يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان ، حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع ، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم وبهذا التشريع بلغت الإنسانية الغاية في كمال التشريع.
وتفصيل هذا : أنّ النوع الإنساني تَقَلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة ، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دوراً غيره ، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة ، وبساطة ، وضعفاً ، وجهالة ، ثم اخذوا يتحولون من هذا العهد رويداً رويداً ، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متبانية ، من ضآلة العقل ، وعماية الجهل ، وطيش الشباب ، وغشم القوة على التفاوت في هذا بينهم ، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعاً لهذا التفاوت.
حتى إذا بلغ العالم أوآن نضجه واستوائه ، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه ، جاء هذا الدين الحنيف ختاماً للأديان ومتمماً للشرائع ، وجامعاً لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد ، جمعاً وفَّقَ بين مطالب الروح والجسد ، وآخى بين العلم والدين ، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد ، وأسر ، وجماعات ، وأمم ، وشعوب ، وحيوان ، ونبات ، وجماد ، مما جعله بحق ديناً عاماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن الحكم أيضاً التخفيف والتيسير: مثاله: إن الله تعالى أمر بثبات الواحد من الصَحابَة للعشرة في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [ الأنفال:65] ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى :{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:66] فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتسير ورفع المشقة ، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.
مراعاة مصالح العباد.
ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس.