سادسا.القوة بمفهوم الغرب
يثير هذا الكتاب ضجة عنيفة في أوساط رجال القيادة والإدارة والسياسة في الدول الغربية . ولكننا لا نتفق مع فلسفة "الغاية تبرر الوسيلة" التي ينطلق منها مؤلفا الكتاب , واللذان يقدمان نفسيهما كتلميذين نجيبين لـ "ميكافيللي" .
إلا أن الكتاب يعكس بوضوح أساليب تفكير الجانب الأقوى من العالم , وهو نفس التفكير الذي أفرز قيماً وثقافات اقتصادية وإدارية وتكنولوجية قوية لتقود , وأخرى ضعيفة لتقاد . وهذا الكتاب يحاول تعليمنا كيف نؤثر في الآخرين ونقودهم بالحنكة والدهاء , بل وبالتضليل أحياناً .
وعلى الرغم من أننا لا نتفق مع معظم ما ورد في الكتاب , إلا أن منهجنا العلمي يحتم علينا عدم تجاهل وجهة نظر كهذه , لمجرد أننا نختلف معها . ولهذا .. فإننا نقدم كتاب "قوانين القوة" الذي يطرح أفكاراً مثيرة للجدل , ويركز على الأساليب والوسائل التي تساعدنا على تحقيق الأهداف , بغض النظر عن كون هذه الأهداف صحيحة أم لا , من وجهة نظرنا على الأقل ثم لندرك كيف يفكر القوم في تعاملهم مع الآخرين ومع المسلمين من باب أولى .
القانون الأول : ذر الرماد في العيون :
تعتمد علاقتنا بالآخرين على الإيحاء أكثر مما تعتمد على الصراحة , فلا تحاول أبداً أن تفصح عن نواياك للآخرين , بل عليك أن تذر الرماد في العيون وتشوش الانتباه .
تفسير القانون :
من السهل أن تفصح عن نواياك ومشاعرك الحقيقية , لكن الأمر يتطلب قدراً كبيراً من المهارة إذا ما حاولت الإمساك بلسانك وكتمان أسرارك . يظن كثير من الناس أن الصراحة هي الحل الوحيد , لأن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين أي نقطتين . لكن الصراحة قد تكون مخادعة : فلأنك صادق مع نفسك , تنتظر أن يعاملك الآخرون بنفس الدرجة من الصدق . بينما تؤدي صراحتك في الواقع إلى جرح مشاعر الآخرين بحيث تجبرهم على الكذب عليك وتضليلك في النهاية . ولذلك ننصحك بإخفاء نواياك وأهدافك لكي تضمن النصر قبل أن تبدأ الحرب . فليس هناك قائد يكشف خطته قبل خوض معركته .
القوة لعبة إجبارية :
هناك تناقض غريب في لعبة القوة كلنا نسعى لامتلاكها , وكلنا نرفض الاعتراف بذلك .فلماذا يا ترى ؟
لأن القوة ليست شيئاً مطلقاً بل هي علاقة نسبية بين عدة أطراف , فعندما نصير أقوياء , يصير الآخرون ضعفاء . إلا أن هذا التناقض يمنع أي طرف من الخروج من الملعب . فالقوة لعبة إجبارية مفروضة على الجميع .
ومن الممكن القول بأن أول قوانين القوة هو أن تمارسها في سرية تامة . ويحترم كل البشر هذا القانون مما جعله قانوناً بديهياً . وقديماً قال نابليون : "أخف قبضتك الحديدية في قفاز حرير" .
مطبخ القوة :
كان المدرب القائد أو المدير – ولا يزال – مصدر القوة لأتباعه , ومن هؤلاء الأتباع تتكون الحاشية . تضم هذه الحاشية المشهورين والنوابغ من العلماء والشعراء والمفكرين الساعين إلى مزيج من القوة . عرفت كل الحضارات مثل هذه الحواشي . ويقوم فريق الحاشية بدور "المطبخ" الذي يتولى تدبير المؤامرات والمكائد للحصول على مزيد من القوة وإضعاف الخصوم . ومن الطبيعي أن تتم مثل هذه المؤامرات في الخفاء . وهناك قوانين ضمنية تحكم العلاقات بين أعضاء فريق الحاشية , فلا يجوز مثلاً الإسراف في مدح أو ذم شخص علانية , لأن هذا يشير إلى التآمر معه أو ضده .
القوة وادعاء البراءة :
يعتبر مجرد الكلام عن القوة أمراً خطيراً بالنسبة للكثيرين. يعتقد هؤلاء أن بمقدورهم الخروج من لعبة القوة بمجرد إنكارها أو التظاهر بعدم اللعب . وكثيراً ما ألصقت لفظة الميكافيلية بالانتهازية وغيرها من النعوت السلبية . لكن بدأ بعض المفكرين اليوم ينظرون لميكيافيللي كواحد من أهم مفكري التنوير[1][2] والمصارحة . فالسعي وراء القوة لا يعني مناصبة الآخرين العداء أو تهديد السلام . السعي وراء القوة هو سعي وراء الأمان وتحقيق الذات . وهذه حاجات وغرائز إنسانية لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها , بحجج المسالمة أو البراءة . فليس هناك سلام حقيقي دون قوة , وليست هناك براءة صافية دون عجز .
من هنا , لا ينبغي لأحد أن يتخلى عن السعي إلى اكتساب القوة . ومن الحكمة أن يتم ذلك بهدوء ودون جلبة . فطلب القوة مسألة على درجة كبيرة من الحساسية , وتستدعي قدراً عظيماً من التوازن , وإلا سقط طالبها في المحظور كما يتساقط الفراش وهو يحوم حول النار .
احذر التناقض :
كلما تقدم بنا العمر زادت مهمتنا في إخفاء أهدافنا بصعوبة . لن نجد في هذه الحالة مناصاً من أن نلعب دور العائد التائب . ذلك الذي سعى وراء أهداف متعارضة واكتشف زيفها فجأة , ولكن بعد أن حققها جميعاً .
القانون الثاني :دع الآخرين يعتمدون عليك :
لكي تضمن ولاء الآخرين أن تبقى مفيداً لهم . كلما زاد استعبادك للآخرين زادت حريتك . وكلما اعتمدت سعادة الآخرين وقوتهم عليكم أحكمت قبضتك عليهم . فاحذر أن تعلم الآخرين ما يكفيهم للاستغناء عنك .
غباء الثور :
يحكى أن فلاحاً كان يملك ثورين . وذات يوم غادر القرية فوضع عليهما كافة أحماله . ظل الثور الأخير يتلكأ في المسير , فكان المزارع يزيح عنه بعض الحمل ويضعه على الثور الأول , ثم يمضي في رحلته , ظل الثور الأخير يتلكأ , حتى تخلص من كل أحماله ونقلها إلى الثور الأول .مضى الثور الأخير في سيره متبختراً , حتى شعر صاحبه بالجوع , فقام بذبحه ليأكل من لحمه , ولم يستطع التفريط بالثور الأول الذي كان ينوء بحمل أثقاله .
تفسير القانون :
يجب أن يكون التخلص منك مكلفاً لمديريك ولكل من هم أعلى أو أقوى منك . التميز في عملك وامتلاكك موهبة فذة هما أفضل طريقة لضمان ذلك . فقد عاش "مايكل أنجلو" في وقت كان يضطر فيه الفنان أن يجد راعياً يموله ويساعده في إدارة أعماله , وكان "أنجلو" على خلاف دائم مع راعيه . فكان يتركه ويرحل , ولكن الراعي كان يسرع في أثره نادماً . فقد كان من السهل على "مايكل أنجلو" أن يجد راعياً آخر , لكن لم يكن بإمكان الراعي أن يجد فناناً آخر مثل "أنجلو".
العمل والعواطف :
لا تعتقد أن اعتماد المدير أو المدرب عليك سيجعله يحبك[1][3] . فالصحيح أنه سيحب فائدتك ويخشى فقدانك . فأنت بالنسبة له كنبع الماء الذي ندير له ظهورنا بعد ارتواء عطشنا . فكلنا نحب الماء ونحن عطشى , ثم نتجاهله بعد أن نرتوي . لكننا نحرص على الاحتفاظ بكميات من الماء في متناولنا لأننا نعرف أننا سنحتاجها . فلا تسرف في الاتكال على الجانب العاطفي لعلاقتك مع مديرك , فالأجدر بك أن تركز على الجانب العملي منها .
استراتيجيات بناء اعتماد الآخرين عليك :
هناك استراتيجيتان لجعل الآخرين يعتمدون عليك :
1- استراتيجية التوسع :
هذه هي الاستراتيجية التي اتبعها وهي تقوم على توطيد العلاقات مع كل الأطراف والقيام بمعظم الأعمال حتى تتأصل في نسيج البناء وتمسك بكل الخيوط , فلا يمكن الاستغناء عنك , لأنك تعلم كل شئ وتعمل كل شئ . تصلح هذه الاستراتيجية للأشخاص العاديين ومحدودي الموهبة . بمعنى آخر , تصلح هذه الاستراتيجية للمكافحين الذين يعملون دون كلل أو ملل .
2- استراتيجية التميز :
تأسست الاستراتيجية التي اتبعها "أنجلو" على موهبة أو مهارة فريدة . تصلح هذه الاستراتيجية للموهوبين الذين يحبون العزلة والمتفردين في آرائهم ونظرتهم للحياة , أي أنها استراتيجية للمبتكرين الذين يعتمدون على الخيال والعاطفة .
القانون الثالث :لا تخطف الأضواء من رئيسك :
"دع من هم أهم منك يشعرون بتفوقهم عليك , فلا يتوجسون منك خيفة . فمصاحبة الأذكياء غير مريحة . ولا تتمادى في محاولاتك لنيل إعجابهم لدرجة تثير مخاوفهم . احرص دائماً على أن تبدو متواضعاً بالنسبة لهم , وخاصة أمام الآخرين" .
تفسير القانون :
يعتبر كل مدير نفسه أهم موظف في الشركة , فهو كالشمس التي لا يجب أن تتألق حولها نجوم أو كواكب أخرى , وهو في ذلك لا يعبأ بأية اعتبارات عملية أو علمية . فعندما يتعلق الأمر بالكرامة والقوة , نادراً , ما ينصت الإنسان لصوت العقل .
عندما تستعرض مهاراتك فإنك تحصد التقدير , ومعهما أيضاً قدر من الحسد والضغينة , ينبع هذا من النقص الذي يعتري النفس البشرية . وبالطبع ليس عليك أن تراعي شعور كل من هم دونك في المهارة والمنصب . أما مع من يعلونك مقاماً , فالأمر مختلف , فهؤلاء يريدون أن يشعروا بأن مناصبهم آمنة . فلا تظن بأن تألقك سيكسبك احترامهم .
كم شمسا في السماء
لا تتلألأ النجوم في السماء إلى بعد أن تغرب الشمس , فالقانون الطبيعي هو أن لا تسطع في السماء سوى شمس واحدة . وما تحدى أحد نور الشمس أو حرارتها إلا احترق . فتعلم كيف تستفيد من نورها دون أن تتلظى بناره .
عليك أن تواصل تلميع صورة رئيسك وتعزيز سلطته , كأن ترتكب بعض الأخطاء غير الضارة التي يجدها فرصة سانحة لتعليمك وانتقادك , بين الحين والآخر , وبالتالي تفرغ ما قد يترسب بداخله من ضغينة تجاهك , بأن تنصت مستسلماً وتطأطئ رأسك اعترافاً بعظمته . فإذا كنت لا تستطيع أن تمنع نفسك من طرح الأفكار الفذة ولا يمكنك أن تتحكم في إعجاب الآخرين بك , فانسب أفكارك وسر جاذبيتك إلى مدربك , لتجعله يشعر بالامتنان وتخفف إحساسه بالتهديد من جانبك
مراعاة القانون :
كان "جاليليو" معروفاً بجرأته العلمية . لكنه لم يكن غبياً في مجال العلاقات الاجتماعية , فكان لا يتورع عن إعلان تراجعه عن أي مبدأ علمي يهدد مستقبله .ولكي يرضي ضميره العلمي , كان "جاليليو" يتبع الاستراتيجية التالية :
1- يضمن أفكاره الجريئة كتباً لا يتم تداولها إلا في المحيط العلمي البحت , حتى لا تقع في أيدي المعارضين الأقوياء .
2- يقدم اختراعاته للأقوياء المحيطين به , فكان يهدي كل اختراع بمجرد الانتهاء منه لأحد العظماء , الذي يضفي عليه بعض القوة , في المقابل .
ظل "جاليليو" ينهج هذا الأسلوب حتى وصل إلى منصب الرياضي الفيلسوف عام 1610 , رغم أن بعض آرائه أودت بحياة العديد من العلماء قبله .
ولتكون نينجا استفد من كل قوانين الحياة