█◣◢█ أنواع الغلول وحكمه █◣◢█
الغلول لغة:
مصدر قولهم: غلّ يغلّ إذا خان في الفيء أو الغنيمة أو غيرهما، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على «تخلّل شيء وثباته، كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء إذا أثبتّه فيه كأنّك غرزته، ومن الباب الغلول في المغنم، وهو أن يخفى الشّيء فلا يردّ إلى القسم، كأنّ صاحبه قد غلّه بين ثيابه» [مقاييس اللغة (4/ 376) ] .
وقال الرّاغب: أصل الغلل تدرّع الشّيء وتوسّطه، ومن ذلك الغلل للماء الجاري بين الشّجر، والغلول وهو تدرّع الخيانة، والغلّ: العداوة يقال منه: غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن (وعداوة)، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان، وأغللت فلانا: نسبته [المفردات للراغب ص 363 (ت: محمد سيد كيلاني) ] . إلى الغلول ، وقال الفيروزآباديّ: يقال: غلّ غلولا وأغلّ إغلالا إذا خان ، وقيل: خان في الفيء خاصّة، وقول اللّه تعالى: (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [آل عمران: 161] قرأها بعضهم: أن يغلّ (بفتح الياء وضمّ الغين) وقرأها الآخرون «أن يغلّ» (بضمّ الياء وفتح الغين) ، والمعنى على القراءة الأولى «يغلّ»: يخون، والمعنى على القراءة الثّانية يحتمل أمرين، الأوّل: يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، والثّاني: يخوّن أي ينسب إلى الغلول [ بصائر ذوي التمييز (4/ 144- 145) بتصرف يسير] . وقال ابن منظور في توضيح معنى القراءة الأولى: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) قال: أي يخون أمّته. وتفسير ذلك أنّ الغنائم جمعها سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فجاء جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم غنائمنا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: «لو أفاء اللّه عليّ مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما، أترونني أغلّكم مغنمكم؟» قال ابن منظور: وكان أبو عمرو (بن العلاء)، ويونس يختاران هذه القراءة، وكان يونس يقول: كيف لا يغلّ؟ بلى ويقتل. وقال ابن برّيّ مرجّحا هذه القراءة أيضا: قلّ أن تجد في كلام العرب: ما كان لفلان أن يضرب، على أن يكون الفعل مبنيّا للمفعول، وإنّما تجده مبنيّا للفاعل، كقولك: ما كان لمؤمن أن يكذب، وما كان لنبيّ أن يخون، وما كان لمحرم أن يلبس، وبهذا (الدّليل اللّغويّ) يعلم صحّة قراءة من قرأ «يغلّ» على إسناد الفعل للفاعل دون المفعول [ لسان العرب «غلل» (3286) ط. دار المعارف] . وقال أبو عليّ الفارسيّ: والحجّة لمن قرأ «يغلّ» أنّ ما جاء من التّنزيل من هذا النّحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو قوله (سبحانه ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف: 38]، وقوله (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران:45]. ولا يكاد يجيء منه نحو «ما كان زيد ليضرب»، وقد روي أنّ عبد اللّه بن عبّاس قيل له: إنّ ابن مسعود يقرأ «يغلّ» فقال: بلى واللّه ويقتل. وعنه أيضا: قد كان النّبيّ يقتل فكيف لا يخوّن. وقد احتجّ للقراءة الثّانية أيضا «يغلّ» بأنّ المعنى إمّا: أن ينسب إلى ذلك أي لا يقال له غللت، وذلك كقولهم: أكفرت فلانا أي نسبته إلى الكفر، كما في قول الشّاعر:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم أي نسبتني إلى الكفر، قال أبو عليّ: ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحد أن يغلّه فيأخذ من الغنيمة الّتي حازها .. لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، فالغلول وإن كان كبيرا فهو بحضرته صلّى اللّه عليه وسلّم أعظم (إثما) [الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي، ت: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي (2/ 396) ] .
وقال الخليل: رجل مغلّ أي مضبّ على غلّ، والمغلّ أيضا: الخائن. والغلول: خيانة الفيء. [ كتاب العين (4/ 348) ] . وقال ابن الأثير: الإغلال: الخيانة أو السّرقة الخفيّة، (فأمّا الإغلال فهو من قولهم أغلّ الرّجل إغلالا إذا خان، قال النّمر بن تولب:
جزى اللّه عنّا جمرة ابنة تولب *** جزاء مغلّ بالخيانة كاذب)
[ما بين القوسين من كلام الجوهري في الصحاح (5/ 1784) ] .
وأمّا الإسلال فهو من قولهم: سلّ البعير وغيره في جوف اللّيل إذا انتزعه من بين الإبل، وأمّا الغلول: فهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكلّ من خان في شيء خفية فقد غلّ، وسمّي ذلك غلولا لأنّ الأيدي فيها مغلولة، أي ممنوعة مجعول فيها غلّ (أي قيد) وهو الحديدة الّتي تجمع يد الأسير إلى عنقه [ النهاية (3/ 380) ] . وقد ذهب ابن حجر إلى أنّ الغلول مأخوذ من معنى الإخفاء فقال: سمّي الغلول غلولا لأنّ صاحبه يغلّه في متاعه أي يخفيه فيه [ فتح الباري (6/ 165) ] . وربّما ترجّح ذلك بما ذكره القرطبيّ من أنّ الغلول هو أن يأخذ الغالّ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه وذكر من ذلك (المعنى) تغلغل الماء في الشّجر إذا تخلّلها، والغلل وهو الماء الجاري في أصول الشّجر لأنّه مستتر بين الأشجار، والغلالة للثّوب الّذي يلبس تحت الثّياب [تفسير القرطبي (4/ 165) ] . ثمّ أطلق لفظ الغلول على الخيانة في كلّ شيء، ومن ذلك الحديث الشّريف: ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن قال ابن الأثير: الغلول هنا الخيانة: في كلّ شيء، وقال أبو عبيد: يروى الحديث: لا يغلّ (بضمّ الياء وكسر الغين)، ويروى «لا يغلّ» (بفتح الياء وكسر الغين) فمن قال يغلّ بالفتح فإنّه يجعله من الغلّ وهو الضّغن والشّحناء، ومن قال يغلّ (بضمّ الياء) جعله من الخيانة من الإغلال، وأمّا الغلول فإنّه من المغنم خاصّة، يقال منه: غلّ يغلّ غلولا ولا نراه من الأوّل ولا من الثّاني، وممّا يبيّن ذلك أنّه يقال من الخيانة أغلّ يغلّ، ويقال من الغلّ: غلّ يغلّ، ويقال من الغلول: غلّ يغلّ (بضمّ الغين) فهذه الوجوه مختلفة [غريب الحديث لأبي عبيد، ت: حسين شرف (1/ 253)، وقد نقل كلامه ابن الأثير في النهاية (3/ 381)، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (4/ 145)، وابن منظور في لسان العرب (غلل) (3286) ] . وقال ابن الأثير وروي الحديث يغل بالتّخفيف من الوغول وهو الدّخول في الشّرّ. قال: والمعنى أنّ هذه الخلال الثّلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسّك بها طهر قلبه من الخيانة والدّغل والشّرّ [النهاية لابن الأثير (3/ 381) ] .
الغلول اصطلاحا:
قال الكفويّ: الغلول الخيانة في بيت مال أو زكاة أو غنيمة وقيّده أبو عبيدة بالغنيمة فقط [الكليات (671) ت: عدنان درويش، ومحمد المصري، وقد نقل الكفوي معنى «الغنيمة» خاصة عن أبي عبيدة، والصواب أبو عبيد القاسم بن سلام، انظر غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 253) ] .
وقال ابن حجر: الغلول (في الغنيمة) هو اختصاص أحد الغزاة، سواء الأمير أو غيره بشيء من مال الغنيمة قبل القسمة من غير أن يحضره إلى أمير الجيوش ليخمّسه، وإن قلّ المأخوذ [الزواجر لابن حجر (2/ 293- 294) ] .
1- قوله تعالى: ( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) [آل عمران: 161 ] .
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» [البخاري- الفتح 6 (3073)، ومسلم (1831) واللفظ له ] .
2- عن عديّ بن عميرة الكنديّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» [مسلم (1833) ] .
3- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه- إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : « لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» وزاد أبو هريرة « ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» وزاد همّام «ولا يغلّ أحدكم حين يغلّ وهو مؤمن فإيّاكم إيّاكم»[البخاري- الفتح 5 (2475)، مسلم (57) ] .
4- عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد. حتّى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّا إنّي رأيته في النّار في بردة غلّها أو عباءة »، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا ابن الخطّاب: «اذهب فناد في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون». قال فخرجت فناديت: ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون .[مسلم (114) ] .
5- عن ثوبان- رضي اللّه عنه- قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من مات وهو بريء من ثلاث : الكبر والغلول والدّين دخل الجنّة» [الترمذي (1572)، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 310) وقال: رواه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (أي على شرط الشيخين). وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 491): وصحّحه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (2412) ] .
6- عن أبي المليح عن أبيه - رضي اللّه عنهما - قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : « إنّ اللّه عزّ وجلّ لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » [ مسلم (224) ] .
7- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- قال: كان على ثقل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل يقال له كركرة فمات فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «هو في النّار» فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلّها» [البخاري- الفتح 6 (3074) ] .
8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن، ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات ، وهو منتظر ولادها، قال: فغزا. فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك. فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللّهمّ احبسها عليّ شيئا، فحبست عليه حتّى فتح اللّه عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النّار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه فى المال وهو بالصّعيد ، فأقبلت النّار فأكلته، فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا ، ذلك بأنّ اللّه تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا» [البخاري- الفتح 6 (3124)، ومسلم (1747) واللفظ له، والمسند (8258) ] .
9- عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- قال: بعثني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ساعيا، ثمّ قال «انطلق أبا مسعود لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة له رغاء قد غللته» قال: إذا لا أنطلق، قال: «إذا لا أكرهك» [أبو داود (2947)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 569): حسن ] .
10-عن المستورد بن شدّاد، قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا» قال: قال أبو بكر: أخبرت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من اتّخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق» [أبو داود (2945)، وقال محقق جامع الأصول (10/ 574): إسناده صحيح] .
1- عن يحيى بن سعيد، أنّ أبا بكر الصّدّيق- رضي اللّه عنه- بعث جيوشا إلى الشّام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إمّا أن تركب وإمّا أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب. إنّي أحتسب خطاي هذه في سبيل اللّه، ثمّ قال له: إنّك ستجد قوما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم للّه، فذرهم وما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسّيف. وإنّي موصيك بعشر: لا تقتلنّ امرأة، ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنّ شجرا مثمرا، ولا تخرّبنّ عامرا، ولا تعقرنّ شاة، ولا بعيرا، إلّا لمأكلة، ولا تحرقنّ نخلا، ولا تفرّقنّه، ولا تغلل، ولا تجبن. [الموطأ (2/ 447- 448) ] .
2- عن يحيي بن سعيد، أنّه بلغه عن عبد اللّه ابن عبّاس - رضي اللّه عنهما- أنّه قال : ما ظهر الغلول في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلّا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قوم بالعهد إلّا سلّط اللّه عليهم العدوّ.[ الموطأ (2/ 460) ] .
3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا قال له: أرأيت قول اللّه تعالى: ( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) هذا يغلّ ألف درهم وألفي درهم يأتي بها، أرأيت من يغلّ مائة بعير ومائتي بعير، كيف يصنع بها؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل ودقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين الرّبذة إلى المدينة، ألا يحمل مثل هذا؟.[ الدر المنثور (1/ 164) ] .
4- عن عبد اللّه بن عمرو - رضي اللّه عنهما- قال: لو كنت مستحلّا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير، ما من أحد يغلّ غلولا إلّا كلّف أن يأتي به من أسفل درك جهنّم. [الدر المنثور (1/ 164) ] .
5- عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول أن يحرق فسطاطه ومتاعه.[ الدر المنثور (1/ 163) ] .
6- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في تفسير قوله تعالى : ( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) [آل عمران: 161]، قال : نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض النّاس: لعلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها، فأنزل اللّه الآية.[ تفسير الطبري (4/ 102)، وروى مثل ذلك الأثر عن سعيد بن جبير، انظر الدر المنثور (2/ 161) ] .
7- وعنه أيضا - رضي اللّه عنه- في تفسير الآية نفسها قال : المعنى : أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة، ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر اللّه، ويحكم فيه بما أنزل اللّه، يقول: ما كان اللّه ليجعل نبيّا يغلّ من أصحابه فإذا فعل ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استسنّوا به.[ الدر المنثور (2/ 162) ] .
8- عن ابن إسحاق- رحمه اللّه تعالى- في الآية الكريمة نفسها ( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ )قال: أن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلّغ أمّته. [الدر المنثور (2/ 162) ] .
9- قال الضّحّاك : السّبب في نزول الآية الكريمة السّابقة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث طلائع في بعض غزواته، ثمّ غنم قبل مجيئهم، فقسم للنّاس ولم يقسم للطّلائع، فأنزل اللّه عليه عتابا ( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) أي يقسم لبعض ويترك بعضا. [تفسير ابن كثير (1/ 423)، وتفسير القرطبي (4/ 164) ] .
10- عن سعيد بن جبير- رضي اللّه عنه- في قوله: ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ ) [آل عمران: 162] يعني رضا اللّه فلم يغلل في الغنيمة كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ يعني كمن استوجب سخطا من اللّه في الغلول فليسا هما بسواء، ثمّ بيّن مستقرّها فقال للّذي يغلّ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يعني مصير أهل الغلول، ثمّ ذكر مستقرّ من لا يغلّ فقال هُمْ دَرَجاتٌ يعني فضائل عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ يعني بصير بمن غلّ منكم ومن لم يغلّ. [الدر المنثور (156) ] .
11- عن الضّحّاك في قوله في الآية نفسها ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ )قال: من لم يغلّ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ كمن غلّ. [الدر المنثور (164) ] .
12- عن الحسن في قوله تعالى ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ ) يقول أخذ الحلال خير له ممّن أخذ الحرام وهذا في الغلول، وفي المظالم كلّها. [الدر المنثور (164) ] .
1- قال القرطبيّ في تفسير الآية الكريمة : ( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) [آل عمران: 161] لمّا أخلّ الرّماة يوم أحد بمراكزهم خوفا من أن يستولي المسلمون على الغنيمة فلا يصرف إليهم شيء، بيّن اللّه سبحانه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجور في القسمة، والمعنى ما كان من حقّكم أيّها الرّماة أن تتّهموه بالخيانة. [تفسير القرطبي (4/ 164) ] .
2- وقال في قوله تعالى : ( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) المعنى : يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته معذّبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته، وموبّخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، وهذه الفضيحة الّتي يوقعها اللّه تعالى بالغالّ نظير الفضيحة الّتي توقع بالغادر في أن ينصب له لواء عند استه بقدر غدرته وجعل اللّه تعالى هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه. [تفسير القرطبي (4/ 164) ] .
3- قال الإمام البخاريّ: لا يقبل اللّه صدقة من غلول، ولا يقبل إلّا من كسب طيّب لقوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [تفسير القرطبي (4/ 165) ] .
4- ذكر ابن كثير- رحمه اللّه في تفسيره: غزا النّاس في زمن معاوية- رضي اللّه عنه- وعليهم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجل من المسلمين مائة دينار روميّة. فلمّا قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال: قد تفرّق النّاس، ولن أقبلها منك حتّى تأتي اللّه بها يوم القيامة، فجعل الرّجل يستقري الصّحابة فيقولون له مثل ذلك، فلمّا قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه، فخرج من عنده يبكي، وبينما هو يبكي ويسترجع فمرّ بعبد اللّه بن الشّاعر السّكسكيّ فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره. فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل منّي خمسك فادفع إليه عشرين دينارا وانظر إلى الثّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنّ اللّه يقبل التّوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرّجل، فقال معاوية- رضي اللّه عنه-: لأن أكون أفتيته بها أحبّ إليّ من كلّ شيء أملكه. أحسن الرّجل. [فتح الباري (3/ 326) ] .