الاسره عماد المجتمع
الاسره ....المجتمع ...المسؤليه ....الزواج .... الشرع
أجمع علماء الاجتماع على أن الأسرة عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أُسس ودعائم قوية، استقرت أحوال المجتمع، وتوطدت أركانه، فإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلاف أشكالها، اضطربت حياة المجتمع واختل توازنه.
وقد عُني الإسلام بالزواج عناية خاصة تفوق عنايته بأية علاقة إنسانية أخرى، ويبدو ذلك في كل ما عرض له الإسلام من مسائل الأسرة، ابتداءً بالخطبة وانتهاءً بالطلاق عند الضرورة.
يقول د. محمد الدسوقي في كتابه "دعائم العقيدة في الإسلام": لما كان الزواج أساس بناء الأسرة، ولا يمكن أن تقوم أسرة دون زواج شرعي، وجب أن يقوم الزواج على الرغبة والاختيار والرضا المشترك.
وفي كتابه "زاد المعاد" قال ابن قَيِّم الجوزية - رحمه الله -: إنِّ البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من ملكها إلا برضاها، فكيف يجوز له أن يتصرف فيها هي دون رضاها، ومعلوم إن إخراج مالها بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تريد.
وتأكيدًا لحرص الإسلام على أن تقوم الأسرة على أساس راسخ من الرغبة الصادقة كانت الخطبة مرحلة تمهيدية تسبق عقد الزواج؛ بحيث إذا آنس كل من الرجل والمرأة في هذه المرحلة من نفسه الاطمئنان إلى شريك حياته، ورفيق عمره قام عقد الزواج على دعامة متينة تُرجى معها العشرة الحسنة الدائمة.
وإذا كان الرضا والرغبة دعامتين هامتين في بناء الأسرة، فإن الدِّين والخُلق أهم دعائم هذا البناء، وأساسه المتين؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، تربت يداك))؛ رواه الشيخان.
ولأهمية الأسرة وأثرها في المجتمع وجهت الأديان السماوية نحوها قدرًا كبيرًا من العناية والرعاية، ولذا جاء الإسلام بالمبادئ والدعائم التي تنظّم الأسرة، وتنفي عنها شوائب الضَّعف والاضطراب، وتكفل لها حياة الاستقرار.
وقد أكد - عليه الصلاة والسلام - في بعض أحاديثه أن الاهتمام بأعراض الدنيا الفانية في الزواج مجلبة للشقاء والتعاسة؛ حيث يقول - عليه السلام -: ((لا تزوجوا النساء لحُسنهنَّ، فعسى حُسنهنَّ أن يُرديهنَّ، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهنَّ، ولكن تزوجوهن على الدِّين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل))؛ رواه ابن ماجه.
إنّ الإسلام يريد من المؤمنين به أن يكونوا ذوي قيم سامية يحرصون عليها ويدعون إليها، وهذه القيم مردها إلى الكتاب والسُّنَّة، ولهذا يحض المؤمنين على أن يكون الدِّين والخُلق قوام الحياة الزوجية.
والملاحظ أن:
الأسرة في ظل الحضارة المادية المعاصرة فَقَدتِ القيم الإنسانية، وأمست العلاقة الزوجية صورة من الشركة التجارية إلى حد كبير، فلم تعد الأسرة بيئة تفيض بمشاعر الحب والحنان والمودة والتآلف.
إنّ أخص ما يميز الأسرة المسلمة هو ترابط أفرادها الوثيق، فالعلاقة بين الزوج والزوجة، وبينها وبين الأبناء علاقة حميمة تقوم على المعاني الإنسانية والقيم الرفيعة، سكن روحي ووجداني، ومودة ورحمة، قال - سبحانه وتعالى -: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
إنَّ القوامة لا تعني سيطرة الرجل أو استعلاءه وإذلال المرأة وامتهانها، ولكنها وظيفة داخل كيان الأسرة؛ لإدارة المجتمع الصغير ورعايته وحمايته، والرجل بما منحه الله من قدرات وطاقات، وبما فرض عليه من أعباء ومسؤوليات أقدر على القيام بهذه الوظيفة؛ قال - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
فهي المسؤولية؛ لتوافر أسبابها من الكفاءة والبذل والإنفاق، فليست القوامة سبيلاً لإلغاء شخصية المرأة في البيت أو المجتمع، فالنساء شقائق الرجال.
والأمر بالإحسان إلى الوالدين، وتوجيه الآباء نحو ما ينبغي عليهم قبل أبنائهم، وطبيعة العلاقة الزوجية، كل هذا يدل على أن الأسرة المسلمة أسرة مترابطة يجمع أفرادها؛ مبادئ راسخة، ودعائم متينة.
وإذا كانت المجتمعات المعاصرة في الغرب وغيره يساورها القلق والخوف على مستقبل الأسرة فيها؛ لأن عوامل متباينة سلبتها الترابط والقيم الإنسانية، فإن الإسلام بمبادئه القويمة وتشريعاته الحكيمة في مجال الأسرة، خاصة هو وحده العاصم - بإذن الله - من كل قلق واضطراب، وهو الذي ينقذ الأسرة مما يتهددها من مخاطر وأعاصير، ويجعل منها دائمًا اللبنة القوية لمجتمع قوي متراحم مترابط.