المثل الناري :
ضرب ذلك في أول سورة البقرة في قوله تعالى : [مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ] وقال : { ذهب الله بنورهم } ولم يقل بنارهم لأن النار فيها الإحراق
وكذلك حال المنافقين : ذهب نور إيمانهم بالنفاق وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها وسمومها ووهجها في الدنيا فأصلاها الله تعالى إياها يوم القيامة نارا موقدة تطلع على الأفئدة فهذا مثل من لم يصحبه نور الإيمان في الدنيا بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به وهو حال المنافق عرف ثم أنكر وأقر ثم جحد فهو في ظلمات أصم أبكم أعمى كما قال تعالى في حق إخوانهم من الكفار {[وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ]
المثل المائى :
كما في سورة الرعد في قوله تعالى : { [أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا
فهذا هو المثل المائي شبه الوحي الذي أنزله بحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء وشبه القلوب الحاملة له بالأودية الحاملة للسيل فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا وقلب صغير كواد صغير يسع علما قليلا فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها كما سالت الأودية بقدرها ولما كانت الأودية ومجاري السيول فيها الغثاء ونحوه مما يمر عليه السيل فيحتمله السيل فيطفوا على وجه الماء زبدا عاليا يمر عليه متراكبا ولكن تحته الماء الفرات الذي به حياة الأرض فيقذف الوادي ذلك الغثاء إلى جنبتيه حتى لا يبقى الماء الذي تحت الغثاء يسقي الله تعالى به الأرض فيحيي به البلاد والعباد والشجر والدواب والغثاء يذهب جفاء يجفي ويطرح على شفير الوادي
فكذلك العلم والإيمان الذي أنزله في القلوب فاحتملته فأثار منها بسبب مخالطته لها ما فيها من غثاء الشهوات وزبد الشبهات الباطلة يطفو في أعلاها واستقر العلم والإيمان والهدى في جذر القلب فلا يزال ذلك الغثاء والزبد يذهب جفاء ويزول شيئا فشيئا حتى يزول كله ويبقى العلم النافع والإيمان الخالص في جذر القلب يرده الناس فيشربون ويسقون ويمرعون.