الأسرة والعنف الموجه ضدها
كثيرة هي الأنظمة والنظريات التي اجتاحت العالم, وتعاقبت على حكمه, والسيطرة على أفكار الناس فيه وتحويلها لخدمة الأهداف التي جاءت من اجلها. لقد فني بعض هذه الأنظمة, وأعقبه آخر, وبقي آخر إسماً لامعاً وإن لم يتح له المجال ليري الناس حلاوة أفكاره, والحال أنه لم يبق لتلك الأنظمة والنظريات نصيب سوى بقية ذكر لما كانت تحمل من مواقف تجاه المجتمعات التي حلت فيها, فمن خدم مجتمعه خدمة نبيلة لم يفن اسمه وبقي يتردد ذكرى جميلة تلهج بها الألسن وتتعطر بها الشفاه, وبعكسه, ذكر ذلك النظام الذي لم يجر على مجتمعه غير الويلات, لقد تفاوتت مواقف هذه الأنظمة حيال الأسرة, ولا أحسب أن نظاما ساد العالم أو بقعة من بقاعه كان قد رفع من شأن المرأة كما الأنظمة السماوية. فالأديان كما هو معروف لم يكن أصحابها لينطلقوا في دعواتهم بدافع الطمع والسيطرة والتسلط على الناس, بل كان دفاعهم دائما وأبدا في نشر دعواتهم هداية الناس وإخراجهم من نير العبودية والجهل إلى نور الحرية والعلم في ظل التعاليم الإلهية الطاهرة, فهم يحرصون أشد الحرص على أن يرتقوا بالمجتمعات إلى مراتب الكمال. أما الأنظمة البشرية فتجد أصحابها يتهافتون للحصول على فرصة للسيطرة والتسلط على رقاب الناس, وقيادة لا لكي يأخذوا بيد المجتمع إلى طرق الهداية والصلاح, إنما محاولة لإشباع رغبات, ونزوات السيطرة والتسلط القابعين في النفس الإنسانية. فنحن لا نجد – عندما نستقرء تاريخ الحكومات والدول التي حكمت العالم بل والنظريات التي لم تنطلق من منطلق ديني –نظاما يرعف من شأن الأسرة, بل على العكس من ذلك نجد العداء البين الجلي. إن هذا في واقعه يعد أمرا طبيعيا لمن أندفع نحو السلطة بدافع التسلط والسيطرة, فمثل هذا ليس له هم سوى أن تنساق له الأمور وتتسق, لكي يستطيع تنفيذ مشروعاته التحكمية في راحة ودعة بعيدا عما يسبب له المشاكل. وعليه فمن مصلحته أن يحكم مجتمعا مفككة أجزاءه, على أن يتسلط في مجتمع ملؤه الفضيلة والتماسك, بل يعد الأخير مكانا لغيره لا له, ولذلك تجد هؤلاء انطلقوا لتحقيق أهدافهم من ميدان اللبنة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة, فهؤلاء أدركوا بأنهم حين يتحقق لهم هدف هدمها –الأسرة- وتفكيك أركانها يصفو لهم الجو, وتتسق لهم الأمور, إذ ينشأ لديهم حينها مجتمع مفكك يتخبط في مهاوي جهله لا يعرف حقوقه من واجباته, عندها يسهل عليهم قياده. ونلاحظ للأسف الشديد (أن حرب الإبادة التي شنتها قوى الشر ضد الأسرة ومرتكزاتها ما زالت مستمرة, وبضراوة بالغة, وتحاول أن تهدم الآن بقايا الوجود الأسري في العالم , بعد أن دمرته في أكثر البقاع الخاضعة لتأثير التيار المادي الإباحي). فهذا ميلوك أليس يقول مثلا: ( لا يقوم الزواج المثالي على توافق الشهوة فقط, وإنما يقوم على اتحاد غير شهواني, وأساسه مودة عميقة تتوثق على ممر الأيام, وتشمل شتى نواحي الحياة و وهو اتفاق الأذواق, والمشاعر والميول, وهو اتفاق على الحياة المشتركة, بما قد تستلزمه من أعباء الأبوة).