〖〗قصيدة ثورة الشك للأمير الراحل عبدالله الفيصل〖〗
حين يثور الشك في نفس العاشق فإنه يثورعلى إنسان قوي.. كبير.. مهما كان العاشق نفسه قوياً.. وكبيراً.. فإن في المحبوب قوة ذاتية هائلة.. قوة الحبيب من سحره الخاص.. ومن ضعف العاشق أمامه..فهي قوة مزدوجة!
................. .والغيرة تصنع الشك.. والعلاقة الجدلية بين الشك والحب معقدة.. الشك يقوي الحب.. واليقين يخمده.. والحب يفتح نوافذ الخيال على ساحات للشك لم تكن موجودة.. وكلما زاد الحب وتمكن زاد القلق من الشك.. لأن الحبيب هنا غال جداً.. أغلى الأشياء والأحياء.. ومن المؤلم الشك في امتلاك حبه.. وقلبه.. لأن هذا الشك يهدد بخسارة كل شيء قد لايستطيع المرء تفسير ذلك الا اذا كان يملك القدره على البوح بكل ما يشعر به لمن يحب كي لاتزداد العلا قه تدهور وتبعد المسافه بينهما وعندها يصعب عليهم النظر حولهما تقدير الظرف وتحليل الحقيقه دون مواربه ليتمكنوا من اصلاح الخلل المفتعل بفعل فاعل له الرغبه والاهداف الشيطانيه والغيره السوداء لاافساد نات البين بين هما ونصيحتي وباا لعموم التروي ومنح الثقه لان الثقه تعني الصراحه وهنا ساعودلشرح المغزى والتشبيه لقصيدة ..
من أجمل القصائد التي شدت بها (أم كلثوم) للأمير عبدالله الفيصل، وهي موجودة في ديوانه (وحي الحرمان) ولكن بعنوان: "عواطف حائرة"
أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي
أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي
يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي
وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي
وَأنْتَ مُنَايَ أَجْمَعُهَا مَشَتْ بِي
ِإلَيْكَ خُطَى الشَّبَابِ المُطْمَئِنِّ
وَقَدْ كَادَ الشَّبَابُ لِغَيْرِ عَوْدٍ
يُوَلِّي عَنْ فَتَىً في غَيْرِ أَمْنِ
وَهَا أَنَا فَاتَنِي القَدَرُ المُوَالِي
بِأَحْلاَمِ الشَّبَابِ وَلَمْ يَفُتْنِي
كَأَنَّ صِبَايَ قَدْ رُدَّتْ رُؤاهُ
عَلَى جَفْنِي المُسَهَّدِ أَوْ كَأَنِّي
يُكَذِّبُ فِيكَ كُلَّ النَّاسِ قَلْبِي
وَتَسْمَعُ فِيكَ كُلَّ النَّاسِ أُذْنِي
وَكَمْ طَافَتْ عَلَيَّ ظِلاَلُ شَكٍّ
أَقَضَّتْ مَضْجَعِي وَاسْتَعْبَدَتْنِي
كَأَنِّي طَافَ بِي رَكْبُ اللَيَالِي
يُحَدِّثُ عَنْكَ فِي الدُّنْيَا وَعَنِّي
عَلَى أَنِّي أُغَالِطُ فِيكَ سَمْعِي
وَتُبْصِرُ فِيكَ غَيْرَ الشَّكِّ عَيْنِي
وَمَا أَنَا بِالمُصَدِّقِ فِيكَ قَوْلاً
وَلَكِنِّي شَقِيـتُ بِحُسْنِ ظَنِّي
وَبِي مَمَّا يُسَاوِرُنِي كَثِـيرٌ
مِنَ الشَّجَـنِ المُؤَرِّقِ لاَ تَدَعْنِي
تُعَذَّبُ فِي لَهِيبِ الشَّكِّ رُوحِي
وَتَشْقَى بِالظُّنُـونِ وَبِالتَّمَنِّي
أَجِبْنِي إِذْ سَأَلْتُكَ هَلْ صَحِيحٌ
حَدِيثُ النَّاسِ خُنْتَ؟ أَلَمْ تَخُنِّي
إن هذه القصيدة تحس فيها بنبض القلب.. وهي إلى (العواطف الحائرة) أقرب منها إلى(ثورة الشك) ولكن القصائد حين تُغَنَّى يختار لها عنوان أقوى وإن لم يكن أكثر تعبيراًودقة..
والشك في القصيدة ليس من نوع حلم الرجل المستيقظ.. أو بخار الحب الذي ليس له وجود.. هناك حديث الناس.. هناك واشون.. هناك من نقل للعشاق كلاماً خطيراً عن خيانة الحبيب.. ولكن عواطف الشاعر حارت بين ثقته في
حبيبه.. وبين كلام الناس.. حارت عواطفه بين قلبه.. وأذنه:
يُكَذِّبُ فيكَ كُلَّ الناس قلبي
وتسمع فيك كل الناس أُذني
حالة من الصراع..
والصراع هو جوهر الدراما.. والحب في أعماقه نوع من الدراما.. وليست الدراما هنا بمعنى الأحزان والمآسي كما يفهم كثيرون هذه الكلمة خطأ.. بل الدراما تشمل الأمرين (المآسي = التراجيديا) و(المهازل = الكوميديا) والحب بين.. بين.. فيه سعادة كبيرة.. وفيه ألم وشقاء.. فيه مآس وأحزان وفيه مهازل أحياناً.. وفيه أطراف أخرى.. أبطال شر.. منهم
هؤلاء الوشاة الكاذبون الذين يزعمون للعاشق أن محبوبه يخونه.. إما عن حسد.. أو حقد.. أو رغبة جبلية في الشر.. والعاشق مسكين.. والعشق يجعله حساساً.. وقريباً من الشك بلا كلام وشاة.. وبلا أسباب.. لمجرد أن المعشوق موجود.. وجميل.. ويعيش بين الناس.. ويراه الناس.. ولا يستطيع العاشق أن يخبئه في قلبه.. يقول جميل بثينة: "ما رأيتُ مصعباً
يختال بالبلاط إلا غِرءتُ على بثينة وبينهما آلاف الأميال".
ومصعب هو الأمير مصعب بن الزبير وكان من أجمل الرجال!
وإذا كان الحب من طبعه أن يثير الشك في أثبت الأمور.. فما الحال حين يقول الناس.. أو يتقولون.. إن الحب - بطبعه - يغذي هذه الأقاويل ويذهب بها إلى آخر مدى.. ويدخل حولها في صراع مع العقل.. والنتيجة الحتمية هي:
الألم.. ولا يكاد يوجد حب بلا ألم إلا في الجنة إن شاء الله تعالى.. أما حياتنا الدنيا فالحب فيها - على لذته - مشوب بألم
الشك.. والغيرة.. والشوق.. والهجر.. والحرمان..
وحين يثور الشك في نفس العاشق فإنه يثورعلى إنسان قوي.. كبير.. مهما كان العاشق
نفسه قوياً.. وكبيراً.. فإن في المحبوب قوة ذاتية هائلة.. تشبه القوة الذرية.. قوة
الحبيب من سحره الخاص.. ومن ضعف العاشق أمامه..فهي قوة مزدوجة!
وأنتَ منايَ أجمعُها مشت بي
اليك خطى الشبابِ المطمئنِ
حين يكون هذا الحبيب هو جميع المنى فهو القوة بعينها لا يستطيع العاشق الوقوف أمامها أو المغامرة بفقدانها!
ولهذا تكون ظلال الشك أسواط عذاب:
وكم طافت عليَّ ظلالُ شك
أقضت مضجعي واستعبدتني
كأني طاف بي ركبُ الليالي
يُحَدِّثُ عنك في الدنيا وعني
لا يوجد حد لهواجس العاشق ولا لآلامه
إلا أن يتأكد أن حبيبه له.. وحده..
والحب النبيل كما في قصيدة (ثورة الشك) أو (عواطف حائرة) يستبعد الخيانة ابتداء، لأن حُباً كهذا لا ينتقي طبيعة إلا من لا تتصف بالخيانة.. ولكن حين يتمكن الحب يعمل عمله كما هي عادته دائماً.. ويشعل جذوة شكوكه أدنى كلام.. فكيف حين يتوارد الكلام؟
يقول الناس إنك خُنتَ عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصنِّي
وأنت مناي أجمعُها مَشَت بي
إليك خُطَى الشباب المطمئنِّ
يكذِّبُ فيك كل الناس قلبي
وتسمعُ فيك كل الناسِ أُذني
وكم طافت عليَّ ظلالُ شكٍ
أقضت مضجعي واستعبدتني
كأني طاف بي ركبُ الليالي
يحدث عنك في الدنيا وعني
على أني أُغالطُ فيك سمعي
وتُبصرُ فيك غير الشكِّ عيني
وما أنا بالمصدِّق فيكَ قولاً
ولكني شقيتُ بحُسنِ ظني
وبي مما يُساورني كثير
من الشجن المؤرِّق.. لا تدعني
تُعَذَّبُ في لهيب الشكِّ روحي
وتشقى بالظنون وبالتمنِّي
أجبني إذ سألتك: هل صحيح
حديثُ الناس..
خُنتَ؟
ألم تُخَنِّي؟
على أن هنالك عاملاً ثالثاً - غير الحب وكلام الناس - يؤجج جذوة الشك ويضرم حيرة العواطف في نفس الشاعر العاشق.. وهو أنه قدأحبها على كِبَرِ في سنه وقد كاد الشباب يولي..
وحين يحب الكهل فتاة فالألم أكبر والشك أقرب فما بالك حين يقول الناس؟:
وقد كاد الشبابُ لغير عُودٍ
يُولِّى عن فتىً في غير أَمنِ
وها أنا فاتني القدر الموالي
بأحلامِ الشباب ولم يَفُتني
كأنَّ صباي قد رُدَّت رُؤَاهُ
على جفني المُسَهَّد أو كأنِّي
والحب.. أو المحبوب الرائع يعيد للكهل صباه ولكنه لا يطمس عقله ولا يطمس الحقائق ولا يعيد الجسد نفسه إلى الصبا ومن هناتزداد حيرة العواطف..
وبعيداً عن هذه القصيدة الجميلة فإن هناك أناساً يشكون وهم لا يحبون..
إنهم سيئون جداً ومتعبون.. أخذوا من الحب أسوأ ما فيه وتجردوا من محاسنه.. إنهم الذين يشكون في زوجاتهم شكاً أسود بلا أي مبرر.. وبلا حب أيضاً.. وإنما بدافع التملك والقهر والمرض الداخلي فيهم..
ومنهم نساء أيضاً تغار الواحدة على زوجها وتشك فيه شكاً أسود وهي لا تحبه بمعنى الحب بل تريد أن تملكه وتلغيه..
شك أسود كهذا يدمر الحياة.. وقد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه