۞ أشباه النجوم ( الكوازارات ) .. لغز كوني !! ۞
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.. . .. . ..
لايزال المعروف عن النجوم أقل بكثير مما يريد الفلكيون وعلماء الفيزياء الفلكية معرفته. علي الرغم من استخدام المراصد الفضائية. فكل النجوم محيرة بالنسبة لأمر أو آخر. ومهما يكن الأمر فإن هناك نوعاً من الأجرام الفضائية حيرت العلماء بصورة غير عادية. هي "أشباه النجوم" أو "الكوازارات".
منذ أوائل الستينيات من القرن العشرين. كان علماء الفلك الراديوي. قد عينوا أماكن خمسة مواقع في الفضاء. تصدر منها موجات راديوية قوية. ووجدت المراصد البصرية في هذه المواقع نجوما خافتة الضياء إلي حد بعيد. فاعتبرها العلماء من نجوم مجرتنا. ولكن اتضح فيما بعد أنها تسلك سلوكا غريبا.. إذ إنها تتحرك بعيدا عنا بسرعات هائلة تصل إلي جزء كبير من سرعة الضوء. كما أنها ألمع بكثير - في الحقيقة - وأشد طاقة مما يمكن تصوره لجسم صغير وبعيد مثلها. وهذا يدل علي منبع طاقة أقوي من أي شيء يمكن أن يتخيله علماء الفلك.
ألغاز الفضاء المحيّرة
أخذ علماء الفلك الراديوي يولون هذه الأجرام الفضائية الغامضة. المزيد من الدراسة والعناية. لما تتميز به من غرابة. ولما كان من المستبعد علي نجوم صغيرة داخل مجرتنا "الطريق اللبني" Milky Way. أن تطلق هذه الموجات الراديوية القوية. فقد أطلقوا عليها اسم "أشباه نجوم الراديوية" Quasi - Stellar Radio Sources واختصارا "الكوازرات" Quasars ومنذ ذلك الحين وحتي الوقت الحاضر. تم اكتشاف بضعة آلاف من الكوازرات يوجد أبعدها علي مسافة تزيد علي عشرة بلايين سنة ضوئيةمنا. إذا كانت تلك هي مسافته الحقيقية. فإنه يكون أبعد جسم عنا في الكون. وهكذا تمثل هذه الأجسام الفضائية الغامضة. علي حافة الكون. أحد ألغاز الفضاء المحيرة وتحمل الكوازرات حاليا. أسماء يبدأ معظمها بالرمز 3C أي 3ك. وهو اختصار لمصنف كامبردج الثالث للمنابع الراديوية.
وقد كان أول من نال قسطا غير قليل من البحث والاهتمام شبه النجم الراديوي "الكوازر" رقم 3ك - 48 من مجموعة المثلث Triangulum. فقد انزاح طيفه كله نحو اللون الأحمر. بحيث وقعت جميع ألوانه في منطقة ما تحت الأحمر. والإزاحة إلي هذه الدرجة غير معروفة. حتي في أبعد المجرات التي اكتشفها أكبر المراصد البصرية في العالم. وكانت هذه الإزاحة في طيف شبه النجم 3ك - .48 تدل علي سرعة تباعد تبلغ 110 آلاف كيلومتر في الثانية. أي أن البعد الذي يفصل بيننا وبينه يبلغ حوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية.
ولقد كان لهذا الاكتشاف نتائجه الخطيرة. فهذه الأجسام التي تبدو كنجوم صغيرة. كانت تبعث الحيرة في عقول علماء الفلك الراديوي. لقوة النبضات الراديوية الصادرة عنها.
وكانوا يفترضون أنها لا تبعد أكثر من بضع مئات من السنين الضوئية. فكيف الآن وقد وجدوا أنها تبعد عنا ببلايين السنوات الضوئية؟! وتساءل بعد هذا علماء الفلك الراديوي. عن نوع الطاقة التي تتمكن من إصدار مثل هذه الموجات الراديوية شديدة القوة. بحيث تسير في الفضاء بلايين السنوات الضوئية وهي لاتزال تحتفظ بقوتها.
وقدر علماء الفلك أن قوة الإضاءة الحقيقية لشبه النجم "الكوازر" رقم 3ك - 48 تبلغ حوالي تريليون "مليون مليون" شمس. مثل تلك التي تدور حولها أرضنا. كما قدروا أن الطاقة الحقيقية أكبر من ذلك قليلا. ومعني ذلك أن الإضاءة التي تصدر عن شبه النجم هذا. تساوي قوة الإضاءة التي تصدر عن عشرين أو ثلاثين مجرة من المجرات شديدة اللمعان!.
سر الطاقة الجبارة
وربما تتساءل: أي نوع من الطاقة المروّعة تعمل داخل شبه النجم "الكوازر"؟ تسألني.. فأجيبك. هناك عدة نظريات في هذا المجال:
* تقول إحدي النظريات: إن سبب هذه الطاقة الهائلة. هو ضغط الجاذبية. وفكرة توليد طاقة من ضغط الجاذبية. جاء بها العالم الفيزيائي الألماني "هلمهولتز" في عام .1854 وحاول بها أن يفسر سر الطاقة الشمسية علي هذا الأساس. فقال إنها نتيجة القوة الناشئة عن ضغط مادة الشمس علي بعضها البعض. وفي القرن التاسع عشر. لم يلاق هذا التفسير قبولا لدي العلماء. لأنه اتضح بالحسابات الفلكية. أن الشمس لو كانت تصدر طاقتها علي هذا النمط. لما عاشت أكثر من خمسة عشر مليون سنة.
ولكن ربما يكون الكوازر - هذا الجسم الفضائي العملاق في ضخامته ضغط أجزائه علي بعضها مريعا. بحيث ينفجر إلي الداخل ويولد طاقة أقوي من التفاعلات النووية.
وقد يكون تعبير "الانفجار إلي الداخل" غير معهود حتي الآن. بل قد لا يمكن تخيله. ولكن ماذا يمكن القول عن هذا الجسم الهائل. الذي تنضغط أجزاؤه علي بعضها. فتسحقها بعنف وتردها إلي ناحية المركز؟.
* خرج بعض علماء الفلك بنظرية تقول إن الطاقة في أشباه النجوم. هي نتيجة تصادم بين المادة والمادة المضادة Anti - Matter. فما هي المادة المضادة؟. من المعروف أن الإلكترونات عليها شحنة سالبة. بينما البروتونات لها شحنة موجبة. وفي المادة المضادة نجد أن الوضع يختلف تماما. أي أن الإلكترونات موجبة والبروتونات سالبة الشحنة. وفي هذه الحالة يسمي الإلكترون موجب الشحنة "البوزيترون Positron".
وعندما تتقابل ذرة من المادة مع ذرة من المادة المضادة. فإنهما يتفاعلان معا فيحطمان بعضهما. وتتحول كل كتلتيهما إلي طاقة مروّعة تنطلق في الكون علي هيئة موجات من أشعة جاما. والذرة المضادة لا تختلف عن الذرة العادية في صفاتها الطبيعية أو الكيميائية. بل هي فقط صورة معكوسة وكأنها صورة مرآة للذرة العادية.
وبسبب تلك الطاقة الهائلة التي تصدر من أشباه النجوم "الكوازرات". فقد قال علماء الفلك إنها ناتجة عن تصادم بين المادة والمادة المضادة. داخل هذه الأجسام الفضائية الغامضة. فهل هذا هو التفسير الصحيح؟ إن أشباه النجوم مازالت حتي الوقت الحاضر. لغزا يربض بعيدا عن حافة الكون.
الكوازارات.. ثقوب بيضاء!
إن فكرة تحول مجرة بأكملها إلي ثقب أسود. تبدو لأول وهلة غير معقولة. ولكنها في واقع الأمر ممكنة الحدوث. إذ إن هناك كميات هائلة من المادة غير المرئية بين حشود المجرات. فلو كانت الجاذبية التي تشد مجموعة المجرات إلي بعضها. غير كافية. لانفرط عقدها. ومن رصد حشود عديدة من المجرات. اتضح أنها لا تنتظم في مجموعة إلا إذا كانت تحتوي علي مادة أكثر مما يمكن رؤيته فعلا.
والمادة غير المرئية بين المجرات. قد تكون علي شكل غاز أو غبار كوني .. أو مجرات خافتة الضوء ، ولكن هناك احتمال أيضا بأن تكون هذه المادة الخفية مكونة من عدد هائل من الثقوب السوداء. فما هي الثقوب السوداء؟ تسألني.. فأجيبك.
يؤكد أحد التوقعات المثيرة للنظرية النسبية العامة لأينشتاين. علي وجود ما يسمي "الثقوب السوداء" Black Holes. فعندما يموت نجم ضخم تنهار مادته وتنطوي وتنكمش وتتراص. فيصبح أصغر من حجمه الأصلي بملايين الملايين من المرات .. أقل من نطقة في نهاية هذه الجملة. أي أن الفراغ في مادته تقل كثيرا وتتجمع المادة مع بعضها. وهذا يجعل قوي الجاذبية تزداد بشكل هائل. حتي أنها تمنع كافة الجسيمات داخلها من الانفلات إلي الخارج. كما أنها تجتذب إليها أي جسم يمر بالقرب منها. وحتي فوتونات الضوء تنجذب نحوها وتنحبس داخلها. ونتيجة لذلك لا يخرج منها ضوء وهكذا لا يخرج منها ضوء فتبدو سوداء "راجع النظرية الحديثة لهوكينج التي ربما تناقض هذا الأمر - إشعاع هوكينج".
ويري بعض العلماء أن الثقوب السوداء. هي المسئولة عن أي مصدر طاقة غامض في الكون. مثل الكوازرات. وتساءلوا هل الثقوب السوداء هي التي تمد الكوازرات بالطاقة؟.
لكي نجيب علي هذا السؤال. دعنا نفترض أن هناك ثقبا أسود هائلاً يدور. ويبعث حتي بنحو 40% من طاقة المواد التي تسقط في داخله. وهذه الطاقة الجبارة يمكن تغذيتها بابتلاع ما يوازي كتلة شمسية واحدة كل عام. وهذه "الوجبة" تعتبر قليلة جدا لتفسير طاقة الكوازرات. إلا إذا كان الثقب الأسود له كتلة تفوق قدرة الخيال. وتوازي بلايين النجوم مثل شمسنا.
وهناك بعض الأجرام الفضائية. يمكن أن تعمل عكس الثقوب السوداء. فبدلا من أن تسحق فيها المادة وتختفي عن الوجود. يتم بعثها من جديد. وهذه الأجرام يطلق عليها اسم "الثقوب البيضاء" White Holes وليس في النظرية النسبية العامة. ما ينفي وجود نقيض للثقوب السوداء. فإذن احتمال وجود الثقوب البيضاء هو احتمال قائم. وفيها يندمج الزمن والمكان. كما تطلق أشعة تجاذبية ومواد. قد يتكون منها غاز كوني ونجوم جديدة.
ولكن ليس هناك - حتي الوقت الحاضر - دليل علي وجود هذه الثقوب البيضاء. برغم أن بعض علماء الفلك قد افترضوا وجودها كمنبع للطاقة الجبارة للكوازرات. وأخذوا يقيمون النماذج الرياضية Models لشرح كيفية عملها.
وتساءل العلماء: هل يمكن أن تكون الكوازرات. أجساماً فضائية متفجرة. تصدر نبضات راديوية قوية. والتي توحي لعلماء الفلك بأنها تنفث المادة خارجها إلي الكون. ومن ثم فقد رجح العلماء وجود عدد من الثقوب البيضاء داخلها؟.
وإذا تقدمنا خطوة إلي الأمام في مناقشتنا. آخذين في اعتبارنا أن الثقوب السوداء. هي مناطق تختفي فيها المادة من الوجود. نجد أنها فكرة رائعة أن تكون هناك ثقوب بيضاء أيضا. تعيد تدفق المادة مرة أخري إلي الكون. ومن ثم يطلق عليها في بعض الأحيان اسم "المتدفقات الكونية" Cosmic Gushers. فهل هي الكوازرات؟! سؤال سوف تجيب عليه الأبحاث العلمية الكونية في المستقبل القريب.