الأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية - الجزء الثاني ( أقيموا الصلاة )
الصلاة هي الركن الثاني من أركان هذا الدين ، بعد شهادة , لا اله إلا الله , محمد رسول الله ,, وهى الركن العملي التعبدي الأول . ولم تنل عبادة من العبادات , من الأهمية والمكانة كالصلاة وهى العبادة الوحيدة التي تفصل بين الإيمان والكفر , أستنبط هذا من حديثين شريفين :
الأول: ما أخرجه أحمد فى مسنده (رقم 22428) والترمذى ( 2621) والنسائى ( 463) وابن ماجة (1079) وغيرهم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).
وللعلماء في هذا الصدد أقوال عدة فمنهم من قال مَن ترك الصلاة بالكلية جاحدا بها فهو كافر . ومنهم من قال من تركها بالكلية عمداً كفر ولم يكن جاحداً , ومشهور عن الإمام أحمد بن حنبل فتواه بأن ترك فريضة واحدة حتى يخرج وقتها فهو كفر.
المهم أن الصلاة هي الشعيرة الوحيدة التي يعد تركها كفرا يخرج صاحبها من الملة . مع الاختلاف فى صفة هذا الترك.
الحديث الثاني الذي أستنبط منه أن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي تفصل بين الإيمان والكفر, ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه ( برقم 1855 ) عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة ...)
وقريب منه ما أخرجه أحمد فى مسنده (برقم 10840 ، 10847) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله قال لا ما أقاموا الصلاة )
فإذا ضممنا هذا الحديث إلى ما أخرجه البخارى فى صحيحه ( 7056) ومسلم ( 1709) عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.
نستدل أن ترك الصلاة هي فاصل بين الإسلام والكفر , وأنها العبادة الوحيدة التي على أساسها يحكم على أمراء الجور بالكفر الذي يجيز الخروج عليهم وقتالهم.
وقد ذكرت الصلاة في القرآن الكريم فى حوالى مائتى موضعاً أو يزيد وبأكثر من صيغة :
فأولاً : صيغة الأمر المباشر كقوله تعالى : (( أقيموا الصلاة )) فى اثنى عشر موضعاً فى كتاب الله.
وبصيغة الأمر المباشر: (( أقم الصلاة )) فى ثلاثة مواضع فى كتاب الله.
ثانياً : بصيغة مدح وتزكية الذين يقيمون الصلاة ووصفهم بالتقوى والصلاح والسداد كقوله تعالي : (( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يِؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة " [البقرة : 1]
ثالثا: الإخبار بحسن عاقبة المصلين كقوله تعالي : (( إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين (22) )) [المعارج]
رابعاً : بذم تاركها كقوله تعالي : (( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )) [الماعون]
وغير هذا الكثير في كتاب الله .
. ولكن الذي يدعو إلى التأمل ويثير الانتباه أننا نجد أنه رغم كثرة الآيات القرآنية التي تأمر بالصلاة وتحت عليها والتي لا تخلو منها سورة في القرآن الكريم وربما في أكثر من موضع في نفس السورة أقول : رغم كل هذا فإننا لا نجد آية واحدة تتحدث عن عداد الصلوات المفروضة ـ صراحة ـ ولاعن هيأتها التفصيلية ولا عن مواقيتها تحديداً ولا كيفية تنظيم صلاة الجماعة ولا نجد آية في كتاب الله تحدثنا عن شروط صحة الصلاة ولا أركانها ولا واجباتها .
ومن المفارقات الجديرة بالملاحظة كذلك أننا نجد القرآن يترك مثل هذه الأمور الجوهرية ونجده يركز في حديثة علي كيفية الوضوء والطهارة والتيمم ورغم أن الوضوء والتيمم والاغتسال هذه وسائل لغاية هي الصلاة .
لا شك أن مَن تَعرض له صورة كهذه من السهل أن يظن أن هناك قصوراً تشريعياً ولكن هذا غير صحيح ذلك أن القرآن الكريم قد ترك ـ عمداً ـ الحديث عن تلك الأمور الجوهرية ، وأحال فيها إلى السنة النبوية بعدما أصّل القاعدة الضابطة في هذا بقوله : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )) [ سورة الحشر ]
وفي هذا دليل قاطع وقوى علي حجية السنة النبوية في التشريع مثلها كالقرآن الكريم تماما بتمام .
ورغم المحاولات المضنية لمنكري السنة لاستنباط الأحكام التفصيلية من القرآن الكريم إلا أن تلك المحاولات لا تزيدهم إلا بعداً عن دين الإسلام فأصبحوا ينكرون أشياءً معلومة من الدين بالضرورة لا لشئ إلا لفشلهم في استنباط من القرآن الكريم , فأنكروا الخمسة المفروضات وادعوا أنهن ثلاث فقط , وبهذا خرجوا من دين الإسلام جملة وتفصلاً.
ولا شك أنهم قد بنوا بيتهم كما يبني العنكبوت بيته : (( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت )) ذلك أننا إذا نحينا السنة جانباً فلسوف نصطدم بأمور , جد عسيرة , ولا قِبل لنا بها . فلا أدري كيف يفسر المنكر للسنة قول الله تعالي (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا علية وسلموا تسليماً ))
فماذا سيجيبنا المنكر للسنة إذا ما سألناه : كم ركعات الصلاة علي النبي ؟ وما وقتها ؟ وهل الطهارة شرط لصحتها ؟ وماذا لو تعذر علينا استقبال القبلة وتحديداً اتجاهها هل تسقط عنا الصلاة علي النبي ؟
عندما أمرّ علي هذه الآية بالذات وأتذكر الموقف الحرج الذي يقع فيه منكرو السنة عند تأويلها , لا أدري لماذا أتذكر قول أحد النصارى وهو يحاورنى وقد ذكر لي هذه الآية ثم قال : { لمن يصلي الله }؟ تُرى لو أن ذلك النصراني الكافر إذا ما وجه سؤاله هذا إلى المنكر للسنة , فبماذا سيجيبه . أتخيل الأن الابتسامة العريضة الصفراء التي ستبدو علي وجه النصراني عندما يتوتر المنكر للسنة ويسقط في يديه و يتصصب منه العرق عندما يسمع هذا السؤال وهو حائر لا يجد مخرجاً له.
فإن قال المنكر للنصراني أن الصلاة علي النبي غير الصلاة المعروفة فسيقول له النصراني : أين الدليل علي هذا من القرآن الكريم ؟
وسيقول له النصراني كذلك : إن هذا القول هو قول أهل السنة فأن كان حقاً فلماذا لا تتبعهم , وأن كان غير ذلك فلماذا لا تتبعني ؟
كذلك من أعجب الأمور التي تواجه المنكرين للسنة في شأن الصلاة هو اختلافهم وتذبذبهم وعدم اتفاقهم علي قول جامع في الشئ الواحد .
ـ ناظرت اثنين من المنكرين للسنة , في مناظرتين منفصلتين , ودار حوارنا في كل مرة عن الصلاة المفروضة : عددها ومواقيتها وكيفيتها ـ ووجدت من هؤلاء شهوة كبيرة في الكتانة , ماذا يكتبون ؟ أي شئ المهم أنهم يكتبون .
الأول يقول هم ثلاثة ولكن بدون الظهر والعصر . والثانى يقول : بل هم ثلاثة بدون الظهر والمغرب ، أما الكيفية التي ذكرها كل منهما فاختلافهما في ذلك أوسع من أن نحصره .
وهنا وقفت مع نفسي لحظة لأتأمل , الصلاة.
الركن العملي الأول في الإسلام , الصلاة التي أجمعت عليها الأمة قاطبة علماءً وعامهً ,
الصلاة التي أصبح غير المسلمين يميزون المسلمين بها عن غيرهم , الصلاة التي يصليها جميع فرق الأمة الثلاث والسبعون دون اختلاف يأتي اليوم منكرو السنة ويقولون : لا هي ليست كما يصلون , نحن سنضع لكم صلاة بمواصفات جديدة عند هذه اللحظة أدركت يقينياً أنة كما أن اجتماع الأمة هو عز لها كذلك فأن في افتراقها عز لها . كيف هذا ؟
ويكون هذا دليل قاطع علي بطلان مذهب منكري السنة . لماذا؟
لأنة لو افتراضنا أن هناك صلاة غير هذه الصلاة المعروفة ألم يكن تلك الفرق أن تحافظ عليها بهيئتها وتشنع علي أية فرقة أخري تغير في هيئة الصلاة ؟
من هنا أجد أن كل آية تتحدث عن الصلاة والطهارة والاغتسال في كتاب الله دليل قاطع علي حجية السنة النبوية المطهرة .