¤ô☆ô¤ العبوس .. من مظاهر سوء الخلق ¤ô☆ô¤ العبوس لغة:
العبوس مصدر قولهم: عبس يعبس، وهو مأخوذ من مادّة (ع ب س) الّتي تدلّ على تكرّه في شيء، قال ابن فارس: وأصله العبس وهو ما يعبس على هلب (شعر) الذّنب من بعر وغيره، ثمّ اشتقّ من ذلك: اليوم العبوس، وهو الشّديد الكريه، واشتقّ منه عبس الرّجل: إذا غضب (وتقطّب وجهه).
وقال الجوهريّ: يقال: عبس الرّجل يعبس عبوسا: كلح، وعبّس وجهه: مبالغة في عبس، والتّعبّس التّجهّم، ويوم عبوس: أي شديد، وقول اللّه تعالى
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) [المدثر: 22].
قال القرطبيّ: عبس أي قطّب بين عينيه في وجوه المؤمنين، وذلك أنّه لمّا حمل قريشا على ما حملهم عليه من القول في محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه ساحر، مرّ على جماعة من المسلمين، فدعوه إلى الإسلام، فعبس في وجوههم، وقيل: عبس وبسر على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين دعاه [تفسير الطبرى (12/ 308، 443) ].
وقال القرطبيّ: عبس: قبض ما بين عينيه، وقيل: قبض وجهه تكرّها [مقاييس اللغة (4/ 210)، الصحاح (3/ 944)، اللسان (4/ 2785)، ط. دار المعارف] .
وقال ابن منظور: يقال: عبس يعبس عبسا وعبّس: قطّب ما بين عينيه، ورجل عابس من قوم عبوس. ويوم عابس وعبوس: شديد، ومنه حديث قسّ: يبتغي دفع بأس يوم عبوس؛ هو صفة لأصحاب اليوم أي يوم يعبّس فيه. وعبّس تعبيسا، فهو معبّس وعبّاس إذا كرّه وجهه؛ فإن كشّر عن أسنانه فهو كالح، وقيل: عبّس: كلح، العابس: الكريه الملقى، الجهم المحيّا. والتّعبّس: التّجهّم [لسان العرب (6/ 128) ] .
العبوس اصطلاحا:
قال المناويّ: العبوس: تقبّض الوجه عن كراهية أو ضيق صدر [التوقيف للمناوى (235) ] .
وقال الجاحظ: العبوس هو التّقطيب عند اللّقاء بقلّة التّبسّم وإظهار الكراهية، وهذا الخلق مركّب من الكبر وغلظ الطّبع؛ فإنّ قلّة البشاشة هي استهانة بالنّاس، والاستهانة بالنّاس تكون من الإعجاب والكبر. وقلّة التّبسّم وخاصّة عند لقاء الإخوان تكون من غلظ الطّبع، وهذا الخلق مستقبح وخاصّة بالرّؤساء والأفاضل [الجاحظ: تهذيب الأخلاق (72) ]. وقال الرّاغب: العبوس: قطوب الوجه من ضيق الصّدر [المفردات للراغب (320) ] .
1- قوله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ) [المدثر: 11- 23] .
2- قوله تعالى: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ) [الإنسان: 9- 11] .
3- قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى * وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) [عبس: 1- 7] .
1- عن عبد اللّه الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحلب فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء. كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه اللّه إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فراه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي ففعلت. فلمّا أن كان ذا يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ. قلت: يا لبّاه!، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنّما بينك وبينه أربع. فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي إنّ المشرك الّذي كنت أتداين منه قال لي كذا وكذا- وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي- وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات، عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أبشر، فقد جاءك اللّه بقضائك» ثمّ قال: ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟». فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى اللّه كلّ شيء كان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم. قال: «انظر أن تريحني منه». فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: ما فعل الّذي قبلك؟ قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد- دعاني قال: ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك اللّه منه يا رسول اللّه فكبّر وحمد اللّه شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة، حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» [أبو داود (3055) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 590- 591): صحيح الإسناد] .
2- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) [المؤمنون: 104] قال: تشويه النّار فتقلّص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته. [الترمذي (2587) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، و قال الحافظ فى " الفتح " 8 / 445 : صححه الحاكم] .
1- قال أبو ذرّ- رضي اللّه عنه- خرجنا من قومنا غفار- وكانوا يحلّون الشّهر الحرام- أنا وأخي أنيس وأمّنا فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا. فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس فجاءنا خالنا فنثا عليه ما قيل له. فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لنا فيما بعد. قال: فقرّبنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه وجعل يبكي. قال: فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة. قال: فنافر أنيس رجلا عن صرمتنا، وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها، وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث سنين. قال: فقلت: لمن؟ قال: للّه. قال: قلت فأين توجّه؟ قال: حيث وجّهني اللّه- عزّ وجلّ- قال: وأصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء. قال أبي: قال أبو النّضر قال سليمان: كأنّي خفاء حتّى تعلوني الشّمس. قال: فقال أأنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني حتّى آتيك. قال: فانطلق فراث عليّ، ثمّ أتاني فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا يزعم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أرسله على دينك. قال: فقلت ما يقول النّاس له؟ قال: يقولون إنّه شاعر وساحر وكاهن. قال: وكان أنيس شاعرا. قال: فقال: قد سمعت قول الكهّان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أقراء الشّعر فو اللّه ما يلتام لسان أحد أنّه شعر. واللّه إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون. قال: فقلت له: هل أنت كافيّ حتّى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم. فكن من أهل مكّة على حذر فإنّهم قد شنفوا له، وتجهّموا له، وقال عفّان: شيفوا له وقال بهز سبقوا له، وقال أبو النّضر شفوا له قال: فانطلقت حتّى قدمت مكّة فتضعّفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الرّجل الّذي تدعونه الصبابىء؟ قال: فأشار إليّ. قال: الصّابىء؟ قال: فمال أهل الوادي عليّ بكلّ مدرة وعظم حتّى خررت مغشيّا عليّ ... الحديث [مسلم (2473). وأحمد (5/ 175) واللفظ له] .
2- عن سبيع بن خالد، قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر، أجلب منها بغالا، فدخلت المسجد فإذا صدع من الرّجال، وإذا رجل جالس، تعرف إذا رأيته أنّه من رجال أهل الحجاز. قال: قلت: من هذا؟ فتجهّمني القوم وقالوا: أما تعرف هذا؟ هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. [أبو داود (4244) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 798): حسن] .
3- قال عكرمة في قوله تعالى: ( يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) [الإنسان: 10] يعبس الكافر يومئذ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران.[ بصائر ذوي التمييز (4/ 15) ] .
4- قال مجاهد (عَبُوساً قَمْطَرِيراً) العابس الشّفتين يقبض الوجه بالبسور.[ تفسير ابن كثير (4/ 485) ] .
5- قال مجاهد وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول.[ تفسير ابن كثير (4/ 485) ] .
1- كانَ عمرُ كثيراً ما يتمثلُ بهذهِ الأبياتِ:
يُرى مستكيناً وهو للَّهْوِ ماقتٌ *** به عن حديث القوم ما هو شاغلُه
وأزعجه علمٌ عن الجهلِ كلِّه *** وما عالمٌ شيئاً كمن هو جاهلُه
عبوسٌ عنِ الجُهّالِ حينَ يراهمُ *** فليس له منهم خدين يهازله
تذكَّرَ ما يبقى من العيشِ آجلاً *** فأشغلهُ عن عاجلِ العيشِ آجلُه
2- قال عبد الرحمن بدماسي أصيل في قصيدة بعنوان آهات أمتي
ما لي أرى شبحاً يلوحُ ويُنذرُ *** كاد الفؤادُ من الجوى يَتَفَطّرُ
كنا دعاةً للسلام وموئلاً *** يأوي إلينا المعدمون القصّرُ
من قال إنا بالدناءة صُوّمٌ *** أو قال إنا بالمذلة نُفْطرُ
أسلافنا شمُ الأنوف رماحهم *** بدم العدى مخضوبةٌ تتقطر
راياتنا تعلو ضُحَى خفاقة *** وابن الوليد من الشجاعة يزأر
ولرومهم قاد الجيوش مجاهداً *** الله أكبر كالرعود تزمجرُ
ما كان يُرعبنا رغاءُ سفاهةٍ *** أو قَوْلَةٌ محمومة تتهدرَ
ما كان يصرفنا اليهود عن الهدى *** إن الهدى بأريجه يتعطرُ
إن التذي أرغى وأزبد كالحاً *** وجه عبوس بالمكيدة يسفرُ
سنذيقه حتماً مرارة حنظل *** صبراً أُخَيّ فإننا سنشَمّرُ
مهلاً قراصنةَ العصورِ رويدَكم *** جاءت مواعيدُ الرحيلِ تبشرُ
برحيلِ ديجورِ الزمانِ وعهدهِ *** ليهِلّ قسطاسُ السماءِ فيقمرُ
[مجلة البيان(134/108) ] .
3- رحم الله من قال:
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ عَلِمْتَ بِهَوْلِهِ *** لَفَرَرْتَ مِنْ أَهْلٍ وَمِنْ أَوْطَانِ
يَوْمَ تَشَقَّقَتِ السَّمَاءُ لِهَوْلِهِ *** وَتَشِيبُ مِنْهُ مَفَارِقُ الْوِلْدَانِ
يَوْمٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ شَرُّهُ *** فِي الْخَلْقِ مُنْتَشِرٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ
يَوْمُ يَجِيءُ الْمُتَّقُونَ لِرَبِّهِمْ *** وَفْدًا عَلَى نُجُبٍ مِنْ الْعِقَبَاتِ
وَيَجِيءُ فِيهِ الْمُجْرِمُونَ إِلَى لَظَى *** يَتَلَمَّظُونَ تَلَمَّظَ الْعَطْشَانِ
وَالْجَنَّةُ الْعُلْيَا وَنَارُ جَهَنَّم *** دَارَانِ لِلْخَصْمَيْنَ دَائِمَتَانِ
[موارد الظمآن لدروس الزمان لعبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (2/414) ] .