¤!||!¤ مفهوم الشفاعة الحسنة والسيئة وصورهما ¤!||!¤
- قَالَ الله تَعَالَى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) [النساء: 85].
أحاديث
1- عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أتاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أقبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أحبَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: (مَا شَاءَ).
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما في قِصَّةِ برِيرَةَ وَزَوْجِهَا، قَالَ: قَالَ لَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ رَاجَعْتِهِ ؟) قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ تَأمُرُنِي ؟ قَالَ: (إنَّمَا أَشْفَع) قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ. رواه البخاري.
3- وعنه، قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وقال: (أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاس مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيقُولُ النَّاسُ: أَلاَّ تَرَوْنَ مَا أنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ، ألاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأتُونَهُ فَيقُولُونَ: يَا آدَمُ أنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأسْكَنَكَ الجَنَّةَ، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغْنَا ؟ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأتُونَ نوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهلِ الأرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغْنَا، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟ فَيقُولُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إبْرَاهِيمَ، فَيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيقُولُونَ: يَا إبْرَاهِيمُ، أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيقُولُ لَهُمْ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذبَاتٍ؛ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأتُونَ مُوسَى فَيقُولُونَ: يَا مُوسَى أنَتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فيقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي؛ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فيَقُولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم).
وفي روايةٍ: (فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أنتَ رَسُولُ اللهِ وخَاتَمُ الأنْبِياءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأرْفَعُ رَأْسِي، فَأقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأبْوَابِ). ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى). متفق عَلَيْهِ.
آثار
1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " لا تزال الشفاعة بالناس وهم يخرجون من النار، حتى إن إبليس الأبالس ليتطاول لها؛ رجاء أن تصيبه " حلية الأولياء.
2- قال جابر رضي الله عنه: " الشفاعة بينة في كتاب الله (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين) " أخرجه أبو عوانة في مستخرجه.
3- عن الحسن قال: " يجري أجر الشفاعة ما جرت منفعتها " شعب الإيمان.
4- قال ابن تيمية: " والشافع الذي يعين غيره فيصير معه شفعا بعد أن كان وتراً ولهذا فسرت الشفاعة الحسنة بإعانة المؤمنين على الجهاد، والشفاعة السيئة بإعانة الكفار على قتال المؤمنين كما ذكر ذلك ابن جرير وأبو سليمان.
وفسرت الشفاعة الحسنة بشفاعة الإنسان للإنسان؛ ليجتلب له نفعاً أو يخلصه من بلاء كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد.
فالشفاعة الحسنة إعانة على خير يحبه الله ورسوله من نفع من يستحق النفع ودفع الضر عمن يستحق دفع الضرر عنه والشفاعة السيئة إعانته على ما يكرهه الله ورسوله كالشفاعة التي فيها ظلم الإنسان أو منع الإحسان الذي يستحقه.
وفسرت الشفاعة الحسنة بالدعاء للمؤمنين، والسيئة بالدعاء عليهم.
وفسرت الشفاعة الحسنة بالإصلاح بين اثنين.
وكل هذا صحيح؛ فالشافع زوج المشفوع له؛ إذ المشفوع عنده من الخلق إما أن يعينه على بر وتقوى، وإما أن يعينه على إثم وعدوان " مجموع الفتاوى.
5- قال ابن حجر: " وفي الحديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس، ولا التمكن منه؛ ليلج عليه، أو يوضح له مراده؛ ليعرف حاله على وجهه، وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب " فتح الباري.
6- وقال رحمه الله: " قال عياض: ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب الشفاعة فيها إلا الحدود، وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه، ولا سيما ممن وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف، قال: وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع فيهم؛ ليزجروا عن ذلك " فتح الباري.
7- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا).
* قال الصنعاني: " فيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة وظاهره سواء كان قاصدا لذلك عند الشفاعة أو غير قاصد لها وتسميته ربا من باب الاستعارة للشبه بينهما ، وذلك لأن الربا هو الزيادة في المال من الغير لا في مقابلة عوض وهذا مثله ، ولعل المراد إذا كانت الشفاعة في واجب كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ المظلوم من يد الظالم أو كانت في محظور كالشفاعة عنده في تولية ظالم على الرعية فإنها في الأولى واجبة فأخذ الهدية في مقابلها محرم ، والثانية محظورة فقبضها في مقابلها محظور ، وأما إذا كانت الشفاعة في أمر مباح فلعله جائز أخذ الهدية لأنها مكافأة على إحسان غير واجب ويحتمل أنها تحرم لأن الشفاعة شيء يسير لا تؤخذ عليه مكافأة " سبل السلام.
قصص
- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة رضي الله عنها، وذلك بأن تراجع زوجها بعد رفضها إياه لما أعتقت، فأبت مراجعته.
- عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أن الزبير بن العوام لقى رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال: لا حتى أبلغ به السلطان، فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع.
أشعار
وله الشفاعة كلها وهو الذي *** في ذاك يأذن للشفيع الداني
لمن ارتضى ممن يوحده ولم *** يشرك به شيئا لما قد جاء في القرآن
سبقت شفاعته اليه فهو مشـ *** ـفوع اليه وشافع ذو شان
فلذا أقام الشافعين كرامة *** لهم ورحمة صاحب العصيان
فالكل منه بدا ومرجعه اليـ *** ـه وحده ما من إله ثان
غلط الألى جعلوا الشفاعة من سوا *** ه إليه دون الاذن من رحمن
هذي شفاعة كل ذي شرك فلا *** تعقد عليها يا أخا الايمان
[ابن القيم]
ودخول بعض المسلمين جهنما *** بكبائر الآثام والطغيان
والله يرحمهم بصحة عقدهم *** ويبدلوا من خوفهم بأمان
وشفيعهم عند الخروج محمد *** وطهورهم في شاطيء الحيوان
حتى إذا طهروا هنالك أدخلوا *** جنات عدن وهي خير جنان
فالله يجمعنا وإياهـم بهـا *** من غير تعذيب وغير هـوان
[القحطاني]
حكم
1- (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانِ).
2- (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).
3- أهل الدار أولى بالشفاعة، ومن يغمض عينيه لن يرى سوى سواد.
4- قال أحدهم:
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
5- قال أحدهم:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم