◊εïз◊ النهي عن الفسوق والتنفير منه ◊εïз◊
الفسوق : هو عدم العمل بأحكام الشّريعة مع الإقرار بالشّهادتين والاعتقاد بالوحدانيّة (أي الإيمان القلبيّ) .. وهو من الأخلاق الذميمة التي حاربها الدين الإسلامي ونفَر منها وحذر من الوقوع في مستنقعها ، بل غلًظ عقوبة مرتكبها .
الفسوق لغة :
الفسق والفسوق: الخروج عن طريق الحقّ يقول ابن فارس: «الفاء والسّين والقاف كلمة واحدة، وهي الفسق، وهو الخروج عن الطّاعة [المقاييس (4/ 502) ] . وفسق فلان: خرج عن حجر الشّرع، وذلك من قولهم: فسق الرّطب، إذا خرج عن قشره، وهو أعمّ من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذّنوب، وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشّرع، وأقرّ به ثمّ أخلّ بجميع أحكامه، أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصليّ فاسق فلأنّه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل، واقتضته الفطرة [المفردات (380) ] .
يقال: فسق عن أمر ربّه، أي خرج، والفسّيق: الدّائم الفسق، ويقال في النّداء: يا فسق، ويا خبث، يريد: يا أيّها الفاسق، ويا أيّها الخبيث. وتقول للمرأة: يا فساق مثل قطام [الصحاح (4/ 1543) ] .
يقول الزّبيديّ: «فسق كنصر، وضرب، وكرم فسقا وفسوقا، أي فجر فجورا، وقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام: 121] أي خروج عن الحقّ، قال أبو الهيثم: ويكون الفسوق شركا، ويكون إثما، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) أي لمعصية، والفسق: الخروج [تفسير القرطبي (7/ 51) ] .
وفسق، جار ومال عن طاعة اللّه- عزّ وجلّ- والتّفسيق ضدّ التّعديل، يقال: فسّقه الحاكم أي حكم بفسقه ... وفسق في الدّنيا فسقا: إذا اتّسع فيها وهوّن على نفسه، واتّسع بركوبه لها، ولم يضيّقها عليه [التاج (402، 403) ] .
وقال ابن منظور: الفسق: العصيان والتّرك لأمر اللّه- عزّ وجلّ-، والخروج عن طريق الحقّ، يقال: فسق يفسق ويفسق فسقا وفسوقا وفسق: أي فجر.
وقيل: الفسوق، الخروج عن الدّين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربّه. أي جار ومال عن طاعته، قال الشّاعر : فواسقا عن أمره جوائرا.
والعرب تقول إذا خرجت الرّطبة من قشرها: قد فسقت الرّطبة من قشرها، وكأنّ الفأرة إنّما سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على النّاس. وفسق فلان ماله إذا أهلكه وأنفقه. ورجل فاسق وفسّيق وفسق: دائم الفسق. وفسّقه: نسبه إلى الفسق. والفواسق من النّساء: الفواجر [لسان العرب (10/ 308) ] .
الفسوق اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الفاسق: من شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق [التعريفات (41، 170) ] . ومن ثمّ يكون الفسوق: هو عدم العمل بأحكام الشّريعة مع الإقرار بالشّهادتين والاعتقاد بالوحدانيّة (أي الإيمان القلبيّ).
وقال المناويّ: الخروج عن الطّاعة بارتكاب الذّنب، وإن قلّ، ولكن تعورف فيما إذا كان كبيرة.
وأكثر ما يقال عن الفاسق لمن التزم حكم الشّرع وأخلّ بأحكامه.
والفاسق أعمّ من الكافر، والظّالم أعمّ من الفاسق.
وقال الكفويّ: الفسق: التّرك لأمر اللّه تعالى والعصيان والخروج عن طريق الحقّ، والفجور [التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (557) ] .
قال تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ } [البقرة: 59 ] .
وقال تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ } [البقرة: 99 ] .
وقال تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121 ] .
وقال تعالى : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ } [المائدة: 47 ] .
وقال تعالى : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ } [الحشر: 19 ] .
وقال تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3 ] .
وقال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [الحجرات: 6- 7 ] .
وقال تعالى : { وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً } [الإسراء: 16 ] .
وقال تعالى : { أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [السجدة: 18- 20 ] .
وقال تعالى : { وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ } [المنافقون: 5- 6 ] .
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ } [النور: 4] .
أنواع الفسوق
الفسوق في كتاب اللّه نوعان : مفرد مطلق، ومقرون بالعصيان.
والمفرد نوعان أيضا : فسوق كفر يخرج عن الإسلام ، وفسوق لا يخرج عن الإسلام،
فالمقرون، كقوله تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [ الحجرات : 7] .
والمفرد -الّذي هو فسوق كفر- كقوله تعالى : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ } الآية [ البقرة : 26- 27] . وقوله- عزّ وجلّ-: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ } [ البقرة : 99] ، وقوله : { وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } الآية [ السجدة : 20] . فهذا كلّه فسوق كفر.
وأمّا الفسوق الّذي لا يخرج عن الإسلام فكقوله تعالى : { وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ }[ البقرة: 282] الآية، وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } [ الحجرات : 6] الآية.
وهاهنا فائدة لطيفة : وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردّ خبر الفاسق وتكذيبه وردّ شهادته جملة، وإنّما أمر بالتّبيّن، فإن قامت قرائن وأدلّة من خارج تدلّ على صدقه، عمل بدليل الصّدق، ولو أخبر به من أخبر. فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته، وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرّى الصّدق غاية التّحرّي، وفسقه من جهات أخر، فمثل هذا لا يردّ خبره ولا شهادته، ولو ردّت شهادة مثل هذا وروايته لتعطّلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصّحيحة، ولا سيّما من فسقه من جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرّ للصّدق فهذا لا يردّ خبره ولا شهادته.
وأمّا من فسقه من جهة الكذب، فإن كثر منه وتكرّر بحيث يغلب كذبه على صدقه، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته، وإن ندر منه مرّة أو مرّتين، ففي ردّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد، رحمه اللّه.
والفسوق الّذي تجب التّوبة منه أعمّ من الفسوق الّذي تردّ به الرّواية والشّهادة. وكلامنا الآن فيما تجب التّوبة منه، وهو قسمان :
فسق من جهة العمل، وفسق من جهة الاعتقاد.
ففسق العمل نوعان : مقرون بالعصيان، ومفرد.
فالمقرون بالعصيان : هو ارتكاب ما نهى اللّه عنه، والعصيان: هو عصيان أمره. كما قال اللّه تعالى : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } [ التحريم : 6] ، وقال موسى لأخيه هارون- عليهما السّلام-: { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 92- 93] .
قال الشّاعر : أمرتُكَ أمرًا جازمًا فعصيتني فأصبحت مسلوبَ الإمارةِ نادما
فالفسق أخصّ بارتكاب النّهي ، ولهذا يطلق عليه كثيرا، كقوله تعالى : { وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } [البقرة 282] ، والمعصية أخصّ بمخالفة الأمر كما تقدّم.
ويطلق كلّ منهما على صاحبه، كقوله تعالى : { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه } [ الكهف : 50] ، فسمى مخالفته للأمر فسقًا، وقال : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [ طه : 121] ، فسمى ارتكابه للنّهي معصية، فهذا عند الإفراد، فإذا اقترنا كان أحدهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النّهي.
والتّقوى اتّقاء مجموع الأمرين، وبتحقيقها تصحّ التّوبة من الفسوق والعصيان، بأن يعمل العبد بطاعة اللّه على نور من اللّه، ويرجو ثواب اللّه، ويترك معصية اللّه، على نور من اللّه، يخاف عقاب اللّه.
وفسق الاعتقاد : كفسق أهل البدع الّذين يؤمنون باللّه ورسوله واليوم الآخر، ويحرّمون ما حرّم اللّه، ويوجبون ما أوجب اللّه، ولكن ينفون كثيرا ممّا أثبت اللّه ورسوله؛ جهلا وتأويلا وتقليدا للشّيوخ، ويثبتون ما لم يثبته اللّه ورسوله كذلك.
وهؤلاء كالخوارج المارقة، وكثير من الرّوافض، والقدريّة، والمعتزلة، وكثير من الجهميّة الّذين ليسوا غلاة في التّجهّم.
وأمّا غالية الجهميّة فكغلاة الرّافضة، ليس للطّائفتين في الإسلام نصيب.
عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : « أربع كلّهنّ فاسق يقتلن في الحلّ والحرم : الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور » [مسلم (1198) ] .
وعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» [البخاري- الفتح 13 (7076)، ومسلم (64) متفق عليه ] .
وعن أبي ذرّ- رضي اللّه عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلّا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» [البخاري- الفتح 10 (6045) واللفظ له، ومسلم (61) ] .
وعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا توفّي عبد اللّه بن أبيّ، جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفّنه فيه، ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطّاب بثوبه فقال: أتصلّي عليه وهو منافق، وقد نهاك اللّه أن تستغفر لهم؟. قال: «إنّما خيّرني اللّه- أو أخبرني اللّه- فقال : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [التوبة:80] فقال: سأزيده على سبعين. قال: فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وصلّينا معه، ثمّ أنزل اللّه عليه : { وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ } [البخاري- الفتح 8 (4672) ] .
عن زيد بن وهب قال: كنّا عند حذيفة رضي اللّه عنه- فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية { فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ } [التوبة: 12] إلّا ثلاثة، ولا من المنافقين إلّا أربعة، فقال أعرابيّ: إنّكم أصحاب محمّد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفسّاق، أجل، لم يبق منهم إلّا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد ما وجد برده .[البخاري- الفتح 8 (4658) ] .
2- عن عمرو بن مصعب- رضي اللّه عنهما- قال: سألت أبي : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا } [الكهف:103] هم الحروريّة؟ قال: لا. هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه- وكان سعد يسمّيهم الفاسقين . [البخاري- الفتح 8 (4728) ] .
3- عن بلال بن سعد الأشعريّ أنّ معاوية كتب إلى أبي الدّرداء: اكتب إلى فسّاق دمشق. فقال: مالي وفسّاق دمشق؟ ومن أين أعرفهم؟ فقال ابنه بلال: أنا أكتبهم، فكتبهم. قال: من أين علمت؟ ما عرفت أنّهم فسّاق إلّا وأنت منهم. ابدأ بنفسك، ولم يرسل بأسمائهم . [شرح الأدب المفرد، فضل اللّه الصمد 2 (1290) ] .
4- عن السّائب بن يزيد قال: كنّا نؤتى بالشّارب على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإمرة أبي بكر فصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتّى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين . [البخاري- الفتح 12 (6779) ] .
من مضار الفسوق
(1) يجلب غضب اللّه ورسوله والمؤمنين.
(2) قد يخرج عن الملّة.
(3) الفاسق إنسان ضارّ في المجتمع.
(4) يلحق بالنّفاق. والمنافقون في النّار.
(5) يجلب الدّمار للمجتمع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لفظ المعصية والفسوق والكفر، إذا أطلقت المعصية للّه ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله:{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً } [الجن: 23]، وقال تعالى : { وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [هود: 59].[الإيمان لابن تيمية (56) ] .