الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011عدد المساهمات : 564
موضوع: ►█ « مقاصد النكاح » █◄ الأحد 27 نوفمبر 2011, 9:58 am
المقاصد لغة واصطلاحاً
المقاصد جمع مقصد، والمقصد مصدر ميمي من الفعل (قصد) وفي اللغة له عدة معاني منها: الاستقامة، والعدل والتوسط بين الطرفين٥٣.
المقاصد في الاصطلاح هو ما أراده الله عز وجل من حِكَم ومعاني عند إنزال الشرائع وشرع الأحكام٥٤.
شرع الله عز وجل النكاح لعباده ووضع له أحكاماً وضوابط تنسجم مع الفطرة والعقل السليم، وذلك لتحقيق مقاصد كثيرة من أهمها:
المحافظة على النسل خلق الله عز وجل الخلق لعبادته، ولاستمرار هذه العبادة لابد من استمرار النسل بالطريقة الشرعية وعدم انقطاعه، ولذلك حث الإسلام على النكاح وخاصةً بالمرأة الولود، وكره النكاح من المرأة العاقر التي لا تلد٥٥. عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله يقول: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم٥٦". وبهذا تدوم الحياة، ويبقى النسل البشري، ويعمر الكون ويقوم بدوره في خلافة الأرض٥٧.
تحقيق الفطرة الإنسانية وإشباعها لقد كرم الله الإنسان وفضله على جميع خلقه، وهذا يفرض على الإنسان التعامل مع الغرائز بطريقة تتناسب مع هذه المكانة وترفعه من درجة البهيمية والحيوانية، فلم يمانع الإسلام من استجابة الفرد لنداء الغريزة الجنسية، ضمن الحدود والإطار الذي وضعه الشرع، دون كبت مرذول أو انطلاق مجنون، كما هو الشأن في الدين الإسلامي الذي حرم السفاح وشرع النكاح، واعترف بالغريزة، فيسّر لها سبلها من الحلال. وهذا الموقف هو العدل والوسط، فلولا تشريع النكاح ما أدت الغريزة دورها في استمرار بقاء الإنسان بالطريقة الشرعية، ولولا تحريم السفاح والزنا ما نشأت الأسرة التي تكون في ظلالها العواطف الماعية الراقية من مودة وحنان ورحمة٥٨.
تحقيق السكن النفسي والروحي بالنكاح يجد كل من الزوجين في ظل صاحبه السكن، وهذا السكن ليس هو السكن العقلي، أي الخلو من المشاكل والمشاغل الذهنية، وليس هو السكن المادي أي الاستقرار على شيء مريح بل هو روحي وقلبي، سكن روح إلى روح من جنسه، وسكن قلب إلى قلب من جنسه، فتصبح الروحان روحاً واحدةً، ويصبح القلب قلباً واحدا ٥٩. قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون الروم:٢١.
المحافظة على الأنساب دعا الإسلام أن ينسب كل إنسان إلى أبيه، قال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا الأحزاب:٥ ونسبة الإنسان إلى أبيه لا تكون إلا بالنكاح فعندما يتزوج الرجل بالمرأة يضمن للأبناء الإنتساب إلى آبائهم، مما يشعرهم باعتبار ذواتهم، ويجعلهم يحسون بكرامتهم الإنانية، فالولد معروف الأصل والنسب، وبهذا يرجع كل فرع إلى أصله، فيسعى أن يحافظ عليه نقياً طاهراً كي يعتز به ويفخر، ولولا هذا التنظيم الرباني، لجموع البشرية لتحولت المجتمعات إلى أخلاط وأنواع لا تعرف رابطة ولا يضمها كيان٦٠.
صيانة أفراد المجتمع من الانحراف يريد الإسلام أن يعصم المسلم من الانحراف، والوقوع في الرذيلة، فالنكاح هو الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة والرقابة الدائمة، فكم من زوجة كانت سبباً في استقامة زوجها، وكم من زوج كان سبباً في استقامة زوجته، ونلمس ذلك إذا نظرنا إلى المجتمعات التي تدعو إلى تأخير النكاح أو التي تضع العراقيل أمام الشباب الراغب في الزواج، حيث تنتشر الرذيلة بصورة أزعجت القائمين على هذا المجتمع٦١.
صيانة المجتمع من الأمراض الفتاكة لقد أقر جميع الأطباء أن هناك أمراضاً كثيرة معدية تنتقل وتنتشر عن طريق الاتصال غير الشرعي، ويخصون انتقال بعض الأمراض بالزنا كالزهري والهربس ومرض نقص المناعة (الإيدز)، وها هي المجتمعات المنحلة تعاني من ويلاتها ما تعاني بسبب انعتاق الناس فيها من رباط النكاح المقدس، واتجاههم إلى الاتصال المحرم، كل ذلك تحقيقاً لما أخبر عن وقوعه الرسول حيث قال: " يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...٦٢" فالنكاح ضرورة طبيعية فيها وقاية يسلم بها المرء في صحته، وأن كل من يمتنع عن النكاح ويلجأ إلى الفاحشة فهو يجر على نفسه البلاء، ويقع فريسة لكثير من الأمراض٦٣.
غض البصر وحفظ الفرج بالنكاح يكمل دين المسلم وبه تتم سعادته، لأنه يعينه على أن يغض بصره، ويحفظ فرجه، ويصون جوارحه من المحرمات، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون٣٠وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا النور:٣٠-٣١. وقد بين النبي هذا الأثر العظيم للزواج في صيانة البصر والفرج، فقال : " يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.٦٤" والزواج إغلاق للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية.٦٥
العناية بتربية النشء إن طفولة الإنسان طويلة، والطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى من يرعاه ويعتني به ليستقيم سلوكه ويهذب نفسه، ولا يمكن هذا إلا عن طريق الأسرة التي قوامها الزوج والزوجة، فلا أحد غير الأم والأب يمكن أن يقدم هذه المتطلبات للطفل أو المراهق، لأنهما يملكان العاطفة الأبوية الصادقة تجاهه، ومن هنا تبدو أهمية خروج الأطفال إلى الدنيا عن طريق الزوجين اللذين جمعهما الزواج الشرعي، وتبدو أهمية قيام الأم والأب بهذه المهمة مباشرة دون الاعتماد على غيرهما في العناية بتنشئة وتربية الأبناء. وما يحدث اليوم من اعتماد بعض المجتمعات الإسلامية على الخادمات الأجنبيات ينذر بخطر عظيم يتهدد النشء بإفساد دينهم وأخلاقهم.٦٦
تحقيق الستر للمرأة والرجل من مقاصد النكاح أن يستر الزوج زوجته والزوجة كذلك، وهذا المقصد واضح من قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ البقرة:١٨٧، فالستر هنا ستر جسدي ونفسي وروحي، وليس من أحد أستر لأحد من الزوجين المتآلفين، يحرص كل منهما على عرض صاحبه وماله ونفسه، وأسراره، فكل واحد منهما يقي صاحبه من كل سوء٦٧.