آ ـ النمذجة الفنية:
إن النمذجة الفنية أسلوب تقني جديد، طرحته الحداثة الشعرية العربية، في محاولتها التعبير عن وعيها الغنائي الموصوف بالدرامية. وهو أسلوب نقلته الحداثة من الفنون الأدبية الموضوعية والدرامية، إلى الشعر الغنائي. ولم يكن لهذا الأسلوب من أهمية تذكر، فيما قبل الحداثة من شعر عربي. ولكن قبل الإشارة إلى هذا الأسلوب ـ إذ أن المجال لايسمح بالإفاضة(*) - لابد من التمييز بين النمذجة الفنية والنمذجة الجمالية. حيث إن الأولى تعني خلق شخصيات ذات طبيعة نفسية أو اجتماعية معينة، تتنامى في سياقها الفني، مستقلة بهذا القدر أو ذاك عن ذات المبدع. أما الثانية فتعني تجسيد إحدى القيم الجمالية كالجمال أوالقبح أو الجلال أو البطولية... إلخ، من خلال هذه الصورة أو تلك الحالة، أو ذلك الموقف. ولايخلو إبداع فني، مهما يكن نوعه أو نمطه، من هذه النمذجة. إن النمذجة الفنية تنطوي على النمذجة الجمالية، غير أن هذه لاتنطوي على تلك بالضرورة. إذ إن النمذجة الجمالية هي سمة الفن عامة، أما النمذجة الفنية فهي سمة الفنون الموضوعية والدرامية خاصة. وبهذا المعنى فإن الشعر العربي الكلاسيكي قد طرح الكثير الكثير من النماذج الجمالية، ولكنه قلّما مال إلى طرح النماذج الفنية. هذه النماذج التي شكلت قوام الكثير من النصوص الشعرية الحداثية وذلك من مثل: المومس العمياء للسياب، والأخضر بن يوسف، لسعدي يوسف، ومهيار الدمشقي لأدونيس، وإبراهيم ليوسف الخال، ولعازر لخليل حاوي....إلخ.
إن الاتكاء على النمذجة الفنية لايخفّف من حدة الغنائية، في الشعر، فحسب. بل إنه أيضاً يلغي التقريرية أو يخفف منها، كما يفسح المجال لدخول عدة أصوات، في النص الشعري، وهو مايحيل على بروز صفة الصراع التي تميز عادة الأعمال الدرامية. ومن جهة أخرى، فإن هذه النمذجة قد أفسحت المجال، أمام الشاعر، كي يخرج من التعبير عن ذاتيته، إلى التعبير عن الذوات الأخرى التي يتعاطف أو يتقاطع أو يتصارع أو يتناقض وإياها، أي أن هذه النمذجة قد وسّعت المساحة التي يتصدى لها الشاعر بفنه. فلم يعد الأمر متعلقاً بالتعبير عن أثر الظواهر والأشياء في الذات الفردية. بل أصبح متعلقاً أيضاً بالتعبير عن ذلك الأثر في الذوات الأخرى التي أصبح لها الحق بالوجود، من خلال النمذجة، بمعزل عن فردية الشاعر.
ب ـ البناء الدرامي:
يؤكد الدكتور عز الدين اسماعيل، في دراسته للأبنية الشعرية، في الشعر المعاصر، أن ثمة ميلاً واضحاً إلى الشكل الدرامي، ظهر ذلك من خلال إنتاج القصائد الطويلة التي تبدو وكأنها ملاحم شعرية حديثة(31). ويرى أن هذه القصيدة:
"تزداد بنيتها تعقيداً حتى صارت القصيدة موقفاً فكرياً غاية في التعميم والشمول، وغاية في الدقة والرهافة في الوقت نفسه.... وتطورت في اتجاه الشكل الدرامي فصارت مجموعة من الأصوات المختلفة والمتميّزة، وازدادت تركيباً وتعقيداً وإفراطاً في الطول حتى قاربت منهج التأليف الموضوعي..."(32).
وعلى الرغم من أن الدكتور إسماعيل يصف هذه القصيدة بالطويلة، غير أنه لايشترط فيها الطول الكمي بالضرورة، فقد تكون القصيدة قصيرة نسبياً، وتكون في الوقت نفسه متصفة بصفات القصيدة الطويلة من حيث التعقيد والشمول والدقة والرهافة. فالشكل أو البناء الدرامي هو الأساس.
ولاشك في أن هذا البناء لم يكن له أن يتمّ، لولا سمة الدرامية التي تميز الوعي الجمالي الحداثي الذي راح يتخفف من الغنائية، حيناً من خلال النمذجة، وحيناً من خلال البناء الشعري، وحيناً من خلالهما معاً.
وعلى الرغم من أن الدكتور إسماعيل قد درس هذا البناء، إلا أنه لابأس من الإشارة السريعة إليه، توضيحاً لسمة الدرامية في الوعي الحداثي.
يتميز البناء الدرامي، في شعر الحداثة، بتعدّد الأصوات وتناقضها، وبتطور الصورة الفنية من بعضها وتواشجها فيما بينها، وبالتماسك البنيوي الذي يجعل من النص كلاً واحداً، يصعب اجتزاؤه إلى وحدات مستقلة؛ ويتميّز أيضاً بطرح المشاعر المصطرعة، وبالتنامي الانفعالي للحالة الشعرية المطروحة، وبتنوّع الجوانب التي يرصدها النص الشعري. وغني عن البيان أن هذه السمات يمكن أن توجد جميعاً في نص واحد، كما يمكن أن يوجد معظمها في نص آخر. فقد تتعدد الأصوات في النص من دون تنوّع في الجوانب، وقد يتنامى الانفعال من دون أن تصطرع المشاعر..ولكن البناء الدرامي يتنافى عادة وأحادية الصوت، مثلما يتنافى والتفكّك أو المراوحة في انفعال ذي طبيعة واحدة ثابتة. ولاشك في أن النص النموذجي للبناء الدرامي هو ذلك النص الذي ينطوي على تلك السمات مجتمعة. وما أكثر النصوص النموذجية في ذلك. ويكفي أن نتذكر ذلك الكمّ الهائل من القصائد الطويلة التي طالت لتشمل ديواناً شعرياً بكامله. وبدهي أن البناء الدرامي ليس خاصاً بالقصائد الطويلة ـ وإن يكن أكثر وضوحاً فيها ـ بل إنه يشمل أيضاً بعض القصائد القصيرة، وحتى بعض المقطعات الشعرية التي تبدو، للوهلة الأولى، غنائية صرفاً، ولتبيان ذلك، نتوقف عند واحد من النصوص القصيرة جداً. أما النص فهو قصيدة لأحمد عبد المعطي حجازي، بعنوان "إيقاعات شرقية"(33)
أغويتني
ياأيها الوجه الحسن
ولم تقدّم لي الثمن
لاطرحة العرس،
ولافرحة أعضاء البدن
*
وكان شعري خيمة،
وكان نهداي عشيقين،
وكانت سُرّتي كأساً،
وكانت فخذي
إبريق خمر ولبن !
وذبحوني!
آه أهلي! ذبحوني!
لم تقدّم لي الكفن
ياأيها الوجه الحسن
*
وكان شعري
وكان نهداي
وكانت جثّتي
ينهشها الإيقاع
ينـ ....!
قد يبدو هذا النص خالياً من الدرامية في بنائه، لما يتصف به من طرح لما هو فردي، ولما يظهر عليه من استعلاء لنبرة الإيقاع البادية بالتقفية المتوالية، والتشطير الموسيقي. غير أن ذلك لم يلغ البناء الدرامي أو يخفف منه. بل لعله يعمق فيه هذا البناء. بحيث يتكامل الشكل الإيقاعي ومايطرحه النص من حالة يتداخل فيها الإحساس بالجمال والإحساس التراجيدي.
إن هذا التداخل هو الملمح الأول من ملامح البناء الدرامي، في هذا النص الذي يبدأ بالغواية التي هي الإحساس بالجمال، وينتهي بنهش الإيقاع (أو الزمن) للجثة، وهو مايعني الإحساس التراجيدي. وما بين هذين الإحساسين فعل صفته البشاعة والقبح وهو فعل الذبح. بمعنى أن ثمة اصطراعاً في المشاعر، كما أن ثمة تنامياً في الانفعال راح يعلن عن نفسه، منذ أن اكتفى الوجه الحسن بالغواية، متخلّفاً عن دفع ماتتطلّبه من تتويج بطرحة العرس أو أو فرحة أعضاء البدن. حيث بدا أن هنالك نوعاً من الخيبة بالوجه الحسن. ثم تحولت الخيبة إلى فجيعة، وتعمقت الفجيعة لتغدو مأساة، حين تخلّف الوجه الحسن حتى عن تقديم الكفن، لتبقى الجثة مرمية في العراء، ينهشها الزمن بفعل لايكاد ينتهي (ينهشها الإيقاع ينـ....!)
ونلحظ أن هذه التحولات لم تأت بمعزل عن الصراع أو التناقض بل إنه الأساس فيها. فالغواية تتناقض والإحجام، وتتناقض أيضاً وقوانين الأهل. كما أن ذلك الجمال يتناقض وفعل الذبح، والكفن يتناقض والوجه الحسن، والجثة هي الأخرى تتناقض وفعل الإيقاع أو الزمن. ويمكن القول أيضاً إن النص بمجمله يقوم على التناقض بين قطبين اثنين. الأول هو الجمال ومصاحباته (الغواية والحسن والعرس والفرحة والخمر...) والثاني هو القبح ومصاحباته (الإحجام والذبح أو النهش) ومن خلال التناقض والصراع بينهما تتولد النهاية التراجيدية....ـ ...ينـ /حيث يسقط الجمال سقوطاً مدوّياً. ومايزال دويه مستمراً .
إن كل ذلك يجعل من النص كلاً واحداً، لايمكن اجتزاؤه؛ ويجعل من صوره الفنية متواشجة، يتنامى بعضها من بعض، ولانعتقد أن ثمة حاجة للإفاضة في ذلك وهكذا نلحظ أن هذا النص يقوم على البناء الدرامي، على الرغم من قصره النسبي الذي يوحي بالغنائية. ومالاحظناه في هذا النص، نلاحظه أيضاً في مقطع شعري من قصيدة بعنوان "ثلاث حالات لإمرأة واحدة"(34) لسعدي يوسف، والمقطع الذي سوف نثبته يمثل الحالة الثانية. حيث يظهر فيه التنامي الانفعالي والتطور الصوري والتماسك البنيوي:
في المحطة، كان القطار الأخير إلى برشلونه
يطلق الصفرات الأخيره
كنت شاحبة في غصون الصباح التي
تشرب البرد والريح والتمتمات الأخيره
ترحلين إذن؟
تبحثين عن العمل المنزلي...
بمملكة في بلاد الشمال
أنت... سيدة المطعم الغجري...
ألم تبصري كيف طاف المغنّون حولك؟
كيف رأونا عروسين،
بين زهور النحاس وأطباقه وغصون الظلال
ليلة...
ثم تمضين...
شاحبة...
في القطار الأخير إلى برشلونه(35)
لقد انعكس ميل الحداثة الشعرية إلى الدرامية،إذاً، في النمذجة الفنية والبناء الدرامي، وهو مايؤكد محاولتها الجادة التعبير الفني عما استجّد من حاجات جمالية، لم يعد بالإمكان انعكاسها بالشكل الغنائي الصرف، على نحو يعادلها فنياً. ومما يجب ذكره، أخيراً، أن الميل إلى الدرامية، في الشعر العربي، كان قد بدأ، بشكل أولي، مع الرومانتيكية العربية، "وليس عجيباً أن تظهر لدى شعرائنا الرومانتيكيين بدايات درامية. لأن معنى التجربة الشعرية وأفقها قد اتسع على أيديهم واصطبغ بغير قليل من الجدية في معاناة الحياة"(36).
3ـ الكلية:
إن الكلية هي السمة الثالثة من سمات الوعي الجمالي الحداثي، ولها علاقة وثيقة بكلّ من التجادلية والدرامية. إذ إن الوعي الذي يرى العالم في وحدته القائمة على التناقض وتبادل التأثير، لايمكنه أن يتعامل مع الظواهر والأشياء بوصفها وحدات جزئية ذات كينونة مستقلة متمايزة، أي لايمكنه إلا أن يراها في إطارها الكلي. وكذا هي الحال بالنسبة إلى سمة الدرامية التي تفترض رؤية الظاهرة في تحولها من حالة إلى أخرى، من خلال الصراع، ومن خلال علاقاتها بالظواهر الأخرى، وهو مايعني رؤية كلية أيضاً. والحق أن هذه السمات الثلاث ترتبط فيما بينها بعلاقة جدلية، يصعب النظر إلى واحدة منها بمعزل عن الثانية. مما يؤكد الاتساق والانسجام في الوعي الحداثي، ويؤكد أيضاً أن هذا الوعي متكامل في طريقة تعامله الجمالي مع الواقع والعالم.
تفترض الكلية، إذاً، النظر إلى الظاهرة في جوانبها المختلفة والمتعددة، وفي ارتباطها بالظواهر الأخرى. فلاتؤخذ معزولة، أو يؤخذ جانب منها فحسب، ومن هنا فإن الكلية تفترض تقويماً جمالياً كلياً. إذ إن الرؤية الكلية للظاهرة تنعكس في تقويم جمالي كلي بالضرورة، وقد يقال، في هذا المجال، إن الكلية، على النحو المذكور، هي سمة البحث العلمي، لاسمة الوعي الجمالي.
لاشك في أن هنالك اختلافاً كبيراً بين الكلية في البحث العلمي، والكلية في الوعي الجمالي. ففي حين أن الأول يتجه إلى وعي العلاقات والسمات الكلية التي تنظم الظاهرة، في ذاتها من جهة، وفي محيطها من جهة أخرى، وذلك بأدوات معرفية مجردة، وبذهنية علمية منطقية، تسعى إلى تحويل الظاهرة الحية إلى قانون نظري مجرد. فإن الثاني ـ الوعي الجمالي الحداثي ـ يتجه إلى وعي الظاهرة بسماتها وعلاقاتها وذلك بأدوات حسية فنية، وذهنية انفعالية تصويرية، وهو مايعني رصد الأثر الانفعالي الناجم عن الظاهرة، لارصد الظاهرة، كما هي، مثلما يفترض في البحث العلمي. ومن هنا فإن الوعي الجمالي لايقوم على فهم الظواهر، كما هي عليه، بل يقوم على فهمهما، في تأثيرها الإنفعالي ـ الجمالي في الذات الإنسانية، بمعنى أن الوعي الجمالي ليس وعياً موضوعياً، وإنما هو وعي ذاتي ـ أنفعالي. ولذلك من الخطأ أن نبحث عن الواقع الموضوعي، كما هو، في الفن، والصحيح هو البحث عن ذلك الواقع في تشكّله الذاتي. فليس ثمة حقائق موضوعية في الفن. بل ثمة حقائق فنية، وربما الأصح أن نقول إن ثمة ظواهر فنية. فالفن ينتج ظواهر، كما أنه يحيا على الظواهر، حسبما يقول هيغل(37).
وباتصاف الوعي الحداثي بالكلية يكون قد افترق مرة ثالثة عن الوعي الكلاسيكي العربي في صفته الجزئية التي ظهرت واضحة فيما يسمّى بالأغراض الشعرية؛ وظهرت أيضاً في شكل القصيدة القائم على أبيات، كل منها يشكل جزئية متكاملة غير منقوصة؛ كما ظهرت في التقويمات الجمالية الجزئية لبعض الأعضاء الأنثوية، وبعض الحيوانات والنباتات وبعض الأفعال والحالات الاجتماعية والنفسية، حيث يمكن التوكيد أن الوعي الكلاسيكي قد اصطبغ بالجزئية، في مجمل نشاطه الجمالي، وقلّما يميل إلى الكليّة في الرؤية والرؤيا والتقويم والتأثير الانفعالي، أي في نشاطه الجمالي، وانعكاسه الفني.
لقد انعكست الكلية، في غير مستوى من مستويات النص الشعري الحداثي. فبدا هذا النص وكأنه يسعى إلى الإحاطة والشمول، في كل مايتناوله أو يتعرض له. ولأن المجال لايسمح برصد كل مستويات النص، فإننا نكتفي بالحديث عن اثنين منها فقط، جرياً على عادتنا في هذا المبحث. أما هذان المستويان، فهما: الموضوع الفني والتقويم الجمالي.
آ ـ الموضوع الفني:
لقد تغيرت العلاقة الجمالية بين الذات المبدعة وموضوعها الفني تغيراً كبيراً، في شعر الحداثة، عما كانت عليه من قبل في الشعر الكلاسيكي، فقد كانت المحاكاة هي الأساس في تلك العلاقة. على حين أصبحت، في شعر الحداثة، قائمة على الخلق. فلم يعد الموضوع سوى محرّض جمالي، تنطلق منه الذات المبدعة إلى الخلق بما يتلاءم وطبيعة التحريض، وبما يتلاءم أيضاً وطبيعة الاهتمامات الذاتية. ومن هنا، فإن الموضوع، من حيث هو موضوع ناجز، قد غاب عن شعر الحداثة، ليحضر بدلاً منه تحريضه الجمالي. بل يمكن القول إن ماحضر هو التحريضات الجمالية لعدة موضوعات متشابكة ومتناغمة، في الوقت نفسه. ولهذا فقد تراجع شعر الموضوع إلى الخلف، وتصدّر شعر التجربة POETRY OF EXPERIENCE. إذ إن شعر الموضوع يفترض شعوراً محدداً واضحاً مرتبطاً بموضوعه، أما شعر التجربة فينطوي على مشاعر وحالات وموضوعات متعددة ومتنوعة. وهو ماينسجم ومفهوم التجربة عامة حيث تتداخل المشاعر والموضوعات فيما بينها تداخلاً شديداً، بسبب طبيعة التجربة التي تنصهر فيها الموضوعات والمشاعر، لتغدو كلاً موحداً(38).
إن النص الشعري الحداثي لايعالج عادة، موضوعاً محدداً، وإنما يعالج تجربة روحية أو نفسية أو اجتماعية أو كلها معاً ـ وهو الأعمّ الأغلب ـ وبذلك فإن الميل إلى الكلية قد دفع بالنص الشعري إلى أن يكون نص تجربة، لانص موضوع. مما أدى به إلى تجاوز ثنائية الذات والموضوع، وتجاوز الشعور المحدّد، وإلغاء الأغراض الشعرية المعهودة. وقد يبدو أن شعر الحداثة لم يعد ينتج، جراء ذلك التحول، معرفة جمالية بالموضوع. لأنه اكتفى من الموضوع بتحريضه الجمالي فحسب. غير أن واقع الحال يؤكد عكس هذا. فالميل إلى التعبير عن التجربة قد جعل من المعرفة الجمالية، في شعر الحداثة، تتسع لتشمل عدة موضوعات ومشاعر في آن معاً. وبهذا فإن المعرفة الجمالية المتحصلة من قصيدة التجربة هي معرفة كلية تشتمل على كلّ مايتعلق بالمحرض الجمالي. سواء أكان ذلك موضوعاً أم شعوراً أم وعياً، من دون أن يعني هذا انفصالاً فيمابينها، أو بروزاً لجانب دون آخر. فالتجربة هي الكلّ المتناغم المتكامل الذي لايمكن تجزيئه إلى وحدات مستقلة. وإذا ما أردنا أن نحافظ على استخدام مصطلح الموضوع، في شعر الحداثة، فإنه لامناص من فهمه فهماً مختلفاً، بحيث لايحيل على الواقع الموضوعي، وإنما يحيل على التجربة التي أصبحت هي الموضوع الفني في شعر الحداثة. وغني عن البيان أن هذا التحول لاينسجم وسمة الكلية فحسب. بل ينسجم أيضاً وسمة التجادلية بما تعنيه من تبادل التأثير وانتفاء الاستقلالية، عن العناصر والجوانب.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أن الرومانتيكية العربية كانت قد خطت الخطوة الأولىفي تجاوز الموضوع الواقعي من حيث كونه قابلاً للمحاكاة؛ ومالت باتجاه الموضوع النفسي الذي يقترب من التجربة. غير أن الفرق بين التجربة والموضوع النفسي يبقى قائماً، وفحواه أن هذا الموضوع ينحصر في إطار الطبيعة النفسية الخاصة بالفرد، في حين أن التجربة أعمّ وأشمل، وهي قابلةلمجمل الموضوعات، على اختلاف مصادرها وطبائعها، ولمجمل الأنماط النفسية والروحية والاجتماعية. ونعتقد أن الأمثلة الشعرية المثبتة في هذا البحث تؤكد ماذهبنا إليه وتغني عن التمثيل على ذلك.
ب ـ التقويم الجمالي:
من البدهي، في علم الجمال، أن الفن بعامة تقويم جمالي للظواهر والأشياء، من منظور المثل الأعلى للفنان. فهو، بهذا المعنى ، تقويم ذاتي. غير أن هذا التقويم الذاتي لاينشأ بمعزل عما هو موضوعي في تلك الظواهر. بل إنه ينشأ من خلال العلاقة بها، وعبر طبيعة التأثير الذي تخلّفه في الذات التي لاتقوّم، ولاتتأثر هي الأخرى بمعزل عن مثلها الأعلى وذوقها الجمالي. ولأن المثل الأعلى والذوق والوعي والحاجة ومكانة الظواهر بالنسبة إلى الإنسان، كلاً منها يتغير، فإن تغيُّر التقويمات الجمالية يغدو أمراً محتوماً. إذ إنها نتاج تلك الجوانب مجتمعة. ومن هنا لاغرابة في أن نشهد اختلافاً في التقويمات الجمالية، من بيئة إلى أخرى . بل من فرد إلى آخر أيضاً، فيما يخص التقويمات الجزئية.
نقول ذلك، تمهيداً للحديث عن التقويم الجمالي، في شعر الحداثة. حيث إن هذا الشعر قد تمخّض عن تقويمات جمالية مختلفة، بشكل واضح، عن تلك التي تمخض عنها الشعر العربي الكلاسيكي والتقليدي المعاصر. سواء أكان ذلك بطبيعة التقويم. أم بتنوعه وتعدّده، أم بعلاقاته بكلّ من الموضوع والذات.
فمن المعلوم أن طبيعة التقويم، في الشعر الكلاسيكي، غالباً ماتكون طبيعة حسية، فيما يتعلق بالظواهر الطبيعية. وقد ظهر ذلك في الصورة الفنية في ذلك الشعر، كما ظهر في دفاع النقد العربي القديم عن حسية الصورة(39).
ومن جهة ثانية، فإن ذلك الشعر غالباً مايطرح قيمة جمالية واحدة لموضوعه الفني، وما مصطلح الأغراض الشعرية إلا دليلاً على هذا. فكلّ غرض يختصُّ بقيمة محددة. فالجمال للغزل، والتراجيدية للرثاء، والبطولية للفخر والمديح، أما الهجاء فله القبح والكوميدية. وقلما تتداخل هذه القيم في موضوع واحد. غير أنها قد تتعدّد في النص الواحد، بشكل تراكمي، مع توالي الأغراض الشعرية. ومن جهة ثالثة، فإن التقويم، في ذلك الشعر، ينهض من احترام الذات لصفات الموضوع الفيزيائية والاجتماعية. ممايدفعها إلى محاكاته فنياً، والإخلاص له في إعادة إنتاجه جمالياً. وقد ظهر ذلك في كثرة الصفات المشتركة التي يراها الشعر العربي الكلاسيكي لهذا الموضوع أو ذاك، كالصحراء والناقة والأطلال والفرس والخمرة والمرأة والحرب والفارس...إلخ. وقد ظهر أيضاً في دفاع النقد العربي القديم عن صفات الموضوع، والهجوم على الشعراء الذين يقصّرون أو يغيّرون في ذلك، ولو بدرجات محدودة. ولعل في تتبّع الآمدي للأخطاء التي يرى أن أبا تمام قد وقع فيهاً دليلاً واضحاً على هذا(40). ولاشك في أن هذا التتبع يحيل على موقف جمالي يرى ضرورة أن يكون الشعر محاكاة للموضوع الواقعي، من منظور المثل الأعلى السائد. ومن الطريف، هنا، أن ماكان الآمدي قد رآه صفة سلبية، في شعر أبي تمام، تراه الحداثة ، شعراء ونقاداً، صفة إيجابية، جعلت من أبي تمام الشاعر الأثير بالنسبة إلى الحداثة، وهو مايعني تناغم شعر أبي تمام والوعي الجمالي الحداثي.
لقد طرحت الحداثة الشعرية تصوراً جديداً للتقويم الجمالي، فأصبح ذا طبيعة معنوية محمولة على عناصر حسية. وهو ماانعكس في الصورة الفنية ذات العناصر الحسية والإيحاء المعنوي؛ وانعكس أيضاً في التعامل الرمزي مع الأشياء، فبدت ذات طبيعة معنوية، على الرغم من كونها حسية في واقعها الموضوعي، أو بدت حسية على الرغم من معنويتها في ذلك الواقع. ولاشك في أن هذا ينسجم ومنطق التحريض الجمالي الذي تتبناه الحداثة الشعرية. بمعنى أن أثر الموضوع الواقعي هو الذي يتمّ التعبير عنه، لا الصفات العامة لهذا الموضوع. ولأن ذلك الأثر يمكن أن يكون حسياً، مثلما يمكن أن يكون معنوياً، فقد تمّ النظر إلى الموضوع من خلال أثره. وهو ماأدى إلى تحسيس المعنوي، كما أدى إلى تحويل المعنوي إلى حسي، على أن الأمر مرتبط، في نهاية المطاف، بطبيعة الأثر لاطبيعة المؤثّر.
ولأن الحداثة الشعرية تسعى إلى طرح التجربة لاطرح الموضوع، ولأن التجربة تتداخل فيها الموضوعات والانفعالات والمشاعر والرؤى، فقد ظهرت التقويمات الجمالية في النص متداخلة ومتعددة ومتصارعة. وقلّما نلحظ نصاً حداثياً يطرح قيمة جمالية واحدة. بل إن التداخل والتعدد والتصارع في التقويمات من صفات النص الشعري الحداثي عامة. وقد لانبالغ في القول بأن الصورة الفنية الواحدة قد تنطوي أحياناً علىعدة تقويمات. وقد مرَّ بنا سابقاً الحديث عن صورة محمود درويش (مشت الخيول على العصافير الصغيرة فابتكرنا الياسمين). ورأينا كيف تعددت التقويمات وتصارعت. ولابأس من الإشارة، في هذا المجال، إلى أن ذلك يتلاءم والوظيفة الجمالية ـ المعرفية المزدوجة للصورة الفنية، في شعر الحداثة، حيث أصبحت الصورة انعكاساً للتجربة، ولابد للعاكس من أن يمثّل المعكوس، بدرجة ما من الدقة والموضوعية.
وكي يتوضح المنطق التقويمي الحداثي، نتوقف عند ثلاثة من المقاطع الشعرية ذات الحالات والأنماط المختلفة.
يقول صلاح عبد الصبور، في قصيدة بعنوان "البحث عن وردة الصقيع":
أبحث عنك في ملاءة المساء
أراك كالنجوم عاريه
نائمة مبعثره
مشوقة للوصل والمسامره
ولاقتراح الخمر والغناء
وحينما تهتّز أجفاني/ وتفلتين من شباك رؤيتي المنحسره
تذوين بين الأرض والسماء
ويسقط الإعياء
منهمراً كالمطره
على هشيم نفسي الذابلة المنكسره
كأنه الإغماء.(41)
ويقول محمود درويش، في قصيدة "بيروت":
تفاحة للبحر، نرجسة الرخام
فراشة غجرية، بيروت. شكل الروح في المرآة
وصف المرأة الأولى، ورائحة الغمام
بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام
فضة. زبد. وصايا الأرض في ريش الحمام
وفاة سنبلة. تشرُّد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت
لم أسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي...وتنام...(42)
ويقول مريد البرغوثي، في قصيدة "رنة الإبرة":
تطريز ثوبك صامت...ويقولُ
الأخضر المبحوح ناي ناعم
مسُّته كفٌّ الريح والراعي
وأزرقه دفوف حولها شُعل وأحمره طبولُ
ومنمنمات رسومه همس وإصغاء
وغامقها به نعَس
وفاتحها له نفَس وفاجرها خجولُ(43)
على الرغم من أن هذه المقاطع متباينة في الأسلوب والحالة المرصودة والإيحاء، فإنها تصدر جميعاً من منطق تقويمي جمالي موحّد . فثمة الطبيعة المعنوية للتقويم، وتداخل التقويمات، والتعامل مع الأشياء من خلال تحريضها الجمالي ـ الانفعالي.
ففي المقطع الأول الذي يمكن أن يحيل على المعاناة الوجودية أو على المعاناة الفكرية ـ الفلسفية أو كلتيهما معاً، نلحظ أن الذات تعاني بحثاً مريراً عن الفكرة المنشودة أو المثل الأعلى، في الأشياء الغامضة(ونشير إلى أن بقية مقاطع القصيدة تتابع البحث عن الفكرة في مجالات الحياة كافة). فترى الفكرة عارية، نائمة، مبعثرة، ولكن تراها أيضاً راغبة في التجسّد(الوصل)، وفي الانتشار الجميل (الخمر والغناء). غير أن الذات سرعان مايصيبها الإعياء، وكأنها مااستطاعت تحمّل مارأت أو حمله واعتناقه، فتذوب الفكرة، وتعود الذات إلى ما كانت عليه من ذبول وانكسار، في غياب المثل الأعلى أو الفكرة المنشودة.
نلحظ أن محور المقطع محور معنوي، في الأساس ، ولكنه تجسد بعناصر حسية، مثل الملاءة والمساء والنجوم والخمر والغناء والشباك والهشيم. إلا أن دلالات هذه العناصر ذات طبيعة معنوية بحت. فلايمكن طبعاً أن يبحث الشاعر عن المثل الأعلى في ملاءة المساء، بالمعنى الحرفي للتركيب بل ليس ثمة ملاءة للمساء أصلاً. كما لايمكن أن يتشوّق المثل الأعلى إلى الوصل والمسامرة أو الخمر والغناء. وعلى الرغم من أن هذه الإشارة تبدو ساذجة، في تلقي الشعر، إذ من البدهي أن ينهض الشعر من المجاز، إلا أننا أردنا منها أن تشير إلى العملية التي تنظم هذا المقطع، وهي تحسيس المعنوي، وإعطاء الحسي منحى معنوياً، في الوقت نفسه.
وذلك على النحو التالي:
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
معنوي = حسي = معنوي
فكرة شكل دلالة
وبهذا النحو، يكون المقطع قد حافظ على طبيعته المعنوية، كما يكون أيضاً قد حافظ على عناصر الصورة الحسية. إذ إن الحسي هو الحامل الجمالي للمعنوي في الفن عامة. حتى فيما يسمّى بالفن التجريدي فإن الحسية هي الحامل لأشكاله التجريدية.
واضح من المقطع أن الشاعر لم يهدف إلى محاكاة شيء أو موضوع ما، وإنما عبّر عن الأثر الذي تركته فيه الفكرة، بحالتها المرصودة، وهو أثر متعدد متنوع، أدى إلى تقويمات متعددة متنوعة. ففي البدء، نلحظ الفكرة خارقة الجمال (كالنجوم)، ثم نلحظها مؤسية (مبعثرة)، ثم تغدو ذات جمال أليف هادئ (الوصل والمسامرة)، فذات جمال لذيذ صاخب (الخمر والغناء)، ثم نلحظها مأساوية(تذوين)، وينتهي المقطع بطرح قيمة المعذب، من خلال الإعياء المنهمر والنفس الذابلة المنكسرة. وبهذا، فإن المقطع قد طرح ثلاثة تقويمات جمالية: الجميل بأشكاله المتعددة، والمأساوي، والمعذب. ولاتتكامل التجربة، في هذا المقطع، إلا عبر العلاقة بين هذه التقويمات.
أما المقطع الثاني، مقطع درويش، فإنه أكثر تعقيداً، وأكثر غنى على صعيد المنطق التقويمي الحداثي، من دون أن يعني هذا حكماً فنياًعلى أحد المقطعين. حيث تتوالى الصور الفنية، حول بيروت، بشكل يبدو فيه المقطع جملة من الصور المتلاحقة والمتزاحمة والمتناقضة التي تتمحور جميعاً حول تعميق الإحساس بأن بيروت هي مدينة المتناقضات. إنها الكلُّ الرائع الجميل القائم على التناقض. فهي، بحسب قراءتنا التي لن تخلو مما هو ذاتي وعياً وذوقاً، تلك الفتاة الرائعة الحسن والمنذورة للموت فداء للآخرين ـ ينبغي أن نتذكر، هنا، الأساطير والحكايا حول تقديم أجمل الفتيات كأضحية للبحر أو النهر الهائج ـ وهي الجمال المتحجر الصلد (نرجسة الرخام )، وربما تكون الجمال الحيوي الطالع من الصلادة؛ وهي الحيوية والعفوية والحرية والاحتراق (الفراشة = الحيوية والاحتراق. والغجرية = العفوية والحرية)؛ وهي العدم أو الذي لاتمكن معرفته (شكل الروح في المرآة)؛ وهي الجمال المتخيّل جراء الشهوة (وصف المرأة الأولى)، وهي الألفة المصحوبة بالدهشة (رائحة الغمام)، وهي الخبوُّ والبريق (تعب وذهب)، وهي التراجيدية والبطولية (أندلس وشام)، وهي الشيء الثمين والشيء الذي لاقيمة له (فضة وزبد) وهي الرسوخ المستقرُّ في الحيوية والحرية (وصايا الأرض في ريش الحمام)، وهي موت الجمال المخصب (وفاة سنبلة)، وهي الضياع والتوهان (تشرُّد نجمة). تلك هي بيروت التي يتعشقها الشاعر، وتنعم بالراحة على دمه (تنام على دمي)
نلحظ من ذلك أن كل صورة، في المقطع، هي تقويم جمالي. وقد تشتمل الصورة على تقويمين معاً، بشكل يمكن القول فيه إن المقطع ينطوي على خمسة عشر تقويماً، وهي عدد الصور الجزئية فيه. وهذه الصور أوالتقويمات لاتحاكي بيروت بل ترصد التحريض الجمالي لبيروت في الذات الشعرية. وهو مايعني إنتاج معرفة ببيروت وبالذات في علاقتهما معاً.
ومن اللافت للنظر في هذا المقطع، أنه لاوجود لأي عنصر معنوي يدخل في تركيب الصور الفنية. فكل عناصرها حسية، كالتفاحة والبحر والنرجسة والرخام والفراشة والرائحة والريش....إلخ، حتى الروح، وهي معنوية، تم النظر إليها حسياً (شكل الروح). أي ليس ثمة محاولة لتحسيس المعنوي، فبيروت حسية،، وعناصر الصورة حسية كذلك. غير أن دلالات الصور معنوية بحت، ولاوجود فيها للحسية إطلاقاً. وفي هذا تكمن المفارقة الفنية. إذ نتحصل على المعنوي مما هو حسي . ومن البدهي أن هذا لم يكن له أن يحدث، لو لم يكن التحريض الجمالي هو الأساس في التعبير... فأثر الحسي ليس بالضرورة حسياً فقط بل إن فيه بعداً معنوياً، وقد يكون الأثر المعنوي أوضح وأعمق من الأثر الحسي... فالضرب قد يؤثر في الكرامة تأثيراً أكبر وأدوم وأعمق، مما يؤثر في الجسم.
وعلى الرغم من أن المقطع ينطوي على صور وتقويمات جزئية مختلفة ومتناقضة إلاأن التقويم العام الذي يطرحه هو تقويم إيجابي. ويتلخص بعلاقة التناغم والتداخل والانسجام بين كلِّ من الذات وبيروت المتناقضة (عاشقة تنام على دمي). ولعل هذا من الشروط الأساسية في الفن عامة. إذ ينبغي أن يقدم العمل، في نهاية المطاف، طرحاً منسجماً متسقاً يخلو من التناقض في الرؤيا والتقويم، وإلا فإنه يفتقد إلى الشرعية الفنية. حيث يغدو أمشاجاً متنافرة، لاكلاً موحداً.
ويطرح المقطع الثالث، مقطع البرغوثي، تشكيلاً شعرياً للزيّ الفلكلوري للمرأة الفلسطينية، بلونه الأساسي الغائب (الأسود) والمعروف لدى المتلقي العربي، وبألوانه التجميلية كالأخضر والأزرق والأحمر، وبخيوطه ومنمنماته الزخرفية. وقد أراد الشاعر من ذلك أن يكون الثوب الفلسطيني تمثيلاً للتاريخ الفلسطيني ذي الخلفية المأساوية. وكأن اللون الأسود هو تلك الخلفية، أما الألوان الأخرى فهي نوعية ردّات الفعل الفلسطيني عبر التاريخ. بمعنى آخر: إن ذلك الثوب يمثل تاريخ فلسطين بحدادها (الأسود)، وأحزانها الدفينة (الأخضر المبحوح) وأفراحها وأهازيجها ( وأزرقه دفوف )، ونضالها ومقاومتها (وأحمره طبول )، وحياة أبنائها العاطفية (همس وإصغاء)، وميل القوى البارزة إلى الخمول (وغامقها به نعس )، وحيوية القوى غير البارزة (وفاتحها به نفس)، وقيمها التي تبتذل التفاخر بالعيب والفجور (وفاجرها خجول).
ولايختلف هذا المقطع عن المقطع الثاني، من حيث الدلالة المعنوية المتحصّلة مما هو حسي. ولكنه يختلف عنه من حيث إن الثوب لايعني نفسه بقدر مايمثل تاريخاً محدداً، في حين أن بيروت هي المعنية في المقطع السابق. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن بيروت المصوّرة توحي بإيحاءات معنوية حصراً. أما الثوب فيمكن أن يوحي معنوياً، بالإحالة على سواه، ويمكن أن يوحي حسياً أيضاً، وذلك فيما إذا نظرنا إلى الثوب على أنه لايعني سواه بل يعني نفسه حصراً وهذا ممكن في إحدى القراءات التي ترى أن الشاعر لم يهدف إلى غير التشكيل الشعري للثوب الفلكلوري. أي أنه نقل الثوب المحسوس بصرياً إلى ثوب محسوس سمعياً. ويختلف هذا المقطع، من جهة ثالثة، عن سابقه، في أنه يرصد الانسجام الحاصل من الاختلاف والتناقض (بين الأخضر والأزرق والأحمر، وبين الغامق والفاتح). في حين أن سابقه ليس معنياً برصد الانسجام. بل هو يرصد الاختلاف والتناقض فحسب، في بيروت؛ ويرصد من جهة أخرى الانسجام بين الذات وبيروت المتناقضة التي قد لاتوحي بالانسجام، بحسب المقطع.
إن الاختلاف في التعامل مع الأشياء، في شعر الحداثة، لايحيل على الاختلاف في طبيعة التحريضات الجمالية للأشياء، في الذات المبدعة فحسب. بل يحيل أيضاً على انتفاء النمطية الواحدة أو الموحّدة في الطرح الفني. فعلى الرغم من أن للحداثة وعياً جمالياً موحداً، إلا أنها لاتنطوي على نمطية فنية واحدة، ومااشتمال الحداثة على عدة تيارات شعرية إلا دليل على ذلك. صحيح أن هنالك نواظم مشتركة، ولكن هنالك أيضاً فوارق ملحوظة بين تلك التيارات ولا شك في أن كلّ ذلك ينسجم ومفهوم الجمال الذي يُشترط فيه التميّز والحرية والحيوية، بحسب الوعي الحداثي.
* إشارة أخيرة:
وهكذا نلحظ أن الوعي الجمالي الحداثي هو وعي تجادلي درامي كليّ، يختلف اختلافاً جذرياً عن الوعي الكلاسيكي العربي الذي هو وعي تكاملي غنائي جزئي. وهو ماأدى إلى تلك الاختلافات الواضحة، على صعيد الشكل الفني بين كلّ من شعر الحداثة والشعر العربي الكلاسيكي. غير أنه لابد من الإشارة، في هذا المجال، إلى أمرين هامين. الأول منهما أن هذا الاختلاف في طبيعة الوعي لايعني أن هنالك تطوراً. بل هنالك تحوّل أو تبدّل فحسب. إذ إن التطور يشير إلى أن ثمة أفضلية في اللاحق على السابق. وهو ماليس له مصداقية في تاريخ الفن عامة. فليس صحيحاً أن الفن الحديث أفضل من الفن القديم؛ كما ليس صحيحاً أن شعر الحداثة أفضل من الشعر العربي الكلاسيكي، وليس العكس صحيحاً بالضرورة. لقد كان الشعر العربي الكلاسيكي تلبية لحاجات جمالية متأصلة، وتعبيراً عن وعي جمالي يتلاءم وتلك الحاجات من جهة، ويتلاءم من جهة أخرى والمرحلة التاريخية التي ظهر فيها. وتلك هي الحال بالنسبة إلى شعر الحداثة الذي جاء أيضاً تلبية لحاجات جمالية جديدة، لم تكن موجودة من قبل، أو على الأقلّ: لم تكن لها تلك الأهمية التي تستدعي شكلاً فنياً جديداً ومختلفاً. ولكن إذا كانت المفاضلة بين شعر الحداثة والشعر العربي الكلاسيكي خاطئة ومغلوطة، إذ إن لكلّ منهما بيئته وحاجته ووعيه؛ فإن للمفاضلة بين شعر الحداثة والشعر التقليدي شرعيتها العلمية النقدية. فهما ينتميان إلى بيئة اجتماعية واحدة، ويتفاضلان في التعبير الجمالي عنها.
أما الأمر الهام الآخر، فهو أن اتصاف النص الشعري بسمات الوعي الحداثي لايؤدي حتماً إلى اتصافه بالفنية، إذ إن هذه مرهونة بطبيعة النص الشعري لابطبيعة الوعي الذي يصدر عنه. بمعنى آخر: إذا لم يكن النص راقياً على الصعيد الفني، فإن تلك السمات لن تنقذه من الرداءة أو الهبوط.
إن شعراء هذه المرحلة أو تلك قد لايتفاوتون، على صعيد الوعي الجمالي، غير أنهم يتفاوتون، بالضرورة على صعيد تمثيله فنياً. ولاشك في أن الشاعر الأرقى فنياً هو في الوقت نفسه الأكثر تمثيلاً للوعي الجمالي.
لقد أدى اتصاف الوعي الحداثي بتلك السمات، إلى بروز ظاهرة الغموض في شعر الحداثة عامة ـ بدرجات متفاوتة بين النصوص طبعاً ـ حتى بدا أن الغموض لازمة من لوازم الحداثة الشعرية. وقد طرح النقد الأدبي المعاصر، في تسويغ هذه الظاهرة، عدة تفسيرات. منها "أن طبيعة الرؤيا الحديثة هي المصدر الحقيقي لما يشكوه البعض من غموض الشعر الحديث، فليس التلاعب بالأوزان أو اللغة أو الصور هو "السرّ" الكامن وراء هذا الغموض، وإنما هي الرؤيا المأساوية القاتمة في جوهرها العميق"(44). ومنها مايعيد الغموض إلى ثلاثة أسباب، وهي اعتماد الشاعر على ثقافته، وموقف الرؤية، وشخصية الفكر والتعبير الشعريين(45). ومنها مايربطه بالتفكير الشعري عامة، لابالتعبير الشعري، من جهة ومن جهة أخرى يربطه بطبيعة اللغة المجازية في الشعر. وهو مايعني أن الغموض من طبيعة الشعر عامة. ولايتميز الشعر الحديث من غيره في ذلك إلا في كونه قد أعطى الغموض أهمية لم تكن له من قبل(46) ومن التفسيرات أيضاً مايذهب إلى ربط الغموض بمفهوم النص الغائب إذ "يجب على أي دارس يعالج الغموض في النص الشعري أن ينظر إلى قضية النص الغائب (الإحالة)... حتى يمكنه ضبط عملية القراءة الصحيحة لغوامض الدلالة"(47). مما يؤدي إلى أن الغموض يرتبط بالنص، بقدر مايرتبط بالمتلقي. ولعل ارتباطه بالثاني هو الذي يجعل منه إشكالياً، فـ "نظراً لغياب الاهتمام النقدي بالنص الغائب، ومعالجة مشكلاته وضحالة الخلفية المعرفية للجمهور العربي، يصبح الغموض الدلالي إشكالاً حقيقاً"(48)
وعلى الرغم من أهمية الرؤيا والتفكير الشعري والعمق الثقافي في بروز ظاهرة الغموض، في شعر الحداثة، إلا أن ثمة جانباً أساسياً مفقوداً، في تلك التفسيرات، وهو طبيعة الوعي الجمالي الحداثي، ولاسيما في سمته التجادلية وسمته الكلية.
ولقد توضح من مسار هذا المبحث أن الوعي الحداثي أكثر تعقيداً وتركيباً واتساعاً وعمقاً من الوعي الكلاسيكي. فلا شك في أن الوعي الذي يتعامل مع الظواهر من منظور الجزئية والاستقلالية والثبات، سوف يكون أقل تعقيداً وعمقاً...من ذلك الوعي الذي يتعامل معها من منظور الكلية والتجادلية والحيوية. أي أن الطبيعة المعقدة المركبة للوعي الحداثي هي المصدر الأول لظاهرة الغموض في النص الشعري الحداثي الذي لم يكن إلا تعبيراً فنياً عن تلك الطبيعة. غير أن ذلك لايعني بالضرورة أن كل غموض نلحظه في هذا النص أو ذاك، مصدره طبيعة ذلك الوعي. فقد لايصدر النص عن وعي جمالي أصلاً بل عن وعي فكري ـ فلسفي بحت، وهو مايؤدي إلى الانحراف عن الوعي الجمالي عامة، ومن ثَمَّ عن الفن. وقد يصدر أيضاً عن لعب مجاني باللغة، مما يعني انعدام الإحالة على ذلك الوعي، فيغدو مصدر الغموض هو اللعب اللغوي المجاني. وكأننا نقول بذلك إن ثمة غموضاً لا جمالياً، في بعض نصوص الحداثة الشعرية. ونمثّل لذلك بمقطعين لكل من أدونيس، وفايز خضور، يمثل المقطع الأول انحرافاً إلى الوعي الفكري ـ الفلسفي، ويمثل الثاني اللعب اللغوي المجاني:
يقول أدونيس:
ثدي النملة يفرز حليبه ويغسل الإسكندر
الفرس جهات أربع ورغيف واحد
والطريق كالبيضة لابداية له(49)
ويقول فايز خضور:
العفن الأزرق هدّب أنفاق السمّار، ومازالت
توغل، توغل أقدام التيار
تنتظر الشصّ الأسود في كبريت الفجر المطفأ
وحواكير الصفصاف الأسيان تحرّش أستار
التابوت العائم(50)
فقد يبدو غموض المقطع الأول ناتجاً من الطبيعة المعقدة المركبة للوعي الحداثي. غير أن الأمر ليس كذلك البتة. إذ إنه ناتج من التعامل الذهني لا الجمالي مع الأشياء من جهة ومع اللغة من جهة أخرى. فالنملة بدأبها المتواصل تعلّم الإسكندر المقدوني كيفية الخروج من الإحباط الذي تخلّفه فيه صعوبة الطريق ـ طريق الفتوحات. أو إنها تفرز حليبها وتغسله من اليأس الذي يوحي إليه بأن الطريق لايكاد ينتهي. فهو كالدائرة (كالبيضة) التي لابداية ولانهاية لها. وما يعمق هذا اليأس أن العالم واسع بجهاته الأربع (الفرس جهات أربع) في حين أن الإسكندر المقدوني لايملك سوى عمر واحد (رغيف واحد). فكيف له، إذاً، أن يوزّع هذا الرغيف على تلك الجهات؟. أو كيف يتمكن من ترويض فرسه ـ العالم ـ برغيف واحد فحسب؟. ولكن على الرغم من ذلك فإن الحكمة التي يفيدها الإسكندر من النملة تؤكد قدرة الإنسان على صنع مايبدو له مستحيلاً.
ولقد أراد أدونيس، من كل ذلك، أن يؤكد إمكانية الإنسان في اكتشاف هذا الوجود معرفياً، على الرغم مما يكتنفه من أسرار لاتكاد تنتهي. وغني عن البيان أن هذا الطرح هو طرح فكري ـ فلسفي بحت، لاعلاقة له بالوعي الجمالي سواء أكان حداثياً أم كان غير ذلك. أما مايبدو من تصوير غرائبي في هذا المقطع، فليس له قيمة جمالية البتة. إذ لم ينتج أساساً من تعامل جمالي. بل من تعامل ذهني مع الأشياء وعلاقاتها. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإننا لانرى في هذا التصوير غرائبية بكل ماتعنيه الكلمة من معنى. فالصورة الفنية الأولى التي تقرّر أن (ثدي النملة يفرز حليبه ويغسل الإسكندر) تدخل في تناصٍٍ INTERTEXTUALITY مع أحد الأمثال الشعبية التي تصف علاقة البخيل بما حوله، أما المثل فهو:"حلاب النملة". وقد أفاد منه أدونيس ـ ربما بشكل غير واع ـ لتبيان أن على المعرفة أن تستنفد الأشياء في أدق جوانبها، كما لاينبغي أن ننسى علاقة الإسكندر بالنملة، في إحدى الحكايات الشعبية الخاصة به.
أما الصورة الثانية، في هذا المقطع، وهي (الفرس جهات أربع ورغيف واحد)، فهي لاأكثر من تحويل بسيط في الشيء الواقعي، نتج من التداخل بين الفرس والعالم. فبدلاً من القول: إن الفرس بقوائم أربع ورأس واحد، فقد قيل: الفرس جهات أربع ورغيف واحد. ولاشك في أنه لو قيلت الجملة الأولى، لما كانت إلا سطحية لامعنى لها في الشعر، ولكننا أردنا من ذلك أن هذا المقطع لايقوم على الغرائبي بالمعنى الدقيق للكلمة. بل يقوم على تعامل ذهني ـ فلسفي لاجمالي. ولهذا لم نلحظ فيه تلك الطبيعة الجمالية المعقدة والمركبة، وإن بدا أنه غامض معقد، من حيث التعبير اللغوي.
أما مقطع فايز خضور فيقوم على تخييل سائب لاينظمه إلا الناظم الموسيقي اللغوي. حيث تدخل المفردات في علاقة اعتباطية، لاتصدر عن تجربة أو همٍّ شعري كما لاتطرح أية فكرة أو شعور أو رؤيا متسقة. إذ إن المجانية في التعامل اللغوي والصوري هي الأساس في هذا المقطع، وهو ماجعل منه مجرد لعب فانتازي لاينبض بأي دفق جمالي.
إن الغموض الذي يتصف بشرعية جمالية هو ذلك الصادر من الطبيعة المعقدة والمركبة في الوعي الحداثي، وليس من الطرح الذهني أو التخييل السائب. وقد لانبالغ إذا ماذهبنا إلى أن نصيب الغموض اللاجمالي في شعر الحداثة لايقلّ عن نصيب الغموض الجمالي فيه. ولاغرابة في ذلك، إذ إن الحداثة، شأنها شأن أية حركة شعرية أخرى، تنطوي على تفاوت ـ قد يكون حاداً ـ على صعيد المستوى الفني، للشعراء من جهة، وللنصوص من جهة أخرى.
إن للحداثة نسقاً جمالياً محدداً يقتضي بالضرورة نسقاً محدداً في التلقي الفني. وأي تعامل مع شعر الحداثة، من منظور التلقي التقليدي، لن يؤدي، بأية حال، إلا إلى استغلاق النص واتهام الحداثة، من ثم، بشتى الإتهامات. لعلّ أقلّها نفي مفهوم الشعرية POETICS عنها.
إن حداثة النص تتطلب حداثة في التلقي، تماماً مثلما أن حداثة الوعي تتطلب حداثة النص. ومن هنا، فإن لدور المتلقي أهمية كبرى في تحديد درجة الغموض في هذا النص الحداثي أو ذاك. فقد يبدو نصٌّ ماغامضاً. بل مبهماً، بالنسبة إلى متلق ذي وعي تقليدي، وقد يبدو غموضه شفافاً بالنسبة إلى متلق ذي وعي حداثي. غير أن هذا التفاوت في درجات الغموض بالنسبة إلى أنواع التلقي، لايعني عدم أهمية النص في تحديد الغموض. فإذا لم يكن الغموض موجوداً في النص وجوداً موضوعياً، فلامعنى للاختلاف حول درجة حضوره. إن انعكاس الغموض في ذوات المتلقين هو الذي تختلف درجاته بحسب وعي المتلقي وطبيعته. وبهذا المعنى، فإننا نرى أن الغموض صفة موضوعية من صفات الحداثة الشعرية، بسبب تعبيرها عن وعي جمالي معقد مركب، ولكن درجات الغموض ترتبط بذاتية المتلقي. فالغموض في النص الحداثي، إذاً، موضوعي ، أما درجاته فذاتية.
وتنبغي الإشارة، في هذا المجال، إلى أن ربط الغموض بمفهوم النص الغائب خاصة، فيه الكثير من مجانية الصواب. إذ إن عدم معرفة النص الغائب لايؤدي إلى غموض النص بالنسبة إلى المتلقي. بل يؤدي إلى عدم استيعابه استيعاباً نقدياً متكاملاً. وكما نعلم فإن التلقي الفني يختلف عن التعامل النقدي، فقد نتلقى نصاً شعرياً بشكل فني راق، من دون أن نعرف أن هذا النص يدخل في علاقة تناصيّة مع نص غائب آخر. ومن البدهي أن على الناقد أن يكتشف العلاقة، فيما إذا وجدت، بين نصه المنقود والنصوص الغائبة، ولكن الناقد لايكون بذلك متلقياً فحسب، بل يكون دارساً وباحثاً. وبهذا المعنى فإن ربط الاستيعاب النقدي المتكامل بمعرفة النص الغائب أمر مشروع جداً. ولكن ربط الغموض به، فيه الكثير من الخطأ العلمي. وماذلك إلا لأن النص الشعري عامة، ينبغي أن يشكِّل كياناً قائماً بذاته، على الرغم من إحالاته النصية.
إن الفن في نهاية المطاف، تعبير عن وعي جمالي ذي طبيعة محددة. وإذا لم نفهم هذه البدهية، فإن تحويل الفن إلى شكل سياسي أو فلسفي أو أخلاقي أو ديني، يغدو أمراً محتوماً؛ كما يغدو من المحتوم أن نبحث عن أسباب غير جمالية في دراسة نشأة هذه الظاهرة الفنية أو تلك، وهو ماحصل مع بعض النقاد في دراسة الحداثة الشعرية العربية.
إن ماتوصّل إليه هذا المبحث من سمات الوعي الحداثي، ليس بالضرورة نهائياً. فقد تتمخض الأبحاث النقدية عن سمات أخرى مختلفة، أو تقترح تعديلاً ما، لما توصّل إليه.. فهو يبقى في النتيجة، محاولة نقدية، نرجو أن تكون دقيقة مع الإشارة إلى أن دراستنا لهذه السمة أو تلك، من خلال بعض الجوانب الفنية، لايعني أن هذه لاتشمل الجوانب الأخرى. بل إن لتلك السمات جميعاًمنعكسات في مجمل الجوانب الفنية، وماقمنا به هو نوع من التمثيل لا الحصر. ومن جهة أخرى، لم يكن لهذا المبحث إلا أن يستفيد من الحركة النقدية النشطة التي صاحبت الحداثة الشعرية. ولكن من منظور علم الجمال الذي لاينقطع البتة عما ينجزه النقد الأدبي.