بسم الله الرحمن الرحيم
دروس عقدية مستفادة من حلق الراس في الحج للشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر
ان من اعمال يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة اربعة اعمال معلومة مشهورة , وهي الرمي , ثم النحر , ثم الحلق ثم الطواف , والحديث هنا سيكون عن حلق الراس او تقصيره تعبدا لله وطاعة له وتقربا اليه في هذا اليوم العظيم , والحلق هو ازالة شعر الراس كاملا , والتقصير هو التخفيف من شعر الراس كله , والحلق او التقصير واجب من واجبات الحج والعمره , لايجوز تركه والدليل قوله تعالي ( لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) , قال ابن قدامة رحمه الله ( ولو لم يكم من المناسك لما وصفهم به )) .
روي البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لما قدم النبي صلي الله عليه وسلم مكة امر اصحابه ان يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة , ثم يحلوا ويحلقوا او يقصروا )) , فهو واجب من واجبات الحج والعمرة , فمن لم يحلق او يقصر لزمه جبران هذا الواجب بدم , وهو اشعار بانتهاء مدة الاحرام واقتداء بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام حيث حلق راسه وامر اصحابه بالحلق القاء للتفث وازالة للشعث , وهو وضع للنواصي بين يدي ربها خضوعا وتذللا لعزته , وهو من ابلغ انواع العبودية لله عزوجل .
وعندما يقوم المسلم بهذه الطاعة العظيمة والعبادة الجليلةامتثالا لله واتباعا لرسول الله صلي الله عليه وسلم يجب عليه ان يعلم ان حلق الراس او تقصيره علي وجه التعبد والتقرب لا يجوز القيام به لغير الله سبحانه وتعالي , وقد سئل الامام الجليل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن اقوام يحلقون رؤوسهم علي ايدي الاشياخ , وعند القبور التي يعظمونها ويعدون ذلك قربة وعبادة : هل هذا سنة او بدعة ؟ فقالرحمه الله : (( حلق الراس علي اربعة انواع :
احدهما حلقه في الحج والعمرة فهذا مما امر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم وهو مشروع ثابت بالكتاب والسنة واجماع الامة , قال الله تعالي ( لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) , وقد تواتر عن النبي صلي الله عليه وسلم انه حلق راسه في حجه وفي عمره , وكذلك اصحابه , منهم من حلق ومنهم من قصر , والحلق افضل من التقصير , ولهذا قال صلي الله عليه وسلم (( اللهم اغفر للمحلقين , . قالوا يارسول الله والمقصرين ؟ قال : اللهم اغفر للمحلقين . قالوا يارسول الله والمقرصين ؟ قال اللهم اغفر للمحلقين . قالوا يارسول الله والمقصرين ؟ قال : والمقصرين )) , وقد امر الصحابة الذين ساقوا الهدي في حجة الوداع ان يقصروا رؤوسهم للعمرة اذا طافوا بالبيت , وبين الصفا والمروة , ثم يحلقوا اذا قضوا الحج , فجمع لهم بين التقصير اولا وبين الحلق ثانيا .
والنوع الثاني : حلق الراس للحاجة , مثل ان يلحقه للتداوي , فهذا ايضا جائز بالكتب والسنة والاجماع , فان الله رخص للمحرم الذي لايجوز له حلق راسه ان يحلقه اذا كان به اذي كما قال تعالي ( و لاتحلقوا رؤوسكم حتي يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا اوبه اذي من راسه ففدية من صيام او صدقة او نسك ) , وقد ثبت باتفاق المسلمين حديث كعب بن عجرة لما مر به النبي صلي الله عليه وسلم في عمرة الحديبية والقمل ينهال من راسه فقال (( ايؤذيك هوامك ؟ قال نعم فقال : احلق راسك , وانسك بشاه او صم ثلاثة ايام او اطعم فرقا بين ستة ستة مساكين )) , وهذا الحديث متفق علي صحته متلقي بالقبول من جميع المسلمين .
والنوع الثالث : حلقه علي وجه التعبد والتدين والزهد من غير حج ولا عمرة , مثل ما يامر بعض الناس التائب اذا تاب ان يحلق راسه , ومثل ان يجعل حلق الراس شعار اهل النسك والدين او من تمام الزهد والعبادة , او يجعل من يحلق راسه افضل ممن لايحلقه , او ادين او ازهد , او ان يقصر من شعر التائب كما يفعل بعض المنتسبين الي المشيخة اذا توب احدا ان يقص بعض شعره , ويعين الشيخ صاحب مقص وسجادة فيجعل صلاته علي السجادة , وقصة رؤوس الناس من تمام المشيخة التي يصلح بها ان يكون قدوة يتوب التائبين فهذا بدعة لم يامر الله بها و لارسوله صلي الله عليه وسلم , وليست واجبةو لامستحبة عند احد من ائمة الدين , ولافعلها احد من الصحابة والتابعين لهم باحسان , و لا شيوخ المسلمين المشهورين بالزهد والعبادة , لا من الصحابة والتابعين و لاتابعيهم ومن بعدهم ...وقد اسلم علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم من اسلم , ولم يكن يامرهم بحلق رؤوسهم اذا اسلموا , و لاقص النبي صلي الله عليه وسلم راس احد , ولا كان يصلي علي سجادة , بل كان يصلي اماما بجميع المسلمين يصلي علي ما يصلون عليه . ويقعد علي ما يقعدون عليه ,لم يكن متميزا عنهم بسئ يقعد عليه لا سجادةو لاغيرها , ومن اعتقد البدع التي ليست بواجبة و لامستحبة قربة وطاعة وطريقا الي الله , وجعلها من تمام الدين ومما يؤمر به التائب والزاهد والعابد فهو ضال خارج عن سبيل الرحمن , متبع لخطوات الشيطان )) .
ثم ذكر رحمه الله النوع الرابع من الحلق , وهو ان يحلق راسه في غير النسك لغير حاجة و لاعلي وجه التقرب والتدين وذكر ان لاهل العلم فيه قولين , هما روايتان عن الامام احمد .
احدهما : انه مكروه , وهو مذهب مالك وغيره .
والثاني : انه مباح وهو المعروف عنداصحاب ابوحنيفة والشافعي .
وذكر الامام ابن القيم نحو هذا التقسيم المتقدم في زاد المعاد , وذكر ان من انواع حلق الراس ما هو بدعة وشرك , وهو حلق الراس لغير الله سبحانه كما يحلقها المريدون لشيوخهم , فيقول احدهم : انا حلقت راسي لفلان , وانت حلقته لفلان , وهذا بمنزلة ان يقول : سجدت لفلان , فان حلق الراس خضوع وعبودية وذل , ولهذا كان من تمام الحج .
ثم ذكر رحمه الله ان شيوخ الضلال زينوا لمريديهم حلق رؤوسهم لهم كما زينوا لهم السجود لهم , وكل ذلك من الشرك المبين , ومن البهتان العظيم , نسال الله السلامة .
موضوع: »؛° دروس عقدية مستفادة من حلق الرأس في الحج °؛« 
الأربعاء 12 أكتوبر 2011, 11:49 am