الضراعة والتّضرّع
الضراعة لغة:
مصدر قولهم: ضرع يضرع ضراعة وذلك مأخوذ من مادة (ض ر ع) الّتي تدلّ على لين في الشّيء، ومن هذا الباب ضرع الشّاة، سمّي بذلك لما فيه من لين فأمّا المضارعة فهي التشّابه بين الشّيئين وكأنّهما ارتضعا من ضرع واحد، والنّحويّون يقولون للفعل المستقبل: مضارع لمشاكلته الأسماء فيما يلحقها من الإعراب.
يقال: ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشّع له وسأله أن يعطيه.
ويقال: ضرع الرّجل ضراعة أي خضع وذلّ، وأضرعه غيره، وفي المثل: إنّ الحمّى أضرعتني لك والضّرع: الضّعيف، وإنّ فلانا لضارع الجسم أي نحيف ضعيف، وتضرّع فلان إلى اللّه أي ابتهل قال الفرّاء: يقال: جاء فلان يتضرّع ويتعرّض بمعنى إذا جاء يطلب إليك حاجة.
وقال ابن منظور: ضرع إليه يضرع ضرعا وضراعة: خضع وذلّ فهو ضارع من قوم ضرعة وضروع، وتضرّع: تذلّل وتخشّع وقول اللّه- عزّ وجلّ- )فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا( [الأنعام: 43] معناه: تذلّلوا وخضعوا ويقال: ضرع له واستضرع (بمعنى) والضّارع المتذللّ للغنيّ، وأضرعت له مالي أي بذلته له، وقوله- عزّ وجلّ- (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [الأنعام: 63] المعنى: تدعونه مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر والحاجة إلى اللّه- عزّ وجلّ- وفي حديث الاستسقاء «خرج متبذّلا متضرّعا»، التّضرّع: التّذلّل والمبالغة في السّؤال والرّغبة، وقال الرّاغب: التّضرّع: إظهار الضّراعة وقوله سبحانه: (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94] أي يتضرّعون فأدغم. قال صاحب البصائر: معناه يتذلّلون في دعائهم إيّاه والدّعاء تضرّع؛ لأنّ فيه تذلّل الرّاغبين، قال: وقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) [الأعراف: 55] أي مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر إلى اللّه تعالى وحقيقته الخشوع [المقاييس (3/ 396)، تهذيب اللغة للأزهري (1/ 470)، والصحاح (3/ 1249)، ولسان العرب «ضرع» (2580) ط، دار المعارف، والمفردات للراغب (295)، وبصائر ذوي التمييز (3/ 473) ] .
الضراعة اصطلاحا:
قال المناويّ: الضّراعة: الخضوع والتّذلّل.التّضرّع: أن تدعو اللّه- عزّ وجلّ- بضراعة [التوقيف على مهمات التعاريف (222) ] .
1- قوله تعالى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [الأعراف: 55] .
2- قوله تعالى: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ"[ الأعراف: 205] .
3- قوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" [الأنعام: 40- 45] .
4- قوله تعالى" قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" [الأنعام: 63- 64] .
5- قول الله تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [المؤمنون:76].
6- قوله تعالى: " وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ" [الأعراف: 94] .
1- عن الفضل بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع، وتضرّع، وتمسكن، وتذرّع وتقنع يديك- يقول: ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك- وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا" [رواه الترمذي (385) واللفظ له ، وأحمد (1/ 211) وقد صححه الشيخ أحمد شاكر] .
2- عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا"، قلت: "لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك " [رواه الترمذي (2347) واللفظ له وقال: حسن، وأحمد (5/ 254)، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال مخرجه (10/ 137): إسناده حسن وحسنه الحافظ العراقي في الإحياء (750) ] .
3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال:كشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال:" أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن أن يستجاب لكم" [رواه مسلم (479) ] .
4- عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: " اللّهمّ أين ما وعدتني، اللّهمّ أنجز ما وعدتني، اللّهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ اللّه، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9] الحديث ..[ رواه أحمد (1/ 30- 31) رقم (209). وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 244- 245) ] .
1- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: " أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها"[ رواه أبو داود (1973) واللفظ له، وأحمد وقال أحمد شاكر حديث رقم (2612) إسناده حسن.. وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم، فتح الباري (3/ 576) ط. السلفية] .
2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: "إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد" [رواه الترمذي (558) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وأبو داود (1165)، والنسائي (3/ 156). وابن ماجة (1266). وأحمد (1/ 230). وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 192) وقال محققه:إسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1058) ] .
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )[ رواه البخاري (4563 ) كتاب التفسير سورة آل عمران ] .
4- قال الدّاوديّ- رحمه اللّه تعالى-:"على الدّاعي أن يجتهد ويلحّ ولا يقل: إن شئت، كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير" [الفتح (11/ 145) ] .
1- قال يحيى الغسّانيّ- رحمه اللّه تعالى-:" أصاب النّاس قحط على عهد داود- عليه السّلام- فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللّهمّ إنّا مساكينك، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا، فسقوا» " [الأذكار، للنووي (612)] .
2- لما تكافت قوى الكفر والطغيان على إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله فتشاوروا وتباحثوا و( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) وشرعوا بجمع الحطب من كل مكان يمكنهم الجمع منه ومكثوا مدة في ذلك حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فجمعوا فيها ذلك الحطب وأشعلوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق بعد أن قيدوه وكتفوه وأوثقوا رباطه ثم ألقوه في النار فقال وهو في هذه الكربة العظيمة والمحنة الكبيرة داعياً ربه متضرعاً إليه مستغيثاُ به ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فاستجاب الله له ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فما ضرته ولا آذته ولم تحرق سوى وثاقه الذي كان مشدوداً به . [البداية والنهاية لابن كثير( 1/ 146 )بتصرف يسير ] .
3- لما ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام فسلبه كل ما حباه من نعمة المال والماشية والعبيد والأراضي والأهلين والأولاد ونزل بجسده أنواع الأسقام والأمراض حتى فتكت به أشد الفتك ولم يبق منه عضو سليم وتساقط لحمه فلم يبق منه إلا العظم والعصب وبقي قلبه ولسانه سليماَ ليذكر الله عز وجل به ، وطال مرضه حتى عافه الجليس واستوحش منه الأنيس فأُخرج من بلده وألقي على مزبلة خارجها وانقطع عنه الناس ولم يبق له أحد يعطف عليه سوى زوجته التي كانت ترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها ، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه عل قضاء حاجته وتقوم بمصلحته ثم ضعف حالها وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه وكان الناس لا يستخدمونها لعلمهم انها امرأة أيوب خوفاً أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، ومكث على هذه الحال ثمانية عشرة سنة ، وكان له أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيراً لما ابتلاه بهذا ، فجزع عليه السلام من مقالهما فلجأ إلى ربه مسترحماً مستغيثاً وقال ربِّ ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فأوحى الله إليه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عيناً باردة الماء فشرب واغتسل وأذهب الله ما كان به من بلاء ظاهر وباطن وعاد على أحسن ما كان . أورد ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله ألبسه حلة من حلل الجنة ، ثم تنحى من مكانه وجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة ، قال : ولعل أنا أيوب !! قالت أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله عليَّ جسدي ، ثم صب الله عليه المال صباً وأخلف له أهله ومثلهم معهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) قال ابن كثير: أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه . [ البداية والنهاية( 1 / 224 )بتصرف كبير ] .
4- لما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً التقمه الحوت فصار في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل وظلمة البحر ظلمة بطن الحوت لجأ إلى عالم السر والنجوى وكاشف البلوى سامع الأصوات وإن ضعفت وعالم الخفيات وإن دقت ومجيب الدعوات وإن عظمت فقال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فاستجاب الله دعاءه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار فنجاه وفك كربته فقال(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ).قال أبو هريرة رضي الله عنه طرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطينة ـــ شجرة الدباء ـــ وهيأ الله له دابة تأكل من هشاش الأرض فكان يشرب من لبنها رحمة به ونعمة عليه وإحساناً إليه .[ البداية والنهاية( 1 / 234 )بتصرف يسير ] .
5- ذكر الحافظ بن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي قال هذا الرجل : " كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة فقال : خذ في هذه فإنها أقرب ، فقلت : لا خبرة لي فيها ، فقال بل هي أقرب ، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثير فقال لي أمسك رأس البغل حتى أنزل ، فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكيناً معه وقصدني ، ففررت من بين يديه وتبعني ، فناشدته الله وقلت : خذ البغل بما عليه ، فقال لي هو إنما أريد قتلك ، فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل ، فاستسلمت بين يديه وقلت : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ، فقال : عجل ، فقمت أصلي فارتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفاً متحيراً وهو يقول: هيه افرغ ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخرَّ صريعاً ، فتعلقت بالفارس وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، قال : فأخذت البغل والحمل ورجعت سالماً " . ونقل هذه القصة ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) وسكت عنها[ التفسير( 3 / 493 ) ] .
1- قال محمد بن أبي حازم
اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس *** واقْنَــــــــــعْ بِيـــأسٍ فـــإنّ العِـــزَّ في اليَـــــاس
واستغنِ عن كل ذي قربى وذي *** رَحِم إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس
[ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي1/330] .
2- قد أحسن من قال :
دواء قلبك خمس عند قسوته ***فأذهب عليها تفز بالخير والظفر
خلاء بطن وقرآن تدبره *** كــــــــــــذا تضرع بـــــاك ساعــــــة السحـــــــــر
ثم التهجد جنح الليل أوسطه ***وأن تجـــالس أهل الخير والخــــــــــــبر
[أعمال القلوب خالد السبت 1/27] .
3- رحمم الله من قال:
تضرع في دجى الليل إلى مولاك يكفيكــــــا *** ولا تأمن هجوم الموت إن الموت يأتيكـــــــــــا
كـــأني بالذي يهـــواك في القـــبر يدليـــــكـــــــــــــــــا *** وقــــد أفردت في لحــدك فردا بمساويكــــــــــــــــــــــــــا
واسلمك الذي قد كان في الدنيا يصافيكا *** فيا سؤلي ويا ذخري وكل الخلق راجيكــــــــــــــا
ويا من ليس منا أحد يحصــى أياديكــــــــــــــــــــــــا *** تجــاوز عن مقــال ثم حــقق أمــلي فيكـــــــــــــــــــــــا
[بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزى ] .
1- قال شيخ الإسلام لأمير من أمراء الشام : يا فلان، أوقفني موقف الموت . قال الأمير : فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم . ثم قلت له يا سيدي : هذا موقف الموت وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة فدونك وما تريد .
قال : فرفع طرفه إلى السماء وأشخص بصره وحرك شفتيه طويلاً ثم انبعث وأقدم على القتال ، قال : وأما أنا فخيل إلي أنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة . قال : ثم حال بيننا القتال والالتحام وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر وانحاز التتار إلى جبل صغير عصموا فيه أنفسهم من سيوف المسلمين تلك الساعة.( العقود الدرية لابن عبد الهادي 178 بتصرف يسير ) .