والجمود والتخلف من قبل الإعلام الغربي.
المحور الثالث
التغيير القيمي:
لا يقتصر الأمر في ما تتركه الفضائيات من سلبيات تعمل على تغيير البناء والوظائف للبناء الاجتماعي وإنما تساهم وبشكل جدي في تغير ما هواهم في المجتمعات العربية وهو تغير الإرث القيمي واستدخال الأفكار والقيم المستوردة عليه وهي التي لا تتوافق مع التراث العربي والدين الاسلامي .كما ان هناك فرق بين ان يكون لكل مجتمع قناته التلفزيونية الوطنية الخاصة به وبين أن تشترك جميع المجتمعات بشبكة واحدة متعددة الأطراف من البث التلفزيوني العابر لكل الحواجز والفواصل والقناة الوطنية ممكن أن تكون موجهة لخدمة البلد نفسه ومحاطة بالرقابة التي تحول دون المساس بتقاليد البلد وتراثه ودون الإخلال بقيم وثقافة النشأ فيها.
إن المناخ الثقافي السائد في المجتمع العربي يعد من الظروف المهيأة للتأثر بالبرامج الوافدة من الفضاء ، فبات المجتمع العربي أكثر من أية وقت مضى مهيأ لاستقبال هذه البرامج والتأثر والانخراط مع ما تجلبه هذه البرامج سواء أكان مفيد
أو ضار .لقد جاءتنا الفضائيات وكنتيجة لعدم الاستخدام المناسب لها بعدة سلبيات ممكن أن تحطم بناءات وثقافة المجتمع العربي منها:
1-نشر ثقافة الإباحية :لقد أصبح الإعلام المبثوث فضائيا في بعض بلداننا نسخة للإعلام الغربي ،حيث لا نجد في بعض معلوماته غير المتابعات السطحية وبرامج اللهو الخليع التي تزيد في سطحية التفكير وضآلة العقل وتحرفه عن التفكير في أساسيات الحياة وبالتالي تقتل روح المعرفة والعلم و الإبداع والمسؤولية وتحوله إلى فرد غير مسئول عن أفعاله وغير مبال بالقيم والإرث الديني الإسلامي والأخلاق .فاليوم نرى أن العديد من القنوات منها العربية التي بدأت تتسابق على إرضاء الجمهور العربي وخاصة الشباب واجتذابه لهم بأية صورة من خلال بث المواد التي تتعارض مع التنشئة الاجتماعية العربية وخاصة البرامج المحملة بفنون الإثارة الجنسية والغريزية والتي قد لا نجدها حتى في القنوات الأجنبية.
ان المواد الإباحية منتشرة في الكثير من القنوات الفضائية بدءا من المحطات المخصصة فقد لبث ثقافة الجنس الفاضحة وإنتهاءا ببعض القنوات العربية التي بدأت بتطعيم موادها بكل ما يخدش الحياء وخاصة في ما يتعلق بصور الفيديو كليب الخاص بالأغاني التي تعرض صور شبه عارية للمطربات ومجاميع الرقص فيها ، وكذلك البرامج الكثيرة التي تثير الجنس وتشجعه ومنها برنامج (ستار أكاديمي )المشئوم غيره.
2-نشر ثقافة الشعور بالنقص:من المؤكد أن الحال التي عليها المجتمع العربي ومع هذا التلقي السلبي لكل ما يفد من الخارج من المواد الإعلامية له أثر في تحديد البون الشاسع بين ثقافتنا وثقافة الغرب ،فالفرد العربي بات ينبهر بكل ما يأتيه من الخارج عن طريق ما يشاهده عبر الفضائيات والإعلام الغربي يستهدف في ذلك إشعار العرب بالنقص والعجز تجاه الغرب وآلياته المتطورة والهائلة.
أن البث الوافد من الفضاء يطمح إلى عرض الحياة الغربية بصورة إيجابية على جميع المجتمعات الأخرى والغرض من ذلك خلق حالة من الإعجاب والانبهار والشعور بعدم القدرة على المواكبة لدى كل فرد يتعرض لمشاهدتها إذ أن هذه البرامج تتمتع بقدرة من الجاذبية التي من الممكن أن تصرف الفرد عن متابعة البرامج الوطنية والتحمس لمشاهدة كل ما هو عالمي ،فتصور الحياة الغربية على شكل مدينة فاضلة محببة لدى الجميع .
3-نشر ثقافة العنف :وقد بدت هذه الثقافة واضحة من خلال تجسيدها في بعض المواد المعروضة في الفضائيات ،فهناك العديد من الأفلام التي تحمل في طياتها العنف والذي من الممكن أن يؤثر وبشكل كبير على المشاهد وخاصة المنهمك بكثرة المشاهدة لأفلام العنف ،وحتى برامج الأطفال وأفلام الكرتون فهي لا تخلو من العنف الذي ينقل صورة مشوشة مملوءة بالعنف والأفعال السلوكية العنيفة والتي من المؤكد أن الطفل يحاول نقلها إلى محيطه الذي هو فيه .تدل الإحصائيات الأخيرة التي أجريت في أستراليا ،أن 39%من الأحداث المنحرفين قد اقتبسوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج العدوانية العنيفة .
4- نشر ثقافة الاستهلاك :أن الاطلاع بشكل غير مناسب والتأثر بما يعرض على القنوات الفضائية له أثر كبير في ازدياد حدة الاستهلاك وخاصة في ما تلعبه الإعلانات والدعايات من دور مؤثر في ذلك،فالفرد يحاول أن يصل إلى مستوى ما يراه عبر هذه الفضائيات ،فليجأ إلى الإسراف المبالغ به دون ترتيب منطقي لاحتياجاته .
5- نشر الثقافة المضادة للقيم الإسلامية :بلا شك وجود المواد الإباحية والمواد التي تحرض على العنف والاستهلاك والشعور بالنقص ستؤدي إلى إضعاف المعتقدات الدينية وتشويهها.
إن انغماس الفرد في مشاهدة كل هذه المواد لهو كفيل بابتعاده عن قيمه وموروثاته الدينية التي تمثل نقيضا لما يطلع عليه.فالفضائيات اليوم وفي أغلبها تهدف إلى زعزعة الدين الإسلامي ونشر المواد اللااخلاقية والهادفة الى إلغاء الهوية المسلمة لهودليل على ذلك .
6- نشر ثقافة القوة :حيث تحاول العديد من القنوات الغربية وقلة من القنوات العربية المتآمرة من إبراز أن القوة في يد طرف واحد متمثل في أميركا ،وذلك من خلال قيام الفضائيات بعرض مظاهر التسلح والقوة الأمريكية وبعض الحروب التي قامت بها وقدرتها على الصناعات العسكرية واجتماعات مجالسها السياسية والترويج الإعلاني الكبير لها .
المحور الرابع
كيفية تلافي سلبيات الفضائيات وإعداد العدة لها :
ان وضع آلية عمل أو إستراتيجية مناسبة لمنع سلبيات الفضائيات قد لا تكون مجدية ،ما لم نكن نحن جادين فعلا في لجم شهوات أنفسنا ونتحكم بالعقل والمنطق بما يرد إلينا منها.وحتى نتلافى هذه السلبيات والتي بات نشوئها وتغلغلها في بناءاتها الاجتماعية والقيمية هو رهن بتقلبنا المناسب أو غير المناسب لها ،لذا يجب علينا أن نحدد بعض الظواهر الجوهرية والتي من الممكن ان تكون مرتكزات أساسية لتجنب مخاطر الفضائيات ومنها:
1-يجب تحصين النفس ذاتيا :من خلال الوعي جيدا بما هو قادم عبر الفضائيات ،والتنبه إلى ما تحمله في طياتها من سموم غربية ،لذايجب ان يكون لدينا عينا فاحصة تميز الغث من السمين فيها.
2-أن للأسرة دور كبير في عملية ضبط أفرادها ومراقبتهم في ما يشاهدونه من برامج الفضائيات وحثهم على متابعة ما هو مفيد ومثمر ونبذ كل ضار .
3--لا بد من تشجيع التواصل العاطفي والنفسي بين الأسرة الواحدة ،إذ أن الحل لايمكن ان يكون في البعد عن الفضائيات نهائيا.
4-ضرورة اللجوء إلى التراث العربي الإسلامي باعتباره مصدرا ثريا لمواجهة تحديات وإفرازات العولمة وعاملا مساعدا لتشكيل تجانس ذهني وروحي بين شباب الأمة .
وفي الختام ان الغور في أعماق ما تجلبه الفضائيات من أثار سلبية على مجتمعاتنا العربية إذا لم نحسن التعامل معها يمكن أن تعري مساوئنا الكثيرة والتي نحن في بعض الأحيان نداري عليها حتى لا تطفو إلى السطح.