[[✬]][ حال الناس مع القناعة ][[✬]]
مفهوم القناعة
عرف بعض أهل اللغة القناعة بالرضى، والقانع بالراضي.
قال ابن فارس : " قَنع قناعةً : إذا رضي وسميت قناعة؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيا "
ونحا فريق من أهل الاصطلاح إلى تقسيم القناعة، وجعل أعلى مراتبها الزهد كما هو صنيع الماوردي ؛ حيث قال : "والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن يقتنع بالبلغة من دنياه ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه ؛ وهذا أعلى منازل أهل القناع. ثم ذكر قول مالك ابن دينار : " أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بْلغته " .
الوجه الثاني : أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية ، ويحذف الفضول والزيادة . وهذا أوسط حال المقتنع ، وذكر فيه قول بعضهم : " من رضي بالمقدور قنع بالميسور " .
الوجه الثالث : أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرا ، ولا يطلب ما تعذر وإن كان يسيرا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة ؛ لأنها مشتركة بين رغبة ورهبة، فأما الرغبة : فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت، وأما الرهبة ، فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت "
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا }[هود:6].
وقال تَعَالَى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافاً } [البقرة:273].
وقال تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [الفرقان: 67].
وقال تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } [الذاريات:56-57].
وليس القانع ذلك الذي يشكو خالقه ورازقه إلى الخلق ، ولا الذي يتطلع إلى ما ليس له ، ولا الذي يغضب إذا لم يبلغ ما تمنى من رتب الدنيا ؛ لأن الخير له قد يكون عكس ما تمنى.
وفي المقابل فإن القناعة لا تأبى أن يملك العبد مثاقيل الذهب والفضة ، ولا أن يمتلئ صندوقه بالمال ، ولا أن تمسك يداه الملايين ؛ ولكن القناعة تأبى أن تلج هذه الأموال قلبه ، وتملك عليه نفسه ؛ حتى يمنع حق اللّه فيها ، ويتكاسل عن الطاعات ، ويفرط في الفرائض من أجلها، ويرتكب المحرمات من ربا ورشوة وكسب خبيث حفاظا عليها أو تنمية لها.
عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ : ( لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَض، وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ ) متفقٌ عَلَيْهِ . (العَرَضُ) بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ : ( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ ) رواه مسلم.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قَالَ : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ : ( يَا حَكِيم، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ) قَالَ حكيم : فقلتُ : يَا رسول الله، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أرْزَأُ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعْطِيَه العَطَاء، فَيَأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَه فَأَبَى أنْ يَقْبَلَهُ. فقالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكيمٍ أنّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لَهُ في هَذَا الفَيء فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمٌ أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّي. متفقٌ عَلَيْهِ.
(يَرْزَأُ) بِراءٍ ثُمَّ زايٍ ثُمَّ همزة؛ أيْ: لَمْ يَأخُذْ مِنْ أحَدٍ شَيْئاً، وَأصْلُ الرُّزءِ: النُّقْصَان، أيْ: لَمْ يَنقُص أحَداً شَيْئاً بالأخذِ مِنْهُ، وَ (إشْرَافُ النَّفْسِ): تَطَلُّعُهَا وَطَمَعُهَا بالشَّيْء. وَ (سَخَاوَةُ النَّفْسِ): هِيَ عَدَمُ الإشرَاف إِلَى الشَيء، وَالطَّمَع فِيهِ، وَالمُبَالاَةِ بِهِ وَالشَّرَهِ.
وعن أَبي بردة، عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنقِبَت أقدَامُنَا وَنَقِبَت قَدَمِي، وسَقَطت أظْفَاري، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أرْجُلِنا الخِرَقَ، فَسُمِّيَت غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ، قَالَ أَبُو بُردَة: فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِه ذَلِكَ، وقال: مَا كُنْتُ أصْنَعُ بِأنْ أذْكُرَهُ ! قَالَ: كأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أفْشَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن عمرو بن تَغْلِبَ – بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام – رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بِمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَّمَهُ، فَأعْطَى رِجَالاً، وَتَرَكَ رِجَالاً، فَبَلغَهُ أنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أمَّا بعْدُ، فَواللهِ إنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أدَعُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنِّي إنَّمَا أُعْطِي أقْوَاماً لِمَا أرَى في قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأكِلُ أقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ في قُلُوبِهم مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ) قَالَ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ: فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِكَلِمَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَم. رواه البخاري.
(الهَلَعُ): هُوَ أشَدُّ الجَزَعِ، وقيل: الضَّجَرُ.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغنهِ الله) متفقٌ عَلَيْهِ.
وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
وعن أَبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللهِ لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأنَا لَهُ كَارهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتُهُ) رواه مسلم.
وعن أَبي عبدِ الرحمن عوف بن مالِك الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: (ألاَ تُبَايِعُونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) وَكُنَّا حَديثِي عَهْدٍ ببَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رسولَ اللهِ، ثمَّ قالَ: (ألا تُبَايِعُونَ رسولَ اللهِ) فَبَسَطْنا أيْدينا، وقلنا: قدْ بايعناكَ فَعَلامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ: (عَلَى أنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وَتُطِيعُوا الله) وأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيفَةً (وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئاً) فَلَقَدْ رَأيْتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوطُ أحَدِهِمْ فَمَا يَسأَلُ أحَداً يُنَاوِلُهُ إيّاهُ. رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلةُ بأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) متفقٌ عَلَيْهِ.
(المُزْعَةُ) بضم الميم وإسكان الزايِ وبالعينِ المهملة: القِطْعَةُ.
وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَاليَدُ العُلْيَا هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ) متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) رواه مسلم.
وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إِلاَّ أنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(الكد): الْخَدْشُ وَنَحْوُهُ.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أنْزَلَهَا باللهِ، فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ) رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
(يُوشِكُ) بكسر الشين: أيْ يُسْرعُ.
وعن ثوبان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟) فقلتُ: أنَا، فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أحَداً شَيْئاً. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
وعن أَبي بِشْرٍ قَبيصَةَ بنِ المُخَارِقِ رضي الله عنه، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: (أقِمْ حَتَّى تَأتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لَكَ بِهَا) ثُمَّ قَالَ: (يَا قَبيصةُ، إنَّ المَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثلاثَةٍ: رَجُلٌ تحمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قواماً مِنْ عَيش - أَوْ قَالَ: سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِه: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ. فَحلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يصيب قواماً من عيش، أَوْ قَالَ: سداداً من عيشِ، فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ، يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً) رواه مسلم.
(الحَمَالَةُ) بفتح الحاءِ: أنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنَحْوُهُ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، فَيُصْلِحُ إنْسَانٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ وَيَلْتَزِمُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَ (الجَائحةُ) الآفَةُ تُصيبُ مَالَ الإنْسَانِ. وَ (القَوَامُ) بكسر القاف وفتحهَا: هُوَ مَا يَقُومُ بِهِ أمْرُ الإنسَان مِنْ مَال ونحوِهِ. وَ (السِّدَادُ) بكسر السين: مَا يَسُدُّ حَاجَةَ الْمَعْوِزِ وَيَكْفِيهِ، وَ (الفَاقَةُ): الفَقْرُ. وَ (الحِجَى): العَقْلُ.
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَيْسَ المسكينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلكِنَّ المِسكينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْألَ النَّاسَ) متفقٌ عَلَيْهِ.
وكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم ، رزق القناعة فلا غش في تجارته ، ولا منع أجراءه حقوقهم ، ولا أذل نفسه من أجل مال أو جاه ، ولا منع زكاة ماله ؛ بل أدى حق اللّه فيه فرضا وندبا، مع محافظةٍ على الفرائض ، واجتناب للمحرمات. إن ربح شكر ، وإن خسر رضي ؛ فهذا قنوع وإن ملك مال قارون . وكم من مستور يجد كفافًا ؛ ملأ الطمع قلبه حتى لم يرضه ما قُسِم له فجزع من رزقه ، وغضب على رازقه ، وبث شكواه للناس ، وارتكب كل طريق محرم حتى يغني نفسه ؛ فهذا متروع القناعة وإن كان لا بملك درهمًا ولا فلسا.
قال عمر بن عبد العزيز : " إن ابتلاك الله -عز وجل- بفقر فتعفف في فقرك، وأَخْبِت لقضاء ربك، واغتفر بما قسم لك من الإسلام ما زوى عنك من نعمة دنيا؛ فإن في الإسلام خلفاً من الذهب والفضة، والدنيا الفانية ".
وقال الفضيل بن عياض : " خصلتان تقسيان القلب : كثرة النوم ، وكثرة الأكل " سير أعلام النبلاء.
وقال الداراني : " الورع أول الزهد، كما أن القناعة أول الرضا " مدارج السالكين.
ومن موعظة جعفر الصادق لابنه موسى : " يا بني من قنع بما قسم له استغني، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره، مات فقيراً " سير أعلام النبلاء.
وقال الشافعي رحمه الله : " الخير في خمسة : غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله " سير أعلام النبلاء.
وقال أيضاً : " الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف عن العبادة " حلية الأولياء.
وقال علي بن عبيدة الريحاني : " القناعة نعمة جسيمة، ورزق واسع، وحصن حصين، وألفة دائمة، وراحة عظيمة، وعيش صاف، ودعة للبدن، وعزة للنفس، وصيانة للعرض، وحياة طيبة، وسلامة وعافية فإن وفق صاحبها للصواب في التمييز، واختيار ما يستحق به الاصطفاء صفا من الشكوك وعصمة الله (والله لا يحب كل مختال فخور) " الآمل والمأمول للجاحظ.
وقال أيضاً : " يا نفس لا تسلكي سبل الاستكثار من المال؛ فإن جمعه حسرة ووبال، واعتزي بالقناعة؛ فإنها أشرف قدراً، وأرفع ذكرا وخطراً، وأقرب إلى منزلة السعداء، وأكسب للشكر، وأزلف عند الخالق من الاستكثار؛ من الفتنة الذميمة، واحتمال أوزار المكاسب، ولهب الحرمان، وثبات حجة المقت، ولزوم سمت البخل " الآمل والمأمول للجاحظ.
وقال أيضاً : " لقد سلك الأكياس سبيل الحظ في العاجل، وعظمت مراتب أقدارهم عند الناس، ورغبوا بأرض الدعة وعمروا أفنية السلامة، وأصابوا من الدنيا بلغة وكفاية قنعوا بها، وصرفوا ما لهم بما لا احتكام للآفات عليه، ولا تنظر عيون الدول في الزوال إليه من رضوانه ونعيم جنانه " الآمل والمأمول للجاحظ.
قال بزرجمهر: " إذا كان قاسم رزقي هو الله وما قد قسمه فليس يغيره أحد فلم أتحمل منة الخلائق؟! " الآمل والمأمول للجاحظ.
قال عبيد الله: " القناعة عز صاحبها، وميسرة فقره، ومسلاة عدوه، وتبجيل له في أعين العقلاء، وتجمل في الخاصة والعامة، وذهاب بالنفس عن مسألة البخيل، والتعريض لمعروف من جعل فقره في قلبه وغناءه في كسبه، وصيانة العرض، وإحياء السنة، والرضا باليسير، والتقليل للكثير، والرغبة عما في أيدي الناس " الآمل والمأمول للجاحظ.
قال الحسن: " يا ابن آدم إن كنت تطلب ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن لم يقنعك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك " الآمل والمأمول للجاحظ.
أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- سلالا من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟
كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- واليا على إحدى المدن، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعًا، وكان يشتري خوصًا بدرهم، فيصنع به آنية فيبيعها بثلاثة دراهم؛ فيتصدق بدرهم، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا.
صلى عمر بن عبد العزيز الجمعة، وعليه قميص مرقوع الجيب، فلما انتهى من الصلاة قال له رجل: يا أمير المؤمنين: إن الله أعطاك، فلو لبست؛ فنكس عمر رأسه ملياً، ثم رفع رأسه، وقال: أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة.
قال مسلمة: دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر؛ فلا يدخل عليه أحد، فجاءت جارية بطبق عليه تمر صبحاني، وكان يعجبه التمر، فرفع بكفه منه، فقال: يا مسلمة! أترى لو أن رجلاً أكل هذا ثم شرب عليه الماء فإن الماء على التمر طيب - أكان يجزيه إلى الليل؟
قلت: لا أدري، فرفع أكثر منه، قال: فهذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين كان كافيه دون هذا حتى ما يبالي أن لا يذوق طعاماً غيره.
قال: فعلام نُدْخِل النارَ؟! -أي ندخلها في بيوتنا للطبخ-.
قال مسلمة: فما وقعت مني موعظة ما وقعت هذه.
جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فقال له: " علمني العبادة، فقال له ابن سيرين: أخبرني عن نفسك كيف تأكل؟، قال: آكل حتى أشبع، فقال: ذاك أكل البهائم، قال: كيف تشرب الماء؟ قال أشرب حتى أروى، قال: ذاك شرب الأنعام، اذهب فتعلم الأكل والشرب ثم تعال أعلمك العبادة! ".
سئل ابن حازم: ما مالك؟ فقال:
للناس مال ولي مالان مالهما *** إذا تحادس أهل المال حراس
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه *** ومالي اليأس مما يملك الناس
قال خالد بن صفوان: " نظرت في أمري فوجدت الذي منعنيه القدر لا سائق له، ووجدت الذي أعطانيه لا حابس له، فعلام أعني نفسي ".
فوائد القناعة
إن للقناعة فوائد كثيرة تعود على المرء بالسعادة والراحة والأمن والطمأنينة في الدنيا ، ومن تلك الفوائد :
١- امتلاء القلب بالإيمان بالله- سبحانه تعالى- والثقة به، والرضى بما قدر وقَسم ، وقوة اليقين بما عنده- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه فإنما هو مؤمن ومتيقن بأن الله- تعالى- قد ضمن أرزاق العباد وقسمها بينهم حتى ولو كان ذلك القانع لا يملك
شيًئا.
٢- الحياة الطيبة
٣- تحقيق شكر المنعم- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه شكر اللّه- تعالى- عليه، ومن تقالّه قصر في الشكر، وربما جزع وتسخط- والعياذ بالله- ولذا قال النبي { كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس }
٤- الفلاح والبشرى لمن قنع
٥- الوقاية من الذنوب التي تفتك بالقلب وتذهب الحسنات : كالحسد، والغيبة، والنميمة، والكذب، وغيرها من الخصال الذميمة والآثام العظيمة
٦- حقيقة الغنى في القناعة : ولذا رزقها الله- تعالى- نبيه محمدا
٧- العز في القناعة، والذل في الطمع: ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزا بينهم، والطماع يذل نفسه من أجل المزيد
أَذَلَّ الْحِـرْصُ والطَّمَـعُ الرِّقَابَـا *** وَقَـدْ يَعْفُـو الْكَـرِيمُ إِذَا اسْتَرَابَا
[أبو العتاهية]
وَمَا النَّفْـسُ إِلا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى *** فَإِنْ أُطْعِمَتْ تَـاقَتْ وَإِلا تَسَلَّتِ
[............]
وَخَـارِجٍ أَخْرَجَـهُ حُبُّ الطَّمَـعْ *** فَـرَّ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي المَوْتِ وَقَعْ
[أبو دُلامة]
أَطَعْـتُ مَطَـامِعِي فَـاسْتَعْبَدَتْنِي *** وَلَـو أَنِّي قَنِعْـتُ لَكُنْـتُ حُرَّا
[أبو العتاهية]
أيها الـطالب الكثـير ليغنى *** كل من يطلب الكثير فقير
وأقل الـقليل يغـني ويكفـي *** ليس يغني وليس يكفي الكثير
كيف تعمى عن الهدى كيف تعمى *** عجبا والهدى سراج منير
(أبو العتاهية)
وَمَـا زِلْـتُ أَسْمَـعُ أَنَّ النُّفُـوسَ *** مَصَـارِعُهَا بَيْنَ أَيْـدِي الطَّمَـعْ
[محمود الورَّاق]
إِنَّ الْمَطَـامِعَ مَـا عَلِمْتَ مَذَلَّـةٌ *** لِلطَّامِعِيـنَ وَأَيْـنَ مَنْ لا يَطْمَعُ
[أبو العتاهية]
لا خَيْرَ فِي طَمَعٍ يُدْنِـي لِمَنْقَصَـةٍ *** وَعُفَّةٌ مِنْ قِوَامِ الْعَيْـشِ تَكْفِينِـي
[ثابت الأزدي]
[بَابُ ذَمِّ الإِسْرَافِ وَحَمْدِ الاقْتِصَادِ]
دَبِّـرِ الْعَـيْـشَ بِالْقَليـلِ لَيَبْقَـى *** فَبَـقَـاءُ الْقَلـِيـلِ بِالتَّـدْبِيـرِ
لا تُبَـذِّرْ وَإِنْ مَلَـكْـتَ كَثِيـراً *** فَـزَوَالُ الْكَثـِيـرِ بِالتَّبْـذِيـرِ
[.........]
قَلِيـلُ الْمَـالِ تُصْلِحُـهُ فَيَبْـقَـى *** وَلا يَبْقَـى الْكَثِيرُ مَـعَ الْفَسَـادِ
[المتلمِّس]
إِنَّ فِي نَيْـلِ الْمُنَى وَشْـكُ الرَّدَى *** وَقِيَـاسُ الْقَصْـدِ عِنْدَ السَّـرَفِ
كَـسِـرَاجٍ دُهْنُـهُ قُـوتٌ لَـهُ *** فَـإِذَا غَـرَّفْتَـهُ فِيـهِ طَـفِـي
[ابْن طَبَاطَا]
ثَـلاثٌ هُـنَّ مُهْلِـكَـهُ الأَنَـامِ *** وَدَاعِيَـةُ الصَّحِيـحِ إِلَى السِّقَامِ
دَوَامُ مُــدَامَــةٍ وَدَوَامُ وَطْـئٍ *** وَإِدْخَـالُ الطَّعَـامِ عَلَى الطَّعَـامِ
[الشَّافِعِيّ]
اقْـتَـصِـدْ فِـي كُـلِّ حَـالٍ *** وَاجْـتَـنِـبْ شُـحًّا وَغُـرْمَا
لا تَـكُـنْ حُـلْـوًا فَـتُـؤْكَل *** لا وَلا مُــرًّا فَـتُــرْمَــى
[عَبْد الْعَزِيزِ الدّمَيْرِيّ]
ثَـلاثَـةٌ فِيهِـنَّ لِلْمُـلْكِ التَّلَـفْ *** الظُّلْـمُ وَالإِهْمَـالُ فيهِ والسَّرَفْ
[........]
عَلَيْـكَ بِأَوْسَـاطِ الأُمُـورِ فَإِنَّهَـا *** نَجَاةٌ وَلا تَرْكَبْ ذَلُولا وَلا صَعْبَا
[أبو عُيَيْنَةَ المهلبيّ]
[بابُ الْحَثِّ عَلَى لُزُومِ الْقَنَاعَةِ]
إِنَّ القَنَاعَـةَ مَـنْ يَحْلُلْ بِسَاحَتِهَـا *** لَمْ يَلْـقَ فِي ظِلِّهَا هَمًّـا يُؤَرِّقُـهُ
[.............]
النَّفْسُ تَكْلَفُ بِالدُّنْيَا وَقَـدْ عَلِمَـتْ *** أَنَّ السَّلامَةَ مِنْهَا تَـرْكُ مَا فِيهَـا
وَاللهِ مَـا قَنِعَتْ نَفْـسٌ بِمَا رُزِقَتْ *** مِنَ الْمَعِيشَةِ إِلا سَـوْفَ يَكْفِيهَـا
[سابق البربري]
هِيَ الْقَنَـاعَـةُ لا تَبْغِـي بِهَا بَـدَلاً *** فِيهَا النَّعِيمُ وَفِيهَا رَاحَـةُ الْبَـدَنِ
انْظُرْ لِمَـنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَـا *** هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ والْكَفَنِ
[............]
الْعَيْشُ لا عَيْـشَ إِلاَّ مَا قَنِعْتَ بِـهِ *** قَدْ يَكْثُرُ الْمَالُ وَالإِنْسَانُ مُفْتَقِـرُ
[أبو يعقوب الخريمي]
إِنَّ الْغَـنِـيَّ هُـوَ الْغَنِـيُّ بِنَفْسِـهِ *** وَلَـوْ أَنَّهُ عَارِي الْمَنَاكِبِ حَافِي
مَا كُـلُّ مَا فَـوْقَ الْبَسِيطَـةِ كَافِيًا *** وَإِذَا قَنِعْتَ فَبَعْـضُ شَيءٍ كَافِ
[أبو فِراس الحمداني]
يَا وَارِدًا سُـؤْرَ عَيْشٍ كُلُّـهُ كَـدَرٌ *** أَنْفَقْتَ صَفْـوَكَ فِي أَيَّامِكَ الأُوَلِ
فِيمَ اقْتِحَامُـكَ لُجَّ الْبَحْـرِ تَرْكَبُـهُ *** وَأَنْتَ يَكْفِيـكَ مِنْهُ مَصَّةُ الْوَشَلِ
مُلْكُ الْقَنَاعَـةِ لا يُخْشَى عَلَيْـهِ وَلا *** يُحْتَاجُ فِيـهِ إِلَى الأَنْصَارِ وَالْخَوَلِ
[الطغرائي]
وَفِي النَّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيسُورِ عَيْشِهِ *** وَمَـرْكُوبُهُ رِجْلاهُ والثَّوبُ جِلْدُهُ
[المتنبي]
وَفِي الْقَنَاعَـةِ كَنْـزٌ لا نَفَـادَ لَـهُ *** وَكُلُّ مَا يَمْلِكُ الإِنْسَـانُ مَسْلُوبُ
[..........]
تَقَنَّـعْ بِمَا يَكْفِيكَ وَاسْتَعْمَلِ الرِّضَا *** فَإِنَّكَ لا تَـدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي
فَلَيْـسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ إِنَّمَا *** يَكُونُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ
[..........]
مَـنْ شَـاءَ أَنْ يُكْثِـرَ أَوْ يُـقِـلاَّ *** يَكْفِيـهِ مَـا بَلَّـغَـهُ الْمَحِـلاَّ
[..........]
لا يَصْحَبُ الْمَرْءَ مِمَّا كَانَ يَمْلِكُـهُ *** فِي ظُلْمَةِ اللَّحْدِ إِلاَّ خِرْقَةُ الْكَفَـنِ
[أسامة بن مُنقذ]
نَصِيبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْـرَ كُلَّـهُ *** رِدَاءانِ تُلْـوَى فِيهِمَا وَحَنُـوطُ
[...........]
النَّفْسُ تَجْـزَعُ أَنْ تَكُـونَ فَقِيـرَةً *** وَالْفَقْـرُ خَيْـرٌ مِنْ غِنًى يُطْغِيهَا
وَغِنَى النُّفُوسِ هُوَ الْكَفَافُ فَإِنْ أَبَتْ *** فَجَمِيـعُ مَا فِي الأَرْضِ لا يَكْفِيهَا
[...........]
وَرَأَيْتُ أَسْبَـابَ الْقَنَاعَـةِ أَكَّـدَتْ *** بِعُـرَى الغِنَى فَجَعَلْتُهَا لِي مَعْقِلا
[...........]
وَاقْنَـعْ مِـنْ الْعَيْـشِ مَا أَتَاكَ بِـهِ *** مِـنْ قَـرَّ عَيْنًا بِعَيْشِـهِ نَفَعَـهْ
قَـدْ يَجْمَـعُ الْمَالَ غَيْـرُ آكِلِـهِ *** وَيَأْكُلُ الْمَالَ غَيْرُ مَـنْ جَمَعَـهْ
[الأضبط بن قريع السعدي]
وَلَــرُبَّ حَـتْـفٍ فَــوْقَـهُ *** ذَهَــبٌ وَيَـاقُـــوتٌ وَدُرُّ
فَـاقْـنَـعْ بِعَـيْـشِكَ يَا فَتَى *** وَامْـلُـكْ هَـوَاكَ وَأَنْتَ حُـرُّ
[أبو العتاهية]
حَـسْـبُ الْفَتَـى مِـنْ عَيْشِـهِ *** زَادٌ يُـبَـلِّـغُـهُ الْـمَـحِـلاّ
[.........]
أَفَادَتْنِي الْقَـنَـاعَـةُ كُـلَّ عِـزٍّ *** وَأَيُّ غِنَـى أَعَـزُّ مِـنَ الْقَنَاعَهْ
فَصَيِّرْهَا لِنَـفْـسِـكَ رَأْسَ مَـالٍ *** وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْـوَى بِضَاعَـهْ
[علي بن أبي طالب]
إِذَا أَظْمَـأَتْـكَ أَكُـفُّ اللِّـئَـامِ *** كَفَتْـكَ الْقَنَاعَـةُ شِبْعًـا وَرِيَّـا
فَكُنْ رَجُلاً رِجْـلُـهُ فِـي الثَّـرَى *** وَهَـامَـةُ هَمَّـتِـهِ فِي الثُّرَيَّـا
أَبِـيًّـا لِـنَـائِـلِ ذِي ثَــرْوَةٍ *** تَـرَاهُ بِمَـا فِـي يَـدَيْـهِ أَبِيَّـا
فَـإِنَّ إِرَاقَــةَ مَـاءِ الـحَـيَـاةِ *** دُونَ إِرَاقَـةِ مَـاءِ الْـمُـحَـيَّا
[أبو الحسن النعيمي]
الحر يدنس بين الحرص والطلب *** فاخلع لباسهم بالعلم والأدب
أقبح بوجه يسـارٍ كان قائـده *** وجهاً رعت كنفيه ذلة الطلب
ما كان قائـده ذلا وسائقـه *** منا فأكرم منه لوعة السغـب
[العطوي]
ما كان مال يفوت دون غدٍ *** فليس بي حاجة إلى أحد
إن غنى النفس رأس كل غنى *** فما افتقار إلا إلى الصمد
رب عديمٍ أعـز من أسـدٍ *** ورب مثرٍ أقل من نقـد
الناس صنفان في زمانك ذا *** لو تبتغي غير ذين لم تجـد
هذا بخيل وعنـده سعـة *** وذا جواد بغير ذات يـد
[محمد بن حازم الباهلي]
قل للزمان أصب من شئت بالعدم *** وللمنية من أحببت فاصطلم
فحسبي الله رباً قد رضيت به *** البر بالعود والعواد بالنعم
أعد خمسين حولاً ما عليّ يد *** لأجنبي ولا فضل لذي رحم
الحمد لله شكراً قد غنيت فلا *** أشكو لئيماً ولا أطري أخا كرم
[..........]
1- قال حكيم : " إذا سألت كريماً فدعه يفكر؛ فإنه لا يفكر إلا في خير، وإذا سألت لئيماً فعجله؛ لئلا يشير عليه طبعه أن لا يفعل ".
2- اليد العليا خير من اليد السفلى.
3- قال أحد الحكماء : يا بني ذقت الطيّبات كلها فلم أجد أطيب من العافية، وذقت المرارات كلها فلم أجد أمرَّ من الحاجة إلى الناس، ونقلت الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الّدين.
4- وقال أحدهم : من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته فلا يسكن قلبَه الطمع.
5- وقال أحدهم : سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ، وغمها أن تغتم لما لم ترزق.
6- وقيل : عز من قنع، وذل من طمع.
7- وقيل : العبيد ثلاثة : عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.
8- القناعة دليل الأمانة، والأمانة دليل الشكر، والشكر دليل الزيادة، والزيادة دليل بقاء الخير.
9- لا تطلب الرزق ممن يريدك إلى الزوال.
10- الغنى الحقيقي أن تستغني.
11- أقوى الناس من قنع بما تيسر له.
12- الطمع خرب ما جمع.
13- إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
14- من اشترى ما لا يحتاج إليه باع ما يحتاج إليه.
15- ينام عميقاً من لا يملك ما يخاف من فقدانه.
16- تجنب السؤال فإنه يذهب ماء الوجه، وأعظم من هذا استخفاف الناس بك.
17- قال أحدهم:
إذا أعطشتك أكف اللئام *** كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً جسمه في الثرى *** وهامة همته في الثريا
18- التقدير نصف العيش.
19- ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس.
20- من قدَّر -أي ضيق- معيشته رزقه الله، ومن بذَّر معيشته حرمه.
21- ليس حرصك على مطلوبك بزائد في مقسومك، ولا توانيك فيه بناقص ما قدر لك منه، وبين ذلك سعة الاستبصار وتفصير الاقتصار، فأجمل في الطلب وأقلل من التعب.
22- أروح الروح القناعة.
23- إن الرجل ذا المروءة يكرم من غير مالٍ؛ كالأسد الذي يخاف وإن كان رابضاً، والغني الذي لا مروءة له يهان وإن كثر ماله؛ كالكلب وإن كان جوالاً.
24- الثقة بالناس من اليأس.
25- قال أحدهم:
إذا أعطشتك أكف اللئام *** كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً جسمه في الثرى *** وهامة همته في الثريا