حول تفسير "حدائق الروح والريحان"
على الرغم من الجهود العلمية التي بذلها المتقدمون والمتأخرون في تفسير كتاب الله العزيز إلا أن العلماء المعاصرين لم يقفوا عند ما قدمته تلك الجهود لخدمة كتاب الله، بل أدلوا بدلوهم في هذا الجانب، تفسيراً وتحقيقاً وتنقحياً، مستفيدين في سبيل ذلك مما وصلت إليه الأبحاث والدراسات القرآنية من تراكم معرفي، ومستخدمين كذلك ما هيأ الله للمؤمنين من وسائل حديثة لاكتساب العلم والمعرفة، فأضافوا الكثير للمكتبة التفسيرية، حتى إنك واجد في هذه المكتبة الكثير من المؤلفات المعاصرة التي انكبت لتفسير كتاب الله، نذكر منها على سبيل المثال: "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب ، و"التحرير والتنوير" للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ، و"الأساس في التفسير" للأستاذ سعيد حوى ، و"زهرة التفاسير" للشيخ محمد أبو زهرة ، وتفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي ، و"التفسير المنير" للدكتور وهبة الزحيلي ، وغيرها ليس بالقليل.
ومن أجلِّ التفاسير التي ظهرت مؤخراً تفسير (حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن) للشيخ محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهرري ، المدرس بدار الحديث في مكة المكرمة. فقد جمع المؤلف في هذا التفسير ما تفرق في غيره من التفاسير، وضمنه من الفرائد والفوائد، والعلوم واللطائف والنفائس المستجادات، ما تقر به أعين أهل العلم، وتقيده أفكار المستفيدين من تفسير الكتاب المبين.
مقدمة المؤلف
أشار المؤلف في مقدمة تفسيره إلى دافعه الرئيس وراء وضعه لهذا التفسير، حيث بين أن للقرآن الكريم مقاصد جاء لتحقيقها في حياة الناس، وأنه لا سبيل إلى الوصول إلى الوقوف على هذه المقاصد إلا بدارية تفسير كتاب الله، ومعرفة حلاله وحرامه، والوقوف على علومه ومناهجه؛ ما يعني ضرورة ولوج باب التفسير لمن ملك عدة ذلك.
وبعد أن بين المؤلف أهمية علم التفسير ومكانته بين العلوم الشرعية، ورغبته في ولوج هذا الباب، والتردد بين الإقدام على كتاب هذا التفسير خدمة لكتاب الله، والإحجام عن ذلك خوفاً من الدخول في قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)، يقول المؤلف بعد هذا التردد: "فلما اشتد عزمي، وغلب سهري على نومي، نادني منادي القلم...أما تسمح أيها المهين، ويا سمي محمد الأمين، بخدمة كتاب ربك المتين...فأجبته بالشروع فيها، مشمراً عن ساق الجد والاجتهاد، راجياً من الله المعونة والإمداد".
منهج المؤلف
يشرح المؤلف على وجه الإجمال منهجه في هذا التفسير، فيقول: "فتصديت لها بشرح يذكر تناسبه، وينقل أسبابه، ويفك تراكيبه، ويحل معانيه، ويُعرِّف مبانيه، ويبين تصاريفه، ويُفصح بلاغته وفصاحته، ويكشف محاسنه وبداعته".
أما منهج المؤلف على وجه التفصيل، فيتخذ الخطوات التالية:
أولاً: يفتتح المؤلف كل سورة من سور القرآن الكريم ببيان سبب نزولها، ثم يذكر أسماءها، وفضائلها، وما ورد فيها من أحاديث.
ثانياً: يختار عدداً من الآيات ذات الموضوع الواحد، فيذكر سبب نزولها.
ثالثاً: يبين أوجه القراءات الواردة في كل آية، وهو في هذا لا يقتصر على القراءات العشر المتواترة، بل يذكر ما ورد من قراءات للصحابة من غير المتواتر.
رابعاً: يذكر ما يتعلق بتلك الآيات من أحكام شرعية، مشيراً إلى الأقوال الفقهية المتعلقة بتلك الأحكام.
خامساً: يُعرب من كلماتها ما يحتاج إلى بيان محله من الإعراب.
سادساً: يتوقف أحياناً عند بعض الأبواب النحوية، التي تحتاج إلى شيء من القول، كالحديث مثلاً عن هاء الضمير.
سابعاً: يتحدث عن الجانب الصرفي واللغوي لبعض الكلمات القرآنية.
ثامناً: يذكر جملة من الأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع الآيات. وهو بهذا الخصوص يعول على ما تقوم به الحجة من الأحاديث، ويضرب صفحاً عما وراء ذلك من الأحاديث.
تاسعاً: يبين الجوانب البلاغية والبيانية للآيات موضوع البحث.
عاشراً: يجتهد في ذكر الفوائد والدقائق المتعلقة ببعض الآيات أو الألفاظ القرآنية.
كما أن المؤلف ضمَّن تفسيره العديد من الأبحاث المهمة التي تتعلق بفلسفة التشريع الإسلامي، كالحديث عن مزايا تعدد الزوجات وفوائده عند الحاجة إليه، والبحث في حقيقة النفس والروح، وبيان اختلاف آراء الناس حولها. ونحو ذلك من الأبحاث المهمة.
والمؤلف يعتمد كثيراً في "تفسيره" على ما جاء في كلام من سبقه من المفسرين، فالطبري و القرطبي و الرازي و أبو حيان و ابن كثير و الشوكاني و المراغي ...كل هؤلاء وغيرهم حاضر على طول الكتاب وعرضه. كما أن مراجع الفقه الإسلامي واللغة العربية ذات حضور ملحوظ على صفحات هذا التفسير.
مقدمة الكتاب
وقد صدَّر المؤلف رحمه الله تفسيره - على عادة المفسرين غالباً - مقدمة اشتملت على ثلاثين فصلاً، ضمن كل فصل منها أهم العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، فتحدث عن فضل القرآن وتلاوته، وتعلمه وتعليمه، وعن الفرق بين التفسير والتأويل، وما جاء من التحذير من تفسير القرآن بالرأي، وتحدث عن بيان السنة للقرآن، وعن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف)، وعن القواعد الأصولية لأسباب النزول.
ولعل من أهم الفصول التي قررها المؤلف في هذه المقدمة الفصل المتعلق بالأحاديث الموضوعة في فضائل السور، حيث ذكر المؤلف عدداً من تلك الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وبيَّن عدم صحة الاستمساك بها. وقد اشتملت المقدمة مواضع أخر لا تقل شأناً عما أشرنا إليه.
مزية الكتاب
الناظر في هذا التفسير، والمغترف من معينه، يستبين له خطأ المقولة التي تقول: (ما ترك الأول للآخر شيئاً)، ويستبين له - بالمقابل - صحة المقولة التي تقول: (كم ترك الأول للآخر).
ولعل الدكتور هاشم محمد علي مهدي مستشار الدراسات والبحوث برابطة العالم الإسلامي خير من يتحدث عما امتاز به هذا التفسير عن التفاسير السابقه له، كونه المشرف المباشر على هذا العمل من جهة، وكونه أيضاً تلميذاً مباشراً للمؤلف رحمه الله. يقول في هذا الصدد: "إن المؤلف جمع فأوعى، وبسط القول فشفى، وبحث فاستوفى، وأدنى عويص المسائل؛ فإذا هو داني الجنى، وجمع شتيت المعارف، فنظمها في سلك واحد، واصطفى من الآراء أرجحها، ومن الأقوال أقواها، وأرسل أشعة البيان في كافة مناحي التفسير، فحشدها في صعيد واحد، وضم شمل المتفرق، في أسلوب الراسخ المحقق، وطريقة العَلَم المدقق".
وعلى الجملة، فإن العلماء على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم سيجدون في هذا التفسير ما ينشدونه من علم، وما يميلون إليه من فن، الكل سيجد فيه بغيته، وسيرتوي من منهله الروي، ويقطف من ثمره الشهي، فهو تفسير يغني عن غيره، ولا يغني عنه غيره، إلا أن غيره من روافده.
وإن بروز هذا الكتاب بين أيدي الباحثين، وطلاب العلم، يختصر لهم الطريق، ويمهد لهم لمعرفة كثير من الفنون، دون الحاجة إلى الرجوع إلى عدة مصادر متقدمة، يحتاج البحث فيها إلى جهد ووقت، وما أضيق أوقات الباحثين.
صدرت الطبعة الثانية من الكتاب في اثنين وثلاثين جزءاً غير المقدمة عن دار المنهاج في جدة، 1426هـ-2005.