الجنس : العمر : 36 كوكب الأشباح التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 512
موضوع: §¦ السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ¦§ الإثنين 28 نوفمبر 2011, 2:11 am
السياسة الشرعية والسياسات الوضعية
الأمر الأول : أن السياسة الشرعية تقوم على مقصد العبودية لله تعالى المتمثل في الدعوة إليه وحكم الحياة بشريعته . بينما تقوم السياسات الوضعية على فصل الدين عن الدولة أو الفكر العلماني الذي يمثل مفترق الطريق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية المعاصرة .
الأمر الثاني : أنَّ السياسة الشرعية جزء من الشريعة الربانية ؛ أما السياسات الوضعية فأنواع من الخطط البشرية . السياسة الشرعية جزء من الشريعة الربانية (1) ؛ فهي متصفـة بما يليق بمشّرعها من كمال . أمَّا السياسات الوضعية ، فأنواع من الخطط البشرية ، فهي مهما بَهَرَت قاصرة . فالفلسفات السياسية والقانونية التي تستقى من غير وحي الله تعالى ، لا قرار لها كما قال الله تعالى : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } ؛ غير أنَّ من كتّاب المسلمين من خدع بسرابها ، ولو تأمّلها هؤلاء لوجدوها تخبطاً ظاهر التناقض ، ولو رجعوا إلى وحي الله تعالى ، لوجدوا الوصف الدقيق لهذا التخبط البشري مع بيان سببه : { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج } ؛ فها هي النظريات تُستحسن فتقدس ثم ما تلبث أن يَتَبَدَّى انتكاسها ؛ فتُنْتَقص ، ثم تُنبذ شيئاً فشيئاً حتى يَحلّ غيرُها محلَّها ، وهكذا دواليك ، أمر مريج مختلط ؛ فها هي ( الديمقراطية ) – أنفس ما يظن الغرب ، أنَّه وصل إليه من السياسات الوضعية – تُعاب وتُنتقص من أربابها ؛ بل في دار نشأتها ، من ذلك إيجاز بعضهم العيوب التي لاحظها ( الديمقراطيون ) على ( الديمقراطية ) ، في : الصراعات الدائمة بين الأحزاب المنقسمة على بعضها ، والحكومـات التي لم يتجاوز متوسط بقائها في الحكم طيلـة نصف قرنٍ ثمانيةَ أشهر ، والمنافسات الحمقاء بين المواطنين ، وعدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل ، والبطء الشديد في تقدم مستوى حياة الجماهير : سياسة الإسكان ، وعدم كفاية التربية المدنية ، والاقتصادية ، والاجتماعية " (2) .
فالشريعة الربانية تظهر فيها قدرة الخالق ، وعظمته ، وعلمه المحيط بكل شئ ولطفه بخلقه ، وكماله المطلق ، وهذه الميزة العظيمة الشريفة انبثق عنها مجال في غاية الخصوبة والعطاء ، ويعرف اليوم بـ( خصائص الشريعة ) سَلَّمَ به الأوائل عملاً من أعمال القلوب يظهر على ألسنتهم ، ويتناثر في كتاباتهم ، وقد يفردونه بالتأليف تحت مسمى ( محاسن الدين ) (3) ، حتى جاء هذا العصر ، وهجمة أشراره الشرسة على شريعة الله ، مما حتّم على أهل الإسلام إفراده بالتصنيف ، على نحو كثيف ، خطّاً هجومياً دفاعياً ، يؤخِّر زحف الهجمة ويضعفها ، ويقنع الأغرار بالرجعة ويحصِّنها . ووصف هذا المجال ظاهر في نفيه عن سواها ؛ وما قد يُظنُّ مثله منها في القوانين الوضعية - على اختلاف أنواعها - لا يعدو أن يكون اتفاقا في المسمّى دون الدلالة والمعني ، وهو عند الباحث المنصف أسماء من التشبيه المتردي أمام علو الشريعة ، ما أنزل الله بها من سلطان .
وخصائص الشريعة مجال واسع ، ولكن يُشار إلى أهم تلك الخصائص - التي لعل ما عداها مندرج تحتها - ويُحَال إلى جملة من المراجع التى تحدَّثت عنها . ولعلَّ من المفيد تقسيمها - هنا - إلى مجموعتين : الأولى : الخصائص المتعلقة بذات الشريعة ، ومنها : أ - خاصية الكمال والشمول . ويراد بها أنَّ الشريعة الإسلامية استكملت ما تحتاجه الشريعة الكاملة من أحكام عقدية وعملية ، فقهية ، وخلقية ، قواعد ومبادئ ونظريات ؛ فهي غنية بما يكفل حاجات الأمة ، في علاقة المخلوق بربه الذي خلقه ، وفي علاقة الفرد بنفسه ، وبغيره من فرد وجماعات أو دولة ؛ بل وبغيره من المخلوقات ، وذلك في الحاضر القريب والمستقبل البعيد ، فضلاً عن الماضي قريبه وبعيده (4) . وهي شاملة ، لا تخلو حادثة واحدة عن حكم لها في الشريعة ، وذلك في جميع الأعصار ، والأقطار ، والأحوال ، فالمعاني التي تضمنتها نصوص الشريعة وأصولها تعم جميع الحوادث وتسعها (5) ؛ قال الله تعالى : قال الله تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ، فكلمة {شيء} هنا ، نكرة في سياق الشرط تفيد العموم ، فيما يتصور التنازع فيه جنساً وقدراً (6) . وما لم يتنازع فيه فمحل إجماع ، والإجماع أحد أصول الشريعة ، فما صح إجماع مجتهدي الأمة عليه فهو منها ؛ فلا يخرج عنها حكم . ب- خاصية العموم . والمراد بها أن الشريعة عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان ، وهذا من القطعيات ، بل هو مؤكد في جميع مصادر الشريعة ، الكتاب والسنة والإجماع (7) ؛ وهذه الخاصية تستلزم – عقلاً - السمو ، والثبات والدوام ، وهما الخاصيتان التاليتان . ج- خاصية السمو . والمراد بها : أنَّ قواعد الشريعة ومبادئها ، أسمى من عصر الأمة ؛ من ماض وحاضر ومستقبل ؛ إذ فيها من المرونة الفقهية في أحكامها و كلياتها ، ما يحفظ لها هذا المستوى السامي ، مهما ارتقى وتعقَّد مستوى الأمة ؛ ومن ثم فلا تحتاج إلى تعديل أو تغيير تلاحق به ما يطرأ على المجتمع من تغيّرٍ ، في تطوّرٍ أو تحدُّر ( . د- خاصية الثبات والدوام مع المرونة ؛ وهذه من آثار كمالها وسموها . والمراد بهذه الخاصية المركبة من الثبات والمرونة : أنَّ الشريعة باقية لا يلحقها نسخ ولا تغيير ؛ لأنَّ النسخ يكون بقوة المنسوخ ، أو أقوى منه ، فلا ينسخ الشريعة - التي هي من الله تعالى - إلا تشريع آخر من الله تعالى ؛ وحيث قد ختم الله عز وجل بها الشرائع ، وختم بنبيها الأنبياء ، وانقطع الوحي بموته صلى الله ليه وسلم ، فلا يتصور أن ينسخها أو يغيرها شيء ؛ فنصوصها وقواعدها وكلياتها لا تقبل التعديل ، فضلاً عن التغيير والتبديل (9) . قال العلامة أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله - في ذكره خواصّ الشريعة - : "والثانية : الثبوت من غير زوال ؛ فلذلك لا تجد منها بعد كمالها نسخاً ، ولا تخصيصاً لعمومها ، ولا تقييداً لإطلاقها ، ولا رفعاً لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ، ولا حال دون حال ، بل ما أثبت سبباً فهو سبب أبداً لا يرتفع ، وما كان شرطاً ؛ فهو أبداً شرط ، وما كان واجباً فهو واجب أبداً ، أو مندوباً فمندوب ، وهكذا الأحكام ؛ فلا زوال لها ولا تبديل ، ولو فرض بقاء التكليف إلى غير نهاية ؛ لكانت أحكامها كذلك " . (10) وحيث إنها من الحكيم العليم اقترنت صفة الثبات بصفة الدوام مما يستلزم المرونة الفقهية " داخل إطار ثابت ، حول محور ثابت " (11) . ومن حيث الواقع التشريعي ؛ فقد جاءت أحكامها وقواعدها ، على نحو يجعلها صالحة لكل زمان ومكان ، وهو معنى خاصية ( السمو ) السابقة ؛ ويدلّ على هذه الحقيقة ويؤكِّدها واقع الشريعة ومصادرها ، وطبيعة مبادئها وكلياتها ، وأحكامها ومقاصدها وهذا من الأمور الجلية ، البديهية عند أهل الشريعة ، التي تقوم هذه الرسالة على حقيقة من حقائقها ، إلا أنه يحسن الإشارة - في غايـة الاقتضاب ، لمن شـاء سبر هذه المسلمة ، ولا سيما من غير أهـل الاختصاص - إلى ثلاثة مناهج موصلة ، قطعاً - لمن تجرد في بحثه طريقة وهدفاً - إلى تجلية هذا المعني ، والوصول في الإيمان به إلى حق اليقين ، وهي : الاستقراء لمدى ابتناء الشريعة على جلب المصالح ودرء المفاسد ؛ و النظر في طبيعة أحكام الشريعة من حيث خصائص الأحكام المفّصلة ، والأحكـام التي جـاءت في شكل قواعـد وكليـات و مبادئ عامة ؛ والنظر في مصادر الأحكام ، وطرائق الاستنباط . (12) . وهذه الخصائص لا وجود لها في السياسات الوضعية ؛ بل إنَّ انتفاءها منها يُعد من خصائصها ؛ " ولولا أنَّ الشريعة من عند الله لما توفرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام ، تلك الصفات التي تتوفر دائماً فيما يشرعه الخالق ، ولا يتوفر شيء منها فيما يضعه المخلوق " (13) . الثانية : الخصائص المتعلقة بالخضوع للشريعة ، والامتثال لها .