| ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 4:12 am | |
|
♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖
ذا الكتاب من أهم الكتب التي تكلمت في التاريخ، ويعد مرجعًا من مراجع هذا العلم، وقد ابتدأ مصنفه ببدء الخلق وأول من سكن الأرض حتى وصل إلى أواخر القرن السادس الهجري الذي توفي فيه سنة (597هـ)، مخصصًا جانبًا كبيرًا من الكتاب للسيرة النبوية، تناول فيها مرحلة المولد، وما كان فيها من أحداث، ثم مرحلة النبوة، وقد تميز هذا الكتاب عما سبقه من كتب التاريخ بأنه يجمع بين كونه سردًا تاريخيًّا للأحداث على مدار السنوات، وبين احتوائه على ثلاثة آلاف وثلاثمائة ترجمة لمختلف الشخصيات من خلفاء وملوك ووزراء وفقهاء ومحدثين ومؤرخين وفلاسفة وشعراء ومصنفين وغيرهم.
هو كتاب تاريخي مهم جدا حيث اشتمل على ترجمة أزيد من 3370 ترجمة وهو كتاب من تأليف أبو الفرج بن الجوزي ويعد أول تاريخ جمع بين الحوادث والتراجم على النحو الذي أصبح متبعاً من بعده، أرخ فيه الشيخ من بداية خلق الأرض والشمس والقمر وقصة آدم وخروجه من الجنة، وسرد، قصص ملوك العالم وجميع الأنبياء انتهاءً بأحداث القرن السادس الهجري. تناول ابن الجوزي في كتابه التاريخ العام من بدء الخليقة إلى سنة 564 هجرية. يقع الكتاب في ثمانية عشر جزءا
المؤلف ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي أبو الفرج، علامة عصره في التاريخ والحديث، ولد ببغداد سنة (508 هـ) ونسبته إلى (مشرعة الجوز) من محالها. كثير التصانيف، له نحو ثلاثمائة مصنف، وتوفي سنة (597 هـ).
ابن الجوزي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م - 12 رمضان 592 هـ) ولد وتوفي في بغداد. حظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون. يعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق. عرف بابن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى "فرضة الجوز" وهي مرفأ نهر البصرة.
حياته كان أهله تجارا في النحاس، توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، على الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلى طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير، بين أنه نشأ في النعيم، بقوله في صيد الخاطر: فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد، حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه. عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعا زاهدا، لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته، فقال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له "وكان -وهو صبي- دينا منجمعا على نفسه لا يخالط أحدا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان". قال ابن الجوزي واصفا نفسه في صغره: كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم . كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس، ببغداد.
محنته في عهد الخليفة الناصر عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة بعد أن سحب المنصب من عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه بسبب إتهامه بالزندقة وعبادة النجوم. خلف ابن القصاب منصب ابن يونس الحنبلي فلاحق كل من له صلة به، فكان مصير ابن الجوزي النفي. أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقاه الناس وبقي في المطمورة خمس سنين.
أقوال العلماء فيه قال عنه ابن كثير : "أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا من ثلاثمائة مصنف". وقال عنه الذهبي: "ما علمت أن أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل".
مصنفاته تميز ابن الجوزي بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته التي بلغت نحو ثلاثمائة مصنف شملت الكثير من العلوم والفنون، فهو أحد العلماء المكثرين في التصنيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة والطب والفقه والمواعظ وغيرها من العلوم، ومن أشهر تلك المصنفات: زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء نواسخ القرآن كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه وله في الحديث تصانيف كثيرة، منها: الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، جمع فيه الأحاديث الموضوعة، لكن تُعقِّب عليه في بعضها. وأيضا: صفوة الصفوة تلبيس إبليس التذكرة في الوعظ كتاب ذم الهوى صيد الخاطر المنتظم في تاريخ الملوك والأمم تاريخ بيت المقدس أخبار الحمقى والمغفلين ولقط المنافع، في الطب. تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر (كتيب) لفتة الكبد إلى نصيحة الولد(رسالة) أعمار الأعيان كتاب المدهش في الوعظ، وقد يكون أعظم مصنفات الوعظ بلاغة. فنون الأفنان في عيون علوم القرآن سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد أخبار الظراف والمتماجنين كتاب الأذكياء بستان الواعظين ورياض السامعين التبصرة في الوعظ
شعره وكان خطيبا مفوها وأديبا ومن شعره في الزهد والقناعة: إذا قنعت بميسور من القوت ** بقيت في الناس حرًا غير ممقوت يا قوت يومي إذا ما در خلفك لي ** فلست آسي على در وياقوت وأوصى أن يُكتب على قبره: يا كثير العفو عمن ** كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو ** الصفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء ** الضيف إحسان اليه
من أقواله كان حريصا على الوقت متفرغا للعلم. قال في صيد الخاطر: (فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف بالقناعة باليسير، إذا لم يقدر على الكثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدله على الفضائل ويفرجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط)
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:29 pm | |
| الجزء الأول
ذكر المخلوقات
ذكر خلقَ الأرض
لما روينا أن الله تعالى خلق الأرض قبل السماء ابتدأنا بذكر ما روى أبو الضحى عن ابن عباس قال: خلق الله النون فوق الماء ثم كبس الأرض عليه.
وروى عنه أبو ظبيان: دحا الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبِتتْ بالجبال فإنها لتفنخرعلى الأرض: وروى السدي عن أشياخه قال: أخرج من الماء دخانًا فسمى عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين فخلق الأرض على حوت وهو النون والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح.
وروينا أن الكعبة خلقت قبل الأرض.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق خلق الريح فأرسلها وروى قتادة عن أبي الجلد قال: الدنيا أربعة وعشرون ألف فرسخ اثنا عشر منها للسودان وثمانية للروم وثلاثة لأهل فارس وألف للعرب.
وقال غيره: أرض الحبشة مسيرة سبعة فراسخ والفرسخ عشرة ألف ذراع.
وقال معتب بن سمي: الأرض ثلاثة أثلاث فثلث للناس والشجر والدواب وثلث هواء وثلث بحار.
قال أبو الوفاء بن عقيل: ونقلت من كتاب الهندسة: ذكر علماء الهندسة أن الأرض على هيئة الكرة على تدوير الفلك موضعه في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة وأن النسيم يحيط بها كالبياض من البيضة حول المحّة وأن الفلك يحيط بالنسيم كإحاطة القشرة البيضاء بالبياض المحيط بالمحة والأرض مقسومة نصفين بينهما خط الاستواء وهو من المشرق إلى المغرب وهو طول الأرض وهو أكبر خط في كرة الأرض كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك وعرض الأرض من القطب الجنوبي الذي تدور حوله بنات نعش.
واستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة والدرجة خمسة وعشرون فرسخًا والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعًا والإصبع ست حبات من شعير مضمومة فتكون جميع ذلك تسعة آلاف فرسخ وبين خط الاستواء وبين كل واحد من القطبين تسعون درجة واستدارتها عرضًا مثل ذلك إِلا أن العمارة بعد خط الاستواء أربع وعشرون درجة ثم الباقي قد غمره البحر الكبير فنحن على الربع الشمالي من الأرض.
والربع الجنوبي خراب لشدة الحر والنصف الذي تحتنا لا ساكن فيه وكل ربع من الشمالي والجنوبي سبعة أقاليم والاقليم هو البلدان التي يتفق عرضها في مسير الشمس وارتفاع درجها.
وقال بعضهم فِي تقدير ما غمر من الأرض بالبحار: إن موضع البر منها كسواد القمر من القمر ومعمورها كسرًا منه.
وذكر بعض العلماء أن غاية ما يمكن ارتفاع البنيان في الجو مقدار ميلين فإنه مبلغ أعالي الجبال على استقامتها بغير تقريح ولا تدريج.
باب ذكر البلاد
قال كعب الأخبار: تجد في كتاب الله عز وجل معنى التورية أن الأرض على صفة النسر فالرأس الشام والجناحان المشرق والمغرب والذنب اليمن ولا يزال الناس بخير ما لم يقرع الرأس فإذا قرع الرأس هلك الناس.
وقال غيره من العلماء: الأرض كلها سبعة أقاليم فالإقليم الأول الهند والثاني الحجاز والثالث مصر والرابع بابل والخامس الروم والسادس الترك ويأجوج ومأجوج والسابع الصين ومقدار كل أقليم سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ من غير أن يدخل في ذلك جبل ولا واد والبحر الأعظم محيط بذلك كله يحيط به جبل قاف.
قال أبوالحسن أحمد بن جعفر: أما الإقليم الأول: فإنه يبتدئ من المشرق من أقاصي بلاد الصين فيمر على بلاد الصين على ساحل البحر مما يلي الجنوب وفيه مدينة ملك الصين ثم يمر على ساحل البحر في جنوب بلاد الهند ثم بلاد السند ثم يقطع البحر إلى جزيرة العرب وأرض اليمن فيكون فيهم من المدائن المعروفة مدينة ظفار وعمان وحضرموت وصنعاء وعدن والتبالة وجرش وسبأ ثم يقطع الإقليم بحر القلزم فيمر في بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وفيه مدينة مملكة الحبشة وتسمى جَرْمَى وتسمى دونقلة مدينة النوبة ثم يمر الإقليم في أرض المغرب على جنوب بلاد البربر إلى أن ينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الثاني: يبتدىء من المشرق فيمر على بلاد الصين ثم يمر على بلاد الهند ثم ببلاد السند وفيه مدينة المنصورة والديبل ثم يمر لملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وأرض تهامة وفيه من المدائن: اليمامة والبحرين وهجر ويثرب ومكة والطائف وجدة ثم يقطع بحر القلزم ويمر بصعيد مصر فيقطع النيل فيه من المدائن تومن وأخميم وأسوان ثم يمر في أرض المغرب على وسط بلاد أفريقية ثم يمرعلى بلاد البربر وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الثالث: يبتدىء من المشرق فيمرعلى شمال بلاد الصين ثم على بلاد الهند ثم على شمال بلاد السند ثم على بلاد كابل وكرمان وسجستان والسيرجان ثم يمر على سواحل بحر البصرة وفيه مدينة اصطخر ونسا وسابور وشيراز وسيراف مهروبان ثم يمر بكور الأهواز والعراق وفيه البصرة وواسط وبغداد والكوفة والأنبار وهيت ثم يمر على بلاد الشام وفيه حمص ودمشق والصور وعكا والطبرية وقيسارية وبيت المقدس والرملة وعسقلان وغزة ثم يقطع أسفل أرض مصر وفيه من المدن هنالك تنيس ودمياط وفسطاط مصر والفيوم والاسكندرية ثم يمر على بلاد افريقية وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الرابع: يبتدىء من المشرق فيمر ببلاد التبت ثم على خراسان وفيه: فرغانة وسمرقند وبلخ وبخارى وهرا ة ومَرو وسرَخسَ وطوس ونيسابور وجرجان وقومس وطبرستان وقزوِين والري وأصفهان وقم وهمذان ونهاوند والدينور وحلوان وشهرزور وسرَمن رأى والموصل وبلد ونصيبين وآمد وراس عين وقاليقا وسُمَيْسَاط وحرّان والرقة وقرقيسيا ثم يمر على شمال الشام وفيه من المدن: بالسر ومنبج وملطية وحلب وقنسرين وأنطاكية وطرابلس والمصيصة وصيدا وأزنة وطرسوس وعمورية.
ثم يمر في بحر الشام على جزيرة قبرس ثم في أرض المغرب على بلاد طنجة وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم الخامس: يبتدىء من المشرق من بلاد يأجوج ومأجوج ثم يمرعلى شمال خراسان وفيه: خوارزم وشاش وأذربيجان وسنجار وأخلاط ثم يمر في بلاد الروم على خرشة ورومية ويمر على بلاد الأندلس حتى ينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم السادس: يبتدئ من المشرق فيمرعلى بلاد يأجوج ومأجوج ثم على بلاد الخزر ويمر على القسطنطينية وينتهي إلى بحر المغرب.
والإقليم السابع: يبتدىء من المشرق من شمال بلاد يأجوج ومأجوج ثم على بلاد الترك ثم على سواحل بحر جرجان ثم يقطع بحر الروم فيمر على الصقالبة وينتهي إلى بحر المغرب.
وذكر غيره: أن المسكون من الأرض على تفاوت أقطاره مقسوم بين سبع أمم وهم: الصين والهند والسودان والبربر والروم والترك والفرس والفرس في وسط هذه الممالك.
قال الأزهري: وإنما سمي الإقليم إقليمًا لأنه مقلوم من الأقاليم التي بنى ناحيته أي مقطوع عنه.
وقال الحسن: الأمصار المدينة والشام ومصر والجزيرة والكوفة والبصرة والبحرين.
وقال قتادة: هي عشرة فزاد: دمشق وحمص والأردن وفلسطين وقنسرين.
وقال الأصمعي: العراقان البصرة والكوفة.
وسواد البصرة: الأهواز وفارس.
وسواد الكوفة من كسكر إلى حلوان.
وقد ذكر عن بطليموس الملك أنه أحصى مدن الدنيا في زمانه فإذا هي أربعة آلاف ومائتا مدينة.
ويقال: بلاد الأندلس مسيرة شهر في مثله يحتوي أربعين مدينة وبلاد سرنديب مسيرة ثمانين فرسخًا في مثلها وفي بلاد رومية ألف ومائتا كنيسة وأربعون ألف حمام وبها سوق للطير فرسخ ولا يقدر غريب أن يدخلها إلا بدليل لأن مدخلها دف تقريح ولا يقف عليها إلا أصلهان وكذلك عمورية عظيمة زعموا أن حول سورها ألف عمود ومائتي عمود وعشرين عمودًا فيها رهابين.
وفي القسطنطينية من العجائب سبعة أسوار سُمْكُ سورها الكبير احدى وعشرون ذراعًا وسمك سور الفصيل عشرة أذرع وسمك الفصيل مما يلي البحر خمسة.
أذرع وبينها وبين البحر وجه يكون نحو خمسين ذراعًا في سورها مائة باب.
ومملكة الروم يدخل فيها حدود الصقالبة ومن جاورهم والسرير بينه وبين الحزر مسيرة فرسخين.
ويقال: كان هذا السرير لبعض الأكاسرة وديوان ملك الروم موسوم على مائة ألف رجل على كل عشرة آلاف بطريق جزائر الروم خمس: جزيرة قبرص ودورها مسيرة ستة عشر يوم وجزيرة أقريطس ودورها مسيرة خمسة عشر يومًا وجزيرة الراهب وبها يخص الخدم وجزيرة الفضة وجزيرة الصقلية ودورها مسيرة خمسة عشرة يومًا وهي بإزاء افريقية والحبشية على بحر القلزم وبينها وبين المصر مفازة فيها معدن الذهب ومدينة أصحاب الكهف من عمل الروم والكهف في جبل بابجلوس وأما أصحاب الرقيم فبحرية وهي رستاق بين عمورية وبنتيه.
وأما طول بلاد الصين على البحر فمسيرة شهرين بها وبها ثلاثمائة مدينة كلها عامرة.
ويقال ما دخل الصين أحد واشتهى أن يخرج منها سيما بلاد من الصين يدعى الاشبيلا يكون بها الذهب والهند سبعة أجناس وهم اثنتان وأربعون ملة منهم البراهمة.
ومدينة الاسكندر على ساحل البحر بينها وبين مصر أربعون فرسخاَ بناها الاسكندر الأول وهو ذو القرنين في ثلاثمائة سنة.
وبلغنا أن أهلها مكثوا سبعين سنة لا يمشون فيها بالنهار إلا بخرق سود حيال أعينهم مخافةً على أبصارهم من شدة بياض حيطانها.
وفيها المنارة التي هي أحد عجائب الدنيا يصعد على أعلاها مشيًا ولا يبين لمن يصعدها أنه يرتقي لأنه يدور ولا ينقل قدميه على درج إنما يمشي كأنه على الأرض وكان فيها سوى أهلها ستمائة ألف من اليهود خولًا لأهلها.
ومدينة فرعون التي كان ينزلها كان لها سبعون بابًا وجعل حيطانها بالحديد والصفر مبنية وأجرى فيها الأنهار ونصب سريره في وسط الأنهار فكان الماء يجري تحت سريره بمقدار يستحسن ولا يضر.
ويقال: أن أنزه الأرض وأجمعها طيبًا وحسن مستشرف سمرقند.
قالوا: وأحسن الأرض مصنوعة الريّ وأحسنها مفروقة جرجان وطبرستان وأحسنها مستخرجة نيسابور وأحسنها قديمًا وحديثًا جند نيسابور ولها حسن الأنهار وأعظم بلاد اللّه بركة الشام وأكثرها أنهارًا البصرة وأعدلها هواء اليمن وأغناها من الدواب والبرس أصفهان وأرشها العراق.
وذكر أبو منصور الأزهري: أن جابلق وجابلس مدينتان أحديهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ليس وراهما.
وقال بعضهم: بفتح اللام فيهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو طالب ابن عمر بن إبراهيم الفقيه أخبرنا محمد بن اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن زنجي الكاتب قال: حدثني أبي أخبرنا عسيل بن ذكوان قال: قال الأصمعي: أحسن الدنيا ثلاثة أنهار نهر الايلة وغوطة دمشق وسمرقند وحشوش الدنيا ثلاثة: عمان واردبيل وهيت.
أخبرنا الحسن بن محمد البارع أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة أخبرنا أبو الطاهر المخلص أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عروة: أن الفرع أول قرية مارت لأم اسماعيل النبي صلى الله عليه وسلم الثمر بمكة وكانت من عمل عاد شقت لها بين جبلين ثم كملت السبيل فيه.
قال بعض العلماء: سميت خراسان بخراسم الشمس أي مطلع الشمس.
وحد خراسان من الدامغان إلى شط نهر بلخ وعرضها من حد زرنج إلى حد جرجان ومدنها الكبار أربعة: وتفسير خوارزم: أرض الهوان لأن أهلها لا يطيعون إلا على هوان.
بلخ بناها لهراسب.
هراة بناها الضحاك.
مرو بناها مرو الشاهجان تفسير مرو: مرج والشاه: الملك والجان: الروح وكأنه يقال: مرج نفس الملك.
موقان واردبيل والبيلقان وجرجان وحوران سميت بأسماء أصحابها.
حلوان بحلوان بن عمر بن السحار بن قضاعة.
رامهرمز بناها هرمز بن شابور والمذ والهند إخوان من أولاد سام.
الصين سميت بصين بن يعبر بحد ما بين الحجاز والشام إلى الطائف.
تهامة ما سائر البحر بمكة.
الموصل سميت لأنها وصلت ما بين دجلة والفرات.
واعلم أن مملكة الإسلام شرقها أرض الهند وغربها مملكة الروم وشمالها مملكة الصين وجنوبها بحر فارس.
وأما مملكة فارس فشرقها بلاد الإسلام وغربها وجنوبها البحر المحيط.
أخبرنا ابن ناصر أخبرنا أحمد بن عبد الملك النيسابوري أخبرنا عبد القاهر بن طاهر أخبرنا إبراهيم بن أحمد البزاري أخبرنا جعفر بن أحمد بن المفلس أخبرنا عمر بن عبد اللّه الأودي أخبرنا إسماعيل بن حماد عن القاسم بن معن عن بيان عن حكيم بن جابر قال: قالت الصحة أنا لاحقة بأرض العرب قال الجوع: أنا معك قال الإيمان: أنا لاحق بأرض الشام قال الموت: أنا معك قال الملك.
أنا لاحق بأرض العراق قال القتل: أنا معك.
قال ابن عباس: كانت الأرض تميد حتى القيت فيها الجبال وكان أبو قبيس أول جبل وضع في الأرض وإن الجبال لتفخرعلى الأرض.
أخبرنا ابن الحصين: أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي أخبرنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجب الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال: نعم الحديد قالت: يا رب فهل من شيء أشد من الحديد قال: نعم النار قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال: نعم الماء قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال: نعم الريح قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه ويخفيها من شماله ".
قال قيس بن عباد: إن اللّه تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: ما هذه تموه على ظهرها أحدًا فأصبحت الملائكة صبحًا وفيها رواسيها لم يدروا من أين خلقت قالوا: يا ربنا هل من فعلك شيء أشد من هذا قال: نعم الحديد.
فذكر نحوما تقدم إلى أن قالوا: هل من خلقك شيء أشد من الريح قال: نعم الرجل قالوا: ربنا فهل من خلقك من مشاهير الجبال قال العلماء بالسير: أبو قبيس هو الجبل المشرف على الصفا سمي برجل من مذحج كان يكنى أبا قبيس لأنه أول من بنى فيه.
وكان يسمى في الجاهلية الأمين لأن الركن كان مستودعًا فيه عام الطوفان وهو أحد الأخشبين.
وأحد من جبال المدينة.
وثور من جبال مكة والأحمر جبل وجهد جهينة مشرف على قينقاع كان يسمى الأعرف في الجاهلية.
الحجون الجبل المشرف الذي بحذاء مسجد البيعة الذي يلي شعب الجزارين.
المُحَصَّب جبل مشرف على ذي طوى وحَضَن نجد.
ذباب جبل بالمدينة.
يذبل جبل بين اليمامة وطريق البصرة.
جبل ذو خيش شمام جبل شبام جبل باليمن.
الظهران جبل عسيب جبل لبني هذيل وعشيب جبل لقريش حبود جبل المناقب جبل.
قال أبو الحسين بن المبادي: جبل طي عظيمان طويلا المسير.
جبل العَرْج الذي بين مكة والمدينة يمضي إلى الشام حتى يتصل بلبنان من حمص ثم يسير من دمشق فيمضي حتى يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة ويسمى هنالك الأكام ثم يتصل بجبال ملطية وشميشاط وقاليقلا أبدا إلى بحر الخزر.
وأما ساتيد وتبل فحيطان.
وأما جبال سرنديب فشامخات أيضًا ومنها الجبل الذي أهبط عليه آدم من الجنة واسمه واش وقيل: واشم.
وزعموا أن فيه أثر قدم عليه السلام وهو جبل عال يرى في مراكب البحر من مسيرة أيام وزعموا أنه مسحوا أثر قدم آدم فإذا هو مقدار سبعين ذراعًا قالوا: وعلى هذا الجبل شبيه البرق شتاء وصيفًا طول السنة لا يذهب وحول هذا الجبل ياقوت وألوانه كثيرة.
وفي وادي هذا الجبل الماس الذي يقطع الزجاج والصخور ويثقب اللؤلؤ وغيره.
وعلى هذا الجبل العود والفلفل والأفاوية وفيه دابة الزباد ودواب المسك ثم يعدل إلى جبال الصين وفيها ألوان من النبات والطيب والمنافع الكثيرة.
جبال الأندلس وجبال القمر فموصوفات بالعظم طولًا وسعة الشقة مسيرًا.
وأما جبال بلاد أرمينية فعظام كثيرة جبال بلاد الروم ومنها جبل قيسارية وذو الكلاع وحصير وجبل الرقيم وجبل الروم الذي اعتمله " ذو القرنين وجعل وراه يأجوج ومأجوج طوله سبعمائة فرسخ بدوه خارج العمران في الإقليم السابع وطرف مبدأه مستقبل المشرق وينعطف هذا الجبل في موضع مبدأه إلى ناحية الجنوب ثم يستقيم فيمر طولًا إلى أن ينتهي طولأ إلى البحر المظلم فيتصل به والروم المعمول سدًا دون يأجوج ومأجوج هو في واد متوسط هذا الجبل.
وببلاد اليمن جبلان عظيمان مسيرة ما بينهما في السهل ثلاثة أيام ورأسهما متقاربان يناول الرجل صاحبه ما يريد من أحدهما إلى الآخر.
وباليمن جبل يقال له المصانع طويل ممتنع ووراءه جبل آخر وبينهما فضل متقارب.
وجبال فرنجة من جبال الأندلس وهناك جبل فيه نار تتقد في ترإب وحجارة ما طفئت قط وجبال الصقالبة وبلاد خراسان ونواحي المشرق كثيرة.
وبمكة أبو قبيس وحراء وثبير وبعرفات جبل يقال له كبكبا وبالمدينة أحد ودرقان وعينين واليسقون وذباب وسلع ورانج وجبل بني عبيد وهمدان بين الجحفة وقديد وببلاد الجزيرة في نفس باقردي الجودي الذي أرسلت عليه السفينة وطوررتيا برأس عين وببلاد نجد جبيل منيف يقال له حصن بخيبر جبل يقال له: ذو الرقبة وبين قديد وعسمفان جبل يسمى المشلل بالكديد وفي الأرض جبال كثيرة لا تحصى.
تعالى من يثبتها اليوم ويسيرها غدا.
قال المصنف: وباليمن جبل يقال له شعبان.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية الخراز أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا عبداللّه بن محمد الشعباني حدثنا أشياخ من شعبان منهم محمد بن أبي أمية وكان عالمًا: أن مطرًا أصاب اليمن فحجفت السيل موضعًا فأبدى عن أزج عليه باب من حجارة فكسر الغلق ودخل فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب فإذا عليه رجل مسجى فشبرناه فإذا طوله اثنا عشر شبرًا وإذا عليه حباب من وشي منسوجة بالذهب وإلى جنبه مِحْجَن من ذهب وعلى رأسه تاج من ذهب عليه ياقوتة حمراء وإذا رجل أبيض الرأس واللحية له ضفيرتان وإلى جنبه لوح من ذهب مكتوب فيه بالحميرية: " باسمك اللهم رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلا الله عشت بأملٍ ومت بأجل أيام الطاعون هلك فيه اثنا عشر ألف قيل فكنت آخرهم قيلًا فأتيت جبل في شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني قال عبد الله بن محمد: هو حسان بن عمر بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عون وحسان هو ذو الشعبين وهو جبل باليمن نزله هو وولده فنسبوا إليه فمن كان بالكوفة قيل: هم شعبيون منهم عامر الشغبي ومن كان بالشام قيل لهم: شعبانيون ومن كان باليمن قيل لهم: آل شعبين ومن كان بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعوب وهم جميعًا بنو حسان بن عمرو ذي شعبين.
أنبأنا علي بن عبيد الله الزعفراني أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة أخبرنا ابن العباس محمد بن عبد الرحمن المخلص أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن السكري أخبرنا عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن المعروف بابن أبي سعد الوراق أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك أبو الأشعث الكندي قال: أملى علي عرام بن الأصبغ السلمي قال: أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه.
أولها رضوى من ينبع على يوم ومن المدينة على سبع مراحل ميامنه طريق مكة مياسره طريق البريراء لمن كان مصعدًا إلى مكة وعلى ليلتين من البحر وبحذائها عَزْوَر وبينها وبين رضوى طريق المُعْرقة تختصره العرب إلى الشام وإلى مكة.
والمدينة بين جبلين قدر شوط الفرس.
وهما جبلان شاهقان منيعان لا يروقهما أحدينا بهما الشوحة والنبع والزنق وهو شجر شبه الضهياء والضهياء شجر شبه العناب تأكله الإبل والغنم لا ثمر له وللضهياء ثمر شبه العصفر لا يؤكل ولا ريح له ولا طعم.
وفي الجبلين جميع مياه وأوشال والوشل ماء يخرج من لا يطورها أحد ولا يعرف متفجرها ويسكن وراءها وأجوازها نهد وجهينة في الوبر خاصة دون المدر ولهم هناك يسار ظاهر.
ويصب الجبلان في وادي غيقة وغيقة تصب في البحر ولها مساك وهوموضع يمسك الماء.
ومن عن يمين رضوى لمن كان منحدرًا من المدينة إلى البحرعلى ليلة من رضوى ينبع.
وفيها مغبر وهي قرية كبيرة غناء سكانها الأنصار وجهينة وليث أيضًا.
وفيها عيون.
عذاب غزيرة وواديها يليل يصب في غيقة.
والصفراء قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلها وهو فوق ينبع مما يلي المدينة وماؤها يجري إلى ينبع وهي لجهينة والأنصار ولبني فهر ونهد.
ورضوى منها من ناحية مغيب الشمس على يوم وحواليها قنان واحدها قنة وضعضاع وجمعها ضعاضع و في والقنان والضعاضع جبل وفي يليل هذا عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون وكثرها يجري في الرمل فلا يمكن للزارعين عليها أن يزرعوا عليها إلا في مواضع يسيرة بين أحناء الرمل فيها نخيل ويتخذ فيها البقول والبطيخ وتسمى هذه العين بحير.
ويتلوها الجارعلى شاطىء البحر ترفأ إليها السفن من أرض الحبشة ومصر ومن البحرين والصين.
وبها منبر وهي قرية كبيرة آهلة يشرب أهلها من البحيرة.
وبالجار قصور كثيرة ونصف الجار في جزيرة من بحر العرب ونصفها على الساحل.
وبحذاء الجارقرية في جزيرة من البحر تكون ميلًا في ميل لا يعبر إليها إلا في سفن وهي مرسا الحبشة خاصة يقال لها: قراقف وسكانها تجار كنحو أهل الجار ويؤتون بالماء من فرسخين.
ووادي يليل يصب في البحر.
ثم من عند عنقه اليسرى مما يلي المدينة عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة وعن يسار المصعدين من الشام إلى مكة - جبلان يقال لأحدهما: ثافل الأصغر وثافل الأكبر وهما لضمرة خاصة وهم أصحاب حلال ودعة ويسار.
وبينهما ثنية لا تكون رمية سهم.
وبينهما وبين رضوى وعزور ليلتان نباتهما العرعر والقرظ والظيان والأيدع والشبيام والظيان له ساق غليظة وهو كثيرالشوك والحطب وله سنفة كسنفة العشرق والسنفة ما تدلى كمًا من ثمر وخرج من أغصانه والعشرق ورق يشبه الحَنْدَقُوق منتنة الريح والأيدع شجر شبه الدلب إلا أن أغصانه أشد تقاربًَا من أغصان الدلب لها وردة حمراء طيبة الريح وليس لها ثمر نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن كسر شيء من أغصانها و عن السدر والتنطب والسرح والشهانة لأن هؤلاء جميعًا ذوات ظلال يسكن الناس فيها من البرد والحر وللسدر ثمر وللتنطب ثمر ويقال له الهمقع يشبه المشمش يؤكل طيبًا.
وفي ثافل الأصغر ماء في دوار في جوقة يقال لها القاحة عذبتان غزيرتان وهما جبلان كبيران شامخان وكل جبال تهامة تنبت الغضور وبينهما وبين عزور ورضوى سبع مراحل وبين هذه الجبال جبال صغار وقَرادد.
ولمن صدر من المدينة مصعدًا أول جبل يلقاه من عن يساره ورقان وهو جبل أسود عظيم كأعظم ما يكون من الجبال ينقاد من سيالة إلى المتَعشّى بين العرج والرويثة وفي ورقان أنواع الشجر المثمر كله وغير المثمر وفيه القرظ والسمِّاق والرمان والخَزَم وهو شجر يشبه ورقه ورق البردى وله ساق كساق النخلة تتخذ منه الأرشية الجياد.
وقيل: به أوشال وعيون عذاب سكانه بنو أوس من مزينة أهل عمود ولهم يسار.
وهم أهل صدق.
وبسفحه من عن يمينه سيالة ثم الروحاء ثم الروثية ويفلق بينه وبين القدس الأبيض ثنية بني عقبة يقال لها وكزبة ثم يقطع بينه وبين القدس الأسود عقبة يقال لها: حَمَت.
ونبات القدسين جميعًا العرعر والقرظ والشوحط.
والقدسان جميعًا لمزينة وأموالهم ماشية من الشاء والبعير وهم أهل عمود وفيه أوشال كثيرة.
ويقابلها من عن يمين الطريق المصعد جبلان يقال لهما نهبان نهب الأسفل ونهب الأعلى ما في دوار من الأرض بئر واحدة كبيرة غزيرة الماء مثلها عليها مباطخ وبقول نخلات وفي نهب الأسفل أوشال.
وفيه العرج ووادي العرج يقال له مسيحة بناتها المرخ والأراك والثمام ومن عن يسار الطريق مقابلًا قدس الأبيض والأسود جبل من أشمخ ما يكون من الجبال يقال لها آرة وهو جبل أحمر تخرج من جوانبه عيون على كل عين من جانبه قرية فمنها قرية غناء كبيرة يقال لها: الفرع وهي لقريش والأنصار ومزينة ومنها أم العيال قرية صدقة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها قرية غناء كبيرة يقال لها المضيق.
ومنها قرية يقال لها العمرة وقرية يقال لها: خضرة وقرية يقال لها: الفغوة وفي كل هذه القرى نخيل وزرع وهي من السقيا على ثلاث مراحل وواديها يصب في الأبواء وفي ودان وهي قرية من أمهات القرى.
والستارة قرية تتصل بجبلة واديها واحد ويزعمون أن جبلة أول قرية اتخذت بتهامة وبجبلة وشمنصير جبل مُلَمْلَم لم يعله قط أحد ولا أدري ما على ذروته وبأعلاها القرود وبغربيه قرية بحذائها جبل صغير يقال له ضُعَاضِع وهذه القرية لسعيد وبني سروح وهم الذين نشأ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذيل فيها شيء ولفهم أيضًا.
وعن يمين الطريق جبل الأبواء ثم هرشي وهو على ملتقى الشام وطريق المدينة وهرشي في أرض مستوية وهي هضبة مُلَمْلَمَة لا ينبت الله فيها شيئًا وأسفل منه ودان على ميلين مما يلي مغيب الشمس من عن يمينها بينها وبين البحر يقطعها المصعدون من حجاج المدينة وينصبون منها منصرفين من مكة ويتصل بها مما يلي مغيب الشمس من عن يمينها بينها وبين البحر خبت والخبت الرمل الذي لا ينبت فيه غير الأرطي وهوحطب وفيها متوسط الخبت جبيل صغير أسود شديد السواد يقال له: طفيل ثم ينقطع عند الجبال ثلاثة أودية ينبت فيها الأراك والمرخ والدوم وهو المُقل والنَخْلُ.
ومنها واد يقال له كُليهّ بأعلاه ثلاثة أجبل صغار متفرقات من الجبال ودون الجحفة على ميل واديها غدير خم وواديه يصب في البحر لا ينبت إلا المرخ والثمام والأراك وغدير خم لا يفارقه أبدًا ماء من ماء المطر وبه ناس من خزاعة وكنانة.
ثم الشراة وهو جبل مرتفع شامخ يأرَيه الفرد وينبت النبع والشوحط والقرظ.
ثم مر الظهران ومر هي القرية والظهران الوادي وبمر عيون كثيرة ونخيل كثيرة.
ثم تؤم مكة متحدرًا من برية يقال لها جَفْجَف.
وتنحدر في حد مكة في واد يقال له وادي تُرْبة تنصب إلى بستان بني عامر وحواليه بين الجبال السراة ويسوم وفرقد معدن البُرْم وجبلان يقال لهما شوانان واحدها شوان.
وهذه البلاد كلها لغامد.
وفي جبال السراة الأعناب وقصب السكر.
ومن جبال مكة: أبو قبيس والصفا والجبل الأحمر والجبل الأسود ومرتفع يقال له الهَيْلاء يقطع منه الحجارة للبناء وللأرحاء.
والمروة جبل مائل إلى الحمرة وثبير جبل شامخ يقابله حراء وهو أرفع من ثبير في أعلاه قلةٌ شاهقة وليس في جبل مكة نبات إلا شيء من الضهياء يكون في الجبل الأحمر وليس في شيء منها ماء.
ثم جبال عرفات تتصل بها جبال الطائف وفيها مياه كثيرة الأوشال.
والأخشبان جبلان بعرفات بينهما يعرف الناس وقُعَيقعان قرية بها مياه كثيرة وزرع ونخيل وفواكه وهي اليمانية.
والطائف ذات مزارع ونخيل وأعناب وموز وسائر الفواكه وفيها مياه جارية وأودية تنصب وحد الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة فنصف المدينة حجازي ونصفها تهامي ومن القرى الحجازي بطن نخل وبحذاء نخل جبل يقال له الأسود نصفه نجدي ونصفه حجازي وهو جبل أسود شامخ.
ثم الطرف لمنْ أم المدينة يكتنف ثلاثة أجبل أحدها ظَلِمٌ وهو جبل أسود شامخ لا ينبت فيه شيئًا.
والشَوْرَان جبل مطل على السد كبير مرتفع.
ومن قبل المدينة جبل يقال له الصاري وأحد وجبل حذاء شوران يقال له سن وجبال كبار شواهق لا ينبت فيها شيئًا بل يقطع منها الأرحاء والصخور للبناء تنقل إلى المدينة وما حواليها.
وحذاها جبيل ليس بالشامخ يقال له قنة الحجر وهناك واد.
ثم تمضي مصعدًا نحو مكة فتميل إلى واد يقال له عريفطان ليس بها ماء ولا رعي وحذاءه جبل يقال له أبلى وفي أبلى مياه منها بئر معونة وحذاء أبلى جبل يقال له ذو الموقعة من شرقيها وهو جبل معدن بني سليم يكون به اللازورد كثيرًا وحذاؤه من عن يمينه جبل يقال له أحامر ليس فيه ماء.
وجبل يقال له بُرثُم وجبل يقال له تِعار وهما جبلان عاليان لا ينبتان شيئًا فيهما النمران كثيرة.
والخرب جبل بينه وبين القبلة لا ينبت فيه شيئًا وجبل يقال له أقزاح شامخ مرتفع أجرد لا ينبت فيه شيئًا كثيرة النمور والأراوي.
ثم جبل يقال له صفار وجبل يقال له شُواحِط وجبل لصفينة يقال له الستار وبصفينة مزارع ونخيل كثيرة يعدل إليها أهل الحجاز إذا عطشوا وجبل يقال له هَكْرَان وجبل يقال له عُنّ والوفقا جبل لبني طال حذاه جبل يقال له: بُس.
وذكر أبو منصور الأزهري عن قعيقعان موضع بمكة اقتتل عنده قبيلان من قريش فسمي قعيقعان بتقعقع السلاح فيه.
قال: وقال السدي: إنما سمي قعيقعان لأن حربهما كانت تجعل فيه قسيها وجعابها وعرقها فكانت تقعقع وتصوت.
قال: وقعيقعان جبل بالأهواز ومنه نحت أساطين مسجد البصرة.
قال السدي: الجبل الذي تطلع الشمس من ورائه طوله ثمانون فرسخًا.
فصل ذكر قدامة بن جعفر الكاتب قال: الذي وجد في الإقليم الأول من الجبال تسعة عشرجبلًا منها جبل سرنديب وطوله مائتان ونيف وستون ميلًا.
والإقليم الثاني فيه سبعة وعشرون جبلًا منها جبل كرمان وطوله ثلاثمائة ونيف وثلاثون ميلًا.
والإقليم الثالث فيه أحد وثلاثون جبلًا والإقليم الرابع فيه من الجبال أربعة وعشرون جبلًا ومنها جبل الثلج بدمشق طوله ثلاثمائة وثلاثون ميلًا وجبل اللكام لهذه الناحية وطوله مائة ميل وجبل متصل بحُوّان وطوله مائة وخمسة وعشرون ميَلًا.
والإقليم الخامس فيه تسعة وعشرون جبَلًا.
وفي الإقليم السادس أربعة وعشرون ذكر التلاع والعقاب والتلال والتلاع والعقاب اسم لما هو دون الجبل في الرفعة وكذلك الضراب والصوى وذلك لا يحصى عدده إِلا من أعظمها عقبة همذان من بلاد المشرق بالحجاز عقبة هرشى وبطريق مكة من وجه العراق عقبة واقصة فإذا علوت نحو الحجاز فعقبة كراع.
ذكر الرمال الرمال تتلاقى وتنتقل بعضها إلى بعض إلا أن من الرمال ما يوطيء من القدم ومنها ما يوفض فيه الرجل لوقته وربما ابتلع الشخص فمن الرمال ما بين العراق والمدينة والرجل يثبت عليه وكذلك الرمل التي في تيه بني إسرائيل فيما بين مصر ومكة وبلاد اليمن في أماكن القرعة رمالها لينة يتاه فيها لطول المسافة وتنقلها الريح من مكان إلى مكان فيصير الوادي هضبة والهضبة واديًا فتشتبه المسالك.
وببلاد الصمد في البحر الشرقي الكثير الأحمر وأهله عظام الأجسام سود الألوان ورمل عالج طويل المسافة.
ذكرالقلاع إنما اتخذ الملوك والجبارون القلاع لتعصمهم من الأعداء وهي أكثر من أن تحصى.
قال أبو الحسين ابن المنادي: ومن أعجبها بنيانًا وأمنعها قلعة ماردين فإنها أسست على مصابرة الطالب أربعين عامًا فلو نزل عليها ملك بجيشه هذا المقدار لما افتتحها لأنه يدخر فيها قوت أربعين سنة ولا يتغير وتسع بيوتها ومناراتها من المدخر هو أكثر مقدارًا من ذلك وفيها من العيون العذبة عشرات كثيرة.
وقلعة بعلبك وقلعة تدمر وقلعة فامية وقلعة الشوش بالأهواز وهما قلعتان إحداهما فوق الأخرى ومثلها قلعة السوس الأقصى على بنائها وببلاد الروم حصون وقلاع كثيرة وببلاد أرمينية من القلاع والحصون ألوف أحصنها قلعة مليح الكبير وبخراسان وسجستان وبلاد المشرق قلاع على جبال شوامخ كثيرة العلا وهنالك قلعة سليمان.
قال الحسن: كان سليمان يغدو من جبال بيت المقدس فيقيل باصطخر ثم يروح من اصطخر فيبيت بقلعة خراسان يقال لها قلعة سليمان عليه السلام.
ذكر الأبنية الحصينة هي كثيرة العدد إلا أن المشتهر المنتهى منها مدينة فرعون التي كان ينزلها وصرحه الذي بناه له هامان ومدائن كسرى وخورنق بهرام صور بالكوفة ومدينة الاسكندر على ساحل البحر ورومية وقسطنطينية وعمورية.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:31 pm | |
|
ذكر المعادن
قد أحصى بعض القدماء المعادن المعروفة كالجص والنورة فوجدوها سبعمائة معدن.
ذكر البحار أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبدالله قال حدثني أبي أخبرنا يزيد أخبرنا العوام قال: حدثني شيخ كان مرابطًا بالساحل قال: لقيت أبا صالح مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أخبرنا عمر بن الخطاب عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس من ليلة إلا والبحر يشرف على الأرض ثلاث مرات يستأذن الله في أن يتنصح عليهم فيكفه الله عز وجل ".
وروى محمد بن شعيب بن شابور عن عمر بن يزيد المنقري: أن بحرنا هذا خليج من قنطس وقنطس خلفه محيط بالأرض كلها فهو عنده كعين على سيف البحر ومن خلفه الأصم محيط بالأرض كلها فقنطس وما دونه كعين على سيف البحر ومن خلفه البحر المظلم محيط بالأرض كلها فالأصم وما دونه كعين على سيف البحر ومن خلفه الماس محيط بالأرض كلها فالمظلم وما دونه عنده كعين على سيف البحر ومن خلفه الباكي وهو ماء عذب أمره الله تعالى أن يرتفع فأراد أن يستجمع فزجره فهو باكي يستغفر اللّه محيط بالأرض كلها فالماس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ومن خلفه العرش محيط بالدنيا فالباكي وما دونه عنده كعين على سيف البحر.
قال أبو الحسين ابن المنادي: ثم بلغنا آن البحر المعروف بالقنطس را من وراء قسطنطينية يجيء من بحر الخزر وعرض فوهته ستة أميال فإذا بلغ أندس صار بين جبلين وضاق حتى يكون عرضه علوه منهم بين أندس هذه وبين قسطنطينية مائة ميل في مستوَى من الأرض ثم يمر الخليج حتى يصب في أرض الشام وعرضه عند مصبه ذلك مقدار علوه منهم وهنالك زعمو صخرة عليها برج فيه سلسلة تمنع ا المسلمين من دخول الخليج وطول الخليج من بحر الخزر إلى بحر الشام ثلاث وعشرون ميلًا ينحدر الراكب فيه من بحر الخزر وتلك النواحي ويصعد فيه من بحر الشام إلى القسطنطينية.
قالوا: وأما البحر الذي خلف الصقالبة فلا يجري فيه الفلك ولا القوارب ولا يجيء منه خبر.
وإما البحر الغربي فممنوع من الخير وفي ركوبه خطر وليس من البحر أعظم بركة من البحر الشرقي وطوله من القلزم إلى العد قواق وذلك مقدار آربعة آلاف وخمسمائة فرسخِ فيجيء من السند الخيزران والقثا والقسط ويجيء من سندان الساج والقثا أيضًا ويجيء من مل الفلفل وعلى كل عنقود من عناقيد الفلفل ورقة تكنّه من المطر فإذا انقطع حين المطر ارتفعت العدق عنه فإذا عاد المطر عادق عليه ويجيء من سرنديب الماس وهناك الياقوت ويجيء من جزيرة الرامي البقم ويقال أن عروق البقم نافع من سم سباعة الأفاعي وقد جربه البحريون من لدغ أفعى ويجيء من هناك الخيزران أيضًا ويجيء من جزيرة لبكيا لوس النارجيل ومن جزيرة كله وهي معدن الرصاص ومن جزيرة الخيزران أيضًا ومن جزيرة صالوس الكافور ومن جزيرة جابه وشلامط السنبل والصندل والقرنفل ومن الصين المسك والعود والجولنجان والدارسيني ومن الوقواق الذهب والأبنوس ومن الهند العود والكافور وجوزبّوا ومن اليمين العنبر والورس.
وقال بعض العلماء: أعظم البحار بحر فارس وبحر الروم وهما خليجان متقابلان يأخذان من البحر المحيط وأعظمها طولًا وعرضًا بحر فارس وبحر القلزم وهو الذي انفلق لموسى عليه السلام وغرق فيه فرعون.
والأرض كلها مستديرة والبحر المحيط مختف بها كالطوق.
وفي البحار ما لا يعيش فيها حيوان أصلًا إما لشدة حرارة مائة أو لشدة برده.
والبحر الغربي لا يجري فيه السفن لأن فيه جبالًا من حجارة المغناطيس إذا انتهت السفن إليها جذبت ما فيها من المسامير فأسقطت وفيه سمك على صورة الناس.
وفي بحر الهند حيتان تبلع القارب وفيه سمك طيارة.
وفي بحر الشرقي سمك طول السمكة مائة باع ومائتا باع وسمك بمقدار الذراع وجوهها كوجوه البوم وسمك على خلقة البقر يعمل من جلودها الدرق وسمك على خلقة الجمال وسمك طول السمكة عشرون ذراعًا في جوفها مثلها وفي الآخرى مثلها إلى أربع سمكات وسلاحف دوران السلحفاة عشرون ذراعًا وفي بطنها مقدار ألف بيضة.
وذكر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن اسحاق الفقيه في كتاب البلدان فقال: قال ابن عباس الزرقي: البحار أربعة: البحر الكبير الذي ليس في العالم أكبر منه هو يأخذ من المغرب إلى القلزم وهو مر مالح لا يستمد من غيره وهو يمر من القلزم على وادي القرى ثم يمر إلى جدة ثم يبلغ عدن ثم الشحر ثم إلى بربر ثم إلى عمان فيمر بالديل وفيه جزائر لا يحصى وفيه أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ وعرضه مثل ذلك.
ويخرج من هذا البحر خليج من ناحية القبلة حتى بلغ ايلة البصرة.
ثم البحر الغربي الرومي من أنطاكية إلى قسطنطنية ثم يدور آخذًا إلى ناحية الدبور حتى يخرج خلف باب الأبواب من ناحيهَ الخزر وعليه المدن وفيه جزيرة فيها اثنا عشر مدينة وعليه من ناحيِة مصر ودمياط وعليه جزائر ثلاثمائة وعليه بلاد أسقلية وفي هذه الجزائر والسواحل ملوك متوجون لا يردون الطاعة إلى صاحب قسطنطينية.
والبحر الثالث: الخراساني عليه جبال موقان وطبرستان وري وجرجان حتى يبلغ خوارزم وفي الجانب الشمالي أربعة آلاف ومائة مدينة وفي يد ملك النوبة ألف مدينة من العين وفي ناحية الشمال ثلاثة بحور ويقال أن بحر الهند طوله من المغرب إلى المشرق ألف ميل وعرضه آلفا ميل وسبعمائة ميل وبجانبه جزيرة يستوي فيها الليل والنهار وفيه من الجزائر ألف وثلاثمائهَ وستون جزيرة فيها جبال ومبلغ الأقاليم السبعة ثمانية وثلاثون ألف فرسخ وعرضها ألف وتسعمائة وخمس وتسعون فرسخًا.
وذكروا أن الفلك ثلاثمائة وستون درجة محيط بالأرض كالمحة في جوف البيضة ويحيط بالبحرمن أسفل وفوق.
والأرض في وسط الفلك.
قال أبو عبد الله الفقيه: قد جعل الله سبحانه وتعالى لكل بحر جزرًا ومدًا وفي بحر فارس الماء ثلاثون باعًا إلى سبعين باعًا وفيه اللؤلؤ الجيد ثم بعد ذلك بحر فيه ملوك من العرب يكون على الزنج والصقالبة وفي هذه الجزيرة عنبر كثيرة فيله لا يحصى وجزائر الواق ألف وسبعمائة جزيرة ملكتها امرأة.
قال موسى بن المبارك السيرافي: دخلت مملكتها فرأيتها تقعد لأهل مملكتها عريانة على السريروعليها تاج وعلى رأسها أربعة آلاف وصيفة عراة أبكار.
وفي بلادها من السمك ما يكون مائة ذراع ومائتي ذراع يخاف على السفر منها أن يضربها بأجنحتها فتغرق المركب فإذا سلك المركب هناك ضربوا بالخبث بالليل كله مخافة من هذا السمك وفيه سلاحف السلحفاة استدارت عشرون ذراعًا يخرج من بطن الواحدة ألف بيضهَ وفيه طين يجمع على رأس الماء أشياء وتبيض عليها وتحضنه.
وفيه سمك على خلقة البقر.
وثم جزيرة سرنديب فإذا مات الميت هناك قطع أربعة أرباع واحرق بالنار وأهله ونساؤه يتهافتون حوله حتى يحرقوا أنفسهم معه.
وثم الكركورن وناس حفاة عراة لا يفهم كلامهم مأواهم رؤوس الشجر وطعامهم ثمر الشجر ويستوحشون من الناس وهناك أشجار الكافور تُظل الشجرة مائة رجل ومائتين ويسيل الكافور كما يسيل الصمغ ومن ورائهم قوم يأكلون الناس مأواهم رؤوس الجبال ثم هناك جزيرتان فيهما قوم سود يأكلون الرجال دون النساء وبعد ذلك يخرج فيه حيات يبتلع الرجال وثم قردة بيض كالجواميس وسنانير لها أجنحة والبد صنم بالهند يحجون إليه من مسيرة سنة وأكثر ويتقربون إليه وطوله أرجح من عشرين ذراعًا على صورة رجل ويزعمون أنه نزل من السماء وهو من حجر ألبس صفائح من ذهب وله سدنة ويمار في الرجل وقد لف على أصابعه قطنًا وصب عليها دهنا ويشعل فيها النار فلا يزال واقفًا حتى يحترق وبين الهند والصين ثلاثون ملكًا أصغر ملك بها يملك ما يملكه العرب ومن ذبح ببلاد الهند بقرة يذبح.
باب المياه التي تسمى بالبحيرات
: تشبيهًا بالبحر ولانبساطها وخروجها عن حدود الأنهار كبطائح البصرة المتصلة بدجلة وبحيرة طبرية بدمشق وبحيرة بنواس والماء المستطيل بعمق أنطاكية ومياه الأودية التي يسكن فيها ذكر الأنهار والعيون أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عفان وأخبرنا عبد الأول بن أحمد قال: أخبرنا الدَرَاوْردي قال: أخبرنا ابن أعين قال: حدثنا البخاري قال: حدثنا هدبة قالا: حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث المعراج قال: " ثم رفعت إلى سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت: ما هذا يا جبريل قال: أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ".
أخرجاه في الصحيحين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال: قرأت على العباس بن اليزيد قلت له: حدثكم مروان بن معاوية عن ادريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نهران من الجنة النيل والفرات ".
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو الفتح ابن أبي الفوارس قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فجرت أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان ".
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ينزل في الفرات كل يوم مثاقيل من بركة الجنة ".
وروى أبوعميس عن القاسم قال: " مد الفرات فجاء برهانه مثل البصير وكانوا يتحدثون أنها من الجنة ".
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الواعظ قال: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدثني أبو بكر محمد بن ادريس الشعراني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري عن اسماعيل بن جعفر المدني عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: أوصى الله تعالى إلى دانيال أن احفر لي سيبين نهرين بالعراق قال دانيال: إلهي بأي مكاتل وبأي مساحي وبأي رجال وبأي قوة أحفر لك هذين النهرين فأوحى الله إليه أن أعدً سكةً من حديد واجعلها في خشبة والقها خلف ظهرك فإني باعث إليك الملائكة يعينونك على حفر هذين السيبين.
فحفر وكان إذا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عنها حتى حفر دجلة والفرات ".
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرثا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن محمد بن علي بن يعقوب قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا سعيد بن شرحبيل عن ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال: قال كعب: نهر النيل نهر العسل في الجنة ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة ونهر سيحان نهر الماء في الجنة قال: قال الله: نورهن ليصيرهن إلى الجنة.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن ابراهيم الشافعي قال: حدثنا محمد بن اسماعيل السلمي قال: حدثنا سعيد بن سابق قال: حدثني سلمة بن علي عن مقابل بن حبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر.
أنزلها اللّه تعالى من غير واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله تعالى: {وَأنْزلنا مِنَ السمَاءِ مَاءً بِقدر فَأسْكنَاهُ فِي الأرْض}.
فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل اللّه تعالى جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه.
وهذه الأنهار الخمسة فرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابِ بِهِ لَقَادِرون}.
فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد خير الدين والدنيا فقد جاء في حديث آخر: " نهران مؤمنان ونهران كافران فأما المؤمنان فالنيل والفرات وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ ".
قال ابن قتيبة: قال ذلك على وجه التشبيه لأن النيل والفرات يعرضان على الأرض ويسقيان بلا تعب ولامؤونة ودجلة ونهر بلخ لا يسقيان إلا قليلًا بتعب مؤونة فهذان في قلة النفع كالكافرين وهذان في كثرة النفع كالمؤمنين.
مخارج الأنهار قال أبو العالية: كل ماء عذب في الأرض من أصل الصخرة التي في بيت المقدس يهبط من السماء ثم يتصرف في الأرض.
قال أبو الحسين بن المنادي: مخرج نهر بلخ واسمه جيحون من جبال التبت ثم يمر ببلخ والترمذ وخوارزم حتى يصب في بحر جرجان ومخرج مهْران وهو نهر السند من جبال سندان ثم يمر بالبصرة ويصب في بحر الشرقي الكبير بعد أن يحمل منه أنهار بلاد الهند.
ومخرج الفرات من قاليقلا حتى يمر بأرض الروم ويستمد من عيون حتى يخرج على ميلين من ملطية ثم يبلغ إِلى شمشاط فتحمل من هناك السفن ثم تبلغ إلى الكوفة من فوق دقما وإلى حلة من هناك أيضاَ وتصب في دجلة.
ومخرج دجلة من جبال آمد ثم يستمد من عيون كثيرة من نواحي أرمينية ثم يمر ببلد ومن هناك تحمل السفن وتستمد من الزاب الأعلى والزاب الأسفل وتصب في البطائح ثم يصب البطائح في البحر الشرقي.
وفي بعض الكتب السالفة أن الشياطين حفرت دجيل لسليمان بن داود واحتفر هو في نهر الملك فإن الشياطين لما حفرت دجيل ألقت ترابه بين خانقين وقصر شيرين ومخرج الراسي نهر أرمينية من قاليقلا ومنتهاه بحر جرجان.
ومخرج الزابين من جبال أرمينية ثم يصبان في دجلة يصب الكبير بالحديثة والصغير بالسن.
ومخرج النهروان من جبال أرمينية ثم يمر بباب الصلولي ويسمى هناك تامرًا ويستمد من القواضل فإذا مر بباب كسرى سمي النهروان ثم يصب في دجلة أسفل جبل.
ومخرج الخابور من رأس عين ويستمد من الهرماس ثم يصب في الفرات بقيرقيسيا.
ومخرج نيل مصر من جبال القمر ثم يصب خلف بحرين خلف خط الإستواء ويطيف بأرض النوبة ويجيء إلى مصر فيصير بعضه بدمياط في البحر الرومي ويسقي باقيه القسطنطينية حتى يصب أيضًا في البحر الرومي.
ومخرج الهيد ميذ من جبال سجستان وله من ورائها مفيض عظيم إلى صراة في فضاء من الأرض وحول ذلك البساتين والمزارع يسير على سمت مستقيم ثم يعوج حتى يحاذي مجاذب توديه إلى البحر الشرقي.
ويخرج سيحان نهر أذنه من بلاد الروم ثم يمر على موضع من بلاد أرمينية ثم يمتد إلى اذنه وهناك يدعى سيحان ثم يسير حتى يصب في البحر الشامي.
ومخرج جيحان نهر المصيصة من بلاد الروم على مراحل منها ثم يِصب في البحراللبناني ويستمد من وادي الزنج ثم يصب في البحر الشامي.
ومخرج الأرند نهر أنطاكية من أرض دمشق مما يلي طريق البربر وهويجري مع الجنوب ولذلك يدعى المقلوب ثم يصير في البحر الرومي.
ومخرج نهر دمشق من ذلك الموضع ويسقي الغوطة ثم يصب في بحيرة دمشق.
ومخرج قويق نهر حلب من قرية تدعى سبتات على سبعة أميال من دابق ثم يمر إلى حلب ثمانية عشر ميلًا ثم إلى مدينة قنسرين اثني عشر ميلًا ثم يفيض في الأجمة هذه المشتهرة بالذكر وقد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: ذكر بعض من تقدم من العلماء بأخبار الأوائل أن ملك الأردوان وهم النبط كان في السواد قبل ملك فارس وأن النبط هم الذين استنبطوا الأرض وعمروا السواد وحفروا الأنهار العظام ويقال لهم ملوك الطوائف قال: وحكى الهيثم بن عدي عن عبد اللّه بن عياش قال: ملك النبط سواد العراق ألف سنة وكان حد ملك النبط الأنبار إلى عانات كسكر إلى ما والاها من كور دجلة إلى جوخي.
وكانت سرة الدنيا في أيد النبط واعتبر ذلك أن الفرات ودجلة ينصبان من الشام والجزيرة ولا ينتفع بهما حتى يأتيا بلادهم فيفجرونها في كل موضع ثم يسوقون بقيتهما إلى البحر وكان ملكهم ألف سنة وإنما سموا نبطًا لأنهم انبطوا الأرض وحفروا الأنهار العظام منها الصراة العظمى.
ونهر آبا ونهر سورا ونهر الملك وحفروا الصراة العظمى فيروز حشش وحفر نهر آبا أبا ابن الصامغان وحفر نهر الملك أفقورشة وكان آخر ملوك النبط ملك مائتي سنة ثم وليت ملك فارس فحفروا أنهار كوثى والصراة الصغرى التي عليها ابن هبيرة وكل سيب بالعراق.
ثم حفروا النهروان.
وقال غيره: حفر الصراة العظمى أفريدون وحفر أقفور بن بلاش نهر الملك وحفرآبا ابن الصمغان نهر الأنبار وبنى قناطر هذا النهر قباد بن فيرون وحفرت خماني بنت بهمن أردشير تامرا وهو القاطول الأول وشقت منه أنهارًا وحفر أردشير دجيل وحفر الزاب زو بن الطهما سب وحفر براز الروز رجل من فارس اسمه بران وحفر الحجاج النيل وحفر خالد بن عبد الله القسري نهر الصلح ونهر المبارك وحفر الرشيد قاطول نهر السلام وهو عمود نهرين واستخرج منه الخالص.
فصل
وذكر القاضي أبو العباس أحمد بن بختيار قال: أول العيون عين تخرج من جبل القمر وراء خط الاستواء ثم ينبعث منها عشرة أنهار ويخرج منها بحرهو نيل مصر حتى يمر بمدينة النوبة ويقطع الإقليم الأول حتى يجاوره إلى الاقليم الثاني ثم يمد إلى مصر ثم ينقسم النيل سبعة أقسام يمر الغربي منها إلى الإسكندرية.
ومسير النيل من ابتدائه إلى انتهائه ألفا ميل ونيفًا.
وعين أخرى مركزها تحت خط الاستواء يخرج منها نهر يمر إلى النيل حتى يصب فيه عند مدينة النوبة.
وعين أخرى في جزيرة الفضة التي في بحر الصين يخرج منها ثلاثة أنهار تصب في البحر.
وعين أخرى من وراء خط الاستواء يخرج منها نهران يصبان في البحر.
قال: وفي الإقليم الأول من الأنهار والعيون ثلاثة وعشرون كلها جارية إلا عينًا وا حدة.
وفي الإقليم الثاني من الأنهار والعيون أربعة وعشرون والبحيرة المعروفة بطبرية وهي مدورة مقدارها ثلاثة وثلاثون ميلًا ويخرج منها نهر يمر على قرب أنطاكية حتى يصب في البحر.
وفي الإقليم الرابع أنهار وعيون لم يذكر عددها.
وفي الإقليم الخامس خمسة وعشرون نهرأ منها دجلة تخرج من بين جبلين عند مدينة آمل وتصير إلى بلد ثم الموصل ثم المدينة ويصب إلى بغداد ثم إلى واسط ثم البطائح ثم يفترق فرقتين فرقة تمر إلى البصرة وفرقة إلى المدار ويصب الجميع إلى بحر فارس ومسافتها ثمانمائة ميل ونصف.
وفي الإقليم السادس ستة وعشرون نهرًا منها الفرات أولها من عين في بلد الروم وطولها عند طلوعها في بلد الإسلام سبعمائة وخمسة وثلاثون ميلًا.
وفي الإقليم السابع ثمانية وعشرون نهرًا منها جيحان يصب في بحر الشامي وطوله سبعمائة ونيف وثلاثون ميلًا وفيه نهر بلخ.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن الصباح بن أشرس قال: سئل ابن عباس عن المد والجزر فقال: إن ملكًا موكل بقاموس البحر فإذا وضع رجله فاضت ذكر طرف من عجائب ما في الأرض انبأنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد الكسائي قال: أخبرنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي قال: أخبرنا علي بن محمد بن كاس النخعي قال: حدثنا خضر بن أبان قال: حدثنا منصور بن عمار قال: حدثنا ليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن شفي بن ماتع عن عبد الله بن عمرو قال: من العجائب التي وصفت في الدنيا أربع: منارة الإسكندرية عليها مرآة من حديد يقعد القاعد تحتها قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فيرى من بالقسطنطينية وبينها عرض البحر وسوداني من نحاس على قضيب من نحاس على الباب الشرقي برومية فإذا كان أوان الزيتون صفَّر ذلك السوداني صفرة فلا تبقى سودانية تطير إلا جاءت معها بثلاث زيتونات في رجليها وزيتونة في منقارها فألقته على ذلك السوداني فيحمله أهل رومية فيعصرون ما يكفيهم لسرجهم وإدامهم إلى العام المقبل.
ورجل من نحاس بأرض اليمن ما بين الشجر مادًا يده إلى وراء كأنه يقول: ليس ورائي مذهب ولا مسلك وهو أرض رجراجة لا تستقر عليها الأقدام غزاها ذو القرنين في سبعين ألفا فخرج عليهم نمل كنجاتي وكانت النملة تخطف الفارس عن سرجه.
وبطة من نحاس بين عمود من نحاس فيما بين الهند والصين بأرض يقال لها كثار فإذا كان يوم عاشوراء شربت البطة من الماء حاجتها ومدت منقارها فيفيض من فيها الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى العام المقبل.
وقد روي لنا هذا الخبر على وجه آخر فأنبأنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا عبد المحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو أحمد عبد اللهّ بن محمد الدهان قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن الحسين البردعي قال: حدثنا أبو هريرة أحمد بن عبد اللهّ بن أبي العصام قال: حدثني اسحاق بن ابراهيم الأزرق قال: حدثنا محمد بن أبي موسى قال: حدثنا حجاج بن أبي لهيعة عن أبي قسيل عن عبد اللّه بن عمرو عن العجائب التي وضعت في الدنيا أربع: مرآة كانت معلقة بمنارة الإسكندرية فكان الجالس يجلس تحتها فيرى مَن بالقسطنطينية وبينها عرض البحر وعمود من نحاس بأرض رومية فإذا كان لقاط الزيتون لم يبق سودانية إلا جاءت إليه بثلاث زيتونات فيعصرها أهل رومية لادامهم ومصابيحهم وفرس من نحاس عليه راكب من نحاس بأرض طليلة قريبة من قرى الأندلس من خلفها بأرض رجراجة لا يطأ عليها أحد إلا ابتلعه والفرس قافل بيده هكذا مكتوب في جبهته ليس ورائي مسلك وعمود من نحاس عليه شجرة من نحاس تمثال عاد فإذا كان أشهر الحرم هطل منها الماء فملىء منه الحياض ويشرب الناس منه وسقطوا ظهورهم فإذا تصرمت أشهر الحرم انقطع ذلك عنهم.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الله بن خلف قال: حدثنا جدي محمد بن عبد الله قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حاتم قال: حدثنا عمرو بن شبة قال: حدثنا سليم بن منصور بن عمار عن أبيه قال: حدثني عبد ربه عن نافع عن أبي مدرك السعدي قال: أتيت طليلة من وراء الأندلس فرأيت صنمين من نحاس رؤوسهما في الهواء قائمين على رجل واحدة كل واحدة منها واضع كفه اليسرى بين عينيه مكتوب: ليس خلفي مسلك.
قال: وقد أخبرني أناس من أهل تلك الناحية أن ذا سرح الملك سار في الجموع حتى وصل إلى تلك الناحية فخرج عليه خلق يشبه النمل وإن كانت الدابة من تلك الدواب لتخطف برجليها رجلين وتأخذ الرجل.
مع بقرة معه فتحمله فما يقدر على نفسه فلما رأى ذلك ذو سرح الملك انصرف بالجمع.
وقد ذكر بعض العلماء في العجائب: أنه بأرض مصر أسطوانتان من بقايا أساطين كانت هناك في رأس كل اسطوانة طوق من نحاس يقطر من أحديهما ماء من تحت الطوق إلى نصف والهرمتان بمصر سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع طولًا في أربعمائة ذراع عرضًا كلما ارتفع البناء دق وهما من رخام ومرمر مكتوب عليها طب وسحر وتحتَ ذلك مكتوب: " إني بنيتها بملكي فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمها فإن الهدم أيسر من البناء ".
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر: وبلغنا أنهم قدروا فإذا خراج الدنيا مرارًا كثيرة لا يقوم بهدمها ويقال إنه ما من بناء بالحجارة أبهى من كنيسة حمص ولا بناء بالآجر والجص أبهى من ايوان كسرى بالمدائن ولا منارة أعجب من منارة الاسكندرية ولا بناء بالحجارة أحكم ولا أبهى من شاذروان تستر لأنها بالصخر وأعمدة الحديد وطاط الرصاص.
وأعجب من هذا كله سد ذي القرنين الذي أمده الله لبنائه وسيأتي ذكره في أخبار في القرنين إن شاء الله.
ومن العجائب: نار بصقلية تجيء بالهند وبالأندلس تشعل في حجارة ولا يمكن أن يوقد منها.
وأهل اليمن يمطرون في الصيف وليس بصقلية نمل.
ومن العجائب: بيتان وجدا بالأندلس عند فتحها في مدينة الملوك ففتح أحد البيتين وهو بيت المال فوجد فيه أربعة وعشرون تاجًا عدة ملوكهم لا يدرى ما قيمة التاج منها وعلى كل تاج اسم صاحبه ومبلغ سنه وكم ملك من السنين ووجد فيه مائدة سليمان بن داود.
ووجد على البيت الآخر أربعة وعشرون قفلًا كان كلما ملك ملك منهم زاد قفلًا ولا يدرون ما في البيت فلما ملك آخر ملوكهم قال: لا بد لي من أن أعرف ما في هذا البيت وتوهم أن فيه مالًا فاجتمعت إليه الأساقفة والشمامسة وأعظموا ذلك وسألوه أن يأخذ بما فعله الملوك قبله فأبى وقال: انظر ما تحطب على مالك من مال يظن أنه فيه فنحن ندفعه إليك من أموالنا فلا تفتحه.
فعصاهم وفتح الباب فإذا فيه تصاوير العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وقسيهم ونبلهم فدخلت العرب جزيرة الأندلس في السنة التي فتح فيها الباب.
ووجد قتيبة بن مسلم بمدينة تدعى بيكند قدورًا عظامًا يصعد إليها بسلاليم.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن شاهين قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد المصري قال: حدثنا عبد الله بن عيسى المدني قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني هشام بن محمد بن السائب قال: حدثني حفص بن عمر بن النعمان البخاري قال: حدثني أبي عن جدي قال: سمعت حميدًا دهقان الفلوجة السفلى وكان عمر قد فرض له في ألفي مع عدة من الدهاقين قال: كان ببابل سبع مدائن في كل مدينة أعجوبة ليست في الأخرى وكان في المدينة الأولى التي منها ملكها تمثال الأرض جميعًا فإذا أتوى عليه بعين أهل مملكته بخراجها خرق أنهارها عليهم فعرفت حيث كانت فلا يستطيعون لها سدًا حتى يؤدون ما عليهم فإذا سدها عليهم في وفي المدينة الثانية حوض فإدا أراد الملك أن يجمعهم لطعامهم إلى من أحب منهم بما لا أحب من الأشربة نصبه في ذلك الحوض فاختلط جميعًا ثم تقدم السقاة فأخذوا الآنية فمن صب في انائه تنينًا صار في شرابه الذي جاريه.
وفي المدينة الثالثة طبل إذا غاب من أهلها غائب فأرادوا أن يعلموا أحي هو أم ميت أتوا الطبل فضربوه فإن كان حيًا صوت الطبل وإن كان ميتًا لم يسمع له صوت.
وفي المدينة الرابعة: مرآة من حديد إذا غاب الرجل عن أهله فأحبوا أن يعلموا حاله كيف هو أتوا المرآة فنظروا فيها فأبصروه على حاله التي هو عليها.
وفي المدينة الخامسة: أوزة من نحاس إذا دخل المدينة غريب صوتت صوتًا فسمعه جميع أهل المدن فيعلم أنه دخلها غريب.
وفي المدينة السادسة: قاضيان جالسان على الماء فيجيء المحق والمبطل فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي ويغمس المبطل في الماء.
وفي المدينة السابعة: شجرة لا تظل إلا ساقها فإن جلس تحتها رجل إلى ألف أظلتهم وإن زاد واحد جعلوا كلهم في الشمس.
أول من سكن الأرض الجن وما زالوا يعمرون الأرض ويعبدون اللّه عز وجل حتى طال عليهم الأمد فيتناول بعضهم بعضًا فنهاهم بعض ملوكهم واسمه يوسف ويقال إنه كان نبيًا ولا يثبت مثل هذا فأرسل الله عليهم جندًا من الملائكة فيهم ابليس فأجلوهم عن الأرض.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: كان الجن سكان الأرض والملائكة سكان السماء وهم عمارها لكل سماء ملائكة ولكل أهل سماء صلاة وتسبيح ودعاء فكل أهل سماء أشد عبادة وأكثر دعاء وصلاة وتسبيحًا من الذين تحتهم.
وقد قال بعض العلماء: عمروا الأرض ألفي سنة.
وقال بعضهم: أربعين سنة.
وروى سماك بن حرب عن بشر بن قحيف عن ابن عباس قال: إن الكلاب من الجن وهي من ضعفاء الجن.
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لعن شيطان الجن فمسخهم دواب في الأرض فهي هذه الكلاب السود وهي الجن ".
ياب ذكر سكان الأرض روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر ".
وقد روينا نحو هذا عن يحيى بن أبي كثير موقوفًا.
وقال وهب بن منبه: " إن لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا من ذلك واحد ".
وقال أبو العالية: الجن عالم والإنس عالم وسوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم من الملائكة على الأرض والأرض أربع زوايا كل زاوية منها أربعة آلاف وخمسمائة عالم خلقهم الله لعبادته.
أخبرنا اسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا عاصم بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: حدثنا أبو صفوان قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني إسحاق بن حاتم المدائني قال: حدثنا يحيى بن سليم عن عثمان بن أبي دهرس قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بهذا المغرب أرضًا بيضاء مسيرة للشمس أربعين سنة بها خلق من خلق الله لم يعصوا الله طرفة عين قالوا: فأين الشيطان عنهم قال: " ما تدرون خلق الشيطان أم لم يخلق " قالوا: ومن وراء آدم هم قال: " وما تدرون خلق آدم أم لم يخلق ".
باب ذكر من ملك الأرض كلها
قد روينا في الحديث عن مجاهد أنه قال: ملك الأرض أربعة أنفس: مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فبخت نصر ونمرود.
وقد حكى أبو الحسين بن جعفر المنادي أن هشام بن محمد والشرقي بن قطامي قالا: ملك الدنيا كلها من الجن والإنس ثمانية: فثلاثة منهم من ولد جان: جيومرث وبعضهم يقول جيومرب بالباء ثم ملكها بعده طهمورث ثم ملكها من بعده ابنه أوشنج فخلق اللّه تعالى آدم على عهد أوشنج وكان أول من ملك الدنيا من أولاد آدم جمشاد بن بونجهان من ولد قابيل وكان يقطع الدنيا كل يوم كما تقطعها الشمس يضحي بالمشرق ويمسي بالمغرب ملكها بين آدم ونوح.
والثاني: نمرود بن كنعان بن حام بن نوح.
والثالث: بوارسب وهو الضحاك بين الأهبوب.
والرابع سليمان.
والخامس ذو القرنين.
قلت: وإذا أضيف بخت نصر صاروا ستة إلا أن هذا القول لا أراه ثابتًا.
وسنذكر جيومرث وطهموث في أولاد آدم.
باب ذكر ما تحت الأرض
اعلم أن الأرض كان طبقًا واحدًا فشقها سبحانه سبعًا وكذلك السماء.
قال كعب: هنه الأرض على صخرة خضراء في كف ملك وذلك الملك قائم على ظهر الحوت وذلك الحوت منطو بالسموات السبع من تحت الأرض.
وقال ابن عباس: الصخرة على منكبي ملك والملك على الثور والثورعلى الماء والماء متن الريح.
وقال وهب: اسم الحوت بهموت.
باب ذكر سكان الأرضين السبع
روى عطاء بن يسار أنه سأل كعب الأحبار فقال له: من ساكن الأرض الثانية فقال: الريح العقيم لما أراد اللّه عز وجل هلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها أن افتحوا منها بابا قالوا: يا ربنا مثل منخر الثور قال: اذن تتلف الأرض بمن عليها فاستأذنوا ربهم فضيق ذلك حتى جعله مثل حلقة الخاتم قال: فقلت: من ساكن الأرض الثالثة قال حجارة جهنم قال: قلت: فمن ساكن الرابعة قال: كبريت جهنم قلت: فمن ساكن الأرض الخامسة قال: حيات جهنم قال: قلت: وان لها الحيات قال: نعم والذي نفسي بيده كأمثال الأودية قلت: فمن ساكن السادسة فقال: عقارب جهنم كأمثال البغال ولها أذناب كالرماح يلقى إحداهن الكافر فيلسعه اللسعة فيتناثر لحمه على قدمه قلت: فمن ساكن السابعة قال: تلك سجين وفيها ابليس موثق يد أمامه ويد خلفه ورجل أمامه ورجل خلفه فيأتيه جنوده بالأجنان في مكانه وقد روى الضحاك عن ابن عباس قال: في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم.
ومعنى هذا أن لكل الأرض ساعة يقوم كبيرهم ومتقدمهم مقام آدم ونوح فينا.
باب ذكر الجن والشياطين
هذا الجن ثلاثة أنواع: جان وجن وشياطين ولا خلاف أن الكل خلقوا قبل آدم.
فأما الجان: ففيه ثلاثة أقوال أحدها: أنه أبو الجن رواه أبو صالح والضحاك عن ابن عباس وهومخلوق من نار.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " خلق الجان من مارج من نار وخلقت الملائكة من نور ".
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: المارج لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو الجن اسمه سوما فقال الله له: تمن فقال: أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابًا فأعطي ذلك فإن الدهر ليمرعلى والثاني: أن الجان هو الاثنين قاله الحسن وعطاء وقتادة ومقاتل.
والثالث: أن الجان مسيخ الجن.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد المقري وعبد اللّه بن محمد الحاكم ويحيى بن محمد المدبر قالوا: حدثنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا عبيد الله بن جشامة قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: الجان مسيخ الجن كما أن القردة والخنازير مسيخ الإنس.
وأما الشياطين: فكل متجبر عات من الجن.
وهو مأخوذ من شطن أي بعد عن الخير وقيل بعد غوره في الشر.
وكذلك المارد والعفريت.
وقد روى الضحاك عن ابن عباس قال: الشياطين ولدان ابليس لا يموتون إلا مع إبليس.
والجن: يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.
وقال السدي: في الجن شيعة وقدرية ومرجئة.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: خلق الله الجن قبل آدم بألفي سنة.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الغيلان فقال: " هي شجرة الجن ".
وقيل عند عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه أن الغيلان تتحول عن خلقها فقال إنه ليس شيء وروى أبو الدرداء عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله الجن على ثلاث أصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب.
وخلق الإنس على ثلاثة أصناف: صنف لهم قلوب لا يعقلون بها وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين وصنف في ظل اللّه يوم لا ظل إلا ظله ".
واختلف الناس هل يدخل مسلمو الجن الجنة فقال الضحاك: يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون.
وقال مجاهد: يدخلونها ولكن لا يأكلون فيها ولا يشربون يلهمون من التسبيح والتقديس ما يجد أهل الجنة من لذيذ الطعام والشراب.
وقال ليث بن أبي سليم: ثوابهم أن يجاروا من النار ويقال لهم: كونوا ترابًا.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:33 pm | |
|
باب ذكر ابليس لعنه الله
اختلف العلماء هل كان من الجن أو من الملائكة على قولين.
أحدهما: أنه كان من الملائكة وأعظمهم قبيلة.
وإن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن وكان منهم وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض يسوس ما بين السماء والأرض فعصى فمسخه الله شيطانًا رجيمًا.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال له الجن خلق من نار السموم من بين الملائكة وخلق الملائكة كلهم من نور غير هذا الحيّ وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وأول من سكن الأرض الجن فافسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا فبعث اللّه عز وجل إليهم إبليس في جند من الملائكة يقال لهم الجن فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل ذلك اغتر في نفسه فقال: لقد صنعت شيئًا لم يصنعه أحد.
وقال السدي عن أشياخه: كان إبليس على مُلك السماء الدنيا وكان مع مُلكه خازنًا فوقع في صدره كبر وقال: ما أعطانا الله هذا إلا لمزية على الملائكة.
وحكى أبو جعفر الطبري أن إبليس بعث حكمًا يقضي بين الجن في الأرض فقضى بينهم بالحق ألف سنة فسمي حَكَمًا فدخله الكبر فألقى بين الذين كان حكم بينهم العداوة والبغضاء حتى اقتتلوا فبعث الله عز وجل عليهم نارًا فأحرقتهم فعرج السماء وأقام عند الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق آدم.
والقول الثاني: إنه كان من الجن.
قال الحسن: لم يكن إبليس من الملائكة قط.
وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة وقال سعد بن مسعود: كانت الملائكة تقاتل الجن فسُبي أبليس وكان صغيرًا وكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أمروا أن يسجدوا سجدوا وأبى إبليس.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان إبليس اسمه عزازيل ثم ابليس بعد.
وقال ابن جريج: كان اسم إبليس في السماء الحارث.
وقد روى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: خلق الله ابليس من مارج من نار فلما خلق علق في الهواء فقال: يا هواء إن كنت فوقي فارفعني إليك وإن كنت أسفل مني فأهبطني إليك.
فنودي: إن اللهّ بكل مكان ومع كل إنس وجان فاصطكت أسنانه وخرج من فيه شرر خلق من كل شررة شيطان مخلد.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الحافظ قال: حدثنا أبي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أبان قال: حدثنا أبوبكر بن عبيد قال: حدَثنا يحيى بن عثمان قال: حدثنا بقية عن سفيان قال: أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام إن أول من مات إبليس وذلك أنه أول من عصاني وأنا أعد من عصاني من الموتى.
أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا عاصم بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: حدثنا ابن صفوان قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة قال: لما أهبط إبليس قال: يا رب قد لعنته فما عمله قال: السحر قال: فما قرآنه قال: الشعر قال: فما كتابه قال: الوشم قال: فما طعامه قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم الله قال: فما شرابه قال: كل مسكر قال: فأين مسكنه قال: الحمام قال: فأين مجلسه قال: الأسواق قال: فما مؤذنه قال: المزمار قال: فما مصائده قال: النساء.
قال القرشي: وحدثنا بشير بن الوليد الكندي قال: حدثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مجاهد قال: لإبليس خمسة من ولده قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ثم سماهم فذكر بترو والأعور ومسوط وداسم وزلنبور.
فأما بتر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية.
وأما الأعور فهو صاحب الزنا يأمر به ويزينه.
وأما مسوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقي فيخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم: قد رأيت رجلًا أعرف وجهه وما أدري ما اسمه حدثني بكذا وكذا وما هو الأمر.
وأما زلنبور فهو صاحب السرقى الذي يركز رايته في السوق ولا يزالون ملتطمين.
وقال حوشب بن سيف قال: اسم الشيطان الذي يفتن الناس في الأسواق فنحواص.
وقد روى سيف عن مجاهد ان إبليس نكح نفسه فباض خمس بيضات فهم أولاده.
وهذا من أبعد الأقوال.
وقال عكرمة: من أولاد إبليس القعقاع.
أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبد عن الحسن عن عتى عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال: فاحذروه ".
قال أبو الحسين بن المنادي: وقد قيل ان أحد الشياطين يجيء في صورة طائر يقال له القرقصية يخفق بجناحه على عين الرجل الذي يقرأ على أهله الفاحشة فلا ينكر بعد ذلك عليها.
باب ذكر أجناس الطير وحيوان البر والبحر
جميع أجناس الطير وجميع دواب الأرض كانت منتشرة في الأرض والهواء والبحار قبل آدم عليه قال وهب بن منبه: فأري حمل البحر النسر قال: يا خطيب الطير أحدث حدث قال: نعم خلق خلق من أمره كذا من صفته كذا يضعفه يعني آدم غير أنه أعطي الرفق فقال: ويحك إنه من أعطي الرفق استتر لك من السماء واستخرجني من البحر.
قال سعيد بن جبير: لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر في البر وحوت في البحر وسيأتي هذا الحديث في انهباط آدم.
باب ذكر جهنم
قال عبد الله بن سلام: النار في الأرض.
وما يدل على أن النار في الأرض ما أخبرنا هبة اللّه بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا جعفر قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا حسين بن محمد قال: حدثنا خلف يعني ابن خليفة عن يزيد بن كيسان عن أبي خازم عن أبي هريرة قال: كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما هذا " قلنا: اللّه ورسوله أعلم قال: " هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفًا فالآن انتهى إلى قعرها ".
انفرد بإخراجه مسلم.
فإن قيل: كيف تكون جهنم في الأرض وقد رآها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.
فجوابه من وجهين أحدهما: أنه رآها في الأرض في طريقه إلى بيت المقدس.
وقد روينا عن عبادة بن الصامت أنه رؤي على سور بيت المقدس الشرقي يبكي فقيل له في ذلك فقال: ههنا أخبرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم.
والثاني: أنه لا يمتنع في القدرة أن يرى جهنم في الأرض وهو في السماء وقد بكى له بيت المقدس وهو بمكة فوصفه للقوم.
أخبرنا أبو الفتح الكروخي قال: أخبرنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي قال: أخبرنا الجراحي قال: حدثنا المحبوبي قال: حدثنا الترمذي قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة ".
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره.
أنبأنا أحمد بن الحسين البنا أخبرنا عنه أبن ناصر قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الأبنوسي قال: أخبرنا أبو الحسين بن أخي هما: قال: أخبرنا ابن صفوان قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا حجاج قال: أخبرنا ابن جريج في قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أبواب} أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم السقر ثم الجحيم وفيها أبو جهل ثم الهاوية.
قال القرشي: وحدثني حمزة بن العباس قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا عنبسة بن سعيد عن حبيب بن أبي عمرة عن مجاهد قال ابن عباس: أتدري ما سعة جهنم قلت: لا قال: إن بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفًا يجري فيها أودية القيح والدم قلت له: أنهار قال: لا بل أودية.
قالى كعب: الفلق بيت في النار إذا فتح صاح منه جميع أهل النار.
وقال أبو المثنى الأملوكي: إن في النار أقوامًا يربطون بنواعير من نار يدور بهم ملك النواعير ما لهم فيها راحة ولا فترة.
باب ذكر السماء والسموات
قال: لما خلق عز وجل الماء ثار منه دخان فبنى منه السموات وتمت وما فيها من الشمس وقال أبو الخلد: والسماء موج مكفوف.
وقال كعب: السماء أشد بياضًا من اللبن.
قال القاسم بن أبي برة: السماء بيضاء ولكن من بعد ترى خضراء.
وقال إياس بن معاوية: السماء على الأرض مثل القبة.
وقال الربيع بن أنس: السموات أولها موج مكفوف والثانية من صخر والثالثة من حديد والرابعة من صفر ونحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوته حمراء.
وذكر أبو الحسين أحمد بن جعفر: أن لا اختلاف بين العلماء في أن السماء مثال الكرة وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدور الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين أحدهما في ناحية الشمال والآخر في ناحية الجنوب.
ويدل على ذلك أن الكواكب جميعًا تبدو من المشرق فترتفع قليلًا على ترتيب واحد في حركاتها وتقادير أجرامها إلى أن تتوسط السماء ثم تنحدر على ذلك الترتيب كأنها ثابتة في كرة تديرها جميعأ دورًا واحدًا.
وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب وكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد فيدل على ذلك أن ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد كاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء.
ذكر ما بين السماء والسماء أخبرنا هبة اللّه بن القاسم أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا يحيى بن العلاء عن عمه شعيب بن خالد قال: حدثني سماك بن حرب حدثنا عبد اللّه بن عميرة عن عباس بن المطلب قال: كنا جلوسًا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال: " أتدرون ما هذا قلنا: السحاب قال: والمزن قلنا: والمزن قال: والعنان.
قال: فسكتنا قال: هل تدرون كم بين السماء والأرض.
قلنا: الله ورسوله أعلم قال: " بينهما مسيرة خمسمائة سنة وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء ".
قال العلماء: وكذلك الأرضون السبع في كثافتها وبعد ما بين الواحدة والأخرى فذلك مسيرة أربعة عشر ألف سوى ما تحت الأرض من الظلمة والنور وما فوق السموات من الحجب والظلمة إلى العرش وهذا على قدر سير الآدمي الضعيف فأما الملك فإنه يجرد ذلك في ساعة.
وقد سأل ابن الكوا علي بن أبي طالب رضي اللهّ عنه عن مسافة ذلك فقال: دعوة عبد صالح.
ذكر الشمس والقمر والنجوم أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا أحمد بن علي بن سوار قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن المناعي قال: حدثني هارون بن علي بن الحكم قال: حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن مرداس حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد القرشي حدثنا محمد بن موسى حدثنا مسلمة بن الصلت حدثنا جارية بن المنذر حدثنا الأعمش عن سليمان بن موسى عن القاسم بن مخيمرة عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما أبرم اللّه عز وجل خلقه فلم يبق غيرآدم خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمرًا فإنه خلقها دون الشمس في الضوء ولوتركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ولكان الصائم لا يدري إلى متى يصوم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور وخلق للشمس عجلة لها ثلثمائة وستون عروة ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكًا قد يعلق كل ملك بعروة وإذا أراد أن يري العباد آية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد الشمس تحت العرش بمقدار الليل ثم تؤمر بالطلوع فإذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم يعود إلى ما خلق اللّه ".
وروى طاووس عن ابن عباس أنه قال: قال الله عز وجل للسماء: أخرجي شمسك وقمرك ونجومك " وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك " فقالتا: أتينا طائعين.
وقد أشكل هذا قوم غلبت عليهم الظواهر وقل فهمهم وظنوا أنه قول السماء حقيقة وأنها أخرجت شمسها بفعل وهذا سوقهم لأن قوله أتيا طوعًا معناه كونا بتكويننا وهوتقريب إلى الأفهام تقريره لا بد من فعل ما يريده لوقدرنا أن السماء موجودة أن يوافق أو يخالف ويوضح هذا أنهما إن كانتا حالة الخطاب معدومتين فالمعدوم لا يخاطب وإن كانتا موجودتين استغنتا بوجودهما عن التكوين ثم أي قدرة لهما في إخراج شمس أو قمر وهل خالق إلا الله وإنما المرادكوني بتكويني إياك ومثله قوله تعالى: {إنمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}.
وقوله:{كُونُوا قِرَدةً خَاسِئين}.
{كونوا حجارة أو حديدًا} وهذا من توسع العرب في الخطاب يقصدون به اعلام قال مجاهد في قوله تعالى: {رب المشرقين ورب المغرِبَيْن} قال: مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغرب الشتاء ومغرب الصيف.
قال ابن عباس: يطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة كل يوم في كوة فلا يرجع إلى تلك الكوة في ذلك اليوم من العام للمقبل.
وقد روى عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الشمس حين غابت فقال: " في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله عز وجل لأهلكت ما على الأرض ".
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر: قد نظر بعض الناس أن ذلك دعاء على الشمس وليس كذلك إنما هو وصف للعين التي تواري الشمس في قوله تعالى: " تغْرب فِي عين حَامئَة ".
قال سعيد بن المسيب: إن الشمس إذا أرادت أن تطلع تقاعست كرامة أن تعبد من دون الله فيدفعها ثلاثمائة وستون ملكًا.
وقال ابن عباس: لا تطلع إلا وهي كارهة تقول: يا رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك.
أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن الجراح حدثنا عبد الملك بن بشران أخبرنا أحمد بن الفضل بن العباس بن خريم حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا أبو اليمان حدثنا عمير بن المعدان بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا ابن نعيم أخبرنا الأعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس فقال: " يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي الله عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: ارجعي حيث جئت فتطلع من مغربها ".
أخرجاه في الصحيحين.
قال ابن عقيل: قد ذكر أصحاب علوم الهندسة أن بعد الشمس من الأرض أربعة آلاف وثمانمائة وعشرون ألف ميل ونصف.
وذكروا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءًا من الأرض وإن المشتري أعظم من الأرض يزيد جرمه على جرم الأرض مائتين وثمانين مرة ونصف وربع.
وزحل أعظم من الأرض تسعة وسبعين مرة ونصف.
وأما الكواكب الثابتة فأعظمها الخمسة عشر العظام نيرة مثل الشعرى والسماك وقلب الأسد يكون جرم كل كوكب منها أعظم من الأرض بأربع وسبعين مرة ونصف.
ذكر البيت المعمور اختلف العلماء في أي سماء وهو على ثلاثة أقوال: أخبرنا به عبد الأول أخبرنا الداوودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا هدبة حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر صعوده من سماء إلى سماء حتى أتى السماء السابعة قال: ثم رفع إلى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه.
القول الثاني: إنه في السماء الدنيا رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: هو حيال الكعبة ويسمى الصراح.
وقال الربيع بن أنس: كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم فلما كان زمن نوح أمر الناس بحجه فعصوه فلما طفى الماء رفع فجعل بحذاء البيت في السماء الدنيا.
والقول الثالث: إنه في السماء السادسة قاله علي رضي اللّه عنه.
ذكر ما بعد السموات السبع من ذلك سدرة المنتهى وهي بعد السماء السابعة وقد قيل أنها في السادسة والأول أصح.
أخبرنا هبة اللهّ بن محمد قال: حدثنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا هدبة حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معراجه إلى السماء السابعة قال أحمد: وحدثنا ابن نمير أخبرنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد اللّه قال: لما أسري برسول اللّه صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها فأعطي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك باللّه من أمته شيئًا المقحمات ".
هذا الحديث من أفراد مسلم والذي قبله متفق عليه.
ثم الكرسي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة.
ثم العرش.
روى اسماعيل بن أبي خالد عن سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء.
ذكر الملائكة.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله: " خلقت الملائكة من نور ".
انفرد بإخراجه مسلم.
ذكر حملة العرش.
من أعظم الملائكة خلقًا حملة العرش وعددهم اليوم أربعة أحدهم على صورة البشر قد وكل بالدعاء لنسل الآدمي والآخر على صورة النسر وقد وكل بالدعاء لأجناس الطير والآخر على صورة الثور قد وكل بالدعاء لنسل البهيمي والآخر على صورة السبع قد وكل بالدعاء لأجناس السباع فإذا جاءت القيامة صاروا ثمانية قال الله عز وجل: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبك فَوْقَهم يَوْمَئذٍ ثَمَانِيَةٌ}.
وقد قال سعيد بن جبير: ثمانية صفوف من الملائكة.
وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف أحد حملة العرش فقال: قدماه على الأرض السابعة من الأرضين والذي نفس محمد بيده لوأن الطير سخرت ما بين أصل عنقه إلى منتهاها من رأسه لحففت فيه سبعمائة عام قبل أن تقطعه ".
أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا أبو اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري أخبرنا إسحاق بن أبي إسحاق الحافظ أخبرنا أبو الحارث علي بن القاسم حدثنا عبد اللّه بن محمد بن الحسن الشرقي حدثنا أحمد بن حفص حدثنا أبي حدثنا ابراهيم بن طهمان عن موسى بن عتبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ".
أخبرنا عبد الأول أخبرنا أبو اسماعيل أخبرنا أحمد بن ابراهيم النيسابوري أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر حدثنا أبو إسحاق ابراهيم بن اسحاق الأنماطي حدثنا ابو الفضل سهل الأعرج حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن معاوية بن اسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل أذن لي أن أحدث عن ملك قد لزقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربنا قال: فيرد عليه ما يعلم ذلك الذي يخلف به كاذبًا ".
ذكر الملك المسمى بالروح قد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لغة يسبح الله بتلك اللغات كلها ويخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة.
أخبرنا ابن ناصر أخبرنا نصر بن أحمد بن البطر أخبرنا ابن رزقويه حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا إسحاق بن ابراهيم الحنبلي حدثنا العلاء بن عمرو الخراساني حدثنا عبد الله بن الحكم البجلي حدثنا القاسم بن الحكم العربي عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كانت ليلة القدر يأمر الله تعالى جبريل فيهبط في وكيله من الملائكة وله ستمائة جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب ".
ذكر إسرافيل روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن ملكًا من ملائكة اللهّ تعالى يقال له إسرافيل يحمل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى قد رنق رأسه في السماء السابعة.
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر: والملائكة خلقت من نور وقد قيل أن المستأنف منها يخلق دموع إسرافيل.
ذكر أصناف الملائكة روى معدان بن أبي طلحة عن عمر البكالي قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: الملائكة عشرهّ أجزاء الكروبيون الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون تسعة أجزاء وجزء واحد الذين وكلوا بخزانة كل شيء والملائكة والجن عشرة أجزاء تسعة أجزاء الملائكة وجزء واحد الجن والجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء الجن وجزء واحد الإنس فإذا ولد واحد من الإنس ولد تسعة من الجن والإنس عشرة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء واحد سائر الإنس وما من السماء موضع اهاب إلا عليه ملك ساجد أو قائم.
أخبرنأ أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا علي بن الحسين بن القنوجي أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازفي حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي حدثني أبو عبيدة الحسن بن علي بن الجعد حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي عن اسماعيل بن أبي سعيد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: لما خلق اللّه عز وجل الملائكة واستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء فقالوا: ربنا مع من أنت قال: مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه.
ذكر أعمال الملائكة جمهور الملائكة مشغولون بالتعبد كما قال اللّه عز وجك: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنهَارَ لا يَفْتُرون}.
فمنهم قيام في التعبد ومنهم ركوع ومنهم سجود وكل من رتب لعبادة فهو مقيم عليها إلى يوم القيامة.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا أسود عن ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط فما فيها موضع أربع يعني أصابع إلا عليه ملك ساجد ومن الملائكة موكل بعمل فمنهم حملة العرش قد وكلوا لحمله جبريل هو صاحب الوحي والغلظة فهو ينزل بالوحي ويتولى إهلاك المكذبين وميكائيل صاحب الرزق والرحمة وإسرافيل صاحب اللوح والصور وعزرائيل قابض الأرواح وله أعوان وهؤلاء الأربعة هم المقسمات أمرًا.
ومنهم كتاب على بني آدم وهم المعقبات ملكان في الليل وملكان في النهار ".
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد.
قال: حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر بن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهوأعلم: كيف تركتم عبادي فقالوا: تركناهم وهم يصلون ".
أخرجاه في الصحيحين.
روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشرًا وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين: أمسك فيمسك عنه سبع ساعات فإن استغفر منها لم تكتب وإن لم يستغر كتبت عليه سيئة.
وفي حديث علي رضي الله عنه إن مقعد الملكين على الثنيتين.
وقال الحسن: إن مجلسيهما تحت الشعرعلى الحنك.
ومن الملائكة من قد وكل بالشمس ومنهم موكل بالقطر والرعد صوت ملك يزجر والسحاب والبرق ضربه إياه بمخاريق ومنهم موكل بالرياح والأشجار.
روى مجاهد عن ابن عباس قال: ليس أحد من خلق الله أكثر من الملائكة ليس من شجرة إلامعها موكل بها.
ومنهم ملكان يقول أحدهما: اللهم.
أعط منفقًا مالًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.
وملكان يقول أحدهما: يا باغي الخير أبشر ويقول الآخر: يا باغي الشر أقصر.
ومنهم ملائكة يساحون في الأرض يتبعون مجالس الذكر وملائكة يبلغون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أمته السلام.
وملائكة موكلون بمكة والمدينة ليمنعوا عنها الدِّجال إذا خرج.
ومن الملائكة من هو مشغول بغرس شجر الجنة.
قال الحسن: إن أحدهم ليفتر فيقال له: ما لك فيقول: فتر صاحبي من العمل.
وكان الحسن يقول: أمدوهم رحمكم الله.
ومنهم موكل بصياغة حليّ الجنة.
روى شمر بن عطية عن كعب قال: إن في الجنة ملكًا يصوغ حلية أهل الجنة منذ خلق إلى أن تقوم الساعة لو شئت أن أسميه لسميته ولو أن قُلبًا منها خرج لردّ شعاع الشمس.
قال مؤلف الكتاب: فلو ذهبنا نكتب كل شيء من هذا طال ذلك.
ذكر تسبيح الملائكة أخبرنا محمد بن ناصر اُخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أبو بكر بن مالك قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثنى أبي أخبرنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو قال: سمعت خالد بن معدان يقول: إن لله عز وجل ملائكة أربعة يسبحون تحت العرش يسبح بتسبيحهم أهل السموات يقول الأول سبحان ذي الملك والملكوت ويقول الثاني: سبحان ذي العزة والجبروت ويقول الثالث: سبحان الحي الذي لا يموت ويقول الرابع: سبحان الذي يميت الخلق و يموت.
وقال هارون بن رباب: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم يقول أربعة: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك ويقول الأربعة الأخرى: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
قال سعيد بن جبيرة أتى جبريل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثاني ركوع إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت.
وقد روينا أن في الملائكة ملكًا نصفه من نار ونصفه من ثلج وهويقول: يامن ألف بين الثلج والنار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار ألف بين عباد المؤمنين.
باب ذكر الجنة الجنة والنار
مخلوقتان قبل آدم.
قال عبد اللهّ بن سلام: والجنة في السماء.
ويدل عليه قوله: {عند سدرة المنتهى عِنْدَهَا جنةُ الْمَأوَى}.
وقال مجاهد: {وَفِي السمَاء رِزْقُكُم} قال: المطر{وما توعدون} قال: الجنة.
ويدل على أن الجنة قد خلقت قوله تعالى: " اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة ".
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عرش اللّه على الماء ثم اتخد جنة ثم اتخذ دونها أخرى ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة فقال: {وَمِن دونِهمَا جنتَان}.
أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا روح بن عبد المؤمن حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ".
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك أخبرنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثنا أبي حدثنا عبد الصمد حدثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد حدثنا أبو عمران عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جنات الفردوس أربع: ثنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وثنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وليس بين القوم أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه عز وجل في جنة عدن ".
قال أحمد: وحدثنا أبو النضر حدثنا زهير حدثنا سعد أبو مجاهد حدثنا أبو المدلّه أنه سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول اللهّ حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال: لبنتها فضة وملاطها المسك الأذخر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبؤس ويخلد لا يموت لايبلى ثيابه ولايفنى شبابه ".
هذا الحديث حسن واللذان قبله في الصحيحين.
باب ذكر آدم عليه السلام
روى السدي سن أشياخه قال: بعث اللهّ عز وجل جبرئيل إلى الأرض ليأتيه بطين منها قالت الأرض: إني أعوذ باللهّ منك أن تنقص مني أو تَشينني فرجع ولم يأخذ وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتُها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ باللّه أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
فصعد به فَبَلَ التراب حتى عاد طينًا ثم تُرك حتى تغير وأنتن وهو قوله {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُون} قال: مُنْتِن.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بعث رب العزة إبليس فأخذ من أديم الأرض ومن عذبها ومن ملحها فخلق آدم فمن ثَمَّ سُمّيَ آدم لأنه خلق من أديم الأرض ومن ثَم قال إبليس: {أسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} أي هذه الطينة أنا جئت بها.
وقد رواه ابن جبيرعن ابن مسعود.
فأخبرنا به محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا حسين بن الحسن الأشقر حدثنا يعقوب بن عبد الله القُميَ عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود قال: إن اللّه بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها فخلق منه آدم فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ابن كافر وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الناروإن كان ابن نبي.
قال: فمن ثم قال ابليس: {أأسجد لمن خلقت طينًا} لأنه جاء بالطينة وسمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداوي أخبرنا ابن أعين السرخسي أخبرنا ابراهيم بن خريم حدثنا عبد بن حميد حدثنا هوفق بن خليفة حدثنا عوف عن قَسَام بن زُهَير عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحَزْن وبين أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد حدثني أبي أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا زُهَير بن محمد عن عبد اللّه بن محمد بن عَقِيل عن عبد الرحمن بن محمد بن يزيد الأنصاريّ عن أبي لُبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمُها عنده وأعظم عند الله عز وجل من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خلال: خلق اللّه تبارك وتعالى فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض وفيه توفَّى آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا أتاه الله إياه ما لم يسأل حرامًا وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب في السماء والأرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يستغفرون من يوم الجمعة ".
قال أحمد: وحدثنا أبو عامر حدثنا زهير عن عبد اللهّ بن محمد عن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده سعد بن عبادة أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير.
قال: " فيه خمس خلال: فيه خُلقَ آدم وفي أهبط آدم وفيه تُوفّي وفيه ساعة لا يسأل عبد فيها شيئًا إلا أتاه اللهّ ما لم يسأل مأثمًا أوقطيعة رحم وفيه تقوم الساعة وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر فصل: فلما صور اللهّ تعالى آدم تركه أربعين ليلة جسدًا ملقى لا روح فيه هكذا رواه الضحاك عن ابن عباس.
وقال السدي عن أشياخه: بقي جسدًا بين طين وماء أربعين سنة.
والمراد بذلك من أعوامنا.
وقد روى أبو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: خمر اللّه عز وجل طينة آدم أربعين يومًا.
فعلى هذا يكون التخمير قبل التصوير ".
وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في يوم الجمعة خلق آدم ".
وقال مجاهد: خلق بعد كل شيء آخر النهار من يوم الجمعة.
فصل
روى السدي عن أشياخه قال: لما أراد اللهّ عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
فنفخ فيه الروح فدخل فيه الروح من رأسه فعطس فقالت له الملائكة: قل الحمد لله فقال: الحمد للهّ فقال اللهّ: رحمك ربك فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان فذلك قوله: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إِبليس.
وروى الضحاك فقال: أتته النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري في شيء من جسده إلا صار لحمًا ودمًا فلما انتهت النفخة إلى سرته فنظر إلى جسده فاعجبه فذهب لينهض فلم يقدر فلما تمت النفخة عطس فقال: الحمد للّه فقال له ربه: يرحمك ربك.
أخبرنا أبن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي حدثنا حسين وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لما صور آدم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك ".
قال أحمد: وحدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " خلق اللهّ عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفرمن الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته فزادوه ورحمة الله فكلَ من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله فلم يزل الخلق ينقص بعد ".
هذا حديث متفق عليه والذي قبله من أفراد مسلم.
أخبرنا زاهر بن طاهر النيسابوري أخبرنا الحاكم أبو سعد محمد بن محمد بن علي أخبرنا أبو بكر حدثنا يحيى بن اسماعيل أخبرنا مكي بن عبدان حدثنا أحمد ابن الأزهر حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان طول آدم ستين ذراعًا في سبعة أذرع عرضًا ".
وقد روي عن مجاهد: أن نفس آدم كان يؤذي أهل السماء فحط إلى ستين ذراعًا.
وليس هذا بشيء.
قال أبو الحسن: هذا من كتب السريانيين ليس للإسلاميين فيه أكثر من الرواية عنهم.
ذكر الحوادث التي في زمان آدم عليه السلام هذه الحوادث تنقسم ثلاثة أقسام: فالقسم الأول ما حدث وآدم في السماء والثاني ما حدث وهو في الجنة والثالث ما حدث وآدم في الأرض.
ذكر القسم الأول: ما حدث وآدم في السماء: من ذلك أن الله تعالى لما أكمل خلق آدم ونفخ فيه الروح علمه الأسماء كلها.
قال ابن عباس: علمه أسماء كل شيء.
قال الحسن: علمه اسم كل شيء: هذه الخيل وهذه البغال والإبل والجن والوحوش.
والصحيح العموم وقد شرحنا هذا في التفسير وهناك أليق بسط هذا.
ثم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس.
أخبرنا محمد بن عمر الأوحدي أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن المهتدي أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين حدثنا عبد اللّه بن سليمان حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا عثمان بن ربيعة عن قادم بن المسور قال: قال عمر بن عبد العزيز: لما أمر اللّه عز وجل الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أول من سجد له إسرافيل فأثابه اللهّ بأن كتب القرآن في جبهته.
ومن أعظم ذكر الحوادث السماوية في زمان آدم امتناع ابليس من السجود له تكبرًا وقد سبق بيانه في ذكر أخبار ابليس.
ذكر القسم الثاني: ما حدث وآدم في الجنة: وهو ما حدث وآدم في الجنة لما سجدت الملائكة لآدم وأبعد الله إبليس أسكن آدم الجنة فما حدث أباح آدم جميع أشجار الجنة سوى شجرة واحدة اختلفوا فيها فقيل: هي الحنطة وقيل: الكرمة إلى غير ذلك مما قد شرحناه في التفسير.
ومما حدث: ما روى السدي عن أشياخه: لما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشًا ليس له زوج فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها: ما أنت.
قالت امرأة قال: ولم خلقت.
قالت: تسكن إلي قالت له الملاَئكة ينظرون ما بلغ علمه: ما أسمها يا آدم قال: حواء قالوا: ولم سمت حواء.
قال: لأنها خلقت من شيء حيّ فقال اللهّ: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة.
قال قتادة: خلق حواء من ضلع من أضلاعه.
قال مجاهد: خلقت من قصيرى آدم.
ومما حدث: احتيال إبليس في الدخول إلى الجنة لاستذلال آدم.
روى السدي عن أشياخه قال: لما أراد إبليس أن يدخل الجنة إلى آدم فمنعه الخزنة فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدوابّ فكلمها أن تدخله في فمها فأدخلته في فمها فقال: يا آدم هَلْ أدُلكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخلْد فأبى أن يأكل فقدمت حواء فأكلت ثم قالت: يا آدم قد أكلتُ ولم يضرني فلما أكل بدت لهما سوآتهما.
وروى طاووس عن ابن عباس قال: إن إبليس عرض نفسه على الدواب لتحمله حتى تدخله الجنة حتى يكلم آدم وكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلّم الحية فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به وكانت كاسية أعلى أربع قوائم فأعراها اللّه تعالى وجعلها تمشي على بطنها.
وقال وهب بن منبه: لما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها فأخذ من الشجرة وجاء بها إلى حواء فقال: انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها فأكلت منها وذهبت بها إلى آدم فقالت: انظر إلى هذه ما أطيب ريحها وطعمها فأكل فبدت لهما سوآتهما فدخل آدم في جوف الشجرة فناد ربُّه: يا آدم أين أنت.
قاد: أنا هذا يا ربّ قال: يا حواء أنت غَرَرْتِ عبدي فلا تحملين حَمْلًا إلا حملتِه كرهًا فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارًا.
وقال للحية: أنت الذي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك ولا يكنْ لك رزق إلا التراب أنتِ عدوّة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت منهم أحدًا أخذت تسميه وحيث لقيَك شدَخ رأسك.
وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: ان آدم لما رأى نعم الجنة قال: لو أن خالدًا فاغتنمها إبليس فأتاه من قبل الخلد.
قال ابن إسحاق: وحديث ان أول ما ابتدأهما به من كيده أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها فقالا له: ما يُبْكِيك قال: أبكي عليكما إنكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والغبط فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد.
وقال ابن زيد: وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ثم حسنها في نفسه قال: فدعاها آدم لحاجته فقالت: لا إلا أن تأتي هذا قال: ما آتي.
قالت: تأكل من هذه الشجرة فأكلا منها فبدت سوآتهما وذهب آدم هاربًا إلى الجنة فناداه ربُّه يا آدم أني أتيت.
قال: لا يا رب ولكن حياء منك وقال: يا آدم أنَّى أتِيتَ.
قال: من قِبَل هذا أي رب قال: فقال اللهّ: إن لها عليّ أن آدميها في كل شهر مرة كما آدمت هذه الشجرة وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرهًا وتضع كرهًا.
وكان سعيد بن المسيب يحلف باللّه ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقتْه الخمرحتى إذا سكر قادته إليها فأكل.
قال المؤلف: وفي هذا بعد من جهتين أحدهما: أن خمر الجنة لا يسكر لقوله تعالى: {لا فيهَا غَول}.
والثاني: أنه لا يخلو أن يكون شربه مباحًا له أو محظورًا وقد حظره لأن الظاهر إباحته جميع ما في الجنة له سوى تلك الشجرة ومن فعل المباح لم يؤاخذ بما يؤثره على أن راوي هذا الحديث محمد بن إسحاق وفيه مقال.
ومما حدث إخراج آدم من الجنة: قال العلماء: لما واقع آدم وحواء الخطيئة أخرجهما الله تعالى من الجنة وسلبهما ما كانا فيه من النعمة وأهبطهما وعدويهما إبليس والحية إلى الأرض.
ذكر مقدار مكثه في الجنه روى أبو صالح عن ابن عباس: أن آدم مكث في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة سنة.
وقال أبو العالية: مكث في الجنة خمس ساعة.
وقد روينا أنه خلق آخر النهار من يوم الجمعة فعلى هذه يكون في الساعة الأخيرة فمكث جسدًا أربعين سنة من سنيها كان مكثه في السماء بعد تصويره في الجنة إلى أن أصاب الخطيئة واهبط ثلاثًَا وأربعين سنة وأربعة أشهر.
وقال الحسن البصري: كان الساعة التي لبثها آدم في الجنة مقدار أربعين ومائة من سنينكم.
ذكر الوقت الذي أخرج فيه: روى سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في يوم الجمعة خلق آدم وفيه أهبط ".
وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن آدم أخرج بين الصلاتين صلاة الظهر وصلاة العصر.
وقد ذكرنا انه اسكن وأخرج في ساعة واحدة من ساعات ذلك اليوم.
قال ابن جرير: فأهبط قبل غروب الشمس.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:35 pm | |
| ذكر المكان الذي اهبط إليه
قال علي بن أبي طالب وابن عباس وقتادة وأبو العالية: أهبط بالهند.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: أهبط على جبل بالهند يقال له نَوْد.
وقال ابن اسحاق: أهل التوراة يقولون: أهبِط بالهند على جبل يقال له واسم عند واد يقال له بهيل بين الدهنج والمندل: بلدين بأرض الهند.
فقال قوم: بل أهبط بَسَرْنْديب على جبل يقال له: نَوْذ وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة وإبليس بميسان والحية بأصفهان.
وقال آخرون: أهبطت الحية بالبرية وإبليس بالساحل من بحر الأ بُلَّة.
وقيل: كان الجبل الذي أهبط عليه أقرب من جميع الجبال إلى السماء.
ذكر ما هبط معه من الجنة: قال أبو موسى الأشعري: لما أخرجه الله من الجنة زوده من ثمارها فثماركم هذه من ثمارها.
وقال ابن عباس: كان حين أخرج لا يمر بشيء إلا عبث به فقيل للملائكة: دعُوه فليتزودْ منها ما شاء فنزل بالهند وإن هذا الطيب الذي يُجَاء به من الهند مما خرج به آدم.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: نزل آدم معه ريحُ الجنة فعلق بشجرها وأوديتها يعني الهند وأنزل معه الحجر الأسود وكان اشدَ بياضًا من الثلج وعصا موسى وكانت من آس الجنة وقال أبو العالية: أخرج ومعه غصن من شجر الجنة وعلى رأسه تاج أو إكليل من شجر الجنة.
وقال قتادة: أهبط آدم على جبل بالهند وعلى رأسه إكليل من شجر الجنة فعبق ريح ذلك الإكليل بشجر ذلك الجبل فصار طيبًا.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا عاصم بن الحسن أخبرنا أبو الحسين أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا أبو الحسن بن البر قال: أهبط آدم بالهند في جزيرة سرنديب على جبل يدعى نَوْذ وعلى آدم الورق الذي خصفه فيبس فتحات فنبت منه أنواع الطيب والثمار فعلى ذلك الجبل: العود والسنبل والقرنفل والأفاوية ودابة المسك ودابة الزباد وحول الجبل الياقوت وفي واديه الماس وفي أرض تلك الجزيرة السفاذج وفي أنهارها البلور وفي بحرها اللؤلؤ.
وأخرج آدم من الجنة معه صرة حنطة وثلاثين نصيبًا من ثمر الجنة عشرة في القشور: الجوز واللوز والفستق والبندق والخَشخاش والبلُّوط والشاهبلوط والجوز الهندي والرمان والموز.
وعشرة لها نوى: الخوخ والمشمش والإجّاص والرُطَب والغبيراء والنبق والزُّعرور والعنّاب وا لمُقْل والشاملوك.
وعشرة لا قشور لها ولا نوى: التُفّاح والسفرجل والكمثرى والعنب والتوت والتين وأنزل على آدم من الصحف احدى وعشرون صحيفة وحرم عليه الميتة والدم ولحم الخنزير وفرض عليه صلاة خمسين ركعة.
أخبرنا موهوب بن أحمد ومحمد بن ناصر قالا أخبرنا على بن أحمد بن بيان قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي قال: أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عثمان السقا الحافظ قال: قريء على أبي عمرمحمد بن يوسف القاضي حدثنا محمد بن الوليد حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " لما أهبط اللهّ آدم من الجنة إلى الأرض حزن عليه كل شيء جاوره إلا الذهب والفضة فأوحى اللّه إليهما: جاورتكما بعبد من عبادي ثم أهبطه من جواركما فحزن عليه كل شيء إلا أنتما قالا: إلهنا وسيدنا أنت تعلم أنك جاورتنا به وهو لك مطيع فلما عصاك لم نحب أن نحزن عليه فأوحى الله إليهما: وعزَّتي وجلالي لأعِزَّنكما حتى لايُنال كل شيء إلاَّ بكما ".
هذا حديث إسناده حسن ومتنه غريب.
أخبرنا ابن ناصر أنبأنا عبد المحسن بن محمد أخبرنا عبد الله بن عمر بن شاهين قال: حدثني أبي حدثنا الحسن بن محمد بن عنبر حدثنا ابراهيم بن عامر الأصبهاني حدثنا أبي حدثنا يعقوب بن جعفر عن سعيد بن جبير قال: أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض وليس في الأرض إلا حوت ونسر فكات النسر إذا أمسى آوى إلى الحوت فيبيت عنده فلما رأى النسرآدم أتى إلى الحوت فقال: يا حوت قد أهبط إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ويبطش بيده فقالت: إن كنت صادقًا فما لي في البحر مهرب ولا لك في البر مهرب.
يريد أنه يحتال عليهما.
ذكر القسم الثالث: وهو ما حدث وآدم فى الأرض فمن ذلك أن آدم حين نزل شكى حاله: فروى أبو صالح عن ابن عباس قال: لما رأى اللّه عز وجل عري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشًا من الضان أمن الأزواج الثمانية فذبحه ثم أخذ صوفه فغزلته حواء فنسج آدم جُبًة لنفسه وجعل لحواء درعًا وخِمارًا فلبسا ذلك.
ثم أنزل عليه بعد العلاوة والمِطرقة والكلبتان فنظر إلى قضيب نابت من حديد وأخذه فجعل يكسر أشجارًا قد يبست بالمطرقة ثم أوقد على ذلك الغصن حتى ذاب أفكان أول شيء ضربه مُدْية فكان يعمل بها ثم ضرب التنّور الذي ورثه نوح ونفرت منه الوحوش إلى البر وكان لباسهما من جلود الضان والسباع.
وروى الضحاك عن ابن عباس: إن جبريك أتى آدم بالجَلَم وأمره أن جز الشاة ففعل فغزلت حواء وحاكه آدم فالخذ منه عباءة لنفسه وأخرى لحواء.
وروى عطاء عن ابن عباس: ان جبريل أتى آدم بالثورين وصمدهما له وأمره بالزراعة.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: علم آدم صنعة الحديد وأمر الحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حَصَدَه ثم داسه ثم طحنه.
ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغ منه حتى بلغ منه ما شاء اللّه أن يبلغ.
قال سعيد: وأهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه.
وحكى أبو جعفر الطبري عن آخرين قالوا: جاع آدم فاستطعم ربه فجاءه جبريل بسبع حبات من حنطة فوضعها في يده فقال: ما أصنع بهذا قال: تتركه في الأرض ففعل فأنبته اللّه من ساعته ثم أمره فحصده ثم أمره فجمعه وفركه بيده ثم أمره أن يفرِّيه ثم أتاه بحجرين فطحنه ثم أمره أن يخبزه مَلَّةً.
إن عجنه وجمع له جبريل الحجر والحديد فقدحَه فخرجت النار فهو أول مَنْ خبز الملَة.
ومن الأحداث أن قال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعم الجنة مائتي سنة لم يأكلا ولم يشربا أربعين يومًا ولم يقرب آدم حواء مائة سنة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار أخبرنا علي بن أحمد الملطي أخبرنا أحمد بن محمد بن دوست حدثنا ابن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين حدثنا روح بن عبادة حدثنا هشام عن الحسن قال: أهبط آدم من الجنة فبكى ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء ولا يلتفت إلى المرأة ولا يضع يده عليها.
قال القرشي: وحدثنا محمد بن يحيى بن أبي حاتم قال.
حدثني سعد بن يونس عن أبي عمرو الشيباني عن أبي الهذيل عن وهب بن منبه قال: أوحى الله إلى آدم: يا آدم ما هذه الكآبة التي بوجهك والبلية التي قد أحاطت بك.
قال.
خروجي من دار البقاء إلى دار الفناء من دار النعم إلى دار الشقاء.
قال: ثم ان آدم سجد سجدة على جبل الهند مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في وادي سرنديب فأنبت اللّه لذلك الوادي من دموع آدم الدار صيني والقرنفل وجعل طير ذلك الوادى الطواويس ثم ان جبريل أتاه فقال: يا آدم ارفع رأسك فقد غفر لك فرفع رأسه ثم أتى البيت فطاف أسبوعًا فما أتمه حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه ثم أتى موضع المقام وصلى فيه ركعتين وبكى حتى جرت دموعه على الأرض.
قلت: وكان السبب في قبول توبة آدم أنه تلقى كلمات فقالها فتيب عليه وذلك قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدم مِنْ رَبِّه كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}.
واختلف المفسرون في تلك الكلمات على وجوه قد ذكرناها في التفسير والذي نختاره من الأقوال.
ما أخبرنا به محمد بن عبد اللّه بن حنيف أخبرنا علي ابن الفضل أخبرنا محمد بن عبد الصمد أخبرنا عبد اللهّ بن أحمد.
حدثنا ابراهيم بن خريم حدثنا عبد الحميد بن حميد حدثنا أبو غسان حدثنا مالك بن إسماعيل النهلي عن زهير بن معاوية الجشمي عن خُصيف عن مجاهد: {فَتَلَقَى آدم مِنْ ربهِ كَلِمَات}.
قال: هو قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنْفسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا}. إلى آخر الآية.
قال قتادة: تاب اللّه على آدم يوم عاشوراء.
ومن الأحداث إن اللّه عز وجل أنزل ياقوتة من الجنة فجعلها في موضع الكعبة وأمر آدم أن يتوجه إلى مكة فيطوف قال قتادة: قال اللهّ: يا آدم إني أهبطت لك بيتًا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلي عنده كما يصلى عند عرشي فانطلق إليه آدم فمد له في خطوه وكان بين خطوه مفازة فلم تزل وفي حديث أبي صالح عن ابن عباس: أن آدم بنى البيت من خمسة أجبل من طور سيناء وطور زيتا ولبنان والجودي وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك التي يفعلها الناس ثم قدم به مكة فطاف بالبيت اسبوعًا.
قال ابن عباس: حج من الهند أربعين حجة على رجليه.
وقيل: ان آدم التقى بحواء على عرفات فتفارقا ثم رجع بها إلى الهند فاتخذا مغارة يأويان إليها.
ومن الأحداث أن اللّه تعالى مسح ظهرآدم بنَعْمَان وأخرج ذريته.
أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين أخبرنا الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبي حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أخذ اللّه الميثاق من ظهر آدم بنَعْمَان يعني عرفة فأخرج من صلبه كلَّ ذرية ذَرَأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قُبُلًا " أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني يعقوب الرماني حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قول اللّه عز وجل: {وَإِذْ أخَدَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدم مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُريتَهُم} قال: جمعهم فجعلهم أزواجًا ثم صورهم واستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق {وَأشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ ألسْتُ بِرَبِّكُمْ} قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا تشركوا بي شيئًا سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك فرفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير والحسن الصورة ودون ذلك فقال: يا رب ألا سويت بين عبادك فقال: إني أحببت أن أشكر ورأى آدم الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور خصوا بميثاق أخرى في الرسالة والنبوة وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أخَذْنَا مِنَ النبِيينَ مِيثَاقَهُمْ} إلى قوله {عِيسَى ابن مريم} وكان في تلك الأرواح.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا روح حدثنا مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن أخبره عن مسلم بن يسار الجُهني عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن اللهّ عز وجل خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقتَ هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون.
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل فقال: " إن اللهّ عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة فيدخل به الجنة فإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النارحتى يموت على عمل من عمل أهك النار فيدخله به النار ".
قال أحمد: وحدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدَين قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " إن أول من جحد آدم عليه السلام إن اللّه تعالى لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرض عليه ذريته فرأى فيهم رجل يزهَر فقال: أي رب من هذا.
قال: ابنك داود قال: أي رب كم عمره قال: ستون عامًا قال: أي رب زد في عمره قال: لا إلا أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف عام فزاده من عمره أربعين عامًا فكتب اللّه عليه بذلك كتابًا وأشهد عليه الملائكة فلما احتُضِر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عامًا فقيل: إنك وهبتها لإبنك داود قال: ما فعلت فأبرز اللّه عليه الكتاب وأشهد عليه الملائكة ".
وقد رواه الحسن بن الأشيب عن حماد فزاد فيه " ثم أكمل اللّه لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة ".
ومن الأحداث وجود أولاد آدم عليه السلام ولدت حواء لآدم آربعين ولدًا من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا قالوا: وكانت لا تلد إلا توأمين ذكرًا وأنثى.
وأول الأولاد: قابيل وتوأمته قليما ويقال قيثما وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث.
وعد منهم ابن اسحاق: قين وتوأمته وهابيل وليوذا وآشوث بنت آدم وتوأمها وشيث وتوأمته وحزورة وتوأمها ثم إياد وتوأمته ثم بالغ.
ويقال: باتح وتوأمته ثم أثاثي وتوأمته ثم توبة وتوأمته ثم بنان وتوأمته ثم شبوبة وتوأمته ثم حيان وتوأمته ثم ضرابيس وتوأمته هدز وتوأمته ثم نجود وتوأمته ثم سندل وتوأمته ثم بارق وتوأمته.
وكان الرجل منهم ينكح أي اخواته شاء إلا التي ولدت معه فإنها لا تحل له.
وقد روي عن ابن عباس: ان أول ولد ولدته حواء سمته عبد الرحمن ثم سمت الثاني صالحًا ثم الثالت عبد الحارث.
قال أبو جعفر الطبري: ولد لآدم بعد قتل هابيل بخمس سنين شيث وزعم أهل التوراة أنه لم يولد معه توأم وتفسير شيث عندهم " هبة اللّه " ومعناه أنه خلف هابيل.
وقال أبو صالح عن ابن عباس: ولد شيث وأخته عزورا وهو بالعربية شث وبالسريانية شاث وبالعبرانية شيث وإليه أوصى آدم وكان آدم يوم ولد له شيث ابن ثلاثين ومائة سنة.
وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جُيُو مَرْت هو آدم.
وزعم بعضهم أنه ابن آدم لصلبه من حواء.
وقال آخرون: هو حام بن يافث بن نوح.
وأكثر العلماء على أن جُيُو مَرْت هو أبو الفرس من العجم وإنما اختلفوا هل هو آدم أم غيره.
وقال قوم: انه ملك وتجبر وتزوج ثلاثين امرأة وكثر نسله وتسمى بآدم وما زال ملكه وملك أولاده منتظمًا بأرض المشرق إلى أن قتل يَزْدَجِرْد بن شهريار أيام عثمان بن عفان.
وقد ذكر أبو الحسن بن البراء: أن جُيُو مَرْت ملك ثلاثين سنة ثم كان من سوى الملك هوشَنْك من أولاد أولاده ملك أربعين سنة ثم ملك طهمورث من أولاد أولاد هوشنك ودان بدين الصابئين ثلاثين سنة ثم ملك أخوه جمشيذ ستمائة وست عشرة سنة ثم ملك هوار سب ألف سنة ومن قبله كان نمرود صاحب ابراهيم ثم ملك فريدون مائتي سنة وقسم الملك بين أولاده في حياته ثم ملك ابنه ايرج ست سنين ثم انتقل الملك إلى منوشهر ثمانين سنة إلى أن غلبه التركي اثنتي عشرة سنة ثم غلبه منوشهر فملك ثمانيًا وعشرين سنة.
وقد حكينا آنفًا عن أبي الحسين بن المنادي أن جيومرث وطهمورث من أولاد الجان والله أعلم.
وقد روى ابن اسحاق عن بعض أهل الكتاب: ان حوإء حملتَ بقين بن آدم وهو الذي يقال له: قابيل في الجنة وتوأمته فلم تجد وحَمًا ولا وصَبًا وولدتهما ولم تر معهما دمًا لطهر الجنة فلما نزلت إلى الأرض حملت بهابيل وتوءمته.
وفي هذا بعد وليس مما يوثق بنقله.
ومن الأحداث احتيال ابليس على آدم وحواء في تسمية عبد الحارث أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر المنكدري أخبرنا أبو الحسن بن الصلت حدثنا أبو بكر الأنباري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا عتاب بن الخزرجي عن خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة عن ابن عباس: ان حواء لما حملت جاءها إبليس فقال: إني أخرجتكما من الجنة لئن لم تطيعيني لأجعلن لولدك قرنين يشقان بطنك أولأخرجته ميتًا فقضى الله أن خرج ميتًا فلما حملت بالثاني جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى فقضى اللّه أن الولد خرج ميتًا فلما حملت الثالث جاءها فقال لها مثل مقالته فقالت: وما الذي تريد أن نطيعك فيه قال: سمياه عبد الحارث ففعلت فقال اللّه: " جعلا له شركاء فيما آتاهما ".
قال عثمان: وحدثنا يعلى بن عبد حدثنا عبد الملك قال: قيل لسعيد بن جبير: يا أبا عبد اللهّ أشْرَك آدم قال: معاذ الله أن تقول أشرك آدم إن حواء لما حملت وأثقلت أتاها إبليس فقال لها: أرأيت هذا الذي في بطنك من أين يخرج.
أمن فيك ام من منخرك أم من أذنيك أرأيت إن خرج سويًا صحيحًا لم يضرك أتطيعيني في اسمه قالت: نعم فلما ولدت قال: سمياه عبد الحارث.
فسمياه عبد الحارث.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن ابراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما حملت حواء وطاف بها إبليس فكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش ".
أعطى آدم ملك الأرض نبأه وجعله رسولًا إلى ولده وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها بخطه وعلمه جبريل إياها.
ذكره أبوجعفر الطبري قال: وقيل: ان مما أنزل عليه حروف المعجم في احدى وعشرين ورقة وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير.
وقد روى أبو أمامة أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي اللهّ أنبيًا كان آدم.
قال: " نعم مكلّمًا ".
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول المرسلين آدم ".
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية حدثنا أحمد بن معروف حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد حدثنا عمرو بن الهيثم وهاشم بن القاسم قال: حدثنا المسعودي عن ابن عمر الشامي عن عبيد بن الحشاش عن أبي ذر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الأنبياء أول.
قال: " آدم " قلت: أنبيًا كان قال: " نعم نبيًا مكلمًا ".
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا عبد العزيز بن جعفر الخرقي حدثنا الحسين بن اسماعيل حدثنا الحسن بن شبيب حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض كثرت ذريته فاجتمع إليه ذات يوم ولده وولد ولده وولد ولد ولده فجعلوا يتحدثون حوله وآدم ساكت لا يتكلم فقالوا: يا أبانا مالنا نحن نتكلم وأنت ساكت لا تتكلم قال: يا بني ان اللهّ عز وجل لما أهبطني إلى الأرض من جواره عهد إليّ فقال: يا آدم أقل الكلام حتى ترجع إلى جواري.
ومن الأحداث ما روي أنه ضرب الدنانير أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو علي بن الصواف أخبرنا محمد بن خلف وكيع حدثنا المشرف بن سعد أبو زيد الواسطي حدثنا كثير بن هشام حدثنا عيسى بن إبراهيم الهاشمي حدثنا معاوية بن عبد اللهّ قال: سمعت كعبًا يقول: أول من ضرب الدنانير والدراهم آدم عليه السلام وقال: لا تصلح المعيشة إلا بها.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا جعفر بن أحمد السرج أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الضراب حدثنا أبي حدثنا أحمد بن مروان حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه قال: لما ضربت الدراهم والدنانير حملهما ابليس فقبلهما وقال: سلاحي وقَرّة عينىِ وثمرة قلبي بكما أغري وبكما أطغي وبكما أكفر ابن آدم وبكما تستوجب النار ابن آدم.
ومن الأحداث قتل قابيل أخاه هابيل اختلفوا في السبب الذي قتله لأجله: فروى السدي عن أشياخه قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية وكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر وجارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر.
حتى ولد له قابيل وهابيل وكان قابيل صاحب زرْع وهابيل صاحب ضَرْع وكان قابيل الأكبر وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل وطلب هابيل أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال: هي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوجها فأمره آدم أن يزوجه إياها فأبى.
فقربا قربانًا وكان آدم قد ذهب إلى مكة فقالَ آدم للسّماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت فقال لقابيل فقال: نعم ترجع فتجد أهلك كما فلما انطلق آدم قربا قربانًا قرب هابيل جَذعَة سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فنزلت فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فطلبه ليقتله فذهب إلى رؤوس الجبال فأتاه يومًا وهو نائم في الجبل فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء لا يدري كيف يًدْفن إلى أن بعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له ثم حثا عليه فقال حينئذ: أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَاب.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد حدثنا موسى بن اسماعيل التبوذكي حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان لآدم أربعة أولاد توءم ذكر وانثى من بطن وذكر وانثى من بطن فكانت أختَ صاحب الحرث وضيئة وكانت أخت صاحب الغنم قبيحة فقال صاحب الحرث: أنا احق بها وقال صاحب الغنم: ويحك أتريد أن تستأثر بوضاءتها علي تعال حتى نقرب قربانًا فإن تقبل قربانك كنت أحق بها وإن تقبل قرباني كنت أَحق بها.
قال: فقربا قربانيهما فجاء صاحب الغنم بكبش أعن أقرن أبيض وجاء صاحب الحرث بصبرة من طعامه فقبل الكبش فجعله الله في الجنة أربعين خريفًا وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم فقال قال موسى: وحدثنا حماد عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: كان آدم يزوج ذكر هذا البطن بانثى هذا البطن وانثى هذا البطن بذكر هذا البطن.
وقد ذكر ابن اسحاق عن بعض أهل الكتاب: أن قابيل كان يفتخر على هابيل ويقول: أنا وأختي من ولادة الجنة فامتنع من تزويجه فقتله بعد هذا.
وروى العوفي عن ابن عباس: أنهما قربا قربانًا تطوعًا لأجل المرأة فلم يتقبل قربان قابيل فغضب وقتل أخاه وقال: لا ينظر الناس إليّ وإليك وأنت خير مني.
وقد روينا عن الحسن ان ابني آدم هذين من بني إسرائيل ولم يكونا من صلب آدم وان أول من مات آدم.
وفي هذا بعد فإنا قد ذكرنا أن حواء لم يكن لها ولد فسمت ولدها عبد الحارث ويقال ان أول من مات آدم.
أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن مسروق عن عبد اللّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها " لأنه كان أول من سن القتل.
أخرجاه في الصحيحين.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا الأزهري أخبرنا علي بن عمر الحافظ.
حدثنا اسماعيل بن العباس الوراق حدثنا أبو البختري عبد اللّه محمد بن شاكر قال: حدثني أحمد بن محمد المخرمي عن عبد العزيزبن الرياح عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه السلام:
تَغَّيرَتِ البِلاد ُوَمَنْ عَلَيْهَا ** فَوَجْهُ الأرْض مُغْبرٌّ قَبيحُ
تَغَيَّركُلُّ ذِي طَعْم وَلَوْنٍ ** وَقلَّ بَشَاشَةُ الوجه الصبيح
قتل قابيل هابيلا أخاه ** فواحزنًا مضى الوجه المليح
فأجابه إبليس لعنه الله:
تنحَ عن البلاد وساكنيها بنى ** في الخلد ضاق لك الفسيح
وكنت بها وزوجك في رخاء ** وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما انفكت مكايدتي ومكري ** إلى أن فاتك الثمن الربيح
فلولا رحمة الجبّار أضحى ** بكفِّك من جنان الخلد ريح
ومن الأحداث إن قابيل بعد أن قتل أخاه هرب إلى اليمن وشاع في أولاده الزنا وشرب الخمر والفساد فأوصى آدم أن لا ينكح بنو شيث بني قابيل فجعل بنو شيث آدم في مغارة وجعلوا عليه حافظًا لا يقربه أحد من بني قابيل.
وكان الذين يأتونه ويستغفر لهم بنو شيث فقال مائة من بني شيث صباح: لونظرنا ما فعل عمنا.
يعنون بني قابيل فهبطت المائة إلى نساء من بني قابيل فاحتبسوهن ثم قال مائة أخرى: لونظرنا ما فعل اخوتنا فهبطوا فاحتبسهم النساء ثم هبط بنوشيث كلهم فجاءت المعصية فكثر بنوقابيل حتى ملاؤا الأرض والذين غرقوا أيام نوح.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا عبد الصمد بن علي بن المأمون أخبرنا عبد الله بن محمد بن حنانه حدثنا البغوي حدثنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي عثمان عن ابن مسعود وابن عباس قالا: لما كثر بنوآدم دعت عليهم السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا أهلكهم فأوحى اللّه تعالى إلى الملائكة: إني لو أنزلت الشيطان والشهوة فيكم منزلتهما من بني آدم لفعلتم كما يفعلون فحدثوا أنفسهم بانهم إن ابتلوا سيعتصمون فأوحى الله إليهم أن اختاروا من أفضلكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض حكمين وهبطت الزهرة في صورة امرأة.
وأهل فارس يسمونه بيدخت وكان الملائكة قبل ذلك يستغفرون للذين آمنوا فلما وقعا أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا يحيى بن آبي بكير حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر أنه سمع النبىِ صلى الله عليه وسلم يقول: " إن آدم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها نحن أطوع لك من بني آدم فقال تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض ننظر كيف يعملان قالوا: هاروت وماروت.
وأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن النساء فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا واللهّ حتى تتكلما بهذه الكلمة من الشرك فقالا: والله لا نشرك باللهّ شيئًا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا: لا والله لا نقتله أبدًا ثم رجعت بقدح خمر أتحمله فسألاها نفسها فقالت: لا واللّه حتى تشربا هذه الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا مما أبيتما علي إلا قد فعلتما حين سكرتما فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا وقيل ان ذلك بعد رفع إدريس.
ومن الأحداث نزول الموت بآدم عليه السلام: قد روينا أن ملك الموت جاء ليقبض آدم وقد مضى من عمره ألف سنة سوى أربعين وهبها لابنه داود فقال: قد بقي لي أربعون سنة فقيل له: إنك وهبتها لداود قال: ما فعلت.
وأن اللّه تعالى أتم له ألف سنة.
وقال محمد بن إسحاق: لما حضرت آدم الوفاة دعا ابنه شيثًا فعهد إليه عهده وعلِّمه ساعات الليل والنهار وعلّمه عبادة الحق في كل ساعة منهن وكتب وصيته.
وكان شيث وصي آدم.
قال أبو جعفر الطبري: ان آدم مرض أحد عشر يومًا ودفع إلى شيث كتاب وصيته وأمره أن يخفيه من قابيل فاستخفى شيث وولده بما عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: رأيت شيخًا بالمدينة يتكلم فسألت عنه فقالوا هذا أبي بن كعب فقال: ان آدم عليه السلام لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني إني أشتهي من ثمار الجنة فذهبوا يطلبون له منها فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوط ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون.
قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة قالوا لهم: ارجعوا قد قَضى أبوكم.
فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم فقال: إليك عني إنما أتيت من قبلك خلي بيني وبين ملائكة ربي تبارك وتعالى فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا له وصلوا عليه ثم دخلوا قبره فوضعوه في قبره ووضعوا عليه اللبن ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا محمد بن عبد الملك حدثنا الدارقطني حدثنا البغوي حدثنا الفضل بن الصباح حدثنا أبو عبيده الحداد عن عثمان بن سعد عن الحسن عن أبي بن كعب أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الملائكة صلت على آدم وكبرت عليه أربعًا وقالوا: هذه سنتكم يا بني آدم ".
قال الدارقطني: وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان العلاف حدثنا صباح بن مروان حدثنا عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلى جبريل على آدم كبر عليه أربعًا وصلى جبريل بالملائكة يومئذ ودفن في مسجد الخيف واحد من قبل القبلة ولحد له وكتم قبره.
وقال عروة بن الزبير: أتاه جبريل بثياب من الجنة وحنوط من حنوطها فكفنه وحنطه وحملته الملائكة حتى وضعته بباب الكعبة وصلى عليه جبريل ثم حملته الملائكة حتى دفنته في مسجد وقال ابن اسحاق: قبر عند منى أول قرية كانت في الأرض قال: وبلغني أنه مات بمكة وقال قوم: قبرفي غارأبي قبيس.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: مات آدم على نود الجبل الذي أهبط عليه فقال شيث لجبريل: صلّ على آدم فقال: تقدم أنت وكبر عليه ثلاثين تكبيرة.
ولما ركب نوح حمل معه آدم فلما خرجِ من السفينة دفن آدم ببيت المقدس ولم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاَ ورأى فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد.
وقد ذكرنا أنه توفي يوم الجمعة.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:38 pm | |
| باب ذكر خلافة شيث أباه آدم عليه السلام
قد ذكرأن شيث بن آدم كان وصي أبيه.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنه كان نبيًا وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم وذلك أن نسل سائر بني آدم غير نسل شيث انقرضوا.
ولم يزل شيث مقيمًا بمكة يحج ويعتمر وجمع ما أنزل عليه من الصحف إلى صحف أبيه آدم فعمل بها.
ذكر الأحداث التي جرت في ولاية شيث من ذلك موت أمه حواء فإنهم ذكروا أنها عاشت بعد آدم سنة ثم ماتت فدفنت مع آدم وأنهما لم يزالا هنالك حتى استخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلم ذهب الطوفان ردهما إلى أماكنهما.
ومن ذلك أن شيث بن آدم بنى الكعبة بالحجارة والطين.
وقد زعم قوم أنه لم تزل القبة التي جعلت لآدم في مكان البيت إلى أيام الطوفان.
ومن الأحداث التي كان ابتداؤها في زمن آدم وامتدت بعده أن قابيل لما قتل أخاه هرب إلى اليمن فأتاه ابليس فقال: إنما قبل قربان أخيك لأنه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارًا تكون لك ولعقبك.
فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها.
وجاء من أولاده جبابرة وفراعنة ثم انقرض ولده وكذلك أولاد آدم انقطع نسلهم إلا ما كان من شيث.
وقيل: إن بعض أولاد قابيل اتخذ آلات اللهو من المزامير والطبوال والعيدان والطنابير والمعازف فانهمك ولد قابيل في اللهو فذهب إليهم قوم من أولاد شيث ثم نزل آخرون فأما ما يتعلق بشيث فإنه كان قد ولد له أنوش في زمن أبيه آدم وأوصى شيث إلى أنوش بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير الرعايا على منهاج أبيه من غيرتغير ولا تبديل وهوأول من غرس النخل وزرع الحبّ ونطق بالحكمة وعاش تسعمائة وخمس سنين.
وولد لأنُوش قَيْنَان في زمن آدم أيضًا وأوصى أنوش إلى قَيْنَان.
وولد لقينان مَهلائيل في زمن آدم أيضًا.
فوصى قَيْنَان إليه وكان مَهْلاَئِيل على منهاج أبيه.
وولد لمَهْلاَئِيل يَرْدإه فأوصى إليه وقيل إن يَرْد ولد في زمان آدم أيضًا.
وولد ليَرْد خَنُوخ وهو إدريس النبي عليه السلام.
وهذه الأسماء لا يكاد الرواة يتوافقون عليها فإني رأيت أبا الحسن بن المنادي قد ضبط بخطه لمك بتسكين الميم وحنوح بالحاء غيرمعجمة.
وقد ذكر قوم أن اوشْهَنْج هو ابن آدم لصلبه وأنه أول ملك ملك الأرض وقوم يزعمون أنه من ولد نوح فقال قوم: أوشْهَنْج وهو مَهْلائِيل بن قَيْنَان وأن أوشهَنج كان في زمان آدم رجلًا وأنه خلف جده خيومرث وملك الأقاليم السبعة وكان فضلًا محمودًا وهو أول من استنبط الحديد في ملكه فاتخذ منه الأدوات للصناعات واستخرج المعادن ورتب الممالك وحضَّ الناس على الزراعة واتخذ الملابس من جلود السباع وأمر بذبح البهائم والأكل من لحومها ووضع الحدود فيَ الأحكام وكان ملكه أربعين سنة وأنه بنى مدينة الريّ وأنها أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرث التي كان يسكنها بدنبا وتَدمن طبرستان وبنى مدينة بابل والسوس.
بعد في البلاد وجلس على السرير وأنه نزل الهند وعقد على رأسه تاجًا ونفى أهل الفساد والذعار من البلدان إلى البراري وجزائر البحار وألجأهم إلى رؤوس الجبال وقرب أهل الصلاح وانتهى ملكه إلى طهمورث وهومن ولده إلا أن بينهما عدة آباء.
فصل.
فأما يَرْد أبو إدريس فإنه عاش تسعمائة سنة.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: في زمان يَرْد عُبدت الأصنام.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري حدثنا أبو علي الحسن بن عليل العنبري حدثنا أبو الحسن علي بن الصباح بن الفرات أخبرنا هشام بن السائب الكلبي قال: أخبرني أبي قال: أول ما عبدت الأصنام ان آدم عليه السلام لما مات جعله بنوشيث في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه بأرض الهند ويقال للجبل نود.
وقال هشام: وأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: فكان بنوشيث يأتون جنب آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه فقال رجل من بني قابيل: إن لبني شيث دواراَ يدورون حوله ويعظمونه وليس لكم شيء فنحت لهم صنمًا فكان أول من عملها.
وأخبرني أبي قال: كان ودّ وسواع وبغوث ويعوق ونمر قومًا صالحين فماتوا في شهر فجزع عليهم أهاليهم وأقاربهم فقال رجل من بني قابيل: يا قوم هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحًا قالوا: نعم فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم وكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه ليعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول وعملت على عهد يرد بن مهلائيلَ ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم وعظم أمرهم واشتد كفرهم فبعث اللّه إليهم إدريس فدعاهم ولم يزل أمرهم يشتد حتى بعث نوحًا وجاء الطوفان فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة.
والصحيح ان هذه الأصنام الخمسة عملتَ بعد نوح على ما سنذكره فيجوز أن يكونوا عملوها اتباعًا لفعل قدمائهم.
باب: ذكر إدريس عليه السلام
واسمه خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم.
قال الزبير بن بكار: وهو إدريس بن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن الطاهر بن هبه وهو شيث بن آدم وإنما قيل له إدريس لأنه أول من درس الوحي المكتوب.
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: إن أول نبي بعد آدم إدريس عليه السلام وهو حنوخ بن يرذ وكان يصعد له في اليوم من العمل ما لا يصعد لبني آدم في السنة فحسده إبليس وعصاه قومه فرفعه الله مكانًا عليًا وأدخله الجنة.
قلت: كذا في هذه الرواية لاحنوخ بالحاء المهملة ثم بالخاء المعجمة ويرذ بالذال المعجمة.
ورويت الكلمة الأولى بخاءين معجمتين ويرد بدال مهملة.
وزعم ابن اسحاق أن إدريس أول نبي أعطي النبوة.
وقد روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أربع من الرسل سريانيون: آدم وشيث وأحنوح وهو إدريس ونوح ".
وقال علماء السير: نبأ الله تعالى إدريس في حياة آدم وقد مضى من عمر آدم ستمائة واثنتان وعشرون سنة وأنزل عليه ثلاثون صحيفة فدعا قومه ووعظهم وأمرهم بطاعة اللهّ ومخالفة الشيطان وأن لا يلامسوا أولاد قابيل فخالفوا فجاهدهم وسبى منهم واسترق.
وهو أول نبي خط بالقلم وقطع الثياب وخاطها ورفع إدريس وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة وأبوه حي فعاش أبوه بعد ارتفاعه مائة وخمسًا وثلانين سنة.
قال زيد بن أسلم: كان يصعد لإدريس من العمل مثل ما يصعد لجميع بنىِ آدم فجاءه ملك فاستأذن اللّه في جلسة فأذن له فهبط إليه في صورة آدمي وكان يسجد فلما عرفه قال: إني أسألك حاجة قال: ما هي قال: تذيقني الموت فلعلي أعلم ما شدته فأكون له أشد استعدادًا ؤأوحى اللهّ إليه أن أقبض روحه ساعة ثم أرسله فافعل ثم قال: كيف رأيت.
قال: أشد ما بلغني عنه وإني أحب أن تريني النار قال: فحمله وأراه إياها قال: إني أحب أن تريني الجنة فأراه إياها فلما دخلها وطاف فيها قال له ملك الموت: اخرج فقال: واللّه لا أخرج حتى يكون اللهّ تعالى يخرجني فبعث اللهّ ملكًا يحكم بينهما فقال.
ما تقول يا ملك الموت فقص عليه ما جرى فقال: ما تقول يا إدريس قال: إن اللهّ تعالى قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْتِ} وقد ذقته وقال: {وَإِن مِنْكُمْ إِلاَّ وَاردهَا} وقد وردتها.
وقال لأهل الجنة {وَمَا هُم مِنْها بمخرَجِينَ} فو الله لا أخرج حتى يكون اللّه يخرجني فسمع هاتفًا من فوقه يقول: بإذني دخل وبأمرىِ فعل فخل سبيله.
فإن قيل: أين هذه الآيات لأدريس فالجواب: إن الله أعلم بوجوب الورود وامتناع الخروج من الجنة وغير ذلك فقاله.
ذكر الأحداث التى كانت في زمن إدريس عليه السلام منها أنه ملك الدنيا كلها في عهد إدريس بِيوَراسب ويقال: بوراسب وهو الضحاك بن الأهنوب وهو صديق إبليس قبل إدريس ظهره وظهرت في منكبه حيتان وكان دينه فى دين البراهمة فبقي ملكًا للأقاليم جميعًا ألف سنة إلا نصف يوم.
ذكر الأحداث بعد إدريس
استخلف إدريس ولده مَتُوشَلَخ على أمر اللّه وأوصاه قبل أن يرفع وكان أول من ركب البحر وملك بطريق الطاعة لله سبحانه.
ثم ولد لمتوشلخ لمك في حياة آدم ثم ولد للَمَك نوح روى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} قال: كان فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بَطْنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخريسكن الجبال وكان رجال الجبال صِباحًا وفي المساء دمامة وكان نساء السهل صِباحًا وفي الرجال دمامة وأتى إبليس رجلًا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه وكان إبليس يخدمه فأخذ ابليس مثل هذا الذي يزمُر فيه الرِّعاء فجاء فيه بصوت لم يسمِع الناس مثله فبلغ ذلك مَنْ حولهم فانتابوهم يسمعون إليه أواتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال.
قال: وينزل الرجال لهن.
وإن ررجلًا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصبَاحتهنَ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ثم تحولوا إليهن فنزلوا معهن فظهرت الفاحشة فيهن فهو قوله تعالى:{وَلاَ تَبرَّجْنَ تَبَرًّجَ الجاهِلِيةِ الأولَى}.
وقد كانت أحداث كثيرة وقرون بين آدم ونوح لا يعلم أكثرها.
وروى أبو أمامة أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم كان بين آدم ونوح.
قال: " عشرة قرون ".
قال الشيخ الإمام أبو الفرج: وقد اختلف في ترتيب هذه القرون والأحداث الكائنة فيها فمن ذلك: أن قومًا قالوا: ملك طَهْمُرث ويقال: طهمورب بالباء كذلك ضبط أبو الحسين ابن المنادي.
ويقال: طهومرت وهو من ولد أوشنج وبينهما عدة آباء فسلك طريق جده وملك الأقاليم كلها وبنى الموضع الذي جدده بعد ذلك شابور ملك فارس ونزله ونفى الأشرار وهو أول من كتب بالفارسية واتخذ الخيل والبغال والحمير والكلاب لحفظ المواشي واستمرت أحواله على الصلاح.
ثم ملك أخوه جم الشيذ وتفسيره سد الشعاع سمي بذلك لأنه كان جميلًا وضيئًَا فملك الأقاليم وسلك السيرة الجميلة وزاد في الملك بأن ابتدع عمل السيوف والسلاح دلّ على صنعة الإبريْسم والقز وغيره ومما يُغزَل.
وأمر بنسج الثياب وصبغها و نحت السروج والأكُف وتذليل الدواب بها.
وصنف الناس أربع طبقات: طبقة مقاتلة وطبقة كتّابًا وطبقة صنَّاعًا وحراثين وطبقة خدمًا.
وعمل أربعة خواتم: خاتمًا للحرث والشرط وكتب عليه الأناة وخاتمًا للخراجِ وجباية الأموال وكتب عليه العمارة.
وخاتمًا للبريد وكتب عليه الرخاء.
وخاتماَ للمظالم وكتب عليه العدل فبقيت هذه الرسوم في ملوك الفرس إلى أن جاء الإسلام.
وألزم من غلبه من أهل الفساد بالأعمال الصعبة من قطع الصخور من الجبال وعمل الرخام والجص والبناء والكَلْس والحمامات.
وأخرج من البحار والجبال والمعادن والفلوات كل ما ينتفع به الناس من الذهب والفضة وما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية وأحدث النوروز فجعله عيدًا.
ثم إنه بطر وجمع الخلق فأخبرهم أنه مالكهم والدافع عنهم بقوته الهرم والسقم والموت وجحد إحسان اللّه إليه وأدعى الربوبية.
فأحس بذلك الملك بيورَاسب الذي يسمى الضحاك وهو من ولد جيومرث ويزعم قوم ان جم الشيذ زوج أخته بعض آشراف أهل بيت فولدت له الحكم فانتدب إلى جم بنفسه فهرب منه ثم ظفربه الضحاك فامتلخ أمعاءه ونشره بمنشار.
وقد روينا عن وهب بن منبه قصة تشبه أن تكون قصة جم لولا أن فيها ذكر بخت نصر وبين جم وبخت نصر بون بعيد إلا أن يكون الضحاك سمي بذلك الزمان بخت نصر.
فأخبرنا عبد الخالق بن أحمد بن يوسف أخبرنا علي بن محمد بن اسحاق اليزدي أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الرازي أخبرنا جعفر بن عبد الله الروياني حدثنا أبو بكر محمد بن هارون حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا خلف حدثنا إسماعيل حدثنا عبد الصمد بن معقل قال: إن رجلًا ملك وهو شاب فقال: إني لأجد للمُلْك لذة ولا أدري أكذلك يجد الناس الملك أم أنا أجده من بينهم فقيل: بل الملك كذلك فقال: ما الذي يقيمه لي فقيل له: يقيمه أن تطيع اللّه ولا تعصيه فدعا ناسًا من خيارمن كان في ملكه فقال لهم: كونوا بحضرتي وفي مجلسي فما رأيتم أنه طاعة الله فمروني أن أعمل به وما رأيتم أنه معصية اللهّ فازجروني عنه أنزجر ففعل ذلك هو وهم فاستقام ملكه أربعمائة سنة مطيعًا للّه.
ثم إن إبليس انتبه لذلك فقال: تركت رجلًا يعبد اللّه ملكًا أربعمائة سنة فجاء فدخل عليه وتمثل له برجل ففزع منه الملك فقال: من أنت.
فقال ابليس: لا تُرَعْ ولكن أخبرني من أنت فقال الملك: أنا رجل من بني آدم فقال له إبليس: لوكنت من بني آدم لقد مت كما يموت بنو آدم ألم تَر َكَمْ قد مات من الناس وذهب أمن القرون ولكنك إله فادعُ الناس إلى عبادتك.
فدخل ذلك في قلبه ثم صعد المنبر فخطب الناس فقال: يا أيها الناس إني قد كنت أخفيت عليكم أمرًا بان لي إظهاره لكم أتعلمون أني ملكتكم أربعمائة سنة فلو كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا ولكني إله فاعبدوني فأرعش مكانه فأوحى اللّه تعالى إلى بعض من كان معه فقال: أخبره أني قد استقمت له ما استقام لي فارعوى من طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي فبعزتي حلفتُ لأسلِّطَنَّ عليه بخت نصر فليضربن عنقه وليأخذن ما في خزانته وكان في ذلك الزمان لا يسخط اللّه على أحد إلا سلط عليه بخت نصر فضرب عنقه وأوقر من خزانته سبعين سفينة ذهبًا.
باب: ذكر نوح عليه السلام
وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس.
وقال الزبير بن بكار: نوح بن ملكان بن مثوب بن إدريس وكان بين آدم ونوح ألف سنة وولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم بثمانمائة وست وعشرين سنة فلما بلغ قال له أبوه: قد علمت انه لم يبق في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة فما زال على حاله حتى بعثه اللهّ تعالى بعد أن تكامل له خمسون سنة وقيل: ثلاثمائة وخمسون وقيل: كان ابن أربعمائة وثمانين سنة فبعث وليس في الزمان من يأمر بالمعروف وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا الجوهري أخبرنا أبوعمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن ابن عباس قال: كان للمك يوم ولد نوحًا اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر فبعث الله نوحًا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ودعاهم مائة وعشرون سنة وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة.
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن منده أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم أخبرنا أبو محمد بن حبان حدثنا محمد بن أحمد بن معدان حدثنا أبو عمير حدثنا أبو ضمرة عن سعيد بن حسن قال: كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره.
قال علماء السير: فرض الله على نوح الصلاة والحلال والحرام وأمره الله عز وجل بصنعه السفينة فغرس شجرة فعظمت ثم قطعها وجعل يعمل سفينة فيمرون عليه فيسخرون منه.
قال سلمان الفارسي: أنبت الساج أربعين سنة وعملها في أربعمائة سنة.
قال قتادة: ذكر لنا أن طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون وارتفاعها في السماء ثلاثون.
وقيل: طولها ألف ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنَب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على وروى يوسف بن مِهْران عن ابن عباس قال: أول ما حمل في الفلك من الدواب الذرة وآخر ما حمل الحمار.
قال ابن عباس: كانوا ثمانين رجلًا منهم سام وحام ويافث.
وكنائنه نساء بنيه هؤلاء وثلاثة وسبعون من ولد شيث.
وقال قتادة: كانوا ثمانية: نوح وامرأته وبنوه الثلاثة ونساؤهم.
وقال الأعمش: كانوا سبعة ولم يذكر امرأة نوح.
وقال ابن اسحاق: كانوا عشرة.
قال ابن جريج: حدثت أن حامًا أصاب امرأته في السفينة فدعا عليه نوح فتغير نطفته فجاء بالسودان.
وقال الحسن: كان التنور الذي فار منه الماء حجارة.
واختلفوا أين فار التنور فروى عكرمة عن ابن عباس انه فار بالهند.
وقال الشعبي ومجاهد بالكوفة.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك حدثنا أبو الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عمرو بن أحمد بن شاهين حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبيه عن أنس قال: لما ركب نوح السفينة جاء إبليس فتعلق بالسفينة وقال: من أنت قال: إبليس قال: ما جاء بك قال: جئت لتسأل لي ربك هل لي من توبة قال: فأوحى الله إليه أن توبته أن يأتي قبرآ فيسجد له فقال: أنا لم أسجد له حيّاُ وأسجد له ميتًا فذلك قوله تعالى: " أبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ".
قال علماء السير: فلما استقرنوح بمن معه فتحت أبواب السماء بماء منهمر فغطى السفينة وكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل السفينة أربعون يومًا ثم ارتفع الماء فوق الجبال فهلك كل ما على وجه الأرض من في روح وشجر فلم يبق سوى نوح ومن معه.
ويزعم أهل الكتاب أنه بقي عوج بن عناق أيضًا.
روى أبو صالح عن ابن عباس قال: أرسل اللّه المطر أربعين يومًا وأربعين ليلة فأقبلت الوحش والدواب كلها إلى نوح وسخرت له فحمل له منها من كل زوجين اثنين وحمل جسد آدم فجعله حاجزًا بين النساء والرجال فركبوا فيها لعشر ليال مضيْن من رجب وخرجو منها يوم عاشوراء فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم اسبوعًا ورفع البيت الذىِ بناه آدم رفع من الغرق وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس ثم انتهت بهم إلى الجودي وهو جبل في أرض الموصل فاستقرت عليه و " قيل يا أرض ابلغي ماءك ويا سماء أقلعي ".
فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض فآخر ما بقي من الطوفان في الأرض ماء بحِسْمَى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب.
قال العلماء: أرسل الله الطوفان لمضي ستمائة سنة من عمر نوح ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لَدُن هبوط آدم وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب وأقام نوح في السفينة إلى أن غاض الماء فلما خرج اتخذ بناحية بقردى من أرض الجزيرة موضعًا وابتنى هناك قرية سموها ثمانين لأنه كان فيها لكل انسان معه بيت فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين حدثنا موسى بن عبد الله بن يحيى قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد حدثني محمد بن الهيثم بن عدي حدثني أبو يعقوب بن سابق حدثنا هشيم عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال: كان مجتمع الناس حيث خرجوا من السفينة ببابل فنزلوا سوق ثمانين بالجزيرة فابتنى كل واحد منهم بيتًا وكانوا ثمانين رجلًا فسمي سوق ثمانين ثم ضاقت بهم حتى خرجوا فنزلوا موضع بابل وكان طول بابل اثني عشر فرسخًا في اثني عشر فرسخًا وكان سورها عند النيل وبابهاعند دَاوَرْدان فمكثوا بها حتى كثروا وملكهم يومئذ نمرود بن كنعان بن حام بن نوح فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم ففرقوا على اثنين وسبعين لسانًا وفهم الله العربية عمليق وأمَيم وطسم بن لوط بن سام وعاد وعبيل ابني عوص بن إرم بن سام وثمود وجديس بن جاثم بن إرم بن سام وقنطود بن عابر بن شالخ بن أرفخسد بن سام.
فخرجت عاد وعبيل فنزلت عاد الشَحْر ونزلت عبيل يثرب ونزلت عماليق صنعاء وما حولها ونزلت أميم أبار ومضى بعضهم مع عاد ومضت طسم وجديس فنزلوا اليمامة ونزلت ثمود الحجر وما والاها.
فهلكتَ عاد والعماليق بصنعاء وتحولت العماليق فنزلت مكة ثم مضى بعضهم إلى يثرب ويثرب اسم رجل منهم.
قال ابن شاهين: وحدثني أبي حدثنا محمد بن علي حدثنا القعنبي حدثنا أبو ضمرة عن مالك بن أنس قال: كان الرجل في زمان نوح ينتسب إلى خمسة عشر أبًا كلهم حي.
قال العلماء: عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة على خلاف في عدد السنين وكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا ويقال أكثر وإنما ذلك مقدار لبثه في الإنذار والله أعلم.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ولد نوح سامًا وفي ولده بياض وآدمة وحامًا وفي ولده سواد وبياض قليل ويافث وفيهم الشقرة والحمرة وكنعان وهو الذي غرق والعرب تسميه يامًا.
قال ابن عباس في قوله تعالى: " وجعلنا ذريته هم الباقين " قال: لم يبق إلا ذرية نوح.
وقال قتادة: الناس كلهم من ذرية نوح.
وهو بيوراسب.
لما قهر جمًا الملك ملك مكانه وسار في الناس بجور شديد.
وذكر بعض المؤرخين أن نوحًا بعث في زمان هذا الرجل إليه وإلى أهل مملكته ممن تمرد وعصى وأنهم هلكوا بمخالفته فلذلك ذكرنا خبره ها هنا.
كان الضحاك عظيم المملكة.
ويقال: ان جمًا الملك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته وملكه على اليمن فولدت له الضحاك.
واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان وهو أول الفراعنة وأنه ملك مصر حين قدمها الخليل.
والفرس تنسب الضحاك غير هذا النسب فترفع نسبه إلى جيومرث وقيل: كان كثير الإقامة ببابل.
وعامة المؤرخين ذكروا أنه ملك الأقاليم السبعة كلها وأنه كان ساحرًا فاجرًا.
قال هشام بن محمد: ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون ألف سنة وسار بالجور والقتل وكان أول من سن الصلب والقطع وأول من وضع العُشور وضرب الدراهم وأول من تَغنَّى وغُنَيَ له.
ويقال انه خرج في منكبه سِلْعتان كانتا تضربان عليه حتى يطليهما بدماغ إنسان وكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ويَطْلي سِلْعتيه بدماغيهما فإذا فعل ذلك سكن مايجد.
بَلْ كَانَ كَالضَحَّاكِ في سَطَوَاتِهِ بالعالمين وَأنْتَ أفريدون وأفريدون من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضحاك وسمي ذلك اليوم مهرجانًا وعلا أفريدون سرير الملك.
وكان عرض صدر الملك أفريدون أربعة أرماح.
والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطَهمُورث وأن الضحاك كان غاصبًا غصب أهل الأرض بسحره أوخبثه.
وكان على منكبيه ناتئتان كل واحدة كرأس الثعبان فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام وكانتا تتحركان إذا جاع وزعم أنه نبي.
وقيل: ما زال الناس معه في جهد حتى وثب رجل اسمه كابي من أهل أصبهان كان قد قتل له ابنين فجمع الناس لقتاله فهرب الضحاك وولى مكانه أفريدون فاحتوى على ملك الضحاك.
وملك أفريدون خمسمائة سنة وكان عمر الضحاك ألف سنة وملكه ستمائة سنة وقد زعم بعض نسابي الفرس أن أفريدون هو نوح الذي قهر الضحاك وغلبه وسلبه ملكه.
وقال قوم: أفريدون هو ذو القرنين.
وقال بعضهم: هو سليمان بن داود وقال الفرس: أفريدون من ولد جم الملك وهو التاسع من ولده.
وكان أفريدون قد أمر بالعدل ورد المظالم وهو أول من نظر في النجوم والطب وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء واتخذ الأوز يقال له " كَيْ أفريدون " وهي كلمة معناها التنزيه أي: هو منزه متصل بالروحانية.
وأنه ملك الأرض فقسمها بين أولاد له ثلاثة فوثب اثنان منهم على الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سنة.
ثم بغى منهم طوج بن أفريدون ثم نشأ له أفراسياب بن ترك الذي تنسب إليه الترك من ولد طوج.
ويقال: الضحاك هو نمرود الخليل وأن الخليل ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه.
واللّه أعلم.
ذكر أولاد نوح عليه السلام
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا عبد الوهاب عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن نبي اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " لاسام أبو الترك وحام أبو الحبشْ ويافث أبو الروم ".
وقال سعيد بن المسيب: ولد نوح ثلاثة أولاد: سام وحام ويافث.
فولد سام العرب وفارس والروم وولد حام السودان والبربر والقبط وولد يافث الترك والصقالبة و يأجوج ومأجوج.
وقال وهب بن منبه: سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السود ويافث أبو الترك وأبو ويزعم أهل التوراة أن نوحًا نام فانكشفت عورته ورآها حام فلم يغطها ورآها سامٍ ويافث وألقيا عليها ثوبًا فلما انتبه علم بالحال فدعا على أولاد حام أن يكونوا عبيدًا لإخوته.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: لما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها وهي بين الفرات والصراة وكانت اثني عشر فرسخًا في اثني عشر فرسخًا وكثروا بها حتى صاروا مائة ألف.
ذكر أولاد سام
من أولاد سام: فارس وطسم وعمليق وهو أبو العماليق كلهم وإرم وأرفخشد وأولاد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار الناس والعرب كلها والفراعنة - ومن أولاد إرم: عابر وعوص ومن ولد عابر ثمود وجديس وكانوا عربًا وولد عوص عاد.
وكانت طسم والعماليق وهاشم يتكلمون بالعربية وفارس يتكلمون باللسان الفارسي وكانت العرب تقول لهذه الأمم العرب العاربة لأنه لسانهم الذي جبلوا عليه وتقول لبني إسماعيل العرب المتعربة لأنهم كانوا يتكلمون بلسان هذه الأمم حتى سكنوا بين أظهرهم.
وولد لعابر فالغ ومعناه بالعربية قاسم وإنما سمي بذلك لأنه قسم الأرض بين بني نوح.
وولد لعابر أيضًا أرغوا وولد لأرغوا ساروغ وولد لساروغ ناخور وولد لناخور تارخ أبو ابراهيم وولد لعابر أيضًا قحطان وقحطان أول من ملك اليمن وأول من سُلًم عليه " أبيت اللعن ".
وولد لقحطان يعرب وولد ليعرب شجب سبأ وسبأ هو الذي ينسب القبيلة الذين قال لهم سبأ إليه.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا علي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن عبد اللّه بن مسرة الشيباني عن عبد الرحمن بن وعلة قال: سمعت ابن عباس يقول: ان رجلًا سأل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض.
قال: " بل هورجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعرون وأنمار وحمير.
وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان ".
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا الحسن بن الحكم النخعي أخبرنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللّه ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم قال: " بلى " قال: ثم بدا لي فقلت: يا رسوك اللّه لا بل أهل سبأ هم أعز وأشد قوة فأذن لي في قتال سبأ فلما خرجت من عنده أنزل اللهّ في سبأ ما أنزال فأرسل رسول اللّه إلى منزلي فوجدني قد سرت فردّني فلما أتيته وجدته قاعدًا وحوله أصحابه فقال: " ادع القوم فمن أجابك منهم فاقبل ومن أبى ولا تعجل عليه حتى تحدث إلىِ فقال رجل من قوم: يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة.
قال: " ليست بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فأما ستة فتيامنوا أما أربعة فتشاموا.
فأما الذين تشاموا: فلخم وجذام ومحسمان وعاملة ".
وأما الذين تيامنوا: فالأزد وكندة وحمير والأشعرون وأنهار ومذحج " فقال رجل: يا رسول اللهّ وما أنمار قال: " هم الذين منهم خثعم وبجيلة والفرس والنبط من أولاد سام أيضًا ".
ذكر أولاد يافث من أولاده يونان وولد ليونان نبطي ومن أولاده الروم.
ومن أولاد يافث ملوك العجم كلها من الترك والخزر والفرس.
ذكر أولاد حام منهم كوش وولد لكوش نمرود المتجبر وهو أول ملك ملك بعد الطوفان بثلاثمائة عام.
وعلى عهده قسمت الأرض وتفرق الناس والألسن.
ونمرود الأخير من أولاد نمرود هذا هوالذي ولد في زمن إبراهيم الخليل.
ومن أولاد حام تيرش ومن أولاده الترك والخزر.
ومنهم موعج ومن أولاده يأجوج ومأجوج.
و منهم نوار ومن أولاده الصقالبة والنوبة والحبشة وأهل السواحل والهند والسند.
ذكر الأحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم عليهما السلام فمن الأحداث: اقتسام أولاد نوح الأرض: وقد ذكرنا أن يالغ بن عامر قسم الأرض فنزل بنو سام سرِّة الأرض وهو ما بين ساتيدما إلى البحر وما بين اليمن إلى الشام وجعل الله سبحانه فيهم النبوة والكتاب والجمال والآدمة والبياض ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدّبور وجعل الله فيهم أدمة وبياضًا قليلأ ورفع عنهم الطاعون.
ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا وفيهم الحمرة والشقرة وأخلي الله أرضهم فاشتد بردها وأخلى سماءهم فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية لأنهم صاروا تحتَ بنات نعش والجدْي والفرقدين وابتلوا بالطاعون.
ثم لحقت عاد بالشَحْر فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث.
ولحقت عبل وهوعبل بن عوص بن آدم صنعاء قبل أن تسمى صنعاء ثم انحدر بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبل فنزلوا موضع الجحفة فأقبل سيل فاحتجفهم فذهب بهم فسميت الحجفة.
ولحقت ثمود بالحجر ولحقت طسم وجديس باليمامة ولحقت بنو يقطن بن عامر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها.
ولحق قوم من بني كنعان بالشام فسميت الشام حيث تشاموا وكانت الشام يقال لها أرض كنعان.
وكانت العماليق في بلدان شتى وكان منهم بالمشرق إلى عمان وبالبحرين طائفة وكان بالشام ومصر ومكة والمدينة والحجاز ونجد منهم طائفة.
والطائفة التي كانت منهم بالشام يقال لهم لا الكنعانيون وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها وهم الجبابرة المعروفون.
والطائفة التي كانت بمصر يقال لهم الفراعنة ومنهم فرعون يوسف وكان اسمه الريّان بن الوليد وفرعون موسى وكان اسمه وائل بن مصعب.
وكان بمكة أيضًا طائفة منهم وكان سيدهم بكر بن معاوية وهو الذي نزل عليه وفد عاد حين ذهبوا يستسقون لعاد وكان معاوية هذا نازلًا بظاهر مكة خارجًا من الحرم وكان يتخذ منهم ناس يقال لهم: بديل وراجل.
فكان بالمدينة منهم بنوحف وسعد بن هزان وبنو مطر وبنو الأرزن وكان ملك الحجاز منهم الملك الذي يدعى الأرقم وكان منزله تيماء وكانت منازلهم المدينة إلى تيماء وإلى فدك.
ومن الأحداث التي كانت بعد نوح عبادة الأصنام: روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت وصارت تلك الأوثان في العرب بعد.
أما ود فكان لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكان لهذيل وأما يغوث فكان لمراد بني غطيف بالجرف وأما يعوق فكان لهمدان وأما نسر فكان لحميرلآل في الكلاع.
ومن الأحداث بين نوح وابراهيم طغيان جنين من أولاد إرم: وهما: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهي عاد الأولى وثمود بن جاثر ابن إرم وهم كانوا العرب العاربة.
ذكر قصة قوم عاد
وكفرانهم لما تجبروا وعتوا وعبدوا الأوثان أرسل اللهّ تعالى إليهم هود بن عبد اللهّ بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ومن النسابين من يقول: الخلود بضم الخاء واللام كذلك رأيته بخط المنادي قال: ويقال بالجيم المكسورة واللام المفتوحة.
ومنهم من يقول هود هو: عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
فدعاهم إلى التوحيد وترك الظلم فكذبوه وقالوا: من أشدُ منا قوَّة فلم يؤمن منهم بهود إلا القليل فبالغ في وعظهم فزاعوا في طغيانهم إلى أن قالوا: { سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين} فحبس اللّه عز وجل عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدوا فبعثوا إلى مكة وفدًا حتى يستسقي لهم منهم: قيل ولقيم وجلهم ومرثدبن سعد وكان يكتم إيمانه ولقمان بن عاد فنزلوا على بكربن معاوية فجعل يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان شهرًا ثم بعثوا آخر فدعا فقال: اللهم إني لم أجئك لأسير فأفاديه ولا لمريض فأشفيه فاسق عادًا ما كنت مسقيه.
فرفعت له سحابة فنودي منها: اختر فجعل يقول: إذهبي إلى بني فلان واذهبي إلى بني فلان.
فمرت سحابة سوداء فقال: إذهبي إلى بني فلان واذهبي إلى بني فلان.
فمرت سحابة سوداء فقال: إذهبي إلى عاد فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا لا تدع من عاد أحدًا.
قال: وكتمهم والقوم عند بكر بن ساوية يشربون.
وفي رواية: أن بكر بن معاوية لما رأى طول مقامهم عنده قال: هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء ضيفي وما أدري ما أصنع واستحى أن يأمرهم بالخروج فشكى ذلك إلى قينتيه الجرادتين فقالتا له: قل شعرًا نغنيهم به.
قال:: فَيسقِي أرْضَ عادًٍا إِنَ عادًا قَد امسوا لا يُبِينُونَ الكَلاما من العطش الشَّديد فليس نرجو به الشيخَ الكبيرَولا الغلاما وَقَد كانتْ نساؤُهُمُ بخيِرِ فقدأمستْ نِساؤُهُمُ عَيَامَا وإنَّ الوحشَ تأتيهمْ جهارًا ولاتخشَى لعادي سِهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نَهارَكمُ وليلَكُمُ التماما فقبَح وفدكُمْ من وَفْد قوم ولا لُقوا التحية والسلاما فلما سمعوا هذا قالوا: ويلكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد: إنكم واللّه لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم سقيتم.
فقال جلهم: احبسوا هذا عنا ولا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود.
ثم خرجوا يستسقون فنشأت سحابة وقيل له: اختر فاختار سحابة سوداء فساقها الله تعالى إلى عاد حتى خرج عليهم من واد لهم يقال له مغيث فلما رأوها استبشروا بها فقالوا: {هذا عارض ممطرنا}.
فكان أول من رأى ما فيها امرأة منهم فصاحت وصعقت فقيل لها: ما رأيت قالت: ريحًا فيها كشهب النار أمامها رجالٌ يقودونها فسخرها الله عليهم {سَبْعَ ليال وثمانيةَ أيام حُسُومًا}.
فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه منها إلا ماتلين الجلود وتلتذّ عليه النفوس فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت فمن لم يكن في بيته هبت الريح حتى تقطعه بالجبال وكانت ترفع الظعينة ما بين السماء والأرض وترميهم بالحجارة.
فوصل الخبر إلى الوفد وكانوا قد قيل لهم: قد أعطيتم مناكم لدعائكم فاختاروا.
فقال مرثد: يا رب أعطني برًا وصدقًا فأعطىِ ذلك.
وقيل لقيل: ما تريد فقال: أن يصيبني ما أصاب قومي.
وقال لقمان بن عاد: أعطني عمر سبعة أنسر فعمر عمر سبعة أنسر يأخذ الفرخ حين يخرج من البيضة فيأخذ الذكر لقَوِّته حتى إذا مات أخذ غيره فلما لم يبق غير واحد قال له ابن أخيه: يا عم ما بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر فقال لقمان: هذا لُبد - ولبد بلسانهم الدهر فلما انقضى عمر النسر طارت النسور ولم ينهض فمات لقمان.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:41 pm | |
|
ذكر قصة عجيبة للقمان بن عاد
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت: أخبرنا أبو محمد بن السراج أخبرنا القاضي أبوعبد اللّه بن محمد بن سلامة القضاعي أخبرنا أبومسلم الكاتب أخبرنا ابن دريد حدثنا العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم عن مجاهد عن الشعبي قال: كان لقمان بن عاد عاديًا الذي عمّر عمر سبعة أنسر مبتلى بالنساء فكان يتزوج المرأة فتخونه حتى تزوج جارية صغيرة لم تعرف الرجال ثم نقر لها بيتًا في صفح جبل وجعل له درجه بسلاسل ينزل بها ويصعد فإذا خرج رفعت السلاسل حتى عرض لها فتى من العماليق فوقعت في نفسه فأتى بني أبيه فقال: واللهّ لأجتنين عليكم حربًا لا تقومون بها قالوا: وما ذاك قال: امرأة لقمان بن عاد هي أحب الناس إلي.
قالوا: فكيف نحتال لها قال: اجمعوا سيوفكم ثم اجعلوني فيها وشدوها حزمة عظيمه ثم ائتوا لقمان فقولوا: إنا أردنا أن نسافر ونحن نستودع سيوفنا حتى نرجع وسمّوا له يومًا ففعلوا وأقبلوا بالسيوف فدفعوها إلى لقمان فوضعها في بيته وخرج لقمان وتحرك الرجل فحلت الجارية عنه وكان يأتيها فإذا أحست بلقمان جعلته بين السيوف وحتى انقضت الأيام ثم جاءوا إلى لقمان فاسترجعوا سيوفهم فرفع لقمان رأسه بعد ذلك فإذا بنخامة يبوس في سقف البيت فقال لامرأته: من نخم هذه.
قالت: أنا قال: فتنخمي ففعلت فلم تصنع شيئًا فقال: يا ويلتاه السيرف دهتني ثم رمى بها من ذروة الجبل فتقطعت قطعًا وانحدر مغضبًا فإذا ابنة له يقال لها صحر فقالت له: يا أبتاه ما شأنك قال: فأنت أيضًا من النساء فضرب رأسها بصخرة فقتلها فقالت العرب: ما أذنبت إلا ذنب صحر.
فصار مثلًا.
قال العلماء بالسير: كان عمر هود مائة وخمسين سنة.
وقد ذكرنا قصة عاد في تفسير القران
ذكر قصة ثمود
وكانوا قد عتوا وكفروا بالله وأفسدوا في الأرض وكانوا قد مدت أعمارهم وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القرى من الحجاز والشام فكان أحدهم يبني المساكن من المدر فتنهدم والرجل منهم حيً فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتًا فنحتوها وجابوها وجوفوها.
فبعث اللّه تعالى إليهم بعد هلاك قوم عاد صالح بن عبيد بن جاذربن جابربن ثمود ويقال: ابن جاثر بالثاء فدعاهم إلى التوحيد فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانًا فقالوا: ائتنا بآية فقال اخرجوا إلى هضبة من الأرض فخرجوا فإذ هي تمخض تمخّض الحامل ثم انفرجت فخرجت من وسطها ناقة فقال: {هذه ناقة الله فذروها تأكل في أرض الله}.
وكانت تشرب ماء يومًا ويشربون يومًا ويحتلبونها في يوم شربها عوض ما شربت.
وكان صالح لا يبيت عندهم بل في مسجد له فهموا بقتله فكمنوا له تحت صخرة يرصدونه فرضختهم الصخرة فأصبح الناس يقولون قتلهم صالح فاجتمعوا على عقر الناقة فذهبوا إليها وهي على حوضها قائمة فضرب أحدهم واسمه قدار بن سالم عرقوبها فوقعت تركض فجاء الخبر إلى صالح فأقبل فأخذوا يعتذرون إليه ويقولون: إنما عقرها فلان.
فقال: انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى يرفع عنكم العذاب فخرجوا وقد صعد إلى رأس الجبل فلم يقدروا عليه فرغا ثلاثًا فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة أواليوم الثاني محمرة واليوم الثالث مسودة فأصبحوا كأنما طليت وجوههم بالخَلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم.
فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب.
فلما أصبحوا إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب فلما أمسوا صاحوا: ألا قد مضى يومان فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار فتحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع ثم ألقوا نفوسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم وهلكوا.
وكان منهم رجل بالحرم يقال له أبو رغال منعه الحرم من العذاب.
وذكر أن صالحًا أقام في قومه عشرين سنة وتوفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
وقيل: بل عاثس مائتي سنة وسبعين ثم بعث الله تعالى بعده إبراهيم الخليل.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا محمد بن علي بن الفتح أخبرنا علي بن الحسين بن سكينة حدثنا محمد بن أبي القاسم بن مهدي حدثنا علي بن أحمد بن أبي قيس حدثنا عبد الله بن محمد القرشي حدثنا علي بن الجعد حدثنا معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: كان رجل في قوم صالح قد أذاهم فقالوا: يا بني الله ادع الله عليه فقال: اذهبوا فقد كفيتموه.
وكان يخرج كل يوم فيحتطب فخرج يومئذٍ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخرة فاحتطب ثم جاء بحطبه سالمًا فجاؤا إلى صالح فقالوا: لقد جاء بحطبة سالمًا لم يصبه شيء فدعاه صالح فقال: أي شيء صنعت اليوم قال: خرجت ومعي قرصتان فتصدفَ بإحديهما وأكلت الأخرى فقال له صالح: حل حطبك فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جزل من الحطب فقال له صالح: فهذا دفع عنك.
يعني بصدقتك عن الرغيف.
وكان بين نوح وإبراهيم دانيال الأكبر فأما دانيال الأصغر فكان في زمان بخت نصر.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن عبد الله المعدل أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد بن أحمد ابن البراء قال: أخبرنا الفضل بن غانم قال: حدثنا الهيثم بن عمي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أوحى الله عز وجل إلى دانيال الأكبرأن يجري لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تعطيك قال: فأخذ قناة أو قصبة فجعل يخد في الأرض ويتبعه الماء وإذا مر بأرض شيخ كبيرأو يتيم ناشده الله فيحيد عن أرضه فعواقيل دجلة والفرات من ذلك.
وقد ذكرنا مثل هذا الحديث في أول الكتاب.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال: أخبرنا عبد للة بن عمر بن شاهين قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن زيد قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الحوفي قال: كان أنف دانيال ذراعًا.
باب ذكر إبراهيم الخليل عليه السلام
هو: إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح.
قال الزبير بن بكار: ويقولون إبراهيم بن آزر بن الناحور بن الشارغ بن القاسم الذي قسم الأرض بين أهلها ابن يعبر بن السالح بن سنحاريب.
واسم أمه نونا بنت كرنبا بن كوثا من بني أرفخشد بن سام.
وكرنبا هو الذي كرى نهر كوثا.
وكان بين الطوفان وإبراهيم ألف سنة وتسع وتسعون سنة.
وقيل: ألف ومائتا سنة وثلاث وستون وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وثلاثين سنة.
وقد روى أبو أمامة أن رجلًا سأل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فقال: كم بين نوح وإبراهيم فقال: عشرة قرون.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي حدثنا سفيان بن سعد عن أبيه عن عكرمة قال: كان إبراهيم الخليل يكنى أبا الأضياف.
واختلفوا في المكان الذي ولد فيه فقال بعضهم: ولد في بابل من أرض السواد وقال بعضهم: بالسواد بناحية كوثى وقال بعضهم: ولد بالسوس من أرض الأهواز.
وقيل: كان بناحية كسكر ثم نقله أبوه إلى ناحية كوثى وهي المكان الذي كان به نمرود.
وقيل: كان مولده بحران ولكن أباه نقله إلى أرض بابل.
وعامة العلماء على أن الخليل ولد في عهد نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن نمرود بن كوش بن حام.
وكان نمرود هذا قد ملك الشرق والغرب.
وبعض المؤرخين يقول: نمرود هذا هو الضحاك قال السدي عن أشياخه: أول ملك ملك الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان.
وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أ أربعة: نمرود وسليمان بن داود وذو القرنين وبخت نصر.
قال العلماء بالسير: لم يكن بين نوح وإبراهيم نبيّ إلا هود وصالح فلما أراد الله تعالى إظهار إبراهيم قال المنجمون لنمرود: إنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم يفارق دينكم ويكسرأوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا فلما دخلت السنة المذكورة بعث نمرود إلى كل امرأة حاملة بقريته فحبسها عنده ولم يعلم بحمل أم إبراهيم فجعل لا يولد غلام في ذلك الشهر إلا ذبحه.
فلما وجدت أم إبراهيم الطَّلْق خرجت ليلًا إلى مغارة ثم ولدت إبراهيم فيها وأصلحت من شأنه ثم سدت عليه المغارة ثم رجعت إلى بيتها وكانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل فتجده يمص إبهامه قد جعل الله رزقه في ذلك وكان آزر قد سألها عن حملها فقالتَ: ولدت غلامًا فمات فسكت عنها.
فكان إبراهيم يشب في شهر شباب سنة.
فلما تكلم قال لأمه: أخرجيني أنظر فنظر وقال: إن الذي رزقني وأطعمني ما لي رب غيره ثم رأى كوكبًا ثم رأى الشمس فقال ما قصه الله تعالى علينا.
ثم ذهبت به أمه إلى أبيه فأخبرته ما صنعت به فسر بسلامته.
وكان آرز يصنع الأصنام ويقول لإبراهيم: بعها فيقول ابراهيم: من يشتري ما يضره ولا ينفعه.
فشاع بين الناس استهزاؤه بالأصنام ثم أراد أن يباديَ إبراهيم قومه بالمخالفة فخرجوا إلى عيد لهم فقال: " إنِّي سَقِيمٌ " فلما ذهبوا قال: {لأكيدَنَّ أصْنَامُكُمْ}.
فسمعها بعضهم ثم دخل إبراهيتم إلى بيت الالهة وقد جعلوا بين يديها طعامًا فقال: ألا تأكلون.
فلما لم يجبه أحد قال: ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربًا باليمين ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبرثمٍ خرج.
فلما رجع القوم قالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} ثم ذكروا فقالوا: {سَمِعْنَا فَتى يَذْكُرُهُم} أي: يسبهم فجاءوا به إلى ملكهم نمرود فقال: {أأنتَ فَعَلْتَ هَذَا يَا إبْرَاهِيمُ}.
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن فقالوا: ما نراه الا كما قال فقال له نمرود: فما إلهك الذي تعبد قال: ربي الذي يحيي ويميت قال نمرود: أنا أحيي وأميت آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفوعن الآخر فأكون قد أحييته فقال له إبراهيم: {فَإن الله يأتي بِالشمْس مِنَ المَشْرِقِ فَأتِ بِهَا مِنَ المغْرِبِ فبهت} عند ذلك نمرود وحبسه سبع سنين.
أخبرناَ محمد بن أبي القاسم أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد حدثنا عبد الله بن سيبويه حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا بهز حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: جُوًع لإبراهيم عليه السلام أسدان ثم أرسلا عليه فجعلا يلحسانه ويسجدان له.
قال علمأء السير: ثم أجمع نمرود وقومه على تحريقه فقالوا: أحرقوه.
ذكر قصة إلقائه في النار قال شعيب بن الجبائي: ان الذي قال حَرِّقُوهُ خسف به الأرض فهويتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وألقي إبراهيم في الناروهو ابن ست عشرة سنة.
قال علماء السير: أمر نمرود بجمع الحطب فجمعوا حتى ان كانت المرأة لتنذر في بعض ما تطلب مما تحب إن قالت كذا لتحتطبن على نار إبراهيم احتسابًا في دينها فلما أوقدوا النار أجمعوا على قذفه فيها قالت الخلائق: أي ربنا! إبراهيم ليس في أرضك أحد يعبدك غيره يحرق بالنار فيك! فَاذَنْ لنا في نصرته.
قال: فإن استغاث بشيء منكمِ فأغيثوه وإن لم يدع غيري فأنا وليه فلما ألقي قي النار قال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وسلاماَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.
وجاء جَبْرئيل وابراهيم موثق قال: ألك حاجة.
قال: أمَّا إليك فلا.
قال كعب: ما أحرقت النار إلا وثاقه.
قال عبد اللّه بن عمرو: أول كلمة قالها إبراهيم حين قال السدي عن أشياخه: رفع إبراهيم رأسه إلى السماء وقال: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحدأ يعبدك غيري حسبي اللّه ونعم الوكيل فقذفوه في النار فقال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وسَلاَمًا عَلَى إِبرَاهيم}.
قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلامًا لمات ابراهيم من بردها ولم تبق نار يومئذ في الأرض إلا طَفِئَتْ ظنت أنها هي التي تُعنى.
فلما طفئت النار نظروا إلى ابراهيم فإذا هو ورجل آخر معه فإذا رأس ابراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق وذكروا أن ذلك الرجل هو ملك الظل فأخرجوا إبراهيم وأدخلوه على الملك.
وقال ابن إسحاق: بعث الله ملك الظل فقعد مع إبراهيم يؤنسه فمكث نمرود أيامًا لا يشك أن النار قد أكلت ابراهيم ثم ركب فنظر فإذا إبراهيم وإلى جنبه رجل جالس فناداه نمرود: يا إبراهيم كبير إلهك الذي بلغتَ قدرته أن حال بين ما أرى وبينك هل تستطيع أن تخرج منها فقام إبراهيم يمشي حتى خرج فقال له: يا إبراهيم من الرجل الذي رأيت معك.
قال: ملك الظل أرسله ربي ليؤنسني.
فقال: إني مقرب إلى إلهك قربانًا لما رأيت من قدرته فقال: إنه لا يقبل منك ما كنت على دينك فقال: لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبحها له فذبح أربعة آلاف بقرة وكفً عن ابراهيم.
واستجاب لإبراهيم رجال من قومه لما رأوا من تلك الآية على خوف من نمرود فأمن له لوط وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران بن تارخ وهاران أخو ابراهيم وهو الذي بنى مدينة حرّان وإليه تنسب.
وآمنت به سارة وهي ابنة عمه فتزوجها.
قال السدي عن أشياخه: لما انطلق إبراهيم ولوط إلى الشام لقي إبراهيم سارة وهي بنت ملك حَران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها.
ومن الأحداث في زمن الخليل عليه السلام أنه دعا أباه آزر إلى الإيمان فقال: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا فأبى أبوه أن يطيعه فأعرض عنه إبزاهيم وقد كان ابراهيم يجاهده.
وقال أبو الحسن بن البراء: كان لإبراهيم ثلاثمائة يقاتلون بالعصي.
ولم يحارب من الأنبياء إلا هو وموسى وداود ومحمد عليهم السلام.
ومن الأحداث هجرة الخليل عليه السلام وذلك أن إبراهيم ومن معه من أصحابه المؤمنين أجمعوا على فراق قومهم فخرج إبراهيم مهاجرًا إلى ربه عز وجل وخرج معه لوط مهاجرًا وسارة زوجته.
وقد ذكرنا أنه تزوجها في طريق هجرته بحران وخرج بها من حَران حتى قدم مصر وبها فرعون من الفراعنة الأول.
وكانت سارة أحسن الناس فلما وصف لفرعون حسنها بعث يطلبها.
أخبرنا هبة اللّه بن الحصين أخبرنا الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا علي بن حفص عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس.
قال: فأرسل إليه: من هذه معك قال: أختي قال: أرسل بها قال: فأرسل بها إليه وقال: لا تكذبي قولي فإني قد أخبرت أنك أختي أن ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك قال: فلما دخلت إليه قام إليها.
قال: فأقبلت تصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنتَ بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلَطْ عليَ الكافر.
قال: فَغُطَّ حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد: قال أبو سلمة عن أبي هريرة: أنها قالت: اللهم إن يمت قيل هي قتلته.
قال.
فأرسل ثم قام إليها فقامت تصلي وتقول: الهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر.
قال: فَغُط حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد: قال أبو سلمة عن أبي هريرة: قالت: اللهم إن يمت قيل هي قتلته فأرسل.
قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إلا شيطانًا أرجعوها إلى ابراهيم وأعطوها هاجر.
قال: فرجعت إلى إبرإهيم فقالت لإبراهيم: أشعرت ان اللّه عز وجل رد كيد الكافر وأحذم وليدةً.
قال ابن إسحاق: وكانت هاجر جارية ذات هيئة فوهبتها سارة لإبراهيم وقالت: إني أراها امرأة وضيئة فخذها لعل اللّه يرزقك منها ولدًا وكانت سارة قد منعت الولد فوقع عليها فولدت له إسماعيل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها فإن لهم ذمة ورحمًا".
قال الزهري.
الرحم أن أم إسماعيل كانت منهم.
ثم ان إبراهيم خرج من مصر إلى الشام فنزل السبْع من أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة أوأقرب.
فبعثه الله نبيًا.
وأقام إبراهيم بذلك المقام فاحتفر به بئراَ فكانت غنمه تردها واتخذ به مسجدًا ثم ان أهلها آذوه فخرج حتى نزل بناحية فلسطين فنضب ماء تلك البئر التي احتفرها فندم أهل ذلك المكان على ما صنعوا وقالوا: أخرجنا من بين أظهرنا رجلًا صالحًا ولحقوه فسألوه أن يرجع قال: ما أنا براجع إلى بلد أخرجت منه قالوا: فإن الماء الذي كنت تشرب منه ونحن معك قد نضب فأعطاهم سبع أعنز من غنمه وقال: أوردوها الماء تظهر ولا تغرفن منها حائض.
فخرجوا بالأعنز فلما وقفت على البئر ظهر إليها الماء.
وكان اللّه تعالى قد أوسع على ابراهيم وبسط له في الرزق والخدم وكان يضيف كل من نزل به وهو أول من أضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب.
وروى عيسى بن يونس عن سعد بن ابراهيم عن أبيه قال: أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام.
هاجر ولدت إسماعيل ومن الحوادث أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم ليتسرى بها ولدت إسماعيل وهو أكبر ولد ابراهيم فغارت سارة فأخرجتها وحلفت لتقطعن منها بضعة فخفضتها ثم قالت: لا تساكنيني في بلد.
فأوحى اللهّ تعالى إلى إبراهيم أن يأتي مكة فذهب بها وبابنها إلى مكة.
وزعم السدي عن أشياخه: أن سارة حملت بعد هاجر وأنهما ولدتا وكبر الولدان فاقتتلا.
وليس هذا بصحيح لأن إسماعيل إنما خرج وهو مرضع.
ومن الحوادث وروى ابن إسحاق عن أشياخه: أن إبراهيم خرج ومعه جبرئيل فكان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبرئيل فيقول جبرئيل: امضه حتى قدم به مكة وهي ذات عِضاء وسلَمَ وسَمُرة وبها أناس مايقال لهم العماليق خارج مكة وحولها والبيت يومئذ ربوة حمراء فقال لجبرئيل: أها هنا أمرت أن أضعهما قال: نعم فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشًا ثم انصرف إلى الشام فتركهما ".
أخبرنا عبد الأول أخبرنا ابن طلحة الداروردي أخبرنا ابن أعين السرخسي حدثنا أبو عبد اللهّ الفربري حدثنا البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب.
ابن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المِنْطَقَ من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها ابراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا ثم رجعت فانطلق ابراهيم حتى إذا كان عند الثنية حتى لا يروه استقبل بوجهه البيت دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع " حتى بلغ " يشكرون}.
وجعلت أم إسماعيل ترضع ابنها وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في ماء السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف دِرْعِها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة وقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فلذلك سعى الناس بينهما ".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًَا فقالت: صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضًا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غِواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تُحَوضُهُ وتقوك بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائهما وهو يفور بعدما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا ".
قال: فشربت وأرضعت ولدها فقّال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيتًا للّه يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن اللهّ لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية وتأتيه السيول فيأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا ان هذا الطائر ليدورعلى ماء لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء.
فأرسلوا جَريًا أو جريين فإذا هم بالماء فقال: أتأذنين لنا أن ننزل عندك.
فقالت: نعم ولكن لاحق لكم في الماء.
قالوا: نعم.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحبُ الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهاليهم فجاءوا فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهلُ أبيات منهم وشب الغلام وتعلَم العربية منهم وأنسهم وأعجبهم حين شبّ فلما أدرك زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه.
فقال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيرعتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا فقال: هل جاءكم من أحد قالت: نعم جاءنا شيخ من صفته كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال: فهل أوصاك بشيء.
قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غيِّر عتبة بابك.
قال: ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى.
فلبث عنه إبراهيم ما شاء اللهّ ثم أتاهم فلم يجلى فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم.
وسألها عن عيشهم وهيئتهم.
فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على اللهّ فقال: ما طعامكم قالت: اللحم قال: فما شرابكم قالت: الماء قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لاولم يكن لهم يومئذ الحَبُ ولوكان لدعا لهم فيه بالبركة ".
قال: فهما لا يخلوا عليهما أحد بغير ملة إلا يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا يخير قال: أفأوصاك بشيء قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك فقال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلًا تحت دوحة قريبًا من زمزم فلما رآه قام إليه وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل إن الله قد أمرني بأمر قال: فاصنع ما أمرك ربك قال: أوتعينني قال: وأعينك قال: فإن اللهّ أمرني أن أبني ها هنا بيتًا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيتَ فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه وقام عليه يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: " ربنا تقبل منا أنت السميع العليم ".
انفرد بإخراجه البخاري.
وقد روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذا الحديث: أن زوجة إسماعيل الثانية قالت لإبراهيم لما قدم: انزل رحمك الله حتى أغسل رأسك فقد شعث فلم ينزل به فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فغسلت شقه الأيسر.
فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له: قد استقامت عتبة بابك.
ومن الحوادث قد ذكرنا أن ابراهيم عليه السلام قدم مكة بهاجر وإسماعيل فوضعهما هنالك ثم قدم لزيارة ابنه ثلاث مرات فلقيه في الثالثة وقال له: إن اللّه قد أمرني أن أبني بيتًا ها هنا.
وقد روى خالد بن عرعرة عن علي عليه السلام قال: أوحى اللّه تعالى إلى ابراهيم أن ابن لي بيتًا في الأرض فضاق إبراهيم بذلك ذرعًا فأرسل عز وجل السكينة وهي ريح خَجُوج ولها رأسان فانتهت به إلى مكة فتطوَّقت على موضع البيت كتطوّي الجحفة وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم وبقى حجر فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا فأتاه فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه فقال: يا أبت من أتاك بهذا الحجر قال: أتاني به من لم يتكل على بنائك جاء به جبرئيل من السماء.
وروى حارثة بن مضرّب عن علي رضي الله عنه قال: لما قدم إبراهيم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلًمه فقال: يا إبراهيم ابن على ظلّي ولاتزد ولاتنقص.
حدثنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا موسى بن محمد بن ابراهيم عن أبي بكر بن أبي الجهم عن أبي بكر سليمان بن أبي خيثمة عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت وهو يومئذ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين سنة فبناه معه.
فإن قيل: هل بني البيت قبل إبراهيم قلنا: ذكرنا في قصة آدم أن الله عز وجل أنزل ياقوتة فجعلها مكان البيت وأمرآدم بالطواف حولها.
وفي رواية: أن آدم بناه ثم بناه بعده بنوه إلأ أن الغرق عفى أثره وبقي مكانه أكمة إلى أن بناه الخليل.
فأما حدود الحرم: فأول من وضعها الخليل عليه السلام وكان جبرئيل يأمر به ثم لم يتحرك حتى كان قصيّ بن كلاب فجددها فقلعتها قريش في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه جبريل فقال: إنهم سيعيدونها فرأى رجال منهم في المنام قائلًا يقول: حرم أعزكم الله به نزعتم أنصابه الآن يتخطفكم العرب فأعادوها فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أعادوها فقال: فأصابوا.
قال: ما وضعوا منها نصبًا إلا بيد الملك.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفتح تميم بن راشد فجددها ثم جددها عمر بن الخطاب ثم جددها معاوية ثم عبد الملك بن مروان.
فإن قال قائل: ما السبب في بعد بعض الحدود وقرب بعضها ففيه ثلاثة أجوبة: أحدها: انه لما أهبط الله عز وجل على آدم بيتًا من ياقوت أضاء ما بين المشرق والمغرب ففرت الجن والشيطان وأقبلوا ينظرون فجاءت ملائكة تردهم فوقفوا مكان حدود الحرم.
رواه سعيد بن جبيرعن ابن عباس.
والثاني: انه كان في ذلك البيت قناديل فيها نور فانتهى ضوء ذلك النور إلى مواضع الحرم.
قاله وهب بن منبه.
والثالث: انه لما وضع الخليل الركن أضاء فالحرم إلى موضع انتهاء نوره.
ومن الأحداث: أنه لما فرغ إبراهيم من بناء البيت أمره اللّه عز وجل أن يؤذن في الناس بالحج قال ابن عباس: لما بني البيت أوحى الله تعالى إليه: أن " أذن فِي الناس بالحج ".
فقال: يا رب وما يبلغ صوتي قال: أذِّن وعلّي البلاع.
فقام على الحجر فنادى: أيها الناس إنّ ربكم قد اتخذ بيتًا وأمركم أن تحجوه فسمعه من بين السماء والأرض وأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك فاستجاب له ما سمعه من حجرأو شجرأوأكمة أوتراب أو شيء: لبيك اللهم لبيك.
لبيك لبيك ثم إلى الشام فأجيب لبيك لبيك.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيويه أخبرنا محمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد عن أبيه قال: خرج إبراهيم إلى مكة ثلاث مرات دعا الناس إلى الحج في آخرهن فأجابه كل شيء سمعه فأول من أجابه جرهم قبل العماليق ثم أسلموا ورجع إبراهيم إلى بلد الشام فمات به وهو ابن مائتي سنة.
ومن الحوادث أنه ابتدأ بفعل الحج بعد فراغه من البيت فروى ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتى جبرئيل إبراهيم يوم التروية فراح به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والمغرت والعشاء الآخرة والفجر بمنى ثم غدى به إلى عرفات فأنزله حيث ينزل الناس فصلى به الصلاتين جميعًا: الظهر والعصر ثم وقف به حتى إذا كان كأعجل ما يصلّي أحدٌ من الناس المغرب أفاض حتى أتى جمعًا فصلى به الصلاتين جميعًا: المغرب والعشاء ثم أفاض حتى إذا كان كأبطأ مأ يصلي أحد من المسلمين الفجر أفاض به من منى فرمى الجمرة ثم ذبح وحلق ثم أفاض إلى البيت ثم أوحى إلى محمد: {أنِ اتَّبعْ ملَةَ إِبْرَاهِيم}.
ومن الحوادث أن اللّه عز وجل أنزل على الخليل عشر صحائف أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن المهتدي أخبرنا الحسن بن أحمد بن علي الغساني حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم كتاب أنزله الله.
قال: مائة كتاب وأربعة كتب أنزل على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قال: قلت: يا رسول اللّه فما كان في صحف إبراهيم قال: كانت أمثالًا كلها: أيها الملك المسلّط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلومِ فإني لا أردُّها وإن كانت من كافر.
وكان فيها أمثال: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباَ على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساع يفكِّر فيها في صنع الله وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب.
وعلى العاقل أن لا يكون طاغيًا إلا في ثلاث: تزوّدٌ لمعاد ومرمّة لمعاش ولذة في غير محرم وعلى العاقل أن يكوت بصيرًا بزمانه مقبلًا على شأنه حافظًا للسانه.
ومن حسب كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه وسلام على من أكرم الضيف ومن أهانه فهو في الدرك الأسفل من النار.
قال أبوذر: فلهذا كان إبراهيم لا يأكل إلا مع الضيف.
من الحوادث اتخاذ اللّه عز وجل إبراهيم خليلًا اختلف العلماء في سبب ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: لإطعامه الطعام فكان لا يأكل إلا مع ضيف لسعة كرمه.
وفي حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلًا قال: لإطعامه الطعام يا محمد ".
والثاني: أن الناس أصابتهم سنة فأقبلوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت له ميرة من صديق له بمصرمن كل سنة فبعث غلمانه بالإبل إلى صديقه فلم يعطهم شيئًا فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بشيء فملأوا الغرائر رملًا ثم أتوا إبراهيم فأعلموه فاغتم إبراهيم لأجل الخلق فنام وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان ففتحت الغرائر فإذا دقيق حواري فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ إبراهيم فقال: من أين هذا الطعام فقالت: من عند خليلك المصري قال: بل من عند خليلي الله.
فيومئذ اتخذه الله خليلًا.
رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنه اتخذه خليلًا لكسره الأصنام وجداله قومه.
قاله مقاتل.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز أخبرنا محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام بن محمد عن ابيه عن ابن عباس قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلًا ونبيًا كان له يومئذ ثلاثمائة عبد أعتقهم وأسلموا وكانوا يقاتلون معه بالعصي.
أخبرنا أبو منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري عن الدارقطني حدثنا عمربن الحسن بن علي حدثنا عبد اللهّ بن محمد بن عبد قال: حدثني محمد بن يحيى حدثنا يمان بن سعيد حدثنا خالد بن يزيد المقري حدثنا أبو روق عن الضحاك بين مزاحم عن ابن عباس قال: أول من عمل القسي العربية ابراهيم عليه السلام عمل لإسماعيل قوسًا ولإسحاق قوسًا وكانوا يرمون بها وعلمهما الرمي.
وأول من اتخذ القسيّ الفارسية نمرود.
سؤاله ربه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى واختلف العلماء في سؤاله ذلك على أربعة أقوال: أحدها: أنه رأى ميتة تمزقها الهوام والسباع فسأل ذلك.
قال ابن عباس: مر إبراهيم برجل ميت على ساحل البحر فرأى دواب البحر وسباع الأرض تأكل منه وقال قتادة: مر على دابة ميتة.
وقال ابن جريج: مر على جيفة حمار.
وقال ابن يزيد: مر على حوت ميتة.
والثانى: انه لما بشر بأن اللّه تعالى قد اتخذه خليلًا سأل ذلك ليعلم بإجابته صحة البشارة.
رواه السدي عن أشياخه.
والثالث: أنَّه أحبَّ أن يزيل عوارض الوساوس.
وهو مذهب عطا بن أبي رباح.
والرابع: أنه لما قال: ربي الذي يحيي ويميت أحب أن يرى ما أخبر به عن ربه.
ذكره ابن إسحاق.
وزعم مقاتل بن سليمان أن هذه القصة جرت لإبراهيم بالشام قبل أن يكون له ولد وقيل نزول الصحف عليه وهو ابن خمس وسبعين سنة.
ومن الحوادث أن اللّه تعالى أمر بكلمات فأتمهن أحدها: أنه ابتلاه بالإسلام فأتمه.
رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأَس وخمس في الجسد في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس.
وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
رواه طاووس عن ابن عباس.
والثالث: أنها ست في الإنسان: حلق العانة والختان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب والغسل يوم الجمعة.
وأربع في المشاعر: الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة.
رواه حَنَش عن ابن عباس.
والرابع: أنها مناسك الحج خاصة.
رواه قتادة عن ابن عباس.
والخامس: أنها قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلناس إِمَامًا} وآيات النسك.
قاله أبو صالح.
والسادس: انه ابتلاه بالكواكب والقمر وبالشمس وبالنار وبالهجرة وبالختان.
أخبرنا أبو الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا علىِ بن حفص أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " اختتن إبراهيم خليل الرحمن عز وجل بعدما أتت له ثمانون سنة واختتن بالقدوم ".
أخرجاه في الصحيحين وليس في حديثهما ذكر سنه يومئذ.
والقدوم: موضع.
وقد أخبرنا عليّ بن عبد الواحد الدينوري أخبرنا علي بن عمر القزويني أخبرنا علي بن عمربن سهل الجريري حدثنا أحمد بن عمير بن حوصا حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " اختتن ابراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ".
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: إبراهيم أول من أضاف الضيف وأول من ثرد الثريد أول من لبس النعلين وأول من قاتل بالسيف والسن وأول من قسم الفيء وأول من اختتن في موضع يقال له القدوم وهوختن نفسه.
وروى أبو الحسين بن المنادي من حديث ابن عباس أنه قال: كان إبراهيم بزازًا يبيع الثياب فدعا ربه أن يستره إذا قام يصلي فأهبط اللّه إليه جبريل فقطع له السراويل وخاطته سارة فهوأول سراويل لبس في الأرض.
اللّه عز وجل ابتلى الخليل بذبح ولده بعد فراغه من الحج وقد اختلف العلماء في الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق.
فروى علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وفديناه بذبح عظيم}.
قال: " إسحاق ".
وقد رواه مبارك عن الحسن فوقفه على العباس وهوأصح وكذلك روى عكرمة عن ابن عباس قال: الذبيح إسحاق.
وبه قال ابن مسعود وكعب وعبد بن عمير ومسروق وأبوميسرة في خلق كثير.
وقد روى معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا جاءه فقال: يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يشيرإلى إسماعيل وعبد اللّه والد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عبد المطلب نذر أن يذبحه وهذا الحديث لا يثبت ثم أن رسول الله لم يقر به وجائز أن يكون العم أبًا كما قال عز وجل: " نعبد إلهك وإله آبائك وإسماعيل وإسحاق ".
فأدخل إسماعيل في الآباء وهوعم يعقوب.
وقد روى الشعبي وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء بن أبي رباح ويوسف بن مهران عن ابن عباس أنه إسماعيل.
وبه قال الشعبي وقال: رأيت قرني الكبش في الكعبة.
وإليه يذهب الحسن ومجاهد والقرظي واحتج بأن الله تعالى لما فرغ من قصة الذبيح قال: {َبَشَرْنَاهُ بإِسْحَاقَ}.
والقول الأول أصح فإن الخليل لما هاجر عن قومه قال: {هَبْ لِي مِنَ الصَالِحِينَ فَبَشَرْنَاهُ بِغلامٍ حَلِيمٍ}.
والبشارة كانت لسارة فَلًمّا بَلَغَ مَعَهُ السًعْيَ أي كبر وبلغ أنه سعى مع ابنه.
فأما إسماعيل فقد ذكرنا أنه أسكنه مكة ولم يره حتى تزوج امرأتين.
والاحتجاج بقرني الكبش ليس بشيء لأنه من الجائز أن يكونا حملا من الشام واحتجاج المحتج بقوله: {وَبَشَرْنَاهُ} يدل على أنه إسحاق لأن الواو لا تقتضي الترتيب.
الإشارة إلى قصة الذبح سبب أمر اللّه خليله بذبح ولده: ما روى السدي عن أشياخه أن جبريل لما بشر سارة بإسحاق قالت: وما آية ذلك فأخذ عودا يابسًا في يده فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر فقال ابراهيم: هو لله إذًا ذبيح فلما كبر إسحاق أتى ابراهيم في النوم فقيل له: أوف بنذرك الذي نذرت فقال لإسحاق: انطلق نقرب قربانًا إلى الله فأخذ سكينًا وحبلًا ثم انطلق معه حتى إذا ذهب به بين الجبال قال له الغلام: يا أبتاه أين قربانك قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فقال إسحاق: اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي فتراه سارة فتحزن وأسرع مَرّ السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليّ وإذا أتيت سارة فاقرأ عليها السلام.
فأقبل عليه إبراهيم يقبله وقد ربطه وهويبكي وإسحاق يبكي ثم إنه جرّ السكين على حلقه فلم يُحِك السكين فأضجعه على جبينه فنودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
فإذا بكبش فأخذه وخلى عن ابنه وأكب على ابنه يقبله ويقول: اليوم يا بني وُهِبْتَ لي.
فرجع إلى سارة فأخبرها الخبر فجزعت سارة وقالت: يا إبراهيم أردت أن تذبح ابني ولا تعلمني.
قال شعيب الجبائي: لما علمت بذلك ماتت يوم التالث.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن إبراهيم لما خرج بابنه ليذبحه اعترضه إبليس فقال: أين تريد أيها الشيخ فقال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه فقال: واللّه إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك.
فعرفه إبراهيم فقال: إليك عني عدو اللهّ فواللهّ لأمضين لأمر ربي فيه فلما يئس عدو الله إبليس من إبراهيم اعترض الولد فقال: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك.
قال: يحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال: واللّه ما يريد إلا أن يذبحك قال: لم قال: زعم أن ربه أمره بذلك قال: فليفعل ما أمره ربه فسمعًا وطاعة فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى أمه فقال: هل تدرين أين ذهب ابراهيم بابنه فقالت: ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال: ما ذهب به إلا ليذبحه قالت: هو أرحم به وأشد حبًا من ذلك قال: إنه يزعم أن اللهّ يأمره بذلك قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فتسليمًا لأمر اللهّ.
فرجع عدو الله لم يصب من آل إبراهيم شيئًا مما أراد.
فقال: يا أبت إذا أردت ذبحي فاشدد رباطي فإن الموت شديد واشحذ شفرتك حتى تُجهز عليّ فتريحني.
فإذا أنت أضجعتني فعلى وجهي فإني أخشى إن نظرت في وجهي أن تدركك رقة تحولُ بينك وبين أمر اللهّ فيَّ وإن رأيت أن ترد قميصي إلى أمي فإنه عسى أن يكون أسلَى لها عنَي.
فقال له إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر اللهّ.
فربطه كما أمره ثم شحذ شفرته ثم تله للجبين واتق النظر في وجهه ثم أدخل الشفرة فقبلها اللهّ تعالى ونودي: قد صدقت الرؤيا.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ الأربعاء 18 أبريل 2012, 10:43 pm | |
| قال ابن عباس: خرج عليه كبش من الجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفًا وهو الكبش الذي قربه هابيل فنحره في منى.
وقال علي بن أبي طالب رضي اللهّ عنه: كان كبشًا أبيض أقرن أعين مربوطًا بسَمُر في ثبير.
وقال الحسن: أهبط عليه من ثبير.
قال وهب بن منبه وشعيب الجبائي وغيرهما: كان ذلك بإيليا من أرض الشام.
ومن الأحداث في زمن الخليل عليه السلام احتيال نمرود في صعود السماء وبنيان الصرح رأى نمرود سلامة إبراهيم من النار وما آمن ثم زاد عتوه وتمرور فبقي أربعمائة عام لاتزيده الحجج إلا تماديًا.
ثم انه حلف ليطلبن إله إبراهيم.
قال السدي عن أشياخه: أخذ نمرود أربعة أفرخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخمر حتى إذا كبرن وغلظن واستعلجن قرنهن بتابوت وقعد في ذلك التابوت ثم رفع رجلًا من لحم لهنَّ فطرن به حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض فرأى الأرض تحته كأنها فلكة في ماء ثم صعد فوقع في ظلمة فلم يرما فوقه ولا ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته منقضّات فلما رأت الجبال ذلك كادت تزول فذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبَال}.
فلما رأى أنه لم يطق شيئًا أخذ في بنيان الصرح فبناه ثم ارتقى ينظر وسقط الصرح وتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع.
قال زيد بن أسلم: بعث اللّه إلى نمرود ملكًا أن آمن بي وأتركك على ملكك.
قال: فهل ربّ غيري.
فأتاه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فقال له ذلك فأبى عليه فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع جموعه فأمر اللّه الملك ففتح عليه بابًا من البعوض وطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام والجباركما هو لم يصبه من ذلك شيء فبعث اللهّ عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه فعذبه الله أربعمائة عام كما ملكه وأماته اللّه.
وهو الذي بنى صرحًا إلى السماء فأتى اللّه بنيانه من القواعد وهو قال اللّه: {فأتى الله بنيانهم من القواعد}.
وقد ذكرنا أن قومًا يقولون نمرود هو الضحاك الذي سبق ذكره وليس كذلك لأن نسب نمرود في النَبَط ونسب الضحاك في عجم الفرس.
وذكر قوم أن الضحاك ضم إلى نمرود السَّواد وما اتصل بها وكان عاملًا له وكانت ولايته.
بابل من قبل الضحاك فلما ملك أفريدون وقهر الضحاك قتل نمرود وشرد النبط.
والله أعلم.
ومن الأحداث في زمن الخليل عليه السلام وكان إبراهيم بفلسطين وإسماعيل إلى جرهم ولوط إلى سدوم ويعقوب إلى أرض كنعان فهؤلاء كلهم أرسلوا في زمانه.
ومن الأحداث في أيام الخليل عليه السلام هلاك قوم لوط قد ذكرنا أن لوطًا عليه السلام هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام مؤمنًا به متبعًا له على دينه إلى الشام معهما سارة.
وقد قيل: كان معهم تارخ أبو إبراهيم وهو على غير دينه حتى صاروا إلى حران فمات تارخ بحران على كفره.
وشخص إبراهيم ولوط وسارة إلى الشام واختتن لوط مع إبراهيم ولوط ابن ثلاث وخمسين سنة ثم مضوا إلى مصر فصادفوا هناك فرعونا من فراعنتها ويقال له أخو الضحاك وجهه الضحاك عاملًا عليها من قبله فرجعوا عودًا على بدئهم إلى الشام فنزل إبراهيم فلسطين ونزل لوط الأردن فأرسل اللهّ تعالى لوطًا وذلك في وسط عمر إبراهيم.
وهو: لوط بن هاران بن تارخ ورأيت بخط أبي الحسين بن المنادي: هازن بالزاء المعجمة من غير ألف.
بعث إلى أهل سَدُوم فكانوا أهل كفر باللّه وركوب الفاحشة.
قال مجاهد: كان بعضهم يجامع بعضًا في المجالس.
قال العلماء بالسير: كان لوط يدعوهم إلى عبادة اللّه وينهاهم عن الفاحشهَ ولا يزجرهم وعيده ولا يزيدهم إلا عتوًا فسأل اللّه تعالى أن ينصره عليهم فبعث اللّه تعالى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل فأقبلوا مشاة في صورة رجال شباب فنزلوا على إبراهيم وكان قد احتبس عنه الضيف أيامًا ففرح بهم ورآهم في غاية الحسن والجمال فقام يخدمهم فجاء بعجل سمين فأمسكوا فقال: ألا تأكلون.
فقالوا: لا نأكل طعامًا إلا بثمنه قال: فإن له ثمنًا قالوا: وما هو.
قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبرئيل إلى ميكائيل وقال: حق لهذا أن يتخذه اللّه خليَلاَ ثم رأى إمساكهم ففزغ منهم وظنهم لصوصًا قالوا: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط فضحك سارة تعجبًا وقالت: لحقتم بابنا ولا تأكلون طعامنا.
فقال جبرئيل: أيتها الضاحكة أبشري بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وكانت بنت تسعين سنة وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة.
فلما سكن روعه وأعلموا لماذا أرسلوا فناظرهم في ذلك كما قال اللهّ عز وجل: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}.
وكان جداله إياهم أن الملائكة قالوا: {إنا مهلكوا أهل هذه القرية}.
فقال لهم: أتهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمنون.
قالوا: لا قال: ثلاثمائة.
قالوا: لا قال مائتان قالوا: لا قال: مائة قالوا لا قال: أربعون قالوا لا قال: أربعة عشر قالوا: لا.
وكان يعدهم أربعة عشر مع امرأة لوط.
فسكت واطمأنت نفسه.
هذا قول سعيد بن جبير.
قال ابن عباس: قال الملك لإبراهيم: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب.
قال حذيفة: جاءت الرسل لوطًا وهو في أرض له يعمل فيها وقد قيل لهم واللّه أعلم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط فأتوه فقالوا: إِنّا مضيفوك الليلة.
فانطلق بهم فلما مشى ساعة التفت فقال: أما تعلمون مايعمل أهل هذه القرية واللهّ ما أعلم على ظهر الأرض ناسًا أخبث منهم.
فانطلق بهم فلما بصرت عجوز السوء امرأته بهم انطلقت وأنذرتهم.
وقال السدي عن أشياخه: لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط أتوهم نصف النهار فلما بلغوا نهرسدوم لقوا ابنة لوط تستقي الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى ريثا والصغرى رعرثا فقالوا لها: يا جارية هل من منزل.
قالت: نعم مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فزعت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت يا أبتاه أدركت فتيانًا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن من وجوههم لا يأخذهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلًا فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط فخرجت امرأته فأخبرت قومها وقالت إن في بيت لوط رجالًا مارأيت مثل وجوههم قط.
فجاء قومه يهرعون إليه.
قال علماء السير: فلما أتاه قومه جعل يلطف بهم ويقول: اتقوا اللهّ ولا تخزوني في ضيفي.
ويقول: هؤلاء بناتي أهن أطهر لكم مما تريدون ".
فلما لم يلتفتوا إلى قوله قال: {لَوْ أن لِي بِكُمْ قوَّةً} أي: لو أن لي أنصارًا ينصرونني عليكم أو عشيرة يمنعونني منكم لحلت بينكم وبين ما جئتم.
فلما اشتد الأمر عليه قالت له الرسل: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فقال: أهلكوهم الساعة.
فقال جبرئيل: إن موعدهم الصبح.
فطمس جبرئيل أعينهم فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة كما أنت حتى تصبح.
فأمر أن يُسري بأهله فخرج وقت سحر ثم أدخل جبرئيل جناحه في أرضهم فرفعها وكانت خمس قريات أعظمها سدوم حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب فجعل عاليها سافلها ورموا بالحجارة فكانوا أربعآ آلاف ألف وتبعت الحجارة شذاذ القوم وسمعت امرأة لوط الهدة فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها.
وتوفي لوط وهو ابن ثمانين سنة وعلى مقتضى الحساب يكون وفاة لوط قبل إبراهيم بسنين كثيرة.
ومن الحوادث في أيام الخليل عليه السلام فإنها توفيت بالشام وقيل: ماتت بأرض كنعان وهي بنت مائة وسبع وعشرين سنة فدفنت بمزرعة اشتراها إبراهيم.
وأما هاجر فقد ذكرنا في الحديث الصحيح أنها ماتت بمكة قبل بناء البيت.
ومن الحوادث تزوج الخليل بعد سارة قال ابن إسحاق: لما ماتت سارة تزوج بعدها من الكنعانيين من العرب العاربة واسمها قَنْطورا بنت يقطان.
ويقال: بنت مقطور وقد قال حذيفة: يوشك بنو قنطورا أن يخرجوا أهل البصرة منها.
قال شيخنا أبو منصور اللغوي: يقال ان قنطورا كانت جارية لإبراهيم فولدت أولادًا والترك من نسلها.
قال ابن إسحاق: ولدت له قنطورا ستة نفر: منهم مدين وأولاده الذين أرسل إليهم شعيب وقيل: تزوج أخرى اسمها حجون فولدت له خمس بنين.
وكان ممن يتبع في زمن ابرِاهيم الخليل عليه السلام ذو القرنين وإن كانوا قد اختلفوا في زمان كونه.
فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان من القرون الأول من ولد يافث بن نوح.
وقيل: انه من ولد عيلم بن سام.
وانه ولد بأرض الروم حين نزلها ولد سام.
وقال الحسن البصري: كان بعد ثمود.
وذكر أبو الحسين بن المنادي أنه كان في زمان فقد روى الفضل بن عطية عن عطاء عن ابن عباس: أن ذا القرنين لقي إبراهيم الخليل بمكة فسلم عليه وصافحه واعتنقه.
وجاء في حديث آخر: أن إبراهيم الخليل كان جالسًا في مكان فسمع صوتًا فقال: ما هذا الصوت قيل له: هذا ذو القرنين في جنوده.
فقال لرجل عنده: إئت ذا القرنين وأقرئه مني السلام فأتاه فقال: إن إبراهيم يقرأ عليك السلام قال: ومن إبراهيم.
قال: خليل الرحمن قال: وإنه لها هنا.
قال: نعم فنزل عن فرسه ومشى فقيل له: إن بينك وبينه مسافة فقال: ما كنت أركب في بلد فيه إبراهيم فمشى إليه فسلم عليه وأوصاه وأهدى إليه إبراهيم بقرًا وغنمًا.
واختلف العلماء في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال: أحدها: عبد الله.
قاله علي رضي الله عنه.
وقال ابن عباس: اسمه عبد الله بن الضحاك.
والثاني: الإسكندر قاله وهب.
وقيل: هو الإسكندر بن قيصر.
قاله أبو الحسين ابن المنادي وكان قيصر هذا أول القياصرة وأقدمهم وإنما سمي بذي القرنين بعد ذلك بزمان طويل.
والثالث: عياش قاله محمد بن علي بن الحسين.
والرابع: الصعب بن جاثر بن القلمس.
ذكره أبو بكر بن أبي خيثمة.
واختلفوا هل كان نبيًا أم لا.
فقال عبدالله بن عمرو وسعيد بن المسيب والضحاك بن مزاحم: كان نبيًا.
وخالفهم الأكثرونْ في هذا فروينا عن علي رضىِ الله عنه أنه قال: كان عبدًا صالحًا أمر قومه بتقوى الله لم يكن نبيًا ولا ملكًا.
وقال وهب: كان ملكًا ولم يوح إليه.
وقال أحمد بن جعفر المنادي: كان على دين إبراهيم.
واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين.
على عشرة أقوال: أحدها: أنه دعا قومه إلى الله تعالى فضربوه على قرنه فهلك فغبر زمانًا ثم بعثه اللّه تعالى فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك فذلك قرناه.
قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رواية.
والثاني: انه سمي بذي القرنين لأنه سار إلى مغرب الشمس وإلى مطلعها رواه أبوصالح عن ابن عباس.
وأخبرنا محمد بن عمر الأرموي أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي أخبرنا عمر بن شاهين حدثنا محمد بن سليمان الباغندي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة قال: حدثني زائدة عن سماك بن حرب عن حبيب بن جادم قال: قال رجك لعلي رضي اللّه عنه: كيف بلغ ذو القرنين المشرق والمغرب.
فقال علي: سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له النور.
وفي رواية أخرى عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان عبدًا صالحًا ناصح لله وأطاعه فسخر له والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.
والرابع: لأنه رأى في النوم كأنه امتد من السماء إلى الأرض فأخذ بقرني الشمس فقص ذلك على قومه فسمي بذي القرنين.
والخامس: لأنه ملك فارس والرّوم.
والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين.
رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب ابن منبه.
والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر.
قاله الحسن.
قال أبو بكر بن الأنباري: والعرب تسمى الضفيرتين من الشعر غديرتين وضفيرتين وقرنين.
ومن قال سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض فقال لهما قرنان.
والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف.
والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس وهو حي.
والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور.
ذكر هذه الأقوال الأربعة أبو إسحاق الثعلبي.
قال مجاهد: ملك الأرض أربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين والكافران: نمرود وبخت نصر.
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر: زعموا أن ذا القرنين أحد عظماء ملوك الأرض إلا أن الله أعطاه مع ذلك التوحيد والطاعة واصطناع الخير ومدّ له في الأسباب وأعانه على أعدائه وفتح المدائن والحصون وغلب الرجال وعمر عمرًا طويلًا بلغ فيه المشارق والمغارب وبنى السد فيما بين الناس وبين يأجوج ومأجوج وكان في ذلك رحمة للمؤمنين وحرزًا منيعًا من البلاء الذي لاطاقة لهم به.
ذكر طرف من أخباره روى أبو الحسين بن المنادي بإسناد له عن عتبة بن عامر الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذا القرنين فقال: " إن أول أمره أنه كان غلامًا من الروم أعطي ملكًا حتى أتى أرض مصر فابتنى عندها مدينة يقال لها الاسكندرية فلما فرغ من بنائها أتاه ملك فعرج به فقال له: انظر ما تحتك قال: ما أرى مدينتي وأرى مدائن معها ثم عرج به فقال له: انظر فقال: قد اختلطت المدائن ثم زاد فقال له: انظر فقال: أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها فقال له الملك: إنما تلك الأرض كلها وهذا السواد الذي ترى محيطًا به البحر وإنما أراد اللهّ أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانًا فيها فسر في الأرض علّم الجاهل وثبت العالم.
فسار حتى بلغ مغرب الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان لينان ينزل عنهما كل شيء فبنى السد ثم سار فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قومًا وجوههم كوجوه الكلاب ثم قطعهم فوجد أمة قصارًا يقاتلون الذين وجوههم كوجوه الكلاب ثم مضى فوجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار ثم مضى فوجد أمة من الحيّات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض.
وروى أبو الحسين بإسناد له عن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي اللهّ عنهم أنه قال: كان ذو القرنين عبدًا صالحًا وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليل من الملائكة اسمه رفائيل يأتي ذا القرنين ويزوره فبينما هما يومًا يتحدثان قال ذو القرنين: يا رفائيل حدثني كيف عبادتكم في السماء فبكى رفائيل وقال: يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا ان في السموات من الملائكة هو قائم أبدًا لا يجلس ومنهم الساجد لا يرفع رأسه أبدًا ومنهم الراكع لا يستوي قائمًا أبدًا ومنهم الرافع وجهه لا يجلس أبدًا وهم يقولون: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح ربنا ما عبدناك حق عبادتك.
فبكى ذو القرنين بكاء شديدًا ثم قال: يا رفائيل إني لأحب أن أعيش فأبلِغ من عبادة ربي حقَّ طاعته.
فقال رفائيل: أوتحب ذلك قال: نعم قال: فإن للّه عيناَ في الأرض تسمى عين الحياة فيها عزيمة أنه من شرب منها شربة إنه لن يموت حتى يكون هو الذي يسأل الموت.
قال ذو القرنين: فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين فقال رفائيل: لا غير أننا نتحدث في السماء أن للهّ في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان فنحن نظن أن تلك العين هي التي في تلك الظلمة فجمع ذو القرنين حكماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة وقال: أخبروني هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله وما جاءكم من أحاديث الأنبياء وحديث من كان قبلكم من العلماء أن الله وضع في الأرض عينًا سماه عين الحياة فقالت العلماء: لا فقال ذو القرنين: فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان.
قالوا: لا فقال عالم من العلماء واسمه أفشنجير: أيها الملك لم تسأل عن هذا.
فأخبره بالحديث وما قال له رفائيل في العين والظلمة فقال: أيها الملك إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان فقال ذو القرنين: فأي أرض وجدتها في الأرض.
قال: وجدتها على قرن الشمس.
فبعث ذو القرنين في الأرض فحشر الناس إليه الفقهاء والأشراف والملوك ثم سار يطلب مطلع الشمس فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة ثنتي عشرة سنة فإذا الظلمة ليست بليل وظلمة تفور مثل الدخان فعسكَرثم جمع علماء عسكره فقّال: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فقالت العلماء: أيها الملك إنه من كان قبلك من الأنبياء لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها فإنّا نخاف أن يتفق عليك منها أمر تكرهه ويكون فيها فساد الأرض فقال: ما بد من أن أسلكها فخرت العلماء سجدًا وقالوا: أيها الملك كف عن هذه الظلمة ولا تطلبها فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولكنا نخاف العتب من اللّه ويتفق عليك أمر يكون فيه فساد الأرض وما عليها فقال: ما بد من أن أسلكها فقالت العلماء: شأنك بها فقال ذو القرنين: أي الدواب بالليل أبصر.
قالوا: الخيل قال: فأيها أبصر.
قالوا: الإناث أبصر قال: فأي الإناث.
قالوا: البكارة.
فأرسل ذو القرنين فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة ثم انتخب من أهل عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلاف رجل فدفع إلى كل رجل فرسًا وعقد للخضر على مقدمته على ألفين وكان الخضر وزير ذي القرنين وهو ابن خالته.
وبقي ذو القرنين في أربعة آلاف فقال ذو القرنين للناس: لا تبرحوا من عسكركم هذا اثنتي عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم فذلك وإلا فارجعوا إلى بلادكم فقال الخضر: أيها الملك إنا نسلك ظلمة لا ندري كم السير فيها ولا يبصر بعضنا بعضًا فكيف نصنع بالضلال إذا أصابنا فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء فقال: حيث يصيبك الضلال فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض فإذا صاحت فليرجع إليها أهل الضُّلال.
فسار الخضر بين يدي في القرنين يرتحل ونزل ذو القرنين وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين وذو القرنين يكتم الخضر.
فبينما الخضر يسير إذ عارضه واد فظن الخضر أن العين في الوادي فلما قام على شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل من موقفه ورمى بالخرزة في الوادي فمكث طويلًا ثم أضائته الخرزة وطلب صوتها فانتهى إليها فإذا هي على حافة العين فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضًا من اللبن وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ثم خرج فلبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فصاحت فرجع الخضر إلى صوتها وإلى أصحابه فأخذها وركب فسار.
ومرّ ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يومًا وأربعين ليلة فخرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر وأرض حمراء ورملة.
وإذا قصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ مسور ليس عليه باب فنزل ذو القرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر فإذا حديدة طرفاها على حافتي القصر وإذا طائر أسود كأنه الخطاف أو شبه بالخطاف مذموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء والأرض فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال: من هذا قال: اُنا ذو القرنين فقال الطائر: يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلتَ إلي يا ذا القرنين حدثني هل كثر البناء بالأجر والجص.
قال: نعم.
فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة ثم قال: هل كثرت شهادات الزور في الأرض.
قال: نعم.
فانتفض الطائر ثم انتفخ فبلغ ثلثي الحديدة ثم قال: يا ذا القرنين: حدثني هل كثرت المعازف في الأرض قال: نعم.
فانتفض ثم انتفخ فملأ الحديدة وسد ما بين جداري القصر فاجتث ذو القرنين فرحًا فقال الطائر: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا اللهّ.
قال: لا فانضم الطائر ثلثًا ثم قال: هل تركت الصلاة المفروضة.
قال: لا فانضم الطائر ثلثًا ثم قال: هل ترك الناس غسل الجنابة قال: لا فعاد الطائر كما كان ثم قال: يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة إلى أعلى القصر فسلكها فإذا سطح وعليه رجل قائم فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا.
قال: أنا ذو القرنين قال: يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إليّ قال: ومن أنت قال: أنا صاحب الصور وإن الساعة أقتربت وأنا أنتظر أمر ربي أن أنفخ فأنفخ.
ثم ناوله حجرًا فقال: خذها فإن شبع شبعت وإن جاع جعت فرجع به إلى أصحابه فوضعوا الحجرفي كفه ووضعوا حجرًا آخر مقابله فإذا به يميل فتركوا آخر كذلك إلى ألف حجر فمال ذلك الحجر بالكل.
فأخذ الخضر كفًا من تراب وتركه في احدى الكفتين وأخذ حجرًا من تلك الحجارة فوضعه في الكفة الأخرى وترك معه كفًا من تراب فوضعه على الحجر الذي جاء به ذو القرنين فاستوى في الميزان فقال الخضر: هذا مثل ضرب لكم إن ابن آدم لا يشبع أبدًا دون أن يحثى عليه التراب كما لم يشبِع هذا الحجر حتى وضعت عليه التراب.
قال: صدقت يا خضر لا جرم لا طلبت أثراَ في البلاد بعد مسيري هذا فارتحل راجعًا حتى إذا كان في وسط الظلمة وطىء الوادي الذي فيه زبرجد فقال من معه: ما هذا الذي تحتنا فقال ذو القرنين: خذوا منه فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم.
فأخذ قوم وترك قوم فلما خرجو من الظلمة إذا هو بزبرجد فندم الآخذ والتارك.
ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل وكانت منزله فأقام بها حتى مات.
قال الحسن البصري: ان ذا القرنين كان يركب وعلى مقدمته ستمائة ألف وعلى ساقته ستمائة ألف.
كتاب أم الإسكندر إليه قال كعب الأحبار: إن أم ذي القرنين كانت حازمة عاقلة فلما بلغها أن ابنها قد فتح المدائن واستعبد الرجال ودانت له الملوك كتبت إليه.
بسم اللهّ الرحمن الرحيم.
من روقية أم الإسكندر إلى الإسكندر الموتى له الضعيف الذي بقوة ربه قوي وبقدرته قهر وبعزته استعلى يا بني لا تدع للعجب فيك مساغًا فإن ذلك يرديك ولا تدع للعظمة فيك مطمعًا فإن ذلك يضعفك يا بني ذلل نفسك للذي رفعك.
واعلم أنك عن قليل محوَّل عما أنت فيه يا بني إياك والشح فإن الشح يرديك ويزري بك وانظر هذه الكنوز التي جمعتها أن تعجل حملها إليّ كلها مع رجل مفرد على فرس أجرد.
فلما ورد عليه الكتاب جمع الناس فقال: انظروا فيما كتبت أمي وسألتني فيه: أن أرسل بهذه الأموال فقالوا: وكيف السبيل إلى حملها على فرس فقال: هل عندكم غير هذا.
قالوا: لا فدعا كاتبه فقال: أكتب كلَّ مال جمعته فاحصه واجعله في كتاب وبين مواضعها وعدتها ففعل الكاتب ثم ختم الكتاب وحمل رجل على فرس ثم قال له: امض بهذا الكتاب إلى أمي ثم قال لهم: إنما سألتني أمي أن أبعث إليها بعلم مالي أجمع ومواضعها.
قال: إن ذلك إلى اليوم معروف بالروم في بيت مملكتهم وبيوت أموالهم يجدون علم ذلك في أرض كذا وكورة كذا وموضع كذا وكذا ومن المال كذا وكذا مما كنزه الإسكندر وكان اللهّ لم يجعل فيه من الحرص شيئًا ولم يجمع الدنيا إلا ما كان يسر بمن معه فيقويهم على ذلك وكان مسيرة ذلك رحمة للمؤمنين.
صفة بناءالسد ذكر أبو الحسين بن المنادي عن الموجود في أيدي الفرس عن كتبهم الموروثة: أن ذا القرنين لما عزم على المسير إلى مطلع الشمس أخذ على طريق كابل في الهند وتبت فتلقته الملوك بالهدايا العظيمة والتحايا الكريمة والطاعة والأموال إلى أن صار إلى الأرض المنتنة السوداء فقطعها سيرًا في شهر ثم جاءته الأدلاء فانتهوا به إلى الحصون الشامخة والمدن المعطلة من أهلها وقد بقيت منهم فيها بقايا سألوه بأجمعهم أن يسد عنهم الفج الذي بينهم وبين يأجوج ومأجوج فسار إليه ونزل بجيشه العظيم الهائل ومعه الفلاسفة والصناع والحدادون فاتخذ قدور الحديد الكبار والمغارف الحديدية وأمر أن يجعل كل أربعة من تلك القدور على ديكدان طول كل واحد خمسين ذراعًا أو نحوها وأمر الصناع أن يضربوا اللبن الحديد فاتخذوا النحاس والحديد وأضرموا عليه النار فصارت حجارة لم ير الناس مثلها كأنها تشبه جبل السد.
طول كل لبنة ذراع ونصف بالذراع الأعظم وسمكها شبر.
فما زالوا يبنون السد من جانب الجبل وجعل في وسطه بابأ عظيمًا طوله أقل من عرضه فالعرض مائة ذراع كل مصراع خمسين ذراعًا والطول خمسين ذراعًا وعليه قفل عظيم نحو عشرة أذرع وفوقه بأذرع غلق أطول من ذلك القفل! وكل ذلك أملس كملاسة الجبل وبلونه.
فذكروا أنه لما فرغ من بناء السد أمر بالنار فاضرمت عليه من أسفله إلى أعلاه فصار معجونًا كأنه حجر واحد مثل الجبل سواء فلما فرغ من بنائه مال راجعًا بعد أن لقي الأمم التي خلف يأجوج ومأجوج.
قال أبو الحسين: وبلغني عن خردا ذبه قال: حدثني سلام الترجمان: أن الواثق لما رأى في المنام أن السد الذي سده ذو القرنين ببناء بين يأجوج ومأجوج انفتح وجهني فقال: عاينه واتني بخبره وضم إليَ خمسين رجلًا ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم وأمر بإعطاء كل رجل معي ألف درهم ورزق ستة أشهر وأعطاني مائتي بغل يحمل الزاد والماء.
فشخصنا من سر من رأى بكتاب من الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية وهو بتفليس في إنفاذنا فكتب لنا إلى إسحاق صاحب السرير وكتب لنا ذاك إلى ملك الدان فكتب لنا إلى قلانشاه فكتب لنا إلى ملك الخرز وسرنا من عند ملك الخرز يومًا وليلة ثم وجه معنا خمسين رجلًا أدلاء فسرنا من عنده خمسة وعشرين يومًا ثم سرنا إلى أرض سوداء منتنة الريح وقد كنا تزودنا قبل دخولها طيبًَا نشمه للرائحة المكروهة فسرنا فيها عشرة.
أيام ثم صرنا إلى مدن خراب فسرنا فيها سبعة وعشرين يومًا فسألنا عن تلك المدن التي كان يأجوج ومأجوج طرقوها فخربوها ثم صرنا إلى حصون بالقرب من جبل السد في شعب منه.
وفي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرأون القرآن لهم كتاتيب ومساجد فسألوا: من أين أقبلتم فأخبرناهم أنا رسل أمير المؤمنين فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! قلنا: نعم فقالوا: أشيخ هوأم شاب فقلنا: شاب فتعجبوا وقالوا: أين يكون قلنا: بالعراق في مدينة يقال لهاسرمن رأى فقالوا: ما سمعنا بهذا قط.
ثم سرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعًا وفيه السد وإذا عضادتان مبنيتان للمشي مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعًا الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب وعليه بناء مكين من حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعًا.
وإذا دروند حديد طرفاه على العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعًا قد ركب على العضادتين على كل واحد بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع وفوق الدروند بناء بذلك الحديد المغيب في النحاس إلى رأس الجبل فىِ ارتفاعه مدّ البصر وفوق ذلك شرف حديد في كل شرفة قرنان يشير كل واحد منهما إلى صاحبه وإذا باب حديد مصراعين معلقين عرض كل مصراع خمسون ذراعًا في ارتفاع خمسين ذراعًا في ثخن خسمة أذرع وقائمتاهما في دوارة في قدر وعلي الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع الاستدارة وارتفاء القفل من الأرض خمس وعشرون ذراعًا وفوق القفل بقدر خمس أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وقعر كل واحد منهما ذراعان وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله ذراع ونصف وله اثنتا عشرة دندانجة كل واحد كدستج أكبر ما يكون من هاوون معلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمس أذرع وهذا الذراع كله بالذراع السوداء.
ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس مرزبة حديد في كل واحدة خمسون ومائة منّ فيضرب القفل بتلك الموزبات في كل يوم مرّات ليسمع من نقباء الباب الصوت فيعلموا أن هنالك حفظة ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا وإذا ضرب أصحابنا القفل وضعوأ اذانهم فيسمعون بمن داخل دويًا.
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير يكون وعشرة فراسخ في عشر فراسخ بكسر مائة فرسخ ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما بمائتي ذراع قي مائتي ذراع وعلى باب هذين الحصنين شجرتان وبين الحصنين عين عذبة في أحد الحصنين آلة البناء الذي كان بني به السد من القدور والحديد والمغارف الحديد على كل أنصبة أربع قدور مثل قدور الصابون وهنالك بقية من اللبن قد التزق بعضها ببعض من الصداء واللبنة ذراع ونصف في سمك شبر.
وسألوا من هنالك: هل رأوا أحدًا من يأجوج ومأجوج فذكروا أنهم رأوا مرّة عددًا فوق الشرف فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم فكان مقدار الرجل منهم في رأي العين شبرًا ونصفًا.
قال سلام الترجمان: فلما انصرفنا أخذتنا الأدلاء إلى ناحية خراسان فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند سبع فراسخ وقد كان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا ثم صرنا إلى عبد اللّه بن طاهر.
قال سلام: فوصلني بمائة ألف درهم ووصل كل رجل معي بخمسمائة درهم.
وأجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم في كل يوم إلى الذي.
فرجعنا إلى سرمن رأى بعد خروجنا بثمانية وعشرين شهرًا.
وقد روى أن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم.
أخبرنا ابن الخصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حدثنا أبو رافع عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: لا إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه فيرونه أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد اللّه عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرون غدًا إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصَّن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم نحو السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء.
فيبعث الله عز وجل نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم ودمائهم ".
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن مخلد حدثنا محمد بن عمرو بن البحتري حدثنا أبو طاهر أحمد بن بشر الدمشقي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبيه عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان الكلابي قاك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يأجوج ومأجوج فقال: " ليستوقد المسلمون من جعابهم وثيابهم وتراسيهم وقسيهم سبع سنين ".
ذكر أشياء جرت لذي القرنين في المسير
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجارزي حدثنا المعافى بن زكريا حدثنا عبد اللهّ بن محمد بن جعفر الأزدي حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هاشم حدثنا الحكم بن نافع حدثنا صفوان بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد اللهّ الخزاعي: أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم وقد احتفروا قبورًا فإذا أصبحوا تعهدوا تلك القبور وكنسوها وصلّوا عندها ورعوا البقل كما ترعى البهائم وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم فقال الرسول: أجب الملك فقال: ما لي إليه حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال: إني أرسلت إليك لتأتيني فما أتيت فها أنا ذا قد جئتك فقال: لو كانتَ لي إليك حاجة لأتيتك فقال له ذو القرنين: ما لي أراكم على الحال التي رأيت لم أر أحدًا من الأمم عليها.
قالوا: وما ذاك قال: ليس لكم دنيا ولا شيء أفلا اتخذتم الذهب والفضة واستمتعتم بها فقال: إنما كرهنا لأن أحدًا لم يعط منها شيئًا إلا تاقت نفسه إلى أفضل منه فقال: ما بالكم قد احتفرتم قبورًا فإذا أصبحتم تعهدتموها وكنستموها وصليتم عندها قالوا: أردنا: إذا نظرنا إليها وألهتنا الدنيا منعت قبورنا من الأمل قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وذبحتموها واستمتعتم بها فقالوا: رأينا أن في نبات الأرض بلاغًا ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا.
قال: لا من هو.
قال: ملك من ملوك الأرض أعطاه اللّه سلطاناَ على أهل الأرض فغشم وظلم وعتى فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجازيه به في آخرته.
ثم تناول جمجمة أخرى إليه فقال: يا ذا القرنين هل تدري من هذا.
قال: لا من هذا.
قال: ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم التجبر فتواضع وخشع لله عز وجل وعمل بالعدل في أهل مملكته فصار كما ترى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته شم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين وقال: وهذه الجمجمة تصير إلى ما صارتَ إليه هذه الجماجم فانظر يا عبد اللّه ما أنت صانع فقال له ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك وزيرًا وشريكًا فيما أنا فيه من هذا المال فقال: ما أصلح أنا وأنت في مكان قال: ولم قال: من أجل أن الناس كلهم لك عدّو ولي صديق قال: ولم ذلك قال: يعادونك لما في يدك من الملك ولا أجد أحدًا يعاديني لرفضي ذلك فانصرف عنه ذو القرنين.
وذكروا أن ذا القرنين لما رجع عن سلوك الظلمة قصد بلاد خراسان فلما صار إلى نهر بلخ هاله أمره فأمرهم بشق الخشب الغلاظ وترقيقها ثم أمر الحدادين فضربوا المسامير ثمِ أمر بثلاثمائة سفينة فصنعت وأمر بحبال من ليف وبحبال من قنب فصنعت غلاظًا طوالاَ فأمر ببناء جسر من جانبي النهر وشدت تلك الحبال منهما ممدودًا على الماء عرضًا وجعلت السفن جسرًا بين الحبال في صدور السفن وفي إعجازها لتمسكها ثم أمر بالخشب فقطع بمقدار عرض السفن وقصدت سقفًا وهيل عليه التراب ولب بالماء حتى اطمأن ونشف فلما أمكن العبورعليه عبره بجيوشه سائرًا إلى قومس فاشتكى فأخذه الرعاف حتى مات في طريقه وقد كان حين بلغ الصين أمر بمدن كثيرة فبنيت هنالك فمنها: الدبواسية وحمدان وشيرك وبرج الحجارة وكذلك أمرحين بلغ الهند فبنى هنالك مدينة سرنديب وله غير هذه الأبنية في النواحي التي طافها.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثني الحسن بن يحيى من أهل مرو حدثنا أوس بن عبد اللهّ بن بريدة قال: أخبرني أخي سهل بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده بريدة قاك: سمعت رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم يقول: " سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يضر أهلها بسوء ".
ذكر وفاته
قد روينا أن الخضر شرب من عين الحياة وفاتت ذا الفرنين فزعم أقوام أنها لما فاتته اغتم فقال له الحساب: لا تحزن إنا نرى لك مدة وإنك لا تموت إلا على أرض من حديد وسماء من خشب فانصرف راجعًا يريد الروم فأقبل يدفن كنوز كل أرض بها ويكتب ذكر ذلك ومبلغ ما دفن وموضعه وحمل الكتاب معه حتى بلغ بابل فرعف وهو في مسير فسقط عن دابته فبسط له درع وكانت الدروع إذ ذاك صفائح فنام على تلك الدرع فآذته الشمس فدعوا ترسًا فأظلوه تطرفًا فإذا هو مضطج على حديد وفوقه خشب فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب فأيقن الموت.
ذكركتابه إلى أمه يعزيها عن نفسه أنبأنا ثابت بن يحيى بن بندار قال: أخبرني أبي أخبرنا أبو علي الحسن بن الحسين بن دوما أخبرنا مخلد بن جعفر بن مخلد الباقرجي أخبرنا الحسن بن علي القطان أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار أخبرنا أبوحذيفة إسحاق بن بشر القرشي عن عبد اللهّ بن زياد قال: حدثني بعض من قرأ الكتب: أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها بلغ أرض بابل فمرض مرضًا شديدًا أشفق من مرضه أن يموت بعدما دَوَّخَ البلاد وجمع الأموال فنزل بابل فدعا كاتبه فقال: خفِّفْ عليَّ في الموتة بكتاب تكتبه إلى أمي تعزيها بي واستعن ببعض علماء أهل فارس ثم اقرأه عليّ.
فكتب الكتاب.
بسم اللّه الرحمن الرحيم من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض بجسده قليلًا ورفيق أهل السماء بروحه طويلًا إلى أمه روقية ذات الصفاء التي لم تمتع بثمرتها في دار القرب وهي مجاورته عما قليل في دار البعد يا أمتاه يا ذات الحكمة أسألك برحمتي وودي وولادتك إياي هل وجدت لشيء قرارًا باقيًا وخيالًا دائمًا ألم تري إلى الشجرة كيف تنضر أغصانها وتخرج ثمرتها وتلتف أوراقها ثم لا يلبث الغصن أن يتهشم والثمر أن يتساقط والورق أن يتباين.
ألم تري النبت الأزهر يصبح نضيرًا ثم يمسي هشيمًا.
ألم تري إلى النهار المضيء ثم يخلفه الليل المظلم.
ألم تري إلى القمر الزاهر ليلة بدره كيف يغشاه الكسوف! ألم تري إلى شهب النار الموقدة ما أوشك ماتخمد! ألم تري إلى عذب المياه الصافية ما أسرعها إلى البحور المتغيرة.
ألم تري إلى هذا الخلق كيف يعيش في الدنيا قد امتلأت منه الافاق واستعلت به الأشياء وولهت به الأبصار والقلوب.
إنما هما شيئان: إما مولود وإما ميت كلاهما مقرون بالفناء أنم تري أنه قيل لهذه الدار روحي بأهلك فإنك لست لهم بدار.
يا واهبة الموت ويا موروثة الأحزان ويا مفرقة بين الأحبة ويا مخربة العمران ألم تري إلى كل مخلوق يجري على ما لا يدري هل رأيت يا أماه معطيًا لا يأخذ ومقرضًا لا يتقاضى ومستودعًا لا يسترد وديعته! يا أماه إن كان أحد بالبكاء حقيقًا فلتبك السماء على نجومها ولتبك الحيتان على بحورها وليبك الجوعلى طائره ولتبك الأرض على أولادها والنبت الذي يخرج منها وليبك الإنسان على نفسه التي تموت في كل ساعة وعند كل طرفة.
يا أمتاه إن الموت لا يعتقني من أجل أني كنت عارفًا أنه نازل بي فلا يتعبك الحزن فإنك لم تكوني جاهلة بأني من الذين يموتون.
يا أمتاه إني كتبت كتابي هذا وأنا أرجوأن تعتبري به ويحسن موقعه منك فلا تخلفي ظني ولا تحزني روحي يا أمتاه إني قد علمت يقينًا أن الذي أذهب إليه خير من مكاني الذي أنا فيه وأطهر من الهموم والأحزان والأسقام والنصب والأمراض فاغتبطم لي بمذهبي واستعدي لاتباعي يا أمتاه إن ذكري قد انقطع من الدنيا وما كنت أذكر به من الملك والرأي فاجعلي لي من بعدي ذكرًا أذكر به في حلمك وصبرك والرضا بما يقول الحكماء يا أمتاه إن الناس سينظرون إلى هذا منك وهم راض وكاره ومستمع وقائل فأحسني إلي وإلى نفسك في ذلك يا أمتاه السلام في هذا الدار قليل زائل فليكن عليك وعلينا في دار الأزل السلام الدائم.
فتفكري بفهم وديعة نفسك أن تكوني شبه النساء في الجزع كما كنت لا أرضى شبه الرجال في الاستكانة والضعف ولم يكن ذلك يرضيك في.
ثم مات رحمه اللّه.
وفي رواية أنه كان في كتابه إليها: أيا أماه اصنعي طعامًا واجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة.
فصنعت طعامًا وجمعت الناس وقالت: لا يأكل من أصيب بمصيبة قط فلم يأكل أحد فعلمت ما أراد.
فلما حمل تابوته إليها تلفتت بعظماء أهل المملكة فلما رأته قالت: يا ذا الذي بلغِ السماء حلمه وجاز أقطار الأرض ملكه ودانت الملوك عنوة له مالك اليوم نائماَ لا تستيقظ وساكتًا لا تتكلم من بلغك عني بأنك وعظتني فاتعظت وعزيتني فتعزَيت فعليك السلام حيًّا وميتًا.
ثم أمرت بدفنه.
واختلف في قدر عمره فذكر عن أهل الكتاب أنه عاش ثلاثة آلاف سنة.
وذكر أبو بكربن أبي خيثمة أنه عاش ألفًا وستمائة سنة.
فأما من يقول عاش نحوًا من أربعين سنة فإنما اشتبه عليه بالإسكندر اليوناني وذلك يأتي ذكره ومن الحوادث وفاة الخليل صلوات اللّه عليه وسلامه لما أراد اللّه عز وجل قبض إبراهيم أمر ملك الموت أن يتلطف له.
فروى السدي عن أشياخه قال: كان إبراهيم يطعم الناس ويضيفهم فبينا هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبيريمشي في الحر فبعث إليه بحصان فركبه حتى إذا أتاه أطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها فاه فيدخلها في عينه وأذنه ثم يدخلها فاه فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره وكان إبراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت.
فقال إبراهيم للشيخ: ما بالك يا شيخ تصنع هذا قال: يا إبراهيم الكبر قال: ابن كم أنت قال: فزاد على عمر إبراهيم سنتين فقال إبراهيم: إنما بيني وبينك سنتان فإذا بلغت ذلك صرت مثلك قال: نعم قال إبراهيم: اللهم أقبضني إليك فقام الشيخ فقبض نفسه.
واختلفوا في قدر عمر إبراهيم فقال قوم: مائتا سنة.
وقال آخرون: مائة وخمس وسبعون.
ودفن عند قبر سارة في مزرعة حَبْرُون.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ السبت 21 أبريل 2012, 6:34 am | |
| باب ذكر إسماعيل صلوات الله عليه وسلامه
إسماعيل أكبر بنيه ولد له وهو ابن تسعين سنة وولد إسحاق بعده بثلاثين سنة وقد ذكرنا أن سارة وهبت هاجر لإبراهيم وأنه ولد له منها إسماعيل وأن الخليل هاجر به وبأمه إلى مكة وانه زوج إسماعيل امرأة من جرهم ثم أخرى.
قال ابن إسحاق: ولد لإسماعيل اثنا عشر ولدًا منهم: نابت وقيمر ويقال قيدار الذي نشر اللّه منه العرب ويقال: بل العرب من نابت ومن قيدر.
وقيل: سميت العرب العاربة لأن إسماعيل نشأ بعربة وهي من تهامة.
وقيل: بل لأن أول من نطق بلسان العرب يعرب بن قحطان وهوأبو اليمن فهم العرب العاربة.
واتخذ اللهّ إسماعيل نبيًا بعد إبراهيم وبعث إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن فنهاهم عن عبادة الأوثان فآمنت له طائفة منهم وكفر الأكثرون.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما بلغ إسماعيل عشرين سنة توفيت هاجر وهي بنت تسعين سنة فدفنها إسماعيل في الحجر.
أنبأنا أبوعبد اللّه الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدّباس أخبرنا أبوجعفر بن المسلمة أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن إسماعيل بن داود الطوسي حدثنا الزبيربن بكار قال: حدثني إسماعيل بن أبي أوشى عن أبيه عن الربيع بن قريع الغطفاني عن عقبة بن بشير قال: سألت محمد بن علي بن الحسين قلت: يا أبا جعفر من أول من تكلم بالعربية قال: إسماعيل وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة قلت: فما كان كلام الناس قبل ذلك.
قال: العبرانية.
وفي رواية عن أبي جعفر قال: ألهم اللهّ إسماعيل العربية فنطق بها.
قال علماء السير: لما حضرت إسماعيل الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق وزوج ابنته من العيص بن إسحاق وعاش إسماعيل مائة وسبعًا وثلاثين سنة ودفن في الحِجر عند قبرأمه هاجر.
قال عمر بن عبد العزيز: شكا إسماعيل إلى ربه عز وجل حرمكة فأوحى اللّه إليه: أني أفتح لك بابًا من الجنة في الحِجر يجري عليك منه الروح إلى يوم القيامة.
وفي ذلك الموضع توفي.
قال خالد المخزومي: فيرون أن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي فيه قبره.
وقال صفوان بن عبد اللّه الجمحي: حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطًا من حجارة أخضر فسأل قريشًا عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علمًا فأرسل إلى أبي فسأله فقال: هذا قبر إسماعيل عليه السلام.
وفي رواية: أنه وجد حجارة خضراء منطبقًا بها فقيال له: هذا قبر إسماعيل.
وقيل: بل قبره مقابل الحجر الأسود.
وقال ابن الزبير: هذا المحدودب يشير إلى ما يلي الركن الشامي من المسجد الحرام فقبور عذارى بنات إسماعيل.
قال: وذلك الموضع سوي مع المسجد ولا يثبت أن يعود محمودبًا كما كان.
قال علماء السير: لما توفي إسماعيل دبرأمر الحرم بعده ابنه نابت بن إسماعيل وقيل: اسمه نبت وأمه الجرهمية ثم مات نبت ولم يكن ولد إسماعيل فغلبت جرهم على ولاية البيت.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا موسى بن إبراهيم عن أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي الجهم عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي الجهم بن حذيفة بن غانم قال: توفي إسماعيل بعد إسحاق فدفن داخل الحِجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر.
وولي نابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم.
قال ابن سعد: وأخبرنا خالد بن خداش حدثنا عبد الله بن وهب المعبري قال: حدثني حرملة بن عمران عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة أنه قال: ما يعلم موضع قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة: قبر إسماعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت وقبر هود فإنه في خصف تحت جبال اليمن عليه شجرة نداء وموضعه أشد الأرض حرًّا وقبر رسول اللّه صلى الله عليه
باب ذكر إسحاق عليه الصلاة والسلام
زعم الضحاك بن مزاحم أن إسحاق أوّل مرسل بعد ابراهيم قال: ولم يمت إبراهيم حتى بعث إسحاق إلى أرض الشام وبعث يعقوب بن إسحاق إلى كنعان وبعث إسماعيل إلى جرهم وبعث لوط إلى سدوم.
قال: وكان هؤلاء كلهم أحياء على عهد إبراهيم أو كان إبراهيم قد زوج ابنه إسحاق أروقة بنت بتاويل بن ناحور بن آزر فولدت لإسحاق العيص ويعقوب وهو ابن ستين سنة.
فأما العيص فإنه تزوج بنت عمه إسماعيل وولدت له الروم وكل بني الأصفر من ولده.
وإنما سمي ولد ولده الأصفر لأنه كان فيه آدمة.
وكثر أولاوده حتى غلبوا الكنعانيين بالشام وصاروا إلى البحر والسواحل وناحية الاسكندرية وصار الملوك من ولده وهم اليونانية وسيأتي ذكر يعقوب إن شاء اللهّ تعالى.
وقد ذكر السدي وغيره: أن عيصًا ويعقوب اعترضا في بطن أمهما وكانا توأمًا فقال العيص: أنا أخرج قبلك فخرج فسمي عيصًا وسمي يعقوب لأنه تبعه.
قال المصنف: ومثل هذا قبيح أن يذكر لأن يعقوب اسم أعجمي ليس بمشتق من العقب ولا عيصًا من المعصية وإثبات خصومة بين حملين من أبعد الأشياء قد نزهت كتابنا عن مثل هذه الأشياء التي تملأ مثلها التواريخ والمبتدآات.
قال علماء السير: عاش إسحاق مائة وستين سنة وتوفي بفلسطين ودفن عند قبر أبيه إبراهيم وانتقل الملك إلى ولد إسحاق فملك منهم ملوك.
وكان من زمن كيومرت إلى انتقال الملك إلى ولد إسحاق ألف سنة وتسعمائة واثنتان وعشرون سنة.
باب ذكر يعقوب عليه السلام
قد ذكرنا أن يعقوب ولد في زمن إبراهيم ونبىء في زمانه أيضًا.
قال علماء السير: كان إسحاق يميل إلى يعقوب ويدعو له.
ويقال: إنه قال للعيص أطعمني لحم صيد أدع لك فسمع يعقوب فجاءه بلحم فدعا له فظنه العيص فتوعد العيص يعقوب بالقتل فخرج هاربًا إلى خاله لابان فزوجه ليا فولدت له روبيل وشمعون ولاوي ويشحب وزبالون وقيل: زيلون.
ثم توفيت فتزوج أختها راحيل فولدت له يوسف وابن يامين ومعناه: ابن الوجع لأنها ماتت في نفاسه.
وذكر الطبري أنه بنيامين وهو بالعربية شداد وولد له من غيرهما أربعة نفر وكان بنو يعقوب اثني عشر ولدًا.
وأهل الكتاب يقولون: كانوا أنبياء ومختلف في ألفاظ أسمائهم فأما روبيل فهو أكبر ولد يعقوب ثم شمعون ويقال سمعان ثم يهوذا وهو في الرئاسة أعلاهم وكان داود وعيسى جميعًا من ولد يهوذا ثم لاوي وكان موسى وهارون من ولده ثم يساخر ثم زيلون ويقال: زيالون ويقال: زيولون وقد يقال بالراء والباء ربولون ثم جادر ثم أشيز ثم ودان ثم نفثالي ويقال: نفثال ويقال: نفثول ثم بنيامين ويوسف وكانت أم روبيل وشمعون ويهوذا ولاوي ويساخر وزيلون اسمها ليا بنت لايان خال يعقوب وهؤلاء أخت منها ومن يعقوب أبيهم يقال لها دنيا وكانت امرأة أيوب وكانت أم جاذر وأشيرا إسمها بلها وكانت أمها راحيل كانت أم يوسف وبنيامين اسمها راحيل وهي أخت ليا بنت لايان.
ومن الحوادث في زمان يعقوب ما جرى ليوسف عليهما السلام فإن أمه راحيل لما ولدته دفعه يعقوب إلى أخته تحضنه.
قال مجاهد: أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغنا أن عمته ابنة إسحاق وكانت أكبر ولد إسحاق وكانت إليها مِنْطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وكان من أختانها ممن وليها كان له سلَمًا لا ينازع فيه يصنع فيه ما شاء فلما حضنت يوسف أحبته حبًا شديدًا حتى إذا ترعرع طلبه يعقوب فقالت: ما أصبر عنه فقال: وكذلك أنا.
قالت: فدعه عندي أيامًا فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فشدتها على يوسف من تحت ثيابه ثم قالت: قد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها فوجدت مع يوسف فقالت: إنه يسلَمَ لي أصنع به ما شئت فقال يعقوب: أنت وذاك فأمسكته فلم يقدر عليه يعقوب حتى ماتت وبذلك عيّره أخوتَه في قولهم: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخ لَهُ مِنْ قَبْلُ}.
قال علماء السير: لما رأى أخوة يوسف شدة محبة يعقوب له وعلموا المنام الذي رآه وأن الشمس والقمر والنجوم سجدوا له دخلهم الحسد فاحتالوا عليه بقولهم: " أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًَا يَرْتَعْ وَيَلْعَب " فلما خرجوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل هذا يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل يصيح: يا أبتاه يا يعقوب لوتعلم ما يصنع بابنك فألقوه في الجب فجعلوا يُدْلونه فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال: يا اخوتاه ردُّوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ فقالوا: ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك.
فألقوه في الماء فآوى إلى الصخرة في الجب ثم أرادوا أن يرضخوه بصخرة فمنعهم يهوذا وقال: قد أعطيتموني موثِقًا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتيه بالطعام فأوحى اللّه تعالى " ليُنئَنَّهُمْ بأمرهم هذا " ثم جاءوا أباهم عشاء يبكون فقال: أين يوسف قالوا: أكله الذئب وكانوا قد ذبحوا جديًا فلطخوا بدمه القميص فجاءت سيارة بعد ثلاثة أيام فورد واردهم فتعلق به فصعد فقال: " يَا بُشْرى هَذَا غلام ".
فقال اخوته: هذا غلام آبق منا.
واشتروه منهم بعشرين درهمًا ثم باعوه بمصر فاشتراه قُطْفير وكان على خزائن مصر وفرعون مصر يومئذ الريان بن الوليد من أولاد سام بن نوح.
ويقال: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف ثم مات ويوسف حيّ ثم ملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
فلما اشتراه قطفير أتى به منزله فقال لامرأته واسمها راعيل: أكرمي مثواه وكان لا يأتي النساء فراودته عن نفسه {وَقَالَتْ: هَيْتَ لَك} أي: تهيأت لك قَالَ: {مَعَاذَ اللّه}.
فأما قوله: {وهَمَّ بِهَا} فإنه حديث الطبع وتمنيه نيل الشهوة لو كانت مباحة فإن الإنسان إذا صام اشتهى شرب الماء غير أن الصوم مانع فرأى البرهان وهو علمه بأن اللهّ تعالى حرّم الزنا ولا يلتفتَ إلى ما يروى في التواريخ والتفاسير من أنه رأى يعقوب عاضًا على يده فإن مرتبة يوسف كانت أعلى من هذا.
وقد شرحنا هذا في التفسير.
والشاهد الذي شهد كان طفَلًا صغيرًا تكلم هكذا.
قال علماء السير: " فَلًمّا رَأى " زوج المرأة {قَمِيصَهُ قدَّ مِنْ دُبُرٍ} قال لزوجته {إِنهُ مِنْ كَيْدِكُنّ} ثم قال ليوسف: {أعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِك}.
فشاع الحديث وجعل النسوة يقلن: {امْرَأةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِه} فلما سمعت بذلك أعدت لهن طعامًا وما يتكئن عليه من الوسائد {وأتَتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} لقطع الأترج ثم قالت ليوسف: اخرج فخرج عليهن فقطعن أيديهن بالسكاكين وهُنَّ يحسبن أنهن يقطعن الأترج فقالت لهن: {فَذَلِكُنّ الَّذِي لُمتنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنن} فاستغاث يوسف بربه عز وجل وقال: {رَبِّ السِّجْنُ أحب إِلَيّ} قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني بين الناس يعتذر إلى الناس ولا يطيق أن اعتذر فإما أن تأذن لي فأعتذر وإما أن تحبسه فحبسه فأدخل معه السجن فتيان من فتيان الملك وكان أحدهما صاحب طعامه فبلغه أنه يريد أن يسمه فحبسه وحبس صاحب شرابه ظنًا أنه مالأه على ذلك وكان يوسف قد قال في السجن: اني أعبر الرؤيا فسألاه عن مناميهما المذكورين في القرآن وقد قيل: إنهما لم يريا شيئًا وإنما جرّبا عليه فدعاهما إلى التوحيد أولا بقوله أرباب متفرقون.
ثم فسر مناميهما فقالا: ما رأينا شيئًا فقال: {قُضِيَ الأمْرُ} ثم قال للذي ظن أنه ناج منهما: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك}.
وأخبره أنه محبوس ظلْمًا.
فأوحى إليه: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلًا! لأطيلن حبسك فبكى وقال: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة فويل لإخوتي! فلبث في السجن سبع سنين ثم رأى الملك منامًا وهو قوله: {إِنِّي أرَى سَبْع بَقَراتٍ سِمَانٍ} فقصها على أصحابه فقالوا: {أضْغَاثُ أحلام} ٍ فقال الذي نجا من الفتيين وهو الساقي " وادَّكَر " أي: ذكر حاجة يوسف {أنا أنبِّئكُمْ بتأوِيٍلهِ فَارْسِلُون} ِفأرسلوه فأتى يوسف فأخبره وقال: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِين}.
ومعناه: ازرعوا.
فعاد إلى الملك فأخبره.
فقا الملك: {ائتوني به} فأبى يوسف أن يخرج حين رابه مما قرب به فقال: {ارجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْالْة مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتي قطَّعْنَ أيْدِيَهُن}َّ فجمع الملك النسوة وقال: {ومَا خطبُكُنً إِذْ رَاودتُنَّ يوسفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاش لِلَّه}.
ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته فقالت امرأة العزيز: {أنَا رَاوَدتُهُ} فقال يوسف: ذلك الفعل الذي فعلت من ترديدي رسول الملك ليعلم قطفير سيدي {أنِّي لَمْ أخُنْهُ بَالْغَيْب}.
فلما تبين للمك عذر يوسف ورأى أمانته قال: {ائْتُونِي بِهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلًمّا} أتي به فكلمه {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أمِين} فقال: {اجْعلنِي عَلَى خَزَائنِ الأرْض} أي على حفظ الطعام {إني حَفِيظٌ} لما استودعتني {عَلِيم} بسني المجاعة فولاه عمل قطفير وعزل قطفير فهلك قطفير في تلك الأيام وزوج الملك يوسف امرأة قطفير فلما دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين فقالت: أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت فيما أعطاك ربك من الحسن فغلبتني نفسي فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها فولدت له أفراييم وميشا فولد لأفراييم نون وولد لنون يوشع فتى موسى وولد لميشا موسى وهو نبي قبل موسى بن عمران.
وقد روي في حقها غير هذا على ما سيأتي.
فلما ولي يوسف أمر الناس بالزرع فزرعوا فأمر بترك الزرع في سنبله ودخلت السنون.
المجدية وقحط الناس وأجدبت بلاد فلسطين وباع يوسف الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل ثم باعهم في السنة الأخرى بالعبيد والإماء ثم باعهم بعد ذلك بالخيل والدواب ثم بالمواشي والبقر والطير ثم بالقرى والضياع والمنازل ثم باعهم بأنفسهم فلم يبق بمصر رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير إلا صار في ملك يوسف.
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري أخبرنا صاعد بن سيار أخبرنا أحمد بن أبي سهل الغورجي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة أخبرنا محمد بن أحمد بن حمزة حدثنا محمد بن المنفر قال: حدثني مطروح بن شاكر حدثنا علي بن معبد العبدي حدثنا عمر بن عبد الله القرشي قال: جاء سيل بمصر فحسر عن بيت من ذهب في أصل جبل عليه مصراعان وفيه امرأة عليها سبعة عقود وسبعة أسورة وإلى جانبها صخرة مكتوب فيها: أنا شادة بنت فلان الملك أصابتنا مجاعة على عهد يوسف فبذلت صاعًا من درهم بصاع من طعام فلم أقدر عليه ثم بذلت صاعًا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدرعليه ثم بذلت صاعًا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عليه فعمدت إلى اللؤلؤ فسحقته ثم شربته فزادني جوعًا فمت جوعًا فأيما امرأة طلبت الدنيا بعد فأماتها الله موتي فإني إنما مت جوعًا.
وقد روي أن زليخا صارت في ملك يوسف لأنها اشترت منه بجميع ملكها ثم بنفسها فأخرجها يوسف من مدينته فابتنت لنفسها مسكنًا على قارعة طريق يوسف فغيرتها السنون ونسيها يوسف واشتغل بملكه عليه السلام وكبرت وعميت وانحنى صلبها.
وكان يوسف يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف وفي ألف دواء وألفي سيف يدور في عمله وينتصب لأهل مملكته وينصف للمظلوم من الظالم.
وكانت زليخا تلبس جبة صوف وتشد حقويها بحبل من ليف وتقف على قارعة الطريق فإذا حاذاها يوسف نادته فلا يسمع نداءها ففعلت ذلك مرارًا فركب يومًا فنادته: أيها العزيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكًا.
وجعل الملوك بالمعصية عبيدًا فسمعها فبكى والتفت إلى فتاه فقال: انطلق بهذه العجوز معك إلى دار الملك واقض لها كل حاجة فقال لها الغلام: ما حاجتك يا عجوز فقالحت له: إن حاجتي محرمة أن يقضيها غير يوسف فأقبل يوسف من موكبه فدعا بها وقال: من أنت يا عجوز قالت: أنا معتقتك ومذللتك أنا زليخا فبكى وقال: ما فعل حسبك وجمالك قالت: ذهب به الذي ذهب بذلّتك ومسكنتك وأعطاك هذا الملك فقال: يا زليخا إن لك عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي فوحق شيبة إبراهيم لأقضينها فقالت: حاجتي الأولى أن تدعو اللّه أن يرد عليّ بصري وشبابي فدعا اللّه لها فرد بصرها وشبابها فلما نظر إلى حسنها وجمالها لم يتمالك أن ضحك ثم قالت: ادع الله أن يرد عليّ حسني كما كان فدعا اللّه فرد حسنها وجمالها وزادها كرامة ليوسف فصارت كأنها بنت ثماني عشرة سنة وكان لها يومئذ مائة وعشرون سنة فقالت: حاجتي الثالثة.
قال ما هي قالت: ليست حاجتي إليك قال: فما حاجتك قالت: أن تتزوج بي فأوحىِ الله إليه أن تزوج بها وزينها بكل زينة ثم دخل بها فأصابها بكرًا وأولدها اثني عشر ولدًا.
ذكر هذه القصة أبو الحسين بن المنادي من حديث وهب بن منبه وغيره.
قال العلماء: وبلغ الجدب أرض كنعان وهلكت ماشية يعقوب ودوابه وجاع هو وأولاده فقال لهم: انطلقوا فاشتروا لنا من عزيز مصر طعامًا.
وكان يوسف قد أقعد صاحب جوازه على الطريق وأمره أن لا يترك أحدًا من أهل الشام يدخل ممر إلا سأله عن حاله وقصته فلما قدم ولد يعقوب سألهم من أين هم فقالوا: نحن كنعانيون من بني يعقوب النبي عليه السلام وكتب إلى يوسف بذلك وأنهم يريدون اشتراء طعام فورد الكتاب على يوسف فبكى بكاء شديدًا ثم قال: عزعلي يا نبي اللّه بما قاسيت من فقراء الشام وجوعها وأنا ملك مصر ثم أدخلهم عليه {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون} فجعته العبرة ثم قال: من أين أنتم قالوا: من وادي كنعان قال: ومن أنتم قالوا: بنو يعقوب النبي ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل فقال: حياكم الله يا ولد يعقوب ألكم حاجة قالوا: نعم أصابتنا خصاصة فوجهنا يعقوب إليك نمتار منك طعامًا فأمر بصرارهم فأخذت ثم دعا فتاه من حيث لا يشعرون فأمره أن يجعل كل صرة في حمل من الأحمال التي يكيل فيها الطعام لهم وكان هو يتولى الكيل بنفسه ويخيط الحمل بنفسه فلما أرادوا الرحيل قال: كيف رأيتم سيرتي وحسن ضيفي قالوا: جزاك اللهّ خيرًا فقال: إن لي إليكم حاجة قالوا: وما حاجتك قال: تخبروني كم ولد يعقوب قالوا: اثنا عشر قال: فما أرى إلا عشرة قالوا: أما أحدهما وكان يقال له يوسف وكان أجملنا فأكله الذئب قال: فالآخر قالوا: موكل بخدمة يعقوب يتسلى به قال: فاتوني بأخيكم هذا {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ولا تَقْرَبُونِ}.
فرجعوا إلى يعقوب فقصوا عليه قصتهم فبكى يعقوب وقال: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْه إِلاَّ كَمَا أمِنتُكُمْ عَلَى أخِيهِ مِنْ قَبْل} ثم فتحوا متاعهم فوجدوا الصرار فقالوا: {يَا أبَانَا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}.
ثم ما زالوا بيعقوب حتى بعث معهما ابن يامين ثمِ أنه كره أن تصيبهم العين فقال: فلما وصلوا إليه فرأى يوسف ابن يامين خنقته العبرة فلما جلسوا نصب لهم موائد ستة وأمر كل واحد منهم أن يأخذ بيد أخيه من أمه وأبيه فيجلسان على مائدة وأخذ كل واحد بيد أخيه فبقيت مائدة خالية وابن يامين قائم وحده فقال يوسف: يا غلام ما لك لا تقعد مع اخوتك قال: ليس لي قرين ولقد كان لي أخ فأكله الذئب فقال: أتحب يا غلام أن أجلس أنا معك قال: نعم فجلس معه فجعل ابن يامين يبكي قال: ما لك قال: أرى في وجهك علامات طال ما كنت أراها في وجه أخي يوسف.
فلما كان لهم أمر فتاه أن يجعل الصواع في رحل ابن يامين فلما خرجوا نادى مناد: {أيًتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون}.
فجرى لهم ما قصّ في القرآن إلى أن ظهر الصواع في رحل ابن يامين فأقبلوا يلطمون وجه ابن يامين وهو يقول: وحق شيبة إبراهيم ما سرقت ولا علمت كما لم تعلموا أنتمِ بصراركم قبل ذلك فلما رجعوا إلى أبيهم تخلف روبيل وقال:{فَلَنْ أبْرَحَ الأرْض حَتَّى يَأْذَنَ لِي أبِي}.
فلما أخبروا يعقوب قال: {عَسَى اللًهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} ثم أعرض عنهم {وَقَالَ يَا أسَفَا عَلَى يُوسُفَ} فقالوا له: لا تزال {تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَى تَكُونَ حَرَضًا}.
فقال: {إِنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّه} لا إليكم {وأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُون} من صدق رؤيا يوسف.
وقيل: إن يعقوب سأل ملك الموت: هل قبضت روح يوسف قال: لا فقال لأصحابه: {إِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأخِيه}
فرجعوا إلى مصر فدخلوا على يوسف فقالوا: {مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرًّ وَجِئنَا بِبِضَاعةَ مُزْجَاةٍ} وكانت سمنًا وصوفًا فسألوا التجاوز عنهم وقالوا له: {وَتَصدقْ عَلَيْنَا} أي: بفضل ما بين الرديء والجيد وقيل: ترد أخانا.
فبكى وقال: {هَلْ عَلِمْتُم مَا فَعَلْتم بِيُوسُفُ وَأخِيهِ} فقالوا: {إِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أنَا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي} فقالوا: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} فقال: ما فعل أبي قالوا: عمي من الحزن فقال: " اذْهَبُوا بِقَمِيصي هَذَا أفَألْقُوهُ على وَجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأتُونِي بِأهْلِكُمْ أجْمَعِينَ ".
فلما فصلوا بالقميص قال يعقوب: {إني لأجِدُ رِيحَ يُوسُف} فكان بينهما مسيرة ثمانية أيام.
قال العلماء: واستأذنت الريح ربها أن تأتي بريح القميص يعقوب قبل البشر فأذن لها.
فلما وصل وهو يهوذا وكان قد قال: أنا ذهبت بالقميص ملطخًا بالدم فأخبرته أنه أكله الذئب وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أنه حيِّ فأفرحه كما أحزنته فألقاه على وجه يعقوب فارتد بصيرًا فقال أولاده: {يَا أبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا}.
{قَالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُم}.
فأخر ذلك إلى ليلة الجمعة وقت السحر.
ثم دخل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر فلما بلغوا خرج يوسف يتلقاه في ألوف كثيرة فنظر يعقوب إلى الخيل فقال لابنه يهوذا وهو يتوكأ عليه: هذا فرعون مصر فقال: لا هذا ابنك يوسف.
فلما التقيا قال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان فلما دخلوا مصر رفع أبويه على العرش وهو السرير.
والمراد بأبويه: أبوه وأمه وقيل: بل خالته وكانتَ أمه قد ماتت.
وخروا له الوالدان والأخوة سجدًا.
وكانت تحية الناس قديمًا.
فقال يوسف: {يَا أبتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي} التي رأيتها وكان بين الرؤيا وتأويلها أربعون سنة.
قاله سلمان وقال الحسن: ثمانون.
قال الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وكان بين ذلك وبين لقاء يعقوب ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
وقد زعم بعض أهل الكتاب أن يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة وأقام في منزل العزيز ثلاث عشر سنة فلما تمت له ثلاثون سنة استوزره فرعون ملك مصر واسمه الريان بن الوليد وأن هذا الملك آمن به ثم مات.
وقال بعض علماء السير: أقام يعقوب عند يوسف بمصر أربعًا وعشرين سنة وقيل: سبع عشرة ومات وهو ابن مائة وسبع وأربعين سنة وعاش يوسف بعد يعقوب ثلاثًا وعشرين سنة وأوصى إلى يوسف أن يدفنه عند أبيه إسحاق فحمله إلى هناك وأوصى يوسف إلى أخيه يهوذا أن يدفن إلى جنب آبائه.
ومات.
باب ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام
وهو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم.
نسبه ابن إسحاق.
وقال هشام بن محمد عن أبيه: أيوب بن رازح بن أموص بن العيرز بن العيمر.
قال وهب بن منبه: كان أيوب في زمن يعقوب عليه السلام وكانت تحته بنت يعقوب وكان أبوه ممن آمن لإبراهيم يوم إحراقه.
وأم أيوب بنت لوط النبي صلى اللّه عليهما فلوط جدّ أيوب لأمه.
وبعضهم يجعل أيوب بعد سليمان وبعضهم يقول: هو بعد يونس.
والذي يقتضيه الصواب تقديمة على ما قد اخترنا.
ونبينا أيوب في زمن يعقوب وكان ينزل بالبَثنيَّة من أرض الشام وكان غنيًا كثير الضيافة والصدقة وكان إبليس يومئذ لا يحجب من السماوات فسمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب فأدركه الحسد فقال: يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفرك فقال: اذهب فقد سلطتك على ماله ثم سلطه على أولاده ثم على جسده وصبرت معه زوجتش رحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب.
قال مجاهد: أول من أصابه الجدري أيوب.
وقال وهب: كان يخرج عليه مثل ثدايا النساء ثم يتفقأ.
أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد حدثنا أبي حدثنا كثير بن هشام حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: عرج الشيطان فقال: أي رب سلطني علي أيوب قال: سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده قال: فنزل فجمع جنوده فقال: إني سلطت على أيوب فأروني سلطانكم قال: فصاروا نيرانًا ثم صاروا ماء.
قال: وبيناهم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى غنمه وقالوا: اعلموا أنه لا يعتصم منكم إلا بمعرفة فأتوه بالمصائب بعضها على أثر بعض.
قال: فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارًا فأحرقه.
وجاء راعي الإبل فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوًا فذهب بها.
وجاء صاحب البقر فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوًا فذهب بها.
ثم جاء صاحب الغنم فقال مثل ذلك.
فقال: وجاء لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم فبيناهم يأكلون ويشربون فجمع أركان البيت فهدم عليهم البيت.
قال: فجاء إلى أيوب في هيئة الغلام وفي أذنيه قرطان فقال: يا أيوب ألم تر إلى بنيك اجتمعوا في بيت أكبرهم يأكلون ويشربون فبيناهم كذلك إذ جاءت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم وطعامهم وشرابهم فقال له أيوب: أين كنت أنت قال: كنت معهم قال: فكيف أفلت قال: أفلتَ قال: أنت الشيطان قال: أنا الآن مثلي يوم خرجت من بطن أمي فقام فحلق رأسه ثم قام يصلي فأرن الشيطان رنة سمعها أهل السموات وأهل الأرض ثم عرج فقال: أي رب قد اعتصم وإني لا أستطيعه إلا بتسليطك فسلطني عليه قال: قد سلطتك على جسمه ولم أسلطك على قلبه.
قال: فنفخ تحت قدميه نفخة فصرخ من قرنه إلى قدمه حتى بدا حجاب بطنه وألقى عليه الرقاد.
قال: فقالت امرأته ذات يوم: يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفاقة فابعث قرنًا من قروني برغيف فأطعمك فادع ربك فليشفيك قال: ويحك كنا في النعماء سبعين عامًا فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عامًا.
قال: فكان في ذلك البلاء سبعين قال: فقعد الشيطان في الطريق فأخذ تابوتًا يتطيب فأتته امرأة أيوب فقالت: يا عبد الله إن ها هنا إنسانًا مبتلى فهل لك أن تداويه قال: إن شاء فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا برأ يقول: أنت شفيتني قال: فأتته فقالت: يا أيوب إن ها هنا رجلًا يزعم أنه يداويك على أن تقول له كلمة واحدة: أنت شفيتني قال: ويلك ذلك الشيطان للّه علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة فبيناهم كذلك إذ جاءه جبرئيل فأخذ بيده فقال: قم فقام فقال: اركض برجلك فركض فنبعت عين فقال: اشرب فشرب.
قال: ثم البسه حلة من الجنة وجاءت امرأته فقالت: يا عبد اللهّ أين المبتلى الذي كان ها هنا لعل الذئاب ذهبت به أو الكلاب قال: فقال: ويحك لأنا أيوب قد رد اللّه إلي نفسي قال: فقالت: يا عبد اللّه لا تسخر بي قال: ويحك أنا أيوب فرد اللّه إليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم وأمطر عليهم جرادًا من ذهب.
قال: فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه.
فيأخذ فيجعل فيه فأوحى اللّه إليه: يا أيوب أما شبعت قال أيوب: من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك.
قال: فأخذ ضغثًا بيلى فجلدها به.
قال وكان الضغث مائة شمراخ فجلدها به جلدة واحدة.
وبالإسناد حدثنا عبد اللهّ حدثنا أبي حدثنا يزيد أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت عبد الله بن عبد بن عمير يقول: كان لأيوب أخوان فأتياه ذات يوم فوجدا له ريحًا فقالا: لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما بلغ به كل هذا قال: فما سمع شيئًا كان أشد عليه من ذلك فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبتَ ليلة شبعانًا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني.
قال: فصدق وهما يسمعان ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصًا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني.
قال: فصدقني وهما يسمعان ثم قال: ثم خر ساجدًا ثم قال: اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشف مابي فكشف الله ما به.
وقال يزيد مرة أخرى: لو كان لأيوب عند اللهّ خير ما بلغ به كل هذا.
وقال وهب بن منبه: كانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه وكان قد اتبعه ثلاثة نفر على دينه فلما رأوا ما نزل به من البلاء بعدوا عنه.
قال الحسن: مكث أيوب مطروحًا على كناسة سبع سنين وأشهرًا ما يسأل اللّه أن يكشف ما به وما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب.
وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: أن أيوب عليه السلام مكث في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات لم يتضعضع ولم يسأل العافية وكان يقول: يا رب إن قرأت على ابن ناصر عن سليمان بن إبراهيم الأصبهاني قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الرقي أخبرنا محمد بن عمر بن حفص حدثنا أحمد بن الخليل القومسي حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعة عن بشير بن طلحة عن خالد بن الدريك قال: لما ابتلي أيوب قال لنفسه: قد نعمت سبعين سنة فاصبري على البلاء سبعين سنة.
قال علماء السير: كان عمر أيوب ثلاثًا وسبعين سنة.
وقال قوم: ثلاثًا وتسعين سنة.
وقيل: بل عاش مائة وستًا وأربعين وأوصى عند موته إلى ابنه حومل.
| |
|
| |
الإمبراطور
عضو مبدع
الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011 عدد المساهمات : 178
| موضوع: رد: ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ السبت 21 أبريل 2012, 6:37 am | |
| باب ذكر شعيب عليه السلام
وهو شعيب بن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم.
هكذا يقول الأكثرون.
وقرأته بخط أبي الحسين بن المنادي على خلاف هذا النسب وهذا الاسم قال: هو شعيب ابن نوبب - بباءين مع سكون الواو - بن رعيل بن عيفا بن مدين بن إبراهيم.
وبعضهم يقول: ليس من ولد إبراهيم إنما هو من ولد بعض من آمن به ولكنه ابن بنت لوط.
أرسل إلى أمتين: أهل مدين وأصحاب الأيكة.
وكانت مدين دار شعيب والأيكة خلف مدين.
وقال الشرقي بن القطامي - وكان عالمًا بالأنساب -: هو يثرون بالعبرانية وشعيب بالعربية.
قال العلماء: بعثه اللّه تعالى إلى مدين وهو ابن عشرين سنة وكانوا أهل بخس في المكاييل والموازين فدعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن التطفيف فكان يقال له: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه فلما طال تماديهم بعث اللّه عليهم حرًّا شديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا إلى البرية فبعث اللهّ عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا بردًا ولذة فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم فذلك عذاب يوم الظلة.
قال أبو الحسين بن المنادي: وكان أبو جاد وهواز وحلى وكلمون وسعفص وقريشات بني الأمحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم ملوكًا.
وكان أبو جاد ملك مكة وما والاها من تهامة وكان هواز وحطي ملكي وج وهو الطائف.
وكان سعفص وقريشات ملكي مدين ثم خلفهم كلمون وكان عذاب يوم الظلة في ملكه فقالت حالفه بنت كلمون - وفي رواية: أخت كلمون - ترثيه: كلمونٌ هدَّ ركني هُلْكُهُ وَسْطَ المحلَّهْ سيّدُ القوم أتاه ال حَتفُ نارًا وَسْطَ ظُلَّهْ ثم إن شعيبًا مكث في أصحاب الأيكة باقي عمره يدعوهم إلى اللّه سبحانه ويأمرهم بطاعته وتوحيده والإيمان بكتابه ورسله فما زادهم دعاؤه إلا طغيانًا ثم سلط عليهم الحرّ.
فجائز أن تكون الأمتان اتفقتا في التعذيب.
وقد قال قتادة: أما أهل مدين فأخذتهمِ الصيحة وأما أصحاب الأيكة فسلط عليهم الحرّ سبعة أيام ثم بعث الله عليهم ناراَ فأكلتهم فذلك عذاب يوم الظلة.
فأما قوله تعالى: {وإِنًا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا}.
فقال سعيد بن جبير: كان أعمى.
وهذا إن ثبت فقد كان في آخرعمره.
قال أبو روق: لم يبعث اللّه نبيًا أعمى ولا به زمانة.
قال أبو الحسين بن المنادي: وهذا القول أليط بالقلوب من قول سعيد بن جبير.
قال أبو المنذر: ثم إن شعيبًا زوج موسى ابنته ثم خرج إلى مكة فتوفي بها وأوصى إلى موسى وكان عمره كله مائة وأربعين سنة ودفن في المسجد الحرام حيال الحجر الأسود.
ومن الحوادث التي كانت في زمن شعيب ملك منوشهر ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي " ميوشهر " قد ضبط بالياء وهو من ولد إيرج ابن آفريدون ولما كبر صار إلى جده أفريدون فتوجه.
وبعث موسى عليه السلام وقد مضى من ملك منوشهر ستون سنة فعاش في الملك ستين سنة أخرى ثم وثب به عدو فنفاه عن بلده اثني عشر سنة ثم أديل منه منوشهر فنفاه وعاد إلى ملكه فملكه بعد ذلك ثمانيًا وعشرين سنة.
وكان منوشهر يوصف بالعدل والإحسان وهو أوّل من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب وزاد فيِ مهنة المقاتلة الرمي وأول من وضع الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانًا وجعل أهلها له خولًا وعبيدًا.
وسار إلى بلاد الترك مطالبًا بدم جده إيرج فقتل طوخ بن أفريدون فانصرف.
واصطلح هو وقريشات على أن يجعلا حدَّ ما بين مملكتيهما منتهى رمية سهم رجل من أصحاب منوشهر فحيث ما وقع سهمه من موضع رميته تلك مما يلي الترك فهو الحدُ بينهما.
فرمى ذلك فبلغت رميته نهر بلخ فصارحدّ ما بين الترك وولد طوخ وولد إيرج.
واشتَقّ منُوشهْر من الصّراة ودِجلة ونهر بلخ أنهارًا عظامًا وقيل: إنه هو الذي كرى الفرات الأكبر وأمر الناس بحراثة الأرض وعمارتها.
قالوا: ولما مضى من ملك منوشهر خمس وثلاثون سنة تناولت الترك من أطراف رعيته فقام خطيبًا فوبخ رعيته - ويقال: هي أولى خطبة سمعت من خطيب - وقال: إنما الناس ناس ما دفعوا العدو عنهم وقد نالت الترك من أطرفكم وليس ذلك إلا من ترككم جهاد عدوكم وقلة المبالاة وإن الله أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا فإذا كان غدا فاحضروا.
وأرسل إلى أشراف الأساورةَ فدعاهم وأدخل الرؤساء ودعى موبذ موبذان فأقعد على كرسي مما يلي سريره ثم قام على سريره فقام أشراف أهل مملكته فقال: اجلسوا فإني إنما قمت لأسمعكم كلامي فجلسوا فقال: أيها الناس إنما الخلق للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بد مما هو كائن وإنه لا أضعف من مخلوق طالبًا كان أو مطلوبًا ولا أقوى من خالق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أعجز ممن هو في يد طالبه وإن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة وقد ورد الأول ولا بد للآخر من اللحوق بالأول وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله وإن اللهّ عز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين وإن للملك على أهل مملكته أحقًا ولأهل مملكته عليه حقًا فحق الملك على أهل المملكة أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوَّه وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها إذ لا معتمد لهم على غيرها وأنها تجارتهم وحق الرعية على الملك أن ينظر لهم ويرفق بهم ولا يحملهم ما لا يطيقون وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرض أن يسقط عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عمارتها ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدرما لا يجحف بهم والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر فمتى قُصّ من الجناح ريشه كان ذلك نقصانًا منه فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه.
ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال: أولها أن يكون صدوقًا لا يكذب وأن يكون سخيًا لا يبخل وأن يملك نفسه عند الغضب فإنه مسلّط ويده مبسسوطة والخراج يأتيه فينبغي ألا يستأثر عن جنده ورعيته بما هم أهله وأن يكثر العفوة فإنه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو ولا أهلكَ من ملك فيه العقوبة ولأن يخطىء في العفو فيعفو خير من أن يخطىء في العقوبة.
فينبغي للملك أن يَتَثَبَّت في الأمر الذي فيه قتل النفس وبواها وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيه وليجمع بينه وبين المتظلِّم فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه وإن عجز عنه آدمي أدى عنه الملكُ ورده إلى موضعه وأخذه بإصلاح ما أفسد فهذا لكم علينا.
ألا من سفك لحمًا بغير حق أوقطع يدًا بغير حق فإني لا أعفو عن ذلك إلا أن يعفو عنه وإن الترك قد طمعت فيكم فاكفوها بما تكفون أنفسكم به قد أمرت لكم بالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي وإنما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم.
ألا وإن الملك ملك إذا أطيع فإذا خولف فذلك مملوك ليس بملك.
فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المُبلغ له حتى نتيقَّنه منه فإذا صحت معرفة ذلك أنزلناه منزل المخالف.
ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إلى اليقين فمن قُتِل في مجاهدة العدوّ رجوت له الفوز برضوان اللّه.
وأفضل الأمور التسليم لأمر اللّه والراحة إلى اليقين والرضا بقضائه أين المهرب مما هو كائن! وإنما يتقلَب في كف الطالب وإنما أهل هذه الدنيا سفر لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها وإنما بلغتهم فيها بالعواري فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم لمن القضاء له! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربًا إلا إليه ولا معولًا إلا عليه! فثقوا أن النصر من اللّه تعالى وكونوا على ثقة من دَرَك الطلبة إذا صحت نياتكم واعلموا أن هذا الملك لا يقوم إلا بالاستقامة وحسن الطاعة وقمع العدوّ وسدّ الثغور والعدل للرعية وإنصاف المظلوم فشفاؤكم عندكم والدواء الذي لا داء فيه الاستقامة والأمر بالخير والنهي عن الشرّ ولا قوة إلا باللّه.
انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة فزاد ذلك في خراجكم وتبين في زياده أرزاقكم وإذا خِفْتم على الرعية زهدوا في العمارة وعطلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم وتبين في نقص أرزاقكم فتعاهدوا الرعية بالإنصاف.
هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان الزم هذا القول وجد في هذا الذي سمعت في يومك أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم قد قلت فأحسنت ونحن فاعلون إن شاء اللّه.
ثم أمر بالطعام فوضع كلوا وشربوا ثم خرجوا وهم له شاكرون.
وكان ملكه مائة وعشرين سنة فلما هلك قريشات وتغلب على مملكة فارس وصار إلى أرض بابل وأقام بأذربيجان وأكثر الفساد فبقي اثنتي عشرة سنة إلى أن ظهر زو.
وكان من الملوك في هذا الزمان الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان وإخوته.
وكان أملكه باليمن أيام ملك منوشهر وإنما سمي الرائش - واسمه الحارث - لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن فسمي لذلك الرائش.
وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال ورجع إلى اليمن ثم سار منها على جبل طيء ثم على الأنبار ثم على الموصل وأنه وجِّه منها خيله وعليها رجل من أصحابه يقال له: شمر بن العطاف فدخل على الترك أرض أذْرَبيجَان وهي في أيديهم يومئذ فقتل المقاتلة وسبى الذرية وزَبَر ما كان من مسيره في حَجَرَيْن فهما معروفان ببلاد آذربيجان.
وملك بعد الرائش ابنه أبرهة ويقال له: ذو منار.
وإنما قيل ذلك لأنه غزا بلاد المغرب فأوغل فيها فخاف على جيشه الضلال عند قفوله فبنى المنار ليهتدوا به.
وهو أحد الملوك الذين توغلوا في الأرض وكان له ولد يقال له: " العبد " فبعثه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب فغنم وأصاب مالًا وقدم عليه بسبي لهم خلق منكرة.
فذعر الناس منهم فسموه ذا الأذعار.
ويقال: ان ملوك اليمن كانوا عمالًا لملوك الفرس بها ومن قبلهما كانت ولايتهم بها.
باب ذكر موسى عليه السلام
كان بين موسى وإبراهيم ألف سنة وبين إبراهيم ونوح ألف سنة وبين نوح وآدم ألف سنة.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبوِ عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا قبيصة بن عقبة أخبرنا سفيان بن سعد عن أبيه عن عكرمة قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر عن غير واحد من أهل العلم قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون القرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين إبراهيم وموسى عشرة قرون والقرن مائة سنة.
وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب كذلك قال هشام بن محمد عن أبيه.
وقال ابن إسحاق: موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي.
ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي: " ناهب " بالنون والباء.
واسم أم موسى يوخابذ.
وكان الكهان قد قالوا لفرعون - واسمه الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلوالش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق.
وكان فرعون يوسف لا يؤذي بني إسرائيل بل يحسن إليهم فلما مات وليَ بعده فرعون من فراعتهم فلم يؤذي بني إسرائيل ثم ملك فرعون موسى وهو الرابع من الفراعنة وكان أخبثهم وعاش ثلاثمائة سنة واستعبد بني إسرائيل وعذبهم وصنَفهم في أعماله فصنف يبنون له وقوم يحرثون له ومن لاعمل له فعليه الجزية.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا ابراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم إجازة أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق حدثنا أبو بكر المروزي قال: حدثنا أبو عبد اللهّ المروزي حدثنا محمد بن عبد حدثنا معمر بن بشر قال: سمعت عبد اللهّ بن المبارك يقول: كان فرعون عطارًا وكان من أهل أصبهان فأفلس وركبه دين فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى دخل مصر ورأى عند باب المدينة وقر بطيخ بدرهم وفي المدينة بطيخة بدرهم.
قال فرعون: قد صرت إلى موضع أقضي ديني واستغني فأشترى وقرًا بدرهم.
ومضى ليدخله المدينة فتناول كل إنسان بطيخة حتى بقي معه واحدة وباعها بدرهم فضجر فقالوا له: هكذا سنتنا فقال: أما ها هنا أحد يعدل أو نصير فقالوا: لا هنا ملك قد خلا بلذاته وسلط وزيره على الناس ليس ينظر في شيء فبسط لبدا على المقابر فجعل يأخذ من كل جنازة أربعة دراهم فصبر بذلك ما شاء الله حتى ماتت بنت الملك فمروا بها عليه فقال: هاتوا أربعة دراهم فقالوا: هذه بنت الملك فقال: هاتوا ثمانية فما زال وزالوا يتنازعون حتى أضعف عليهم مرات فلما رجعوا قالوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كذا وكذا قال: ومن فبعث إلى وزيره فدعاه فقال: أنت استعملت هذا قال: لا فدعاه فقال: من استعملك فقص عليه القصة وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قالوا له أنه ليس ها هنا أحد يعدل فلما رأيت ذلك صنعت ما ترى لينتهي إليك فتغير وتنتبه لملكك.
قال: فمذ كم أنت على حالك فقال: سنين كثيرة حتى صرت إلى الأموال الكثيرة فأمر بوزيره فضربت عنقه واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فيها طعم العيش لما كانوا فيه قبل.
يقضي بالحق ولو على نفسه ثم ان الملك مات فقالوا: من نستخلف فاجتمع رأيهم فقالوا: لا نستعمل غير هذا الذي أذاقنا طعم العيش فملكوه على أنفسهم فلم يزل عليهم يموت قرن ويخلفهم آخرون وتراخى به السن وطال ملكه حتى ادعى ما علمتم.
قال علماء السير: قالت الكهنة لفرعون: يولد مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك على يده فأمر بذبح أبنائهم ثم اشتكت القبط إلى فرعون وقالت: إن دمت على الذبح فلم يبق من بني إسرائيل من يخدمنا فصار يذبح سنة ويترك سنة.
فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى بعده بسنه.
وقال قوم: بينهما ثلاث سنين.
قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسى لم يتبين حملها ولم تعلم فلما ولد موسى دخل الطلب إليها فرمته في التنور فسلم ثم خافت عليه فصنعت له تابوتًا وألقته في البحر حمله الماء إلى أن ألقه بين يدي فرعون.
فلما فتح التابوت فنظر إليه قال: عبراني من الأعداء كيف أخطأه الذبح فقالت آسية: هذا أكبر من ابن سنة وإنما أمرت بذبح أولاد هذ السنة فدعه يكون قر عين لي ولك.
وكان فرعون لا يولد له إلا البنات فتركه وأحبه.
ولما رمته أمه في اليم بكت وجزعت فربط اللّه على قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار حتى سمعت أن فرعون أخذ صبيًا في تابوت فعرفت القصة فقالت لأخته - واسمها مريم وكان له أختان: مريم وكلثوم: قصيه فانظري ماذا يفعلون به.
فدخلت أخته على آسية مع النساء وقد عرضت عليه المرضعات فلم يقبل ثديًا فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم.
قالوا: نعم من هم قالت: حنة امرأة عمران فبعثوا إليها فأخذ ثديها فشرب ونام.
فلما انتهى رضاعه ردته إلى فرعون فاتخذه يومًا في حجره فمدَّ بلحيته فقال: عليّ بالذابخ فقالت آسية: إنما هو صبي لا يعقل.
وأخرجت له ياقوتًا وجمرًا فوضع يده على جمرة فطرحها في فيه فأحرقت لسانه فذلك قوله: " وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ".
وكبر موسى فكان يركب وإن فرعون ركب يومًا وليس عنده موسى فلما جاء موسى ركب في أثره فوجد في المدينة {رَجُلَيْنن يقتتلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} أي: من بني إسرائيل {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه} يعني القبط.
فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي فوكزه موسى فمات.
فندم موسى على قتله وأصبح خائفًا أن يؤخذ به.
{فَإِذَا الذِي استَنصَرَهُ بالأمْس يَسْتَصْرِخُه}.
أي: يستغيثه على آخر.
وكان القبط قد أخبروا فرعون بالقتل فقال: إن عرفتم قاتله فاخبروني فلم يعرفوه فلما أراد موسى أن ينصر الإسرائيلي في هذا اليوم الثاني ظن الإسرائيلي أنه يقصده بالأذى فقال: {أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس}.
فعلم الناس أنه هوالقاتل فطلبوه فخرج خائفًا فهداه اللّه إلى مدين.
قال سعيد بن جبير: خرج إلى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر فخرج حافيًا.
قال السدي: {وَلَمَا ورَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أمَةً مِنَ الناس يَسْقًونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونهم امْرأتَيْنِ تَذُودان} أي: تحبسان غنمهما فسمألهما: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حًتّى يصدِرَ الرِّعَاءُ وَأبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.
فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان يجتمع عليها نفر حتى يرفعوها فسقى لهما ورجعتا وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض ثم تولى موسى إلى ظل شجرة فقال: {رَبِّ إِنِّي لمَا أنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خيْرٍ فَقِير}.
قال ابن عباس: ورد ماء مدين وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال.
قال السدي: فلما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعًا سألهما فأخبرتاه خبر موسى فأرسل إليه إحداهما فأتته {تَمشي عَلَى اسْتِحْيَاءِ قَالَتْ إن أبِي يَدْعُوكَ}.
فقام معها فمشت بين يديه فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها فقال: امشي خلفي ودليني الطريق.
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي أخبرنا علي بن محمد العلاف أخبرنا عبد الملك بن عمر بن بشران أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان حدثنا عباس الدوري حدثنا عبد الله أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه: أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر فلا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما فحدثتاه فأتى الحجر فرفعه ثم لم تسق إلا ذنوبًا واحدًا حتى رويت الغنم ورجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه وتولى موسى الظل فقال: " رَب إِنِّي لِمَا أنزلْتَ إليَّ مِنْ فجاءته إحداهما " تَمْش عَلَى اسْتِحْيَاءٍ " واضعة ثوبها على ثغرها فقالت: {إِنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيكَ أجْرَ مَاسَقَيْتَ لَنَا} فقال لها: امشي خلفي ودليني الطريق فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فيصف لي جسدك.
فلما انتهى إلى أبيها: {وَقصَ عَلَيه القَصَصَ}.
{قَالَتْ إِحدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مِنَ اسْتَأجَرْتَ القويُ الأمِينُ}: قال: يا بنية ما علمك بأمانته وقوته.
قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطبقه إلا عشرة وأما أمانته فقال لي: امشي خلفي وصفي الطريق فإنى أكره أن يصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك.
قال السدي: لما سمع شعيب قولها قال: {إِنِّي أرِيدُ أنْ أنْكِحَكَ إِحْدى ابْنَتيَّ هاتين}.
فزوج التي دعته وقضى أيما الأجلين.
فأما اسم المرأة التي تزوجها فهو صفورا والأخرى ليّا.
وقد روي عن ابن عباس: أن الذي استأجره صاحب مدين واسمه يثربي.
وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: وهو ابن أخي شعيب.
ذكر ما جرى له بعد انفصاله عن مدين شعيب قال السدي: {فَلَمَا قَضى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِه} ضلّ الطريق فرأى نارًا - وكان شتاء - ف {قَالَ لأهْلِهِ أمْكُثُوا}.
أخبرنا محمد بن أبي منصور الحافظ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثنا عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه قال: لما رأى موسى النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبًا فإذا هو بنارعظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديده الخضرة لا تزداد النار فيما يرى إلا عظمًا وتضرّمًا ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنًا.
فوقف ينظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق أوقد إليها موقد نالها فاحترقت وإنه إنما تمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جزعها.
فوضع أمرها على هذا فوقف يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه.
فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها.
فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنما تريده فأستأخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فيها.
ولم تكن بأوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر في أمرها وقال: هي نارممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تضرم في جوف شجرة ولا تحرقها ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين فلما رأى ذلك موسى قال: إن لهذه النار لشأنًا.
ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرًا لا يدري أيرجع أم يقيم.
فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد ما كان خضرة وإذا الخضرة ساطعة في السماء ثم لم تزل الخضرة تنور وتصْفر وتبياضَّ حتى صارت نورًا ساطعًا عمودًا ما بينا السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكلُّ دونه الأبصار كلما نظر إليه كاد يخطف بصره.
فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس إلا أنه يسمع حينئذٍ شيئًا لم يسمع السامعون مثله.
عظمًا الحنين.
فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول وكاد أن يخالط في عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة فقيل: يا موسى فأجاب سريعًا وما يدري من دعا وما كان سرعة إجابته إلا استئناسًا بالإنس فقال: لبيك مرارًا أسمع صوتك وأحس رحبك ولا أرى مكانك فأين أنت.
قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك.
فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى وأيقن به فقال: كذلك أنت يا إلهي أكلامك أسمع أم لرسولك قال: أنا الذي أكلمك فادن مني فجمع موسى يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائمًا فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبًا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ} قال: وما تصنع بها ولا أحد أعلم بذلك منه قال موسى: {أتَوَكأ عَلَيْهَا وَأهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِي فِيهَا مَآرِبً أخْرَى}.
وكان لموسى عليه السلام في العصى مآرب.
وكانت لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين.
قال له الرب تبارك وتعالى: {ألْقِهَا يَا مُوسَى}.
فظن موسى أنه يقول له ارفضها فألقاها على وجه الأرض لا على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة فإذا هي بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يدب ليمس كأنه يبتغي شيئًا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيقلبها ويطعن بالناب في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان نارًا وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعر مثل النيازك وعادت الشعبتان فمًا مثل القليب الواسع وفيه أضراس وأنياب لها صريف.
فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولى مدبرًا فذهب حتى أمعن في البرية ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه عز وجل فوقف استحياء منه.
ثم نودي: يا موسىِ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف قال: " خُذْهَا " بيمينك {وَلا تَخفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأولَى} وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان فلما أمره بأخذها ثنى طرف المدرعة على يده فقال له مَلَك: أرأيت يا موسى لو أذن اللّه عز وجل لما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئًا.
قال: لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها في فيّ الحية حتى سمع حسَ الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها فيه إذا توكأ بين الشعبتين.
فقال له اللّه عز وجل: ادن فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يديه في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال: إني قد أتيتك اليوم مقامًا لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي وكنت بأقرب الأمكنة مني فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي فإن معك يدي وبصري وإني قد ألبستك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد غيري وزعم أنه لا يعرفني وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت الجبال دمرته وإن أمرت البحار غرقته ولكنه هان عليَ وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري.
فبلغه رسالاتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يرعبك ما ألبِسَهُ من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني.
قل له: أجب ربك عز وجل فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائة سنة وفي كلها أنت مبارز لمحاربته تشبه وتمثل وتصدُ عباده عن سبله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب.
ولو شاء أن يعجل ذلك لك أويسلبكه فعل ولكنه ذوأناة وحلم عظيم.
وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قِبَلَ له بها لفعلت ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا ولا تعجبنكما زينته ولا ما يتمتع به ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي قديمًا فأخرت لهم في ذلك فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق عن مبارك الغرّة.
وما ذاك لهوانهم عليّ ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالمًا موفرًا لم تكلمه الدنيا ولم يطع الهوى.
واعلم أنه لم يزين العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع {سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أثَرِ السُّجُود}.
أولئك أوليائي حقًا حقًا فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك.
واعلم أنه من أهان لي وليًا إذا خافه فقد بارزني بالمحاربة وما رآني وعرض نفسه للهلكة ودعاني إليها وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي.
أويظن الذي يعاديني أن يعجزني.
أم يظن الذي بارزني أن يسبقني أويفوتني فكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا قال: فأقبل موسى عليه السلام إلى فرعون في مدينته قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها فالأسد فيها مع ساستها إذا اسَدَتْهَا على أحد أكل.
وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة فأقبل موسى عليه السلام من الطريق الأعظم الذي يراه منه فرعون فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون.
وأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب إلى قبة فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة صوف وسراويل صوف فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له وقال: هل تدري من تضرب إنما تضرب باب سيدك قال: أنت وأنا وفرعون عبيد لربي عز وجل فأنا آمره فأخبر البواب الذي يليه والبوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونهم سبعون حاجبًا كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله عز وجل كأعظم أميراليوم إمارة حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال: أدخلوه عليّ فأدخلوه فلما أتاه قال له فرعون: أأعرفك قال: نعم قال: {ألَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَليدًا}.
فرد موسى عليه الذي ذكره اللّه عز وجل قال فرعون: خذوه فبادرهم موسى {فَألْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} فحملتَ على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا قتل بعضهم بعضًا.
وقام فرعون منهزمًا حتى دخل البيت فقال لموسى: اجعل بيننا وبينك أجلًا ننظر فيه فقال له فأوحى اللّه عز وجل إلى موسى: أن اجعل بينك وبينه أجلًا واجعل ذلك إليه قال فرعون: اجعله إلى أربعين يومًا ففعل.
وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في أربعين يومًا مرة فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة.
قال: وخرج موسى من المدينة فلما مرَّ بالأسد بصبصت بأذنابها وسارت مع موسى تشيعه ولا تهيجه ولا أحد من بني إسرائيل.
M0م ماكلم اللّه عز وجل به موسى عليه السلام ما أنبأنا يحعى بن ثابت بن بندار أخبرنا أبي أخبرنا ابن دوما أخبرنا مخلد بن جعفر أخبرنا الحسن بن علي القطان أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي أخبرنا الثوري وعباد بن كثير عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن كعب قال: إن الرب عزوجل قال لموسى: يا موسى إذا رأيت الغني مقبلًا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلًا فقل مرحبًا بشعار الصالحين.
يا موسى إنك لن تقرب عليِّ بعمل من أعمال البر خيرلك من الرضا بقضائي ولن تأتي بعمل أحبط لحسناتك من البطر وإياك والتضرع لأبناء الدنيا إذن أعرض عنك وإياك أن تجود بدينك لدنياهم إذن آمرأبواب رحمتي أن تغلق دونك.
ادن الفقراء وقرب مجلسهم منك ولا تركن إلى حب الدنيا فإنك لن تلقاني بكبيرة من الكبائر أضر عليك من الركون إلى الدنيا.
يا موسى بن عمران قل للمذنبين النادمين أبشروا وقل للعالمين المعجبين إخسأوا.
قال وهب بن منبه: كان موسى إذا كلمه الله عز وجل يرى النور على وجهه ثلاثة أيام ولم يتعرض للنساء مذ كلمه.
وقد روى أبو سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " السكينة والوقار في أهل الغنم والخيلاء في أهك الإبل " وقال: " بعث موسى وهو يرعى غنمًا لأهله وبعثت وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد ".
وزعم السدي: أن موسى رجع من تكليم اللّه عز وجل فسار بأهله نحو مصر فأتاها ليلًا فتضيف على أمه وهو لا يعرفها فجاء هارون فقيل له: ضيف فقعد معه فسأله: من أنت.
فقال: أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما تعارفا قال له: يا هارون إنطلق معي إلى فرعون إن اللهّ تعالى قد أرسلنا إليه قال هارون: سمعًا وطاعة فانطلقا إليه ليَلًا فأتيا الباب فضرباه ففزع فرعون وفزع البواب فكلمهما فقال موسى: أنا رسول رب فأتى فرعون فقال: إن ها هنا إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله فدخل فعرفه فرعون.
فقال: {ألَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} ثم قال له: {وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ} قال ما قصه اللّه تعالى علينا.
فقال له: إن كنت جئت بآية فأت بها فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين قد فتحت فاها ووضعت لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت إلى فرعون فذعر منها ووثب وصاح: يا موسى خذها فأنا أومن فعادت عصا ثم نزع يده فإذا هي بيضاء فخرج من عندها.
فأبى فرعون أن يؤمن وبنى الصرح ورقي عليه وأمر بنُشابه فرمى بها نحو السماء فردت إليه ملطخة بالدم فقاك: قد قتلت إله موسى.
قال وهب: بعث إلى السحرة فجمعهم وقال: قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قط فإن غلبتموه أكرمكم.
وكان يرأس السحرة ساتور وعازور وحطحط ومصفى وهم الذين آمنوا لما رأوا سلطان اللّه فتبعتهم السحرة في الإيمان.
وفي عدد السحرة أقوالٌ كثيرة مذكورة في التفسير فمن قائل يقول: كانوا سبعين ألفًا ومن قائل يقول: كانوا سبعمائة ألف.
إلى غير ذلك.
وإنهم جمعوا حبالهم وعصيّهم وكان موعدهم يوم الزينة وهو عيد كان لهم فلما اجتمعوا ألقوا ما في أيديهم فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي تركب بعضها بعضًا {فَأوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةَ مُوسَى}.
فأوحى إليه: أن ألق عصاك فألقاها فتلقفت جميع ما صنعوا حتى ما يرى في الوادي شيء ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه فخرت السحرة سجدًا فواعدهم فرعون بالقتل فقالوا: {فَاقْض مَا أنْتَ قَاضٍ}.
فرجع مغلوبًا وأبى إلا التمادي في الكفر.
قال ابن عباس: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء.
ذكر الآيات التي أرسلت على قوم فرعون لما فرغ من أمر السحرة ولم يؤمن فرعون أرسلت عليه الآيات.
وقد زعم السدي أن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة.
فأما الأولى الطوفان: وهو المطر أغرق كل شيء لهم.
وقيل: بل ماء فاض على وجه الأرض ثم ركد فلم يقدروا أن يعملوا شيئًا فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشفه فنبتت زروعهم فقالوا: ما يسرنا أننا لم نمطر فبعث اللهّ عليهم الجراد فأكل حروثهم وزروعهم حتى أكل مسامير الأبواب فسألوا موسى أن يدعو ربه فدعا فكشفه فلم يؤمنوا فبعث اللهّ عليهم القمل والدبا فلحس الأرض كلها وكان يأكل لحومهم وطعامهم ومنعهم النوم والقرار فسألوا موسى أن يدعو ربه أن يكشفه وقالوا: نؤمن فدعا فكشفه فلم يؤمنوا فأرسل اللّه عليهم الضفاع فملأت البيوت والأطعمة والأواني فقالوا: اكشف ذلك فكشفه فلم يؤمنوا فأرسل عليهم الدمٍ وكان الإسرائيلي يأتي والقبطي يستقيان من ماء واحد فيخرج ماء هذا القبطي دمًا ويخرج للإسرائيلي ماء فسألوا موسى فدعا فكشف فلم يؤمنوا.
قال ابن عباس: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات: الجراد والقمل والضفا دع والدم.
قال علماء السير: ثم ان اللّه تعالى أوحى إلى موسى وأخيه أن يقولا قولًا لينًا فقال له موسى: هل لك في أن أعطيك شبابك ولا تهرم وملكك فلا ينزع منك فإذا مت أدخلت الجنة وتؤمن بي فقال: كما أنت حتى يأتي هامان فلما جاء أخبره فعجزه وقال: تعبد بعد ما كنت ربًا فخرج فقال: {أنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى}.
قال السدي: بين هذه الكلمة وبين قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي}.
أربعون سنة.
ثم قال له قومه: {أتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَه لِيُفْسدوا فِي الأرْض وَيَذَرك وَآلِهَتَك}.
فقال: {سَنُقَتَلُ أبْنَاءَهُمْ}.
فأعاد القتل على الأبناء وحتمًا إذ علم أنه لا يقدرعلى قتل موسى.
ذكر مؤمن آل فرعون كان هذا المؤمن يكتم إيمانه فإذا هموا بقتل موسى جادل عنه وقال: " أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبي اللًهُ ".
قال قتادة: كان قبطيًا من قوم فرعون فنجى مع موسى.
قال شعيب الجبائي: إنه سمعان وقيل: سمعون وقيل شمعان وشمعون بالشمين المعجمة.
وقال مقاتل: حزقيل.
وممن آمنت بموسى آسية قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتارًا في يديها ورجليها وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجنَّهِّ} فكشف اللهّ لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها.
أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي حدثنا يونس حدثنا داود بن أبي الفرات عن عليا عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنتَ عمران وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون ".
وممن آمن ماشطة ابنة فرعون أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزاز أخبرنا عبد الصمد بن على بن المأمون أخبرنا عبد الله بن محمد بن حبان أخبرنا البغوي أخبرنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لما أسري به مرت به رائحة طيبة فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة قال: ماشطهَ ابنة فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: بسسم اللّه فقالت بنت فرعون: أبي قالت: بل ربي ورب أبيك قالت: أخبر بذلك أبي قالت: نعم فأخبرته فدعا بها فقال: من ربك.
قالت: ربي وربك اللّه الذي في السماء فأمر فرعون نقرة من نحاس فأحمت ودعا بها وبولدها فقالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي قالت: تجمع بعظامي وعظام ولدي فتدقها جميعًا قال: ذلك لك علينا من الحق قال: فألقى ولدها واحدًا واحدًا حتى إذا كان آخر ولدها كان صبيًا مرضعًا قال: اصبري يا أماه فإنك على الحق قال: ثم ألقيت مع ولدها.
| |
|
| |
| ♖闦♖ كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ♖闦♖ | |
|