►█ « معيارالموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية » █◄
كاتب الموضوع
رسالة
الشبح
عضو فضي
الجنس : العمر : 36 كوكب الأشباح التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 512
موضوع: ►█ « معيارالموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية » █◄ الإثنين 28 نوفمبر 2011, 2:00 am
معيارالموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية
السياسة الشرعية بمدلوليها العام والخاص هي : كل حكم أو إجراء وتدبير تُساس به الكافَّة (1) ، على مقتضى النظر الشرعي (2) ( أي تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) . والسياسة الوضعية في النظر الإسلامي الشرعي هي : كل سياسة تُحمل فيها الكافَّة ، على غير مقتضى النظر الشرعي (3) ( أي لا يراعى فيها تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) .
وهذا التوصيف ينطلق من معيار علمي عملي هو : النظر في السياسات المقننة أو التي عليها العمل ، التي يُعَبَّر عنها بـ( النظام السياسي ) ؛ الذي يقصد به نظام الحكم في أي بلد من البلاد ، و يتناول شرحه ما يُعرف بـ( علم القانون الدستوري ) (4) ؛ فالسياسات الوضعية ، رديف لما يُعرف في هذا العصر بـ" الدساتير الوضعية " ، وما يتفرع عنها (5) ، مِمَّا لا تُقِرُّه الشريعة الإسلامية ؛ إذ إنَّ ما تقرُّه الشريعة الإسلامية يعدّ حقاً ولو صدر من غير المسلمين . وهي داخلـة في مصطلح ( القانون ) بمدلوله الواسع ، الذي هو : " مجموعة القواعد و المبادئ والأنظمة ، التي يضعها أهل الرأي (6) ، في أمَّةٍ من الأمم ؛ لتنظيم شؤون حياتهم الاجتماعية ، والاقتصادية ، تنظيماً آمِراً مُلْزِماً ، استجابةً لمتطلبات الحياة وسدّاً لحاجاتها " (7) .
وتعريف النظام السياسي بـ ( النظام الدستوري ) ، يقوم على ما يعرف بـ ( النظرية القانونية التقليدية ) ، التي تستند إلى قاعدتي : الدولة ( السلطة ) ، ونظام الدولة ، التي تعتبر أوضح معايير التعرّف على الأنظمة السياسية ، وتقييمها ، وأسلمها ، حيث تعتمد على حقيقة واقعة رسمية ، هي : أنَّ النظام السياسي هو النظام الدستوري بذاته ( ؛ إذ النظام السياسي هو : " الشكل الخارجي للسلطة العامّة وما يحيط به من قواعد تُحَدِّد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها القانونية ، وكيفية ممارسة السلطة من خلال دراسة النصوص الواردة في الدستور " (9) . والدّستور هو : مجموعة القواعد التي يرجع إليها في تنظيم الدولة والمجتمع (10) .
ويستند التصنيف السابق للدول والسياسات وفق معيار الدستور ، في النظر الفقهي الشرعي إلى التقسيم الفقهي للدول في القانون الدولي الإسلامي : إذْ يقسم الفقهاء الدول إلى : دولة إسلامية : يحكمها المسلمون ، وتنفذ فيها الأحكام الإسلامية ، ويكون النُّفُوذ فيها للمسلمين ، ولو كان غالب أهلها من غير المسلمين . ودولة غير إسلامية أو دولة كفر ، وهي : كل دولة يحكم فيها بغير القانون الإسلامي ، ويتأكد ذلك بأن يتولى قيادتها رئيس غير مسلم .
ويُلحَظ أنَّ المعتبر في التمييز بين الدّولة الإسلامية وغيرها : وجود السلطة ، وسريان الأحكام ؛ فإذا اجتمعت السلطة الإسلامية التي تُنَفِّذ أحكام الإسلام ، وتبسط الأمن في البلاد ، كانت سياسة إسلامية ودولة إسلامية ؛ وإذا اجتمعت السلطة وتنفيذ الأحكام الوضعية ، كانت سياسة غير إسلامية ودولة غير إسلامية . فمعيار وصف السياسة والدَّولة بأنَّها إسلامية أو غير إسلامية : القوانين التي يُحكم بها ؛ فإن كانت قوانين إسلامية فهي دولة إسلامية ، وإن كان جل أهلها من غير المسلمين ؛ وإن كانت قوانين غير إسلامية فهي دولة غير إسلامية ، وإن كان جُلّ أهلِها من المسلمين . وإن جمعت دولة صفاتٍ من الدولتين ، أَخَذَت من حُكمِ كلٍ منهما ما يلتحق بها ؛ فيصير لها حال ثالثة من حيث المعاملة . وهذا المعيار - السابق ذكره - هو المهمّ في الدراسات الفقهية والتنظيمية .
وقد قسم العلامة ابن خلدون السياسات الوضعية إلي قسمين : القسم الأول : السياسات الطبيعية أو الملك الطبيعي . وهي : التي تحمل فيها الكافة على مقتضى الغرض والشهوة . فهي تتبع طبع الحكّام من حيث شهواتهم وأغراضهم ، دون مراعاة لشرعٍ مستقيم أو عقـل سليم . ومثالها في هذا العصر ما يعرف بالسياسة الاستبدادية (الدكتاتورية) ؛ وهي : نهج سياسي يقوم على حكم الفرد أو القلة للشعب وسياستِه في كل صغيرة وكبيرة ، قهرا دون إرادة ، ولا تخضع الحكومة فيه لنظام شرعي ولا لقانون وضعي معين ، ولا توجد فيه قيود على سلطات الحاكم وتصرفاته ، فهو الذي يصدر القوانين والأوامر واللوائح ، ويغيِّرها ويبدِّلها ، وفق ما يري ويهوى بل ويغير الدّستور ويبدِّله ؛ سواء كان الحكم عسكرياً أو مدنيا . فأحكام هذه السياسات ، مستبِدَّة قاهرة ، مائلة عن الحق غالباً ؛ يحمل فيها النَّاس على ما ليس في طوقهم من الأغراض والشهوات ، ومن ثم تعسر الطاعة ؛ فيفضي ذلك إلى الخلل والفساد دفعة ، وتنقضي الدولة سريعاً ؛ بما ينشأ من الهرج والقتل ؛ نتيجة تعسُّرِ الطاعة وانتشار الظلم ؛ ولهذا أوجب ذوو الرأي الرجوع في السياسات إلى قوانين سياسية مفروضة ، على الكافَّة ، فينقادون لأحكامها ، وهو القسم التالي من قسمي السياسات .
القسم الثاني : السياسات العقلية أو الملك السياسي أو السياسات المدنية . وهي : التي تحمل فيها الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ، ودفع المضار ؛ فهي سياسة تنظيمية عقلية دنيوية فقط ، تقوم على مجموعة الأحكام التي اصطلح أو تعارف شعب ما على لزوم الانقياد لها ، وتنفيذها ؛ لتنظيم الحياة المشتركة في هذا الشعب . ومثال تلك السياسة في هذا العصر : السياسات " الديمقراطية " الغربية ، التي تستند إلى جملة من الأفكار والمبادئ ، التي أهمها : مبادئ الثورة الفرنسية ؛ حيث صارت صفة " الوضعية " مذهباً فكرياً ونظرية سياسية ، لا مجرد آليات كما قد يظن البعض . والمراد هنا الديمقراطيات الغربية ، التي مظهرها : الديمقراطية النيابية : التي يمارس الشعب فيها مظاهر السيادة - مصدرية الأحكام والتشريعات - بواسطة مجلس نواب يرشحهم الناخبـون من الشعب ؛ فهي عند منظريها : حكم الشعب بالشعب ، حيث يحتفظ فيها الشعب بحـق التدخل المباشر لممارسة السيادة عن طريق وسائل مختلفة ، كحق الاقتراع ، والاستفتاء ، والاعتراض ؛ وهي سياسات بدأت تفقد ميزاتها بالتدخل في تغيير مسارها بالتزوير تارة وبالضغوط تارة وبالأحكام القضائية تارة أخرى ؛ و ها هي الديمقراطية الأمريكية تفتـح محاكم عسكرية في مطلع القرن الجديد !؟ وتقبض على العرب والمسلمين ؛ لتطبق عليهم قاعدة معكوسة ، كانت مثار سخرية الأمريكي يوماً ما ، تقول : المتهم مدان حتى تثبت براءته !؟ ومن أمثلة تلك السياسات – كذلك - : السياسات " الماركسية " غير الاستبدادية ؛ أو الاشتراكية العلمية ، المذهب السياسي الاقتصادي ، الذي نادى به ( كارل ماركس ) رداً على " الاشتراكية " التي : سماها الخيالية – بشَّرَ فيها بإقامة مجتمع ينعم بالمساواة السياسية والاقتصادية التامة ، والماركسية تقيم حكماً غليظاً يتصرف في كافة أمور المواطنين ، مع أنها تدعو لزوال الدول ؟ وتقوم على الحتمية التي لا ترد وقد ثبت فشلها عياناً وتهاوت أمام العالمين . وتوصف هذه السياسات في الاعتقـاد الإسلامي بأنها أحد صور الشرك في الطاعة والانقياد أو التشريع ، حيث يُمنح المخلوقون حق التشريع المطلق ، الذي هو كالخَلْق ، من خصائص الله تعالى : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 54) [ الأعراف] ؛ إذ يمنع الإسلام تشريع الإنسان للإنسان تشريعاً مطلقاً . ويشير القرآن الكريم إلى سبب تعدد السياسات غير الشرعية ونتائجها على البشرية في آيات ، منها الآية الخامسة من سورة ق : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ) ؛ فها هي النظريات السياسية تُستحسن فتقدس ثم ما تلبث أن يَتَبَدَّى انتكاسها ؛ فتُنْتَقص ، ثم تُنبذ شيئاً فشيئاً حتى يَحلّ غيرُها محلَّها ، وهكذا دواليك ، أمر مريج مختلط ؛ وانتكاسات متتالية ، نهايتها الانهيار التام ، بل ربما العداء الشديد لها من قيادات الجيل الجديد
►█ « معيارالموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية » █◄