[₪] قلق و توتر من علق قلبه بغير الله [₪]
القلق لغة:
القاف واللّام والقاف كلمة تدلّ على الانزعاج. يقال: قلق يقلق.
وقال ابن منظور: القلق الانزعاج يقال: بات قلقا وأقلقه غيره فقلق. وأقلق الشّيء من مكانه وقلقه: حرّكه. وقد أقلقه فقلق. القلق: الانزعاج، من قولهم: قلق الشّيء قلقا فهو قلق. وقلق الهمّ وغيره فلانا أزعجه، وقلق يقلق قلقا: لم يستقرّ في مكان واحد ولم يستقرّ على حال، وقلق فلان: اضطرب وانزعج فهو قلق، وأقلقت النّاقة: قلق ما عليها، والمقلاق الشّديد القلق، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، يقال: رجل مقلاق، وامرأة مقلاق. ومقلاق الوشاح، أي لا يثبت الوشاح على خصرها لرقّته [مقاييس اللغة (5/ 23) والصحاح (4/ 1548)، ولسان العرب (5/ 3726)، والمعجم الوسيط (2/ 762)].
القلق اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات القديمة القلق ممّا يعنى أنّ المعنى واحد في اللّغة والاصطلاح، ولكنّ القلق قد اكتسب في العصر الحديث أبعادا نفسيّة واجتماعيّة جديدة ممّا جعل المحدثين يذكرون له التّعريفات الآتية:
القلق: حالة انفعاليّة مصحوبة بالخوف أو الفزع تحدث كردّ فعل لتوقّع خطر حقيقيّ خارجيّ [معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (22)].
وقال مؤلّفا كتاب الصّحّة النّفسيّة في ضوء علم النّفس والإسلام:
القلق: حالة نفسيّة مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصّراع [الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي، ص 140].
وقالا- في موضع آخر: القلق: شعور عامّ غامض، غير سارّ، مبالغ فيه، له أعراض نفسيّة وجسميّة عديدة [المقصود بهذا التعريف هو القلق المرضي أو التفاعلي ، انظر في شرح هذا التعريف، الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي، ص187] .
وقال حامد زهران: القلق هو حالة توتّر شامل ومستمرّ نتيجة توقّع تهديد خطر فعليّ أو احتماليّ يصحبها خوف غامض وأعراض جسميّة ونفسيّة [الصحة النفسية والعلاج النفسي لحامد زهران ص 397].
أحاديث
1- عن المقداد- رضي اللّه عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد. فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة- وقد شربت نصيبي- فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة. إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم. ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال «اللّهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني ...» الحديث. [مسلم (2055) ] .
2- عن عبد اللّه بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة، طلب غريما له فتوارى عنه ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آللّه؟ قال: آللّه. قال: فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه اللّه من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» [مسلم (1563) ] .
3- عن مسلم بن أبي بكرة قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والكسل وعذاب القبر. قال: يا بنيّ ممّن سمعت هذا؟ قلت: سمعتك تقولهنّ. قال: الزمهنّ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقولهنّ» [الترمذي (3503)، وقال هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني صحيح] .
4- عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي طلحة: «التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني. فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين وغلبة الرّجال ». فلم أزل أخدمه حتّى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفيّة بنت حييّ قد حازها، فكنت أراه يحوّي ... الحديث» [البخاري 11 (6363) ] .
5- عن أبي الحوراء السّعديّ. قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» [الترمذي (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني صحيح] .
6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر اللّه بها من خطاياه» [البخاري- الفتح 10 (5641- 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) ] .
7- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة» [البخاري- الفتح 5 (2442)، ومسلم (2580) واللفظ له] .
8- عن كعب بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه- ... الحديث وفيه- قال: ونهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا أيّها الثّلاثة من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس، وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة، وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلّم عليه- وهو في مجلسه بعد الصّلاة- فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟ ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي ... الحديث وفيه: فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتى ذكر اللّه- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا ...- الحديث وفيه- قال: فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) [التوبة: 117- 118] حتّى بلغ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]. قال كعب: واللّه ما أنعم اللّه عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني اللّه للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ اللّه قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال اللّه: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [التوبة: 95- 96]. قال كعب: كنّا خلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى اللّه فيه. فبذلك قال اللّه- عزّ وجلّ-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا). وليس الّذي ذكر اللّه ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. [البخاري- الفتح 7 (4418)، ومسلم (2769) واللفظ له] .
آثار
1- عن عبد اللّه بن الزّبير- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلي جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقى ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع ما لنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد اللّه بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد اللّه قد وازى بعض بني الزّبير خبيب وعبّاد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد اللّه: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو اللّه ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: اللّه. قال: فو اللّه ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. [البخاري- الفتح 6 (3129) ] .
2- عن زيد بن أرقم- رضي اللّه عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبد اللّه بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر فذكره للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ. فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل اللّه تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) [المنافقون: 1] فبعث إليّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ. فقال: «إنّ اللّه قد صدّقك يا زيد» [البخاري- الفتح 8 (4900) ] .