~°◙°~ الجهل سبب لفساد العبادة ~°◙°~
الجهل لغة:
الجهل مصدر قولهم جهل يجهل، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ ل) الّتي تدلّ على معنيين، يقول ابن فارس «الجيم والهاء واللّام» أصلان: أحدهما خلاف العلم، والآخر: الخفّة وخلاف الطّمأنينة، فالأوّل الجهل نقيض العلم، ويقال للمفازة الّتي لا علم بها مجهل، والثّاني: قولهم للخشبة الّتي يحرّك بها الجمر مجهل، ويقال: استجهلت الرّيح الغصن إذا حرّكته فاضطرب [المقاييس (1/ 489) ] .
وتجاهل، أي أرى من نفسه ذلك، وليس به، واستجهله: عدّه جاهلا، والمجهل: المفازة لا أعلام فيها، يقال: ركبتها على مجهولها [الصحاح (4/ 1664) ] .
ويقول الرّاغب: «والجاهل تارة يذكر على سبيل الذّمّ وهو الأكثر، وتارة لا على سبيل الذّمّ نحو (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) [البقرة: 273] أي من لا يعرف حالهم وليس يعني المتخصّص بالجهل المذموم، والمجهل: الأمر والأرض والخصلة الّتي تحمل الإنسان على الاعتقاد بالشّيء خلاف ما هو عليه [المفردات (100) ] .
وجهل على غيره سفه وأخطأ، وجهل الحقّ أضاعه فهو جاهل وجهول [المصباح المنير (1/ 113) ] .
وقال ابن منظور: الجهل نقيض العلم، والجهل: ضدّ الخبرة، يقال: هو يجهل ذلك أي لا يعرفه، ويقال: مثلي لا يجهل مثلك، وقد جهله فلان جهلا وجهالة، وجهل عليه وتجاهل: أظهر الجهل واستجهله: عدّه جاهلا واستخفّه، والتّجهيل: أن تنسبه إلى الجهل، وأجهلته أي جعلته جاهلا. الجهالة: أن تفعل فعلا بغير العلم. والمجهلة: ما يحملك على الجهل. وفي الحديث: «الولد مبخلة مجبنة مجهلة»: أي إنّ الأبناء يحملون الآباء على الجهل بملاعبتهم إيّاهم حفظا لقلوبهم. ويقال: إنّ من العلم جهلا: معناه أن يتعلّم مالا يحتاج إليه كالنّجوم وعلوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسّنّة. وقيل: أن يتكلّف العالم إلى علم مالا يعلمه فيجهّله ذلك.
والجاهليّة: زمن الفترة قبل الإسلام، وقالوا الجاهليّة الجهلاء، فبالغوا، والثّانية توكيد للأولى، اشتقّ له من اسمه ما يؤكّد به كما يقال: وتد واتد، وليلة ليلاء، ويوم أيوم، وفي الحديث: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة». والمراد: الحالة الّتي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل باللّه سبحانه، ورسوله وشرائع الدّين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتّجبّر وغير ذلك [مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 489، والمفردات للراغب ص 101، لسان العرب (2/ 713، 714) بتصرف. وانظر الصحاح (4/ 1663، 1664). ومختار الصحاح (115) ] .
الجهل اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الجهل: هو اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو عليه، واعترضوا عليه بأنّ الجهل قد يكون بالمعدوم، وهو ليس بشيء، والجواب عنه أنّه شيء في الذّهن [التعريفات للجرجاني (80) ] .
وقال المناويّ: الجهل: هو التّقدّم في الأمور المنبهمة بغير علم [التوقيف (123) ] .
وقال ابن نجيم: حقيقة الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يكون معلوما فإن قارن اعتقاد النّقيض، أي الشّعور بالشّيء على خلاف ما هو به فهو الجهل المركّب، فإن عدم الشّعور بذلك فهو الجهل البسيط [الأشباه والنظائر لابن نجيم (303) بواسطة رفع الحرج لصالح بن حميد (229) ] .
آيات
1- قول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [ النحل: 118- 119] .
2- قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة: 272- 273] .
3- قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ* ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 153- 154] .
4- قوله تعالى: ( وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [الأعراف: 138- 140] .
5- قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) [الأعراف: 199- 202] .
6- قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب: 72- 73] .
7- قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة: 67] .
8- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً * إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً * وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً * وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان: 63- 68] .
أحاديث
1- عن عبد اللّه بن مسعود وأبي موسى- رضي اللّه عنهما- قالا: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ بين يدي السّاعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل» [رواه البخاري- الفتح 13 (7062) واللفظ له. ومسلم 4 (2672) ] .
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: إنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنّما تسفّهم الملّ ولا يزال معك من اللّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك» [رواه مسلم (2558) ] .
3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ. أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام إنّما هم فحم من فحم جهنّم أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعلان الّتي تدفع بأنفها النّتن» [رواه أبو داود (5116) واللفظ له وقال المنذري في المختصر: أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح (8/ 16). والترمذي (3955) وقال: حسن، وقال الألباني: حسن (4269)- صحيح أبي داود] .
4- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» [رواه البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له. مسلم (2673) ] .
5- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما- قال: جاء رجل أعرابيّ جاف جريء فقال: يا رسول اللّه، أين الهجرة إليك حيثما كنت، أم إلى أرض معلومة، أو لقوم خاصّة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساعة، ثمّ قال: «أين السّائل عن الهجرة؟» قال: ها أنا ذا يا رسول اللّه. قال: «إذا أقمت الصّلاة، وآتيت الزّكاة فأنت مهاجر وإن متّ بالحضرمة» قال: يعني أرضا باليمامة، قال: ثمّ قام رجل فقال: يا رسول اللّه، أرأيت ثياب أهل الجنّة، أتنسج نسجا أم تشقّق من ثمر الجنّة؟ قال: فكأنّ القوم تعجّبوا من مسألة الأعرابيّ فقال: «ما تعجبون من جاهل يسأل عالما؟» قال: فسكت هنيّة، ثمّ قال: «أين السّائل عن ثياب الجنّة؟» قال: أنا. قال: «لا. بل تشقّق من ثمر الجنّة» [رواه أحمد (2/ 203) رقم (6904). وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 114) ] .
6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الصّيام جنّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنّي صائم (مرّتين) والّذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. الصّيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» [رواه البخاري- الفتح 4 (1894) واللفظ له. ومسلم بنحوه رقم (1151) ] .
7- عن ابن بريدة عن أبيه- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القضاة ثلاثة، واحد في الجنّة، واثنان في النّار. فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» [أبو داود (3573) واللفظ له. وصححه الألباني في الإرواء (2614). والحاكم (4/ 90) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم] .
8- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليّة» [رواه البخاري- الفتح 3 (1294) واللفظ له. مسلم (103) ] .
آثار
1- قال لقمان الحكيم- رضي اللّه عنه- لابنه: يا بنيّ لا تعلّم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السّفهاء أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة. يا بنيّ اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون اللّه فاجلس معهم؛ فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ اللّه أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم؛ فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا، أو عيّا، ولعلّ اللّه يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم.[ رواه الدارمي (1/ 117) رقم (377) ] .
2- كان عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- يقول: لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهّل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع.[الدارمي رقم (379) ] .
3- قال عليّ- رضي اللّه عنه- لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتّى يؤخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل به.[ جامع بيان العلم وفضله (1/ 123) ] .
4- قال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه-: اغد عالما أو متعلّما ولا تغد فيما بين ذلك فإنّ ما بين ذلك جاهل، وإنّ الملائكة تبسط أجنحتها للرّجل غدا يبتغي العلم من الرّضا بما يصنع.[الدارمي (1/ 109) رقم (339) ] .
5- قال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه-: قرّاؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا يقيسون الأمور برأيهم.[جامع بيان العلم وفضله (2/ 136) ] .
6- قال أبو الدّرداء- رضي اللّه عنه-: علامة الجاهل ثلاث: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.[جامع بيان العلم وفضله (1/ 143) ] .
7- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو اللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. وإنّ هذا من الجاهلين.واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب اللّه.[ البخاري- الفتح 8 (4642) ] .
8- قال مسروق- رحمه اللّه تعالى-: كفى بالمرء علما أن يخشى اللّه، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله.[الدارمي رقم (383). وجامع بيان العلم (1/ 143) ].
أشعار
1- قال عليّ- رضي اللّه عنه-:
فلا تصحب أخا الجهل *** وإيّـــاك وإيّـــــاه
يقاس المرء بالـمـــرء *** إذا ما المرء ما شاه
قياس النّعل بالنّعـل *** إذا ما النّعل حاذاه
وللشّيء على الشّـيء *** مقاييس وأشبـاه
وللقلب على القلب *** دليل حين يلقـاه
[الآداب الشرعية (3/ 564) ].
2- قال جعفر بن عون: سمعت مسعرا يوصي ولده كداما:
إنّي منحتك يا كدام نصيحتي *** فاسمع مقال أب عليك شفيق
أمّا المزاحة والمراء فدعهما *** خلقان لا أرضاهما لصديـــــق
إنّي بلوتهما فلم أحمدهمـــا *** لمجاور جارا ولا لرفيــق
والجهل يزري بالفتى في قومـه *** وعروقه في النّاس أيّ عــــروق
[سير النبلاء (7/ 170) ] .
3- قال أبو حاتم- رحمه اللّه تعالى-:
إذا أمن الجهّال جهلك مــرّة *** فعرضك للجهّال غنم من الغنم
فعمّ عليه الحلم والجهل والقــه *** بمنزلة بين العداوة والسّلم
إذا أنت جاريت السّفيه كما جرى *** فأنت سفيه مثله غير ذي حــلم
ولا تغضبن عرض السّفيه وداره *** بحلم فإن أعيا عليك فبالصّـرم
فيرجوك تارات ويخشاك تــارة *** ويأخذ فيما بين ذلك بالحـزم
فإن لم تجد بدّا من الجهل فاستعن *** عليه بجهّال فذاك من الـــعزم
[أدب الدنيا والدين (249) ] .
4- قال سابق البربري رحمه اللّه:
الجهل داء قاتل وشفــاؤه *** أمران في التّركيب متّفقان
نصّ من القرآن أو من سنّة *** وطبيب ذاك العالم الرّباني
[فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (417) ].
5- قال بعض الشّعراء:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** فأجسامهم قبل القبور قبور
وإنّ امرأ لم يحي بالعلم ميّــــت *** فليس له قبل النّشور نشور
[أدب الدنيا والدين (51) ] .
6- قال الشّاعر:
تعلّم فليس المرء يولد عالمـا *** وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده *** صغير إذا التفّت عليه المحافـل
[جامع بيان العلم وفضله (1/ 159) ] .
متفرقات
1- قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: أهل الجهل والظّلم الّذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والظّلم باتّباع أهوائهم الّذين قال اللّه تعالى فيهم: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم: 23] وهؤلاء قسمان:
أحدهما: الّذين يحسبون أنّهم على علم وهدى وهم أهل الجهل والضّلال، فهؤلاء أهل الجهل المركّب الّذين يجهلون الحقّ ويعادونه ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالون أهله، وهم (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [المجادلة: 18]، فهم لاعتقادهم الشّيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السّراب الّذي (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور: 39] وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السّراب الّذي يكون صاحبه أحوج ما هو إليه، ولم يقتصر على مجرّد الخيبة والحرمان كما هو الحال فيمن أمّ السّراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك أنّه وجد عنده أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى- فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفّاه إيّاه بمثاقيل الذّرّ، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه، فجعله هباء منثورا؛ إذ لم يكن خالصا لوجهه ولا على سنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وصارت تلك الشّبهات الباطلة الّتي كان يظنّها علوما نافعة كذلك هباءا منثورا، فصارت أعماله وعلومه (هكذا).
والقسم الثّاني من هذا الصّنف: أصحاب الظّلمات وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كلّ وجه، فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضلّ سبيلا، فهؤلاء أعمالهم الّتي عملوها على غير بصيرة، بل بمجرّد التّقليد واتّباع الآباء من غير نور من اللّه تعالى، كظلمات عديدة وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظّلم واتّباع الهوى، وظلمة الشّكّ والرّيب، وظلمة الإعراض عن الحقّ الّذي بعث اللّه تعالى به رسله- صلوات اللّه وسلامه عليهم-، والنّور الّذي أنزله معهم ليخرجوا به النّاس من الظّلمات إلى النّور، فإنّ المعرض عمّا بعث اللّه تعالى به محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم من الهدى ودين الحقّ يتقلّب في خمس ظلمات: قوله ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظّلمة، وقلبه مظلم، ووجهه مظلم، وكلامه مظلم، وحاله مظلم؛ وإذا قابلت بصيرته الخفّاشيّة ما بعث اللّه به محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم من النّور جدّ في الهرب منه، وكاد نوره يخطف بصره، فهرب إلى ظلمات الآراء الّتي هي به أنسب وأولى كما قيل:
خفافيش أعشاها النّهار بضوئه *** ووافقها قطع من اللّيل مظلم
فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونخالة الأذهان، جال ومال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرّسالة انحجز في حجرة الحشرات.[ اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية (15- 17) باختصار ] .
2- وقال- رحمه اللّه تعالى-: الجهل نوعان: جهل علم ومعرفة، وجهل عمل وغيّ.وكلاهما له ظلمة ووحشة في القلب. وكما أنّ العلم يوجب نورا وأنسا فضدّه يوجب ظلمة ويوقع وحشة.وقد سمّى اللّه سبحانه وتعالى العلم الّذي بعث به رسوله نورا وهدى وحياة، وسمّى ضدّه ظلمة وموتا وضلالا. قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة: 257] وقال تعالى: أ(َوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام): 122]،[ الأشباه والنظائر (220) ] .
3- قال الماورديّ- رحمه اللّه تعالى-: ليس يجهل فضل العلم إلّا أهل الجهل، لأنّ فضل العلم إنّما يعرف بالعلم. وهذا أبلغ في فضله، لأنّ فضله لا يعلم إلّا به، فلمّا عدم الجاهلون العلم الّذي به يتوصّلون إلى فضل العلم جهلوا فضله، واسترذلوا أهله، وتوهّموا أنّ ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتناة، والطّرف المشتهاة، أولى أن يكون إقبالهم عليها، وأحرى أن يكون اشتغالهم بها.[ أدب الدنيا والدين (17) ط. بولاق] .
4- قال السّيوطيّ- رحمه اللّه تعالى-: كل من جهل تحريم شيء ممّا يشترك فيه غالب النّاس لم يقبل إلّا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى عليه مثل ذلك.[مختصر نصيحة أهل الحديث (160) ] .