[•.*.•]™[ الشرعية السياسية ]™[•.*.•]
يعد مفهوم "الشرعية legitimacy " أحد المفاهيم الأساسية في العلوم السياسية . و إذا كان الأصل العربي للمفهوم يوحي بارتباطه بشكل مباشر بالاتفاق مع "الشرع" ، فإن الأصل الأجنبي لا يبتعد عن ذات المعنى كثيرا ، و إن كان يساعد في الكشف عن تعدد المصادر الرضائية ( أي التي يرتضيها الناس) كأساس للشرعية
التعريف
يرجع الأصل اللاتيني لكلمة الشرعية إلى "legitimare " بمعنى " خلع الصفة القانونية على شيء ما" وتضفي الشرعية طابعاً ملزماً على أي أمر أو توجيه و من ثم تحول القوة إلى سلطة، وتختلف الشرعية عن المشروعية legality في أن الأخيرة لا تكفل بالضرورة تمتع الحكومة بالاحترام أو اعتراف المواطنين بواجب الطاعة. فالمشروعية بهذا المعنى مشتقة من التوافق مع القانون أو اتباعه ، أما الشرعية فهي الأصل الذي يفترض أن يستند إليه القانون (و من ثم المشروعية).و رغم أن التصور المثالي يفترض أن تكون القوانين (و المشروعية) تتمتع في الآن ذاته بالشرعية ، إلا أن الواقع يعرف العديد من الأمثلة المخالفة لذلك ، حيث تنشأ فجوات بين الشرعية و المشروعية ، يكون من أبرز مظاهرها وجود قوانين لا تستند إلى الأساس الرضائي المتفق عليه ، أو حتى تنتهك هذا الأساس و تتعارض معه.
وينبغي الوعي باختلاف استخدام مصطلح الشرعية بين الفلسفة السياسية والعلوم السياسية. فالفلاسفة السياسيون عادة ما ينظرون إلى الشرعية كمبدأ أخلاقي أو عقلاني يشكل القاعدة التي يمكن للحكومة الاعتماد عليها في مطالبة المواطنين بالطاعة في حد ذاتها . وفي المقابل، يتعامل علماء السياسة مع مفهوم الشرعية من منطلق علم الاجتماع كتعبير عن إرادة الامتثال لنظام الحكم بغض لنظر عن كيفية تحقق ذلك..
وينظر هذا الموقف إلى الشرعية بمعنى " الاعتقاد في الشرعية" أي الاعتقاد في " الحق في الحكم" وذلك كاستمرار للتصور الذي طرحه ماكس فيبر Max Weber (1864-1920).
قضايا يثيرها مفهوم الشرعية
ترتبط قضية الشرعية بواحد من أقدم الجدالات السياسية وأكثرها أهمية وهو الجدل حول مشكلة " الالتزام السياسي"* ففي ثنايا تحليلهم لمدى وجوب احترام الدولة وطاعة قوانينها على المواطنين، طرح منظرو العقد الاجتماعي مثل هوبز Hobbes ( 1588-1679) ولوك Locke (1632-1704) تساؤلات حول توقيت وأسس وكيفية ممارسة الحكومة للسلطة الشرعية في المجتمع. ويلاحظ أن الدلالات السياسية الحديثة لا تركز على مسألة لماذا ينبغي على الناس أن يطيعوا الدولة على نحو مجرد، بل على قضية سبب طاعتهم لدولة معينة أو نظام معين للحكم.
وكان ماكس فيبر قد قدم الإسهام الأساسي في فهم الشرعية كظاهرة اجتماعية حيث حدد ثلاثة أنواع من الشرعية. السياسية هي : السلطة التقليدية ( القائمة على التاريخ والعادات) والسلطة الكاريزمية ( القائمة على قوة الشخصية)، والسلطة الرئيسية القانونية ( المستندة إلى إطار من القواعد الرسمية القانونية).
ووفقاً لفيبر، فإن المجتمعات الحديثة تتجه بشكل متزايد إلى ممارسة السلطة الرشيدة القانونية، وتبنى الشرعية النابعة من احترام القواعد الرسمية القانونية.
وثمة اقتراب بديل للتعامل مع مفهوم الشرعية طوره منظرو الماركسية المحدثة Neo-Marxist بالتركيز على الميكانيزمات والآليات التي توظفها المجتمعات الرأسمالية لتقييد الصراعات الطبقية وكبح جماحها عبر تصنيع الرضا العام واختلافه من خلال التوسع في الديمقراطية والإصلاح الاجتماعي. ومن ثم تصبح الشرعية مرتبطة بمواصلة الهيمنة الأيديولوجية وفي هذا الإطار طرح مفكرو الماركسية المحدثة مثل هابرماس JÜrgen Habermas (1973) مفهوم "أزمات إضفاء الشرعية أو أزمات الشرعية" Legitimation Crises في المجتمعات الرأسمالية ،حيث يضحى من الصعب الحفاظ على الاستقرار السياسي بالاعتماد على الرضا وحده. ويكمن المصدر الأساسي لهذه " النزعات التأزمية" في التناقض المزعوم بين منطق التراكم الرأسمالي من جهة والضغوط الشعبية التي تطلقها السياسات الديمقراطية من جهة أخرى.