►]|◙|[◄ الإسلام يدعو إلى السّلم ►]|◙|[◄
السلم لغة:
السّلم (بفتح السين وكسرها) مأخوذ من مادّة (س ل م) الّتي تدلّ على الصّحّة والعافية في كلّ ما اشتقّ منها، قال ابن فارس: ومن هذا الباب: السّلم بمعنى الصّلح، وهو يذكّر ويؤنّث، قال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [الأنفال: 61]. وقال الرّاغب: السّلم والسّلامة: التّعرّي من الآفات الظّاهرة والباطنة، والسّلام والسّلم والسّلم: الصّلح، قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ) مُؤْمِناً [النساء: 94]. قيل نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح [مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 90)، والمفردات للراغب (240)]، وقال ابن منظور: من معاني السّلم: الاستسلام، والتّسالم: التّصالح. والمسالمة: المصالحة. وفي حديث الحديبية: «أنّه أخذ ثمانين من أهل مكّة سلما»؛ قال ابن الأثير: يروى بكسر السّين وفتحها، وهما لغتان للصّلح، وهو المراد في الحديث على ما فسّره الحميديّ في غريبه؛ وقال الخطّابيّ: إنّه السّلم، بفتح السّين واللّام، يريد الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) [النساء: 90]، أي الانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع؛ قال: وهذا هو الأشبه بالقضيّة، فإنّهم لم يؤخذوا عن صلح، وإنّما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا، وللأوّل وجه، وذلك أنّهم لم يجر معهم حرب، إنّما لمّا عجزوا عن دفعهم أو النّجاة منهم، رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا، فكأنّهم قد صولحوا على ذلك، فسميّ الانقياد صلحا، وهو السّلم؛ ومنه كتابه بين قريش والأنصار: وإنّ سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن، أي لا يصالح واحد دون أصحابه، وإنّما يقع الصّلح بينهم وبين عدوّهم باجتماع ملئهم على ذلك؛ قال: ومن الأوّل حديث أبي قتادة: «لآتينّك برجل سلم» أي أسير، لأنّه استسلم وانقاد. واستسلم أي انقاد. ومنه الحديث: «أسلم سالمها اللّه»، هو من المسالمة وترك الحرب، ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا، إمّا دعاء لها أن يسالمها اللّه ولا يأمر بحربها، أو أخبر أنّ اللّه قد سالمها ومنع من حربها. وحكي السّلم والسّلم الاستسلام وضدّ الحرب أيضا [انظر النهاية لابن الأثير (2/ 2392)، وتفسير أسماء اللّه الحسنى (31) والمقصد الأسنى للغزالي (67) ] .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: السّلم (بالكسر والسّكون) ضدّ الحرب، وهو أيضا الإسلام، والسّلم بمعنى الصّلح يفتح ويكسر، ويذكّر ويؤنّث [الكليات للكفوي (507) ] .
قال ابن كثير: السّلم: المسالمة والمصالحة والمهادنة [تفسير القرآن العظيم (2/ 335) ].
وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة: السّلم والسّلم واحد وهو الصّلح.
وقال أبو عمر: والسّلم بالفتح الصّلح، والسّلم بالكسر الإسلام [فتح الباري (6/ 318) ] .
قال الفيروز آباديّ: والسّلام والسّلم والسّلم: الصّلح. وقوله: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [النساء: 94]، قيل: نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح [بصائر ذوي التمييز (3/ 254) ].
آيات
1- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [البقرة: 207- 208] .
2- قوله تعالى: ( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً ) [النساء: 88- 91] .
3- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) [النساء: 94] .
4- قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ * وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) [الأنفال: 55- 62] .
5- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ * إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) [محمد: 34- 36] .
أحاديث
1- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّ ثمانين رجلا من أهل مكّة هبطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما. فاستحياهم. فأنزل اللّه عزّ وجلّ-: ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) [الفتح: 24]، [مسلم (1808) ] .
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود»، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدراس. فقال: «أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للّهّ ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للّهّ ورسوله» [البخاري- الفتح 6 (3167) ] .
3- عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن تكون السّلم فافعل» [أحمد (1/ 90) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 84، 85): إسناده صحيح ] .
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ ومن ترك شيئا منهنّ خيفة فليس منّا» [أبو داود (5248) واللفظ له وقال الألباني في سنن أبي داود (3/ 985): حسن صحيح] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ينزل عيسى ابن مريم إماما عادلا، وحكما مقسطا، فيكسر الصّليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السّلم، ويتّخذ السّيوف مناجل وتذهب حمة كلّ ذات حمة وتنزل السّماء رزقها وتخرج الأرض بركتها، حتّى يلعب الصّبيّ بالثّعبان فلا يضرّه، ويراعي الغنم الذّئب فلا يضرّها، ويراعي الأسد البقر فلا يضرّها» [البخاري الفتح 4 (2222)، 6 ( 3448- 3449 ). ومسلم (155). وأحمد (2/ 482- 483) واللفظ له] .
6- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» [البخاري الفتح 6 (3166) ] .
7- عن المقداد بن الأسود- رضي اللّه عنه- قال: يا رسول اللّه! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار.فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ منّى بشجرة ، فقال: أسلمت للّه. أفأقتله يا رسول اللّه! بعد أن قالها؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقتله» قال: فقلت: يا رسول اللّه! إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها. أفأقتله؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقتله. فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» [مسلم 1 (95) ] .
8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم» [أحمد (2/ 442) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 6): إسناده صحيح] .
آثار
1- عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم؛ أنّهم اصطلحوا على وضع الحرب، عشر سنين، يأمن فيهنّ النّاس، وعلى أنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنّه لا إسلال، ولا إغلال. [أبو داود (2766). قال الألباني (2/ 532) حسن] .
2- عن أبي حميد السّاعديّ- رضي اللّه عنه- قال: غزونا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تبوك، وأهدى ملك أيلة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم . [البخاري- الفتح 6 (3161) ] .
3- عن إبراهيم التّيميّ عن أبيه قال: قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا اللّه أبدا، فقال سعد بن مالك: وأنا واللّه لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا اللّه أبدا. فقال لهما رجل: ألم يقل اللّه (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال: 39] فقالا: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين كلّه للّه . [الدر المنثور (2/ 638) ] .
أشعار
دعاني لشب الحرب بيني و بينه *** فقلت له: لا لا هلم إلى السلم
فلما أبى ألقيت فضل عنانه *** إليه فلم يرجع بحزم و لا عزم
فكان صريع الخيل أول وهلة *** فبعدا له مختار جهل على علم
[الدعوة إلي الله في أقطار مختلفة ص61 لتقي الدين الهلالي]