^.. دعوة الإسلام إلى أسباب التآلف الاجتماعي العام ..^ 
كاتب الموضوع
رسالة
الشبح
عضو فضي
الجنس : العمر : 36 كوكب الأشباح التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 512
موضوع:  ^.. دعوة الإسلام إلى أسباب التآلف الاجتماعي العام ..^  الأحد 27 نوفمبر 2011, 8:45 am
دعوة الإسلام إلى أسباب التآلف الاجتماعي العام
يحتاج الإنسان في أي عصر من العصور إلى أن يعيش حياته الاجتماعية العامة في وفاق وتآلف وتعاون مع الآخرين، وقد حرص النبي على تحقيق هذا المعنى وتطبيقه عملياً من أول هجرته إلى المدينة، وذلك من خلال مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار.
ثم توالت تعاليم الإسلام تسقي شجرة هذه المؤاخاة وتغذيها بأسباب التآلف الاجتماعي التي انقلبت إلى حقوق ثابتة للمسلم على أخيه المسلم، لا يسعه التساهل فيها أو تركها، ومن ذلك ما يلي:
إفشاء السلام
معنى إفشاء السلام نشره وتعميمه على الناس بصيغته المأثورة (السلام عليكم) لا بغيرها من الصيغ الوافدة، كصباح الخير، أو غيرها، مما فيه هجر للتوجيهات والشعائر الإسلامية.
والبدء بالسلام سنة من سنن الإسلام، والحكمة منه بذل الأمان للمُسلم عليه، وهو وسيلة ممهدة لتعارف الناس بعضهم مع بعض، ودلالة على محبة المجتمع للسلام، فلقد تفرد المجتمع المسلم بهذه التحية التي يشعر من تلقاها بالأمان. قال رسول الله : "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم٢٦".
وقد أكد الإسلام على ابتداء الآخرين بالسلام ومصافحتهم إن أمكن ذلك، لما فيه من تعميق معاني المحبة والتآلف والفوز بمغفرة الله سبحانه وتعالى، ففي الحديث الشريف: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا٢٧".
وفي الحديث: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد ان يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة٢٨".
أما رد السلام فهو واجب ديني باتفاق الفقهاء، يأثم تاركه ويحاسب عليه، قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا النساء:٨٦
وفضلاً عن هذا، فإن عدم المبالاة برد السلام سلوك اجتماعي شاذ، بل محرم، وهو يدل على اضطراب في المزاج وجفاء في الطبع، ومن أجل تلافي ذلك شرع الإسلام إفشاء السلام وأوجب رده لما فيه من تقوية أواصر المحبة وتعزيز الترابط الاجتماعي٢٩.
توقير الكبار والعطف على الصغار
ليس من دين ولا نظام حث على توقير الكبار، ورحمة الصغار كما فعل الإسلام، فقد اعتبر ذلك طاعة يتقرب بها إلى الله، ففي الحديث الشريف: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا٣٠".
وكان النبي يتلطف بالصغار ويداعبهم، لما في ذلك من إدخال السرور عليهم وعلى أهليهم وتقوية للترابط الاجتماعي، وهو الذي مازح طفلاً قائلاً: "يا أبا عمير ما فعل النغير٣١؟".
أسباب أخرى تقوي التآلف الاجتماعي:
شرع الإسلام العديد من الأسباب الأخرى التي تقوي الترابط الاجتماعي، وجعلها من الحقوق الثابتة للمسلم على المسلم، بحيث لا يسعه تركها من غير عذر، ومن ذلك: الدعاء له وتبادل الزيارة معه، وتشميته إذا عطس، وعيادته إذا مرض، وبر قسمه وستر عثراته والصفح عنه، وإسداء النصح له، وإيثاره على النف وصدقه في الحديث، والذب عنه في غيبته، وأن تحب له ما تحب لنفسك، وأن يكون قلبك سليماً عليه، وأن تشهد جنازته إذا مات، والأصل في هذا حديث: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس٣٢".
هذا ومن أسباب التآلف الاجتماعي التي شرعها الإسلام: التزاور فيما بين الجيران والأصدقاء، وكفالة اليتيم، والإحسان إلى الأرملة والمسكين ..إلخ، والأصل في هذا كله قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى المائدة:٢.
دعوة الإسلام إلى الأخلاق الفاضلة
الأخلاق قسمان، أخلاق كريمة وأخلاق ذميمة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية تدعو إلى تزكية النفوس وتطهيرها حتى تكون كريمة الأخلاق نبيلة السجايا٣٣.
وقد بلغ اهتمام الإسلام بالأخلاق أن جعل تحقيقها من غايات البعثة النبوية: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق٣٤". وفي هذا الحديث إشارة بينة إلى أن مكارم الأخلاق من الأمور المكتسبة غالبا، لا الجبلية المحضة، وهي أيضا من أهداف دعوة الأنبياء جميعا، عليهم الصلاة والسلام، حتى قال رسل الله : ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق٣٥".
وقد عرف الإسلام بكونه آمراً بمكارم الأخلاق ومؤثراً في أخلاق اتباعه تهذيباً وكرماًً٣٦.
هذا، وليس الخلق المطلوب في الإسلام مجرد معرفة أن الصدق فضيلة، والكذب رذيلة، وأن الإخلاص سمو، والخداع انحطاط، ولا مجرد الحديث فيما بين الناس عن ذلك، وإنما الخلق هو تفاعل النفس وتأثرها بما ينبغي أن تكون عليه وتتصف به من مكارم الأخلاق ابتغاء رضوان الله تعالى، وما ينبغي أن تهجره وتتركه من ذميمها وفاسدها، ابتغاء مرضاة الله أيضا، لأن إصلاح الباطن هو أساس إضلاح الظاهر، وإن الأخلاق الكريمة لهي الشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ومن أجله، لا من أجل الأعراف والعادات.
وقد قسم بعض الباحثين المعاصرين الأخلاق إلى خمسة أقسام: فردية: كالصبر والعفة وضبط النفس، وأسرية: كالإحسان الوالدين وللزوجة، واجتماعية: كإفشاء السلام وعيادة المريض. ومتعلقة بحق الله تعالى: كالصدق مع الله تعالى...، إضافة إلى أخلاق الدولة: كالرفق بالرعية والعمل بالشورى٣٧، ون أهم المكارم الأخلاقية التي دعا إليها الإسلام ما يلي:
الصدق
لقد استطاع الإسلام أن يحمي أفراد المجتمع من الوقوع في الفجور والمعاصي بالتأكيد على فضيلة الصدق والالتزام بها، لأن الصدق يهدي إلى البر، ويدفع الإنسان إلى طريق الفلاح والنجاح٣٨.
وفي أهمية الصدق والحث عليه قال الرسول : "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً٣٩".
والصدق يكون مع الله ومع الناس ومع النفس. فالصدق مع الله يكون بتنفيذ أوامره، وعدم الإشراك به، والصدق مع الناس يكون بحسن التعامل معهم، وعدم خداعهم، والصدق مع النفس يكون بعدم إيرادها المهالك، واللجوء إلى الله في السر والعلن، وأداء الأعمال الصالحة٤٠.
الصبر
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصبر فقال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل الأحقاف:٣٥. والصبر خلق وفضيلة يحتاج إليها المسلم في خوض معترك الحياة فطالب العلم محتاج للصبر لينال العلم الذي يريد اكتسابه، والمعلم محتاج إلى الصبر لوصيل الأفكار إلى أذهان المتعلمين، والأب والأم محتاجان إلى الصبر على تربية الأولاد، وكل فرد من أفراد المجتمع محتاج إلى هذه الخصلة كي يصل إلى مناله.
ومن المعلوم أن المرء متعجل للنتائج بطبيعته ويحب القيام بالأعمال السهلة، ويسعى دوماً إلى التحايل على نظم المجتمع للتخلص من الأعباء التي كلف بها وهذا مناف لما أمر الله سبحانه وتعالى به وحث عليه حيث قال تعالى: وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ النساء:٢٥. لذا فإن فضيلة الصبر متى ما توفرت لدى أفراد مجتمع ما استطاع أن يظفر بما يتمناه ويسعى إليه من رفعة وعزة بين الشعوب، وأصبح شعباً مهاباً ومحترماً٤١.
الحياء
الحياء هو الخجل والاحتشام وهو غير الخجل المذموم الذي هو ضعف في النفس. وقد عد رسول الله الحياء شعبة من الإيمان٤٢. ومردود الحياء على الفرد والمجتمع عظيم، فهو يمنع من الوقوع في الرذائل ويمنع من إيقاع الضرر بالآخرين، وفي المقابل فإن المرء الذي لا يتصف بالحياء هو كالبهيمة لا يتورع من ارتكاب أي مظهر مناف للأخلاق كما لا يتورع عن السب والشتم والأذى المسبب للعداوة والبغضاء، وقد صدق الرسول عندما قال: "إذا لم تستح فاصنع ماشئت٤٣".
وكما يستحيي الإنسان من الخلق، فعليه أن يستحيي من الله تعالى، بل إن الله تعالى أحق أن يستحيا منه، قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا النساء:١٠٨. ومن الملاحظ أن الناس جبلوا على حب الحيي اللطيف وكراهة البذيء الفاحش٤٤.
البشاشة وطلاقة الوجه
وهي من الصفات التي تدل على اعتدال في المزاج وسلامة في الصحة النفسية، كما أنها من أهم الأسباب التي تقربك إلى قلوب الناس وتوثق صلتك بهم، وهي التي يتعاشر بها أهل الجنة، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ٣٨ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَة عبس:٣٨-٣٩. وفي الحديث الشريف: "كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق٤٥".
أما صاحب الوجه العبوس والجبين المقطب فغالبا ما يعاني من اطرابات نفسية ويعيش في حالة من الاكتئاب والهموم التي لا نهاية لها٤٦.
المداراة والتلطف بالآخرين
المداراة هي التلطف بالإنسان للحد من ضرره، وهي من الدرء والدفع، أو من المداورة والمجاراة للوصول إلى الخير. وهي غير النفاق والمداهنة بصقد إقرار الإنسان على باطله. والغاية منها تجنب إثارة الخلاف مع الآخرين للوصول بهم إلى الحق، وهي تدل على كمال في العقل وحسن في الخلق٤٧. ومن الأحاديث التي تدل على مداراة الرسول قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقام إليه الصحابة ليوقعوا به فقال لهم النبي : دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ٤٨".
وهكذا تكون المداراة ودماثة الخلق وحسن التلطف بالناس عوامل جذب وكسب من الآخرين، تحبب صاحبها إليهم فيثقون به ويعتمدون عليه ويرتاحون له٤٩.
 ^.. دعوة الإسلام إلى أسباب التآلف الاجتماعي العام ..^