قصيدة : أما في نـَسيم الرِّيح عَرْفٌ مُعَرَّفُ؟
ابن زيدون
أما في نـَسيم الرِّيح عَرْفٌ مُعَرَّفُ؟
لنا، هَل لِذاتِ الوقفِ بالجزع مَوقِفُ؟
فنقضي أوطارَ المُنى مِنْ زيارَةٍ
لنا كلفٌ مِنها بما نـَتكلـَّفُ
ضَمانٌ علينا أنْ تـُزارَ ودُونها
رقاقُ الظـُّبا والسَّمْهَريُّ المُثـَقـَّفُ
وقومٌ عِدى يُبْدُونَ عَن صَفحاتهمْ
وأزهَرُها مِنْ ظـُلمةِ الحِقدِ أكلفُ
غيارى يَعُدُّونَ الغرامَ جَريرة
بها والهوى ظـُلما يَغِيظـُ ويُؤسِفُ
يَوَدُّونَ لو يَثني الوَعِيدُ زماعنا
وهيهات ريحُ الشَّوق من ذاك أعْصَفُ
يَسِيرُ لدى المشتاق في جانِبِ الهَوَى
نوىً غَرْبَة أو مَجْهَلٌ مُتعَسَّفُ
هل الرَّوْعُ إلا غمرة ثمَّ تنجلي
أم الهَولُ إلا غُمَّة ثمَّ تكشَفُ
وفي السِّيَراءِ الرَّقم وسط قِبابهمْ
بَعِيدُ مَناطِ القـُرطِ أحوَرُ أوطفُ
تبايَنَ خلقاهُ فعبلٌ مُنـَعَّم
تأوَّدَ في أعلاه لدنٌ مُهَفهَفُ
فلِلعانِكِ المُرْتـَجِّ ما حاز مِئزرٌ
ولِلغُصن المُهْتزِّ ما ضمَّ مُطرَفُ
حبيبٌ إليهِ أنْ نسرَّ بوصلِهِ
إذا نحنُ زرناه ونهنا ونعسفُ
وليلة وافينا الكثيبَ لِمَوْعِدٍ
سُرى الأيم لم يُعْلمْ لِمسراهُ مَزْحَفُ
تهادى أناة الخطو مُرتاعة الحشا
كما ريعَ يَعفوُرُ الفلا المتشرِّفُ
فما الشَّمْسُ رَقَّ الغيمُ دون إياتِها
سوى ما أرى ذاكَ الجَبينُ المُنـَصَّفُ
قعيدَكِ أنـَّي زُرْتِ نورُكِ وُاضِحٌ
وعطرُكِ نـَمَّامٌ وحليُكِ مُرْجَفُ
هَبيكِ اغْتررتِ الحي واشِيكِ هاجعٌ
وفرعُكِ غِرْبيبٌ وليلكِ أغضفُ
وأنـَّي اعْتسفتُ الهَوْلَ خَطوُكِ مُدْمَجٌ
وردفكِ رَجراجٌ وخَصرُكِ مُخْطـَفُ
لجاجٌ تمادى الحُبِّ في المَعشر العِدا
وأمُّ الهوى الأفقَ الـَّذي فيهِ نـُشنفُ
وأن نتلقـَّى السُّخط عانينَ بالرِّضَا
لغيرانَ أجفى ما يُرى حِينَ يلطفُ
كفانا مِنَ الوَصل التـَّحِيَّة خلسة
فيُومِىءُ طرفُ أو بَنانٌ مَطرَّفُ
خليليَّ مهلا لا تلوما فإنـَّني
فؤادي ألِيفُ البَثِّ والجسمُ مُدنفُ
فأعتفُ ما يلقى المُحِبُّ لجاجة
على نفسِهِ في الحُبِّ حِينَ يُعَنـَّفُ
وإنـِّي ليستهويني البرقُ صَبْوَة
إلى برق ثغر إن بدا كاد يخطفُ
وما ولعي بالرَّاح إلا تـَوَهُّمٌ
لظلم به كالرَّاح ليتشفُ
وتذكرني العِقدَ المُرنَّ جُمانهُ
مُرنـَّاتُ وُرق في ذرا الأيك تهتفُ
فما قبلَ مَنْ أهوى طوى البدر هودَجٌ
ولا صان ريمَ القفر خِدرٌ مُسَجَّفُ
ولا قبلَ عَبَّادٍ حوى البَحْرَ مَجْلِسٌ
ولا حَملَ الطـَّوْدَ المعظـَّمَ رَفرفُ
هُو المَلِكُ الجَعْدُ الـَّذي في ظِلالِهِ
تـُكفُّ صُرُوفُ الحادثاتِ وتصرَفُ
هُمَامٌ يَزينُ الدَّهْرَ منهُ وأهله
مَليكٌ فقيهٌ كاتِبٌ مُتفلسفُ
يتيهُ بمرقاهُ سَريرٌ ومِنبرٌ
ويحمَدُ مَسعاهُ حُسامٌ ومُصْحَفُ
رَويَّتـُهُ في الحادِثِ الإدِّ لحظة
وتوقيعُهُ الجالي دجى الخطبِ أحرُفُ
يَذِلُّ لهُ الجَبَّارُ خِيفة بأسِهِ
ويعنو إليهِ الأبلجُ المُتغطرفُ
حِذارَكَ إذ تبغي عليه من الرَّدى
ودُونك فاستوفِ المُنى حِينَ تنصِفُ
سَتعتامُهُمْ في البَرِّ والبَحر بالتـَّوى
كتائِبُ تزجى أو سفائِنُ تجدَفُ
أغَرُّ متى ندرس دواوينَ مَجدِهِ
يرقنا غريبٌ مُجملٌ أو مُصَنـَّفُ
إذا نحنُ قرَّظناهُ قصَّرَ مُطنِبٌ
ولم يتحاوزْ غاية القصدِ مُسرفُ
وأروعُ لا باغي أخاه مُبلـَّغٌ
مُناهُ ولا راجي نداهُ مُسَوَّفُ
مُمَرُّ القوى لا يملأ الخطبُ صَدْرَهُ
وليسَ لأمر فائِتٍ يَتلهَّفُ
لهُ ظِلُّ نـُعمى يَذكرُ الهمُّ عِندهُ
ظِلالَ الصِّبا بل ذاكَ أندى وأورَفُ
جَحيمٌ لِعاصيهِ يُشَبُّ وقودُهُ
وجنـَّة عَدن للمطيعينَ تـُزلفُ
مَحاسِنُ غَربُ الذمِّ عَنها مُفلـَّلٌ
كهامٌ وشملُ المَجدِ فيها مُؤلـَّفُ
تناهت فعقدُ المَجدِ مِنها مُفصَّلٌ
سَناءً وبُرْدُ الفخر منها مُفوَّفُ
طلاقة وجهٍ في مَضاءٍ كمثل ما
يَروقُ فرندُ السَّيفِ والحَدُّ مُرهفُ
على السَّيفِ من تلكَ الشَّهامَةِ مِيسَمٌ
وفي الرَّوض من تِلكَ الطـَّلاقةِ زُخرُفُ
سَجايا لِمَنْ والاهُ كالأرى تجتنى
تعُودُ لِمَنْ عاداهُ كالشَّرى يُنقفُ
يُراقبُ مِنهُ اللهَ مُعتضِدٌ بهِ
يد الدَّهْر يَقسُو في رضَاهُ ويرأفُ
فقل للملوكِ الحاسديهِ مَتى ادَّعى
سباقَ العَتيق الفائِتِ الشَّأو مُقرفُ
أليس بَنو عَبَّادٍ القِبلة الـَّتي
عليها لآمال البَريَّةِ معكفُ
مُلوكٌ يُرَى أحياؤهُمْ فخرَ دَهرهِمْ
ويخلفُ مَوتاهم ثناءٌ مُخلـَّفُ
بهم باهَتِ الأرضُ السَّماءَ فأوجُهٌ
شُمُوسٌ وأيدٍ من حيا المُزن أو كفُ
أشارحَ مَعنى المَجدِ وهو مُعَمَّسٌ
ومُجزلَ حَظـِّ الحَمدِ وهو مُسفسِفُ
لعمرُ العِدا المُستدرجيكَ بزعمهمْ
إلى غِرَّةٍ كادَتْ لها الشَّمس تكسفُ
لكالوكَ صاعَ الغدر لؤمَ سَجيَّةٍ
وكيلَ لهم صَاعُ الجزاءِ المُطفـَّفُ
لقد حاوَلوا العُظمى الـَّتي لا شوى لها
فأعجلهُمْ عَقدٌ مِنَ الهمِّ مُحْصَفُ
ولمَّا رأيتَ الغَدرَ هَبَّ نسيمُهُ
تلقـَّاهُ إعصارٌ لبطشِكَ حَرْجَفُ
أظنَّ الأعادي أنَّ حَزمَكَ نائمٌ
لقد تعدُ الفِسلَ الظـُّنونُ فتخلِفُ
دواعي نِفاق أنذرتكَ بأنـَّهُ
سَيشرى ويذوي العُضوُ مِن حَيثُ يُشأفُ
تحمَّلتَ عِبءَ الدَّهر عَنهمْ وكلـُّهُمْ
بنعماكَ موصُولُ التـَّنـَعُّمِ مُترَفُ
فإن يكفروا النـُّعمى فتِلكَ ديارُهُمْ
بسيفِكَ قاعٌ صَفصَفُ الرَّسْمِ تـُنسفُ
وطيَّ الثـَّرَى مَثوىً يكونُ قصارَهُمْ
وإن طالَ مِنهم في الأداهِمِ مَرسَفُ
وَبُشراكَ عِيدٌ بالسُّرُور مُظلـَّلٌ
وبالحظـِّ في نيل المُنى مُتكنـَّفُ
بشيرٌ بأعيادٍ توافِيكَ بَعدَهُ
كما يَنسقُ النـَّظمُ المُوالي ويَرصُفُ
تـُوقـَّى إذا وافتكَ قاضِيَة المُنى
فينسيكَ منها الزَّاهِرُ المُتوَكـِّفُ
تـُجَرِّدُ فيه سَيفَ دَولتِكَ الـَّذي
دِماءُ العِدا دأبا بغربيه تـُظلفُ
هُوَ الصَّارمُ العَضْبُ الـَّذي العَزْمُ حَدُّهُ
وحليتـُهُ بَذلُ النـَّدى والتـَّعَفـُّفُ
هُمامٌ سَما لِلمُلكِ إذ هو يافعٌ
وتمَّتْ لهُ آياتهُ وهو مُخلِفُ
كريمٌ يَعُدُّ الحَمْدَ أنفسَ قِنيَةٍ
فيولعُ بالفعل الجميل ويشغفُ
غدا بخميس يُقسِمُ الغيمُ إنـَّهُ
لأحفلَ مِنها مُكفهرًّا وأكثف
هو الغيمُ مِنْ زُرق الأسِنـَّةِ بَرقهُ
ولِلطـَّبْل رَعدٌ في نواحِيهِ يَقصِفُ
فلمَّا قضينا ما عننا أداؤهُ
وكلٌّ بما يُرضِيكَ داع فملحِفُ
قرنـَّا بحمدِ اللهِ حَمدكَ إنـَّهُ
لأوكدُ ما يحظى لديه ويُزلفُ
وعُدنا إلى القصر الـَّذي هو كعبة
يُغاديهِ مِنـَّا ناظِرٌ أو مُطرَّفُ
فإذا نحنُ طالعناهُ والأفقُ لابسٌ
عَجاجَتهُ والأرضُ بالخيل ترجُفُ
رأيناك في أعلى المُصلـَّى كأنـَّما
تطلـَّعَ مِنْ مِحْرَابِ داوُدَ يُوسُفُ
ولمَّا حَضرنا الإذنَ والدَّهْرُ خادِمٌ
تشيرُ فيمضي والقضَاءُ مُصَرِّفُ
وصلنا فقبَّلنا النـَّدَى مِنكَ في يَدٍ
بها يُتلفُ المالُ الجَسيمُ ويُخلفُ
لقد جُدتَ حتـَّى ما بنفس خصاصة
وأمنتَ حتـَّى ما بقلبٍ تخَوُّفُ
ولولاكَ لم يسهلْ مِنَ الدَّهر جانِبٌ
ولا ذلَّ مُقتادٌ ولا لان مَعطِفُ
لك الخيرُ أنـَّي لي بشكركَ نهضة
وكيف أؤدِّي فرضَ ما أنتَ مُسْلِفُ
أفدتَ بَهيمَ الحال مِنـِّيَ غُرَّة
يُقابلها طرفُ الجموح فيطرَفُ
وبَوَّأتهُ دُنياكَ دار مُقامَةٍ
بحيثُ دنا ظِلٌّ وذلـِّلَ مَقطِفُ
وكم نِعمَةٍ ألبستها سُندُسِيَّةٍ
أسَرْبَلها في كلِّ حِين وألحفُ
مَوَاهِبُ فيَّاض اليدين كأنـَّما
مِنَ المُزن تمرى أو مِنَ البَحر تغرفُ
فإن أكُ عَبدًا قد تملـَّكتَ رقـَّهُ
فأرفعُ أحوالي وأسنى وأشرَفُ