الجنس : العمر : 38 طيبة الطيبة التسجيل : 16/01/2012عدد المساهمات : 15
موضوع: {ô♦ô} العلاقة بين التبيين والتبليغ {ô♦ô} السبت 17 مارس 2012, 7:06 pm
{ô♦ô} العلاقة بين التبيين والتبليغ {ô♦ô}
التبليغ لغة:
مصدر قولهم: بلّغ يبلّغ تبليغا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ل غ) الّتي تدلّ على «الوصول إلى الشّيء»، ومن ذلك: بلغت المكان إذا وصلت إليه، ومن هذا الباب قولهم: هو أحمق بلغ وبلغ أي أنّه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبلغة ما يتبلّغ به من عيش، كأنّه يراد أنّه يبلغ رتبة المكثر إذا رضي وقنع، وكذلك البلاغة الّتي يمدح بها الفصيح، لأنّه يبلغ بها ما يريده. ولي في هذا بلاغ: أي كفاية [مقاييس اللغة (بتصرف يسير) 1/ 302] .
وقال الرّاغب: البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدّرة، وربّما يعبّر به عن المشارفة على الانتهاء، والبلاغ: التّبليغ في نحو قوله عزّ وجلّ )هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ( [إبراهيم: 52]. والبلاغ أيضا: الكفاية في قوله تعالى: (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) [الأنبياء: 106] [المفردات للراغب (60) ] .
وقال الجوهري: الإبلاغ: الإيصال وكذلك التّبليغ، والاسم منه: البلاغ، يقال بلّغت الرّسالة، وبالغ فلان في أمري إذا لم يقصّر فيه. وتبلّغ بكذا، أي اكتفى به، وتبلّغت به العلّة أي اشتدّت، والبلاغة: الفصاحة وبلغ فلان (بالضّمّ) إذا صار بليغا [الصحاح (4/ 1316) ]، وقال ابن منظور: بلغ الشّيء يبلغ بلوغا وبلاغا: وصل وانتهى، وأبلغه هو إبلاغا وبلّغه تبليغا أوصل الشّيء إليه وتبلّغ بالشّيء: وصل إلى مراده، وبلغ مبلغ فلان ومبلغته، والبلاغ في حديث الاستسقاء «واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغا إلى حين» هو ما يتبلّغ به ويتوصّل إلى الشّيء المطلوب.
التبليغ اصطلاحا:
التّبليغ من الصّفات الّتي يجب اعتقادها للرّسل الكرام عليهم الصّلاة والسّلام، وقد عرّفه العلماء فقالوا: التّبليغ: أن يبلّغ الرّسول كلّ ما أمر بتبليغه فلا يخفي منه شيئا، ولا يكتمه بحال من الأحوال وألّا تحمله رهبة على أن يكتم بعضا ممّا أوحي إليه وأمر بإبلاغه للنّاس [عقيدة المؤمن، لأبي بكر الجزائري (272) ] .
ويوخذ ممّا ذكر القرطبيّ وغيره من المفسّرين: أنّ التّبليغ منوط أيضا بحملة العلم من هذه الأمّة بحيث يجب عليهم ألّا يكتموا شيئا من أمر هذه الشّريعة وأن يبلّغوها للنّاس ومن ثمّ يكون التّبليغ: تبليغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ ما أمر بتبليغه من الوحي، وتبليغ حملة العلم من أمّته أمور الشّريعة إلى كلّ من لم تبلغه دون خوف أو وجل.
التبيين لغة:
التّبيين مصدر قولهم «بيّن» الشّيء أي جعله بيّنا واضحا لا غموض فيه ولا خفاء، يقول ابن منظور: بان الشّيء بيانا: اتّضح فهو بيّن، وأبان الشّيء فهو مبين، والتّبيين: الإيضاح، والمبين: البيّن، ومنه قول اللّه تعالى: (حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) [الزخرف: 1- 2] أي والكتاب البيّن، وقيل: معنى المبين أنّه بيّن طرق الهدى من طرق الضّلالة، وأبان كلّ ما تحتاج إليه الأمّة، أمّا البيان فيعني إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللّسن وأصله: الكشف والظّهور [لسان العرب 1/ 406 (ط. دار المعارف) ] .
التبيين اصطلاحا:
لم يرد لفظ التّبيين ضمن المصطلحات المذكورة في مؤلّفات هذا الفنّ، بيد أنّ مرادفه وهو لفظ البيان قد عرّفه الجاحظ بقوله: البيان: اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع [البيان والتبين للجاحظ (1/ 76) ] .
الأدلة من القرآن الكريم
1- قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ([المائدة: 67] .
1- عن أبي بكرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال «الزّمان قد استدار كهيئتة يوم خلق اللّه السّماوات والأرض: السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم- ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان. أيّ شهر هذا؟» قلنا: اللّه ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجّة؟» قلنا:بلى. قال: «أيّ بلد هذا؟» قلنا: اللّه ورسوله أعلم.فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال:«أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ يوم هذا؟» قلنا:اللّه ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم- قال محمّد: وأحسبه قال:وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. وستلقون ربّكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشّاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه»- فكان محمّد إذا ذكره قال: صدق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم- ثمّ قال: «ألا هل بلّغت، ألا هل بلّغت» [الفتح (13/ 7447)، واللفظ له، مسلم (1679) ] .
2- عن أبي جمرة قال: «كان ابن عبّاس يقعدني على سريرة فقال: إنّ وفد عبد القيس لمّا أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من الوفد؟» قالوا: ربيعة. قال:«مرحبا بالوفد والقوم غير خزايا ولا ندامى» قالوا: يا رسول اللّه إنّ بيننا وبينك كفّار مضر، فمرنا بأمر ندخل به الجنّة ونخبر به من وراءنا، فسألوا عن الأشربة، فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع: أمرهم بالإيمان باللّه، قال: «أتدرون ما الإيمان باللّه؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وأظنّ فيه صيام رمضان، وتؤتوا من المغانم الخمس، ونهاهم عن الدّبّاء والحنتم والنّقير، وربّما قال: المقيّر، قال: «احفظوهنّ وأبلغوهنّ من وراءكم» [الفتح (13/ 7266) ] .
3- عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا ربّ. فتسأل أمّته هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمّد وأمّته، فيجاء بكم فتشهدون. ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- قال: عدلا- لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» [البخاري- الفتح (7349) ] .
4- عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخيف من منى فقال: «نضّر اللّه امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن: إخلاص العمل للّه، والنّصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» [رواه ابن ماجه (2480) وقال الألباني( صحيح ) الظلال 1085 ] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود»، فخرجنا معه حتّى جئنا بيت المدارس ، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فناداهم فقال: «يا معشر يهود أسلموا تسلموا»، فقالوا: بلّغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا»، فقالوا: قد بلّغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ذلك أريد»، ثمّ قالها الثّالثة، فقال: «اعلموا أنّما الأرض للّه ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّما الأرض للّه ورسوله» [الفتح 13 (7348) ] .
6- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنّة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال اللّه سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم، قال: فأنزل اللّه: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... إلخ الاية) [آل عمران: 169] » [رواه أبو داود (3/ 15) حديث رقم (2520) وقال الألباني(قلت: حديث حسن، وصححه الحاكم والذهبي، وأقره المنذري) ] .
7- عن عبد اللّه بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعدة من النّار» [البخاري- الفتح (3461) ] .
8- عن جابر بن عبد اللّه قال: لمّا قتل عبد اللّه بن عمرو بن حرام، يوم أحد، لقيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «يا جابر، ألا أخبرك ما قال اللّه لأبيك؟» وقال يحيى في حديثه: فقال «يا جابر، ما لي أراك منكسرا؟» قال: قلت: يا رسول اللّه، استشهد أبي وترك عيالا ودينا، قال: «أفلا أبشّرك بما لقي اللّه به أباك؟ قال: بلى: يا رسول اللّه! قال: «ما كلّم اللّه أحدا قطّ إلّا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا ، فقال:يا عبدي، تمنّ عليّ أعطك. قال: يا ربّ، تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرّبّ سبحانه: إنّه سبق منّي أنّهم إليها لا يرجعون. قال: يا ربّ، فأبلغ من ورائي، قال: فأنزل اللّه تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169] » [رواه ابن ماجة- المقدمة (1/ 68)، حديث رقم (190) وقال الألباني حسن ] .
آثار من السلف الصالح
1- عن مسروق عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: من حدّثك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئا من الوحي فلا تصدّقه، إنّ اللّه تعالى يقول (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [ البخاري- الفتح 13 (7531)، وتفسير القرطبي (6/ 242، 243) ] .
2- قال الزّهريّ في قول اللّه تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) قال: من اللّه عزّ وجلّ الرّسالة، وعلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم البلاغ، وعلينا التّسليم.[الفتح (3/ 512) كتاب التوحيد] .
3- عن ابن عبّاس- في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الاية قال: المعنى: بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك، فإن كتمت شيئا منه فما بلّغت رسالته؛ وهذا تأديب للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وتأديب لحملة العلم من أمّته ألّا يكتموا شيئا من أمر شريعته، وقد علم اللّه تعالى من أمر نبيّه أنّه لا يكتم شيئا من وحيه.[ تفسير القرطبي (6/ 242) ] .
4- قال سفيان بن عيينة: «لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.[ مجموع فتاوي ابن تيمية (1/ 11) ] .
5- عن أبي ذرّ- رضي اللّه عنه- قال:لقد تركنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما. [أحمد (5/ 153، 162) ] .
أشعار
1- رحم الله من قال:
إذا نصحت لذي عجب لترشـده *** فلم يطعك فلا تنصح له أبـــدا فإن ذا العجب لا يعطيك طاعتـه *** ولا يجيب الى إرشاده أحـدا وما عليك وإن غاو غوى حقبا *** إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا [المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص 43، 44 ]
أقوال العلماء
1- يقول عبد اللّه بن جبرين: مقتضى شهادة أنّ محمّدا رسول اللّه الاعتقاد الجازم بأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرسل من ربّه عزّ وجلّ، وقد حمّله اللّه هذه الشّريعة كرسالة، وكلّفه بتبليغها إلى الأمّة، وفرض على جميع الأمّة تقبّل رسالته والسّير على نهجه. وأنّه من الأمور الّتي يحصل بها التّأثّر والتّحقّق لأداء هذه الشّهادة والانتفاع بها تبليغه الرّسالة لقول اللّه تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة: 67]، وهذا تكليف من ربّه تعالى، فلا بدّ من حصوله مع أنّ هذا هو وظيفة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ومحمّد صلّى اللّه عليه وسلّم من جملتهم، وقد قال تعالى: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى: 48]، وقال عزّ من قائل: (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54]، وقد شهد له صحابته- رضي اللّه عنهم- بهذا البلاغ والبيان، وقد اشتهر أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدأ بدعوة أهل بلده وقومه، ثمّ بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة، ثمّ بمن وراءهم، فكان يرسل الرّسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدّعوة إلى اللّه وقبول هذه الرّسالة، ثمّ بعث الدّعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما، ثمّ بعث كتبا تتضمّن الدّعوة إلى هذه الشّريعة إلى ملوك الفرس والرّوم وغيرهم، فما توفّي حتّى انتشرت دعوته، واشتهر أمره عند القريب والبعيد، وقد قام صحابته من بعده بالدّعوة إلى دينه وقتال من أبى وامتنع من قبولها حتّى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، حتّى بلغت هذه الدّعوة أقطار الأرض في أقصر مدّة ...[الشهادتان (49) بتصرف] .
2- قال الإمام ابن تيمية: أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الأمّة أن يبلّغ عنه من شهد لمن غاب، ودعا للمبلّغين بالدّعاء المستجاب، فقال في الحديث الصّحيح: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار»، وقال أيضا في خطبته في حجّة الوداع: «ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع»، وقال أيضا: «نضّر اللّه امرأ سمع منّا حديثا فبلّغه إلى من لم يسمعه، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلم: إخلاص العمل للّه، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم». وفي هذا دعاء منه لمن بلّغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلّغ لما أعطي المبلّغون من النّضرة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظّمون نقلته حتّى قال الشّافعيّ- رحمه اللّه- إذا رأيت رجلا من أهل الحديث فكأنّي رأيت رجلا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما قال الشّافعيّ ذلك لأنّهم في مقام الصّحابة- رضوان اللّه عليهم- من تبليغ حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال الشّافعيّ أيضا: أهل الحديث حفظوا فلهم علينا الفضل لأنّهم حفظوا لنا.[مجموع الفتاوى (1/ 11).
3- قال ابن حجر: التّبليغ على نوعين، أحدهما وهو الأصل- أن يبلّغه بعينه، وهو خاصّ بما يتعبّد بتلاوته وهو القرآن، وثانيهما: أن يبلّغ ما يستنبط من أصول ما تقدّم إنزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه، إمّا بنصّه وإمّا بما يدلّ على موافقته بطريق الأولى.[الفتح (13/ 516) كتاب التوحيد] .
4- قال ابن حجر في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ): اختلف في المراد بهذا الأمر، فقيل:
المراد: بلّغ كما أنزل، وهو على ما فهمت عائشة وغيرها، وقيل: المراد: بلّغه ظاهرا ولا تخش من أحد فإنّ اللّه يعصمك من النّاس، والثّاني أخصّ من الأوّل . [ الفتح (13/ 513) كتاب التوحيد] .
5- قال القرطبيّ- رحمه اللّه- في قول اللّه تعالىإِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ..) ىيعمّ المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع.[تفسير القرطبي (1/ 185) ] .
6- قال القرطبيّ- رحمه اللّه تعالى- استدلّ العلماء على وجوب تبليغ العلم الحقّ بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: 159]، وتحقيق الاية هو أنّ العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التّبليغ إذا عرف أنّه مع غيره، وأمّا من سئل فقد وجب عليه التّبليغ لهذه الاية، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار». أمّا ما يتعلّق ب «غير البيّنات والهدى» فإنّه يجوز كتمه وعدم تبليغه، لا سيّما إن كان مع ذلك خوف، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين قال: «حفظت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته، وأمّا الاخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ، قال البخاريّ: وهذا الّذي لم يبثّه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنّما هو ممّا يتعلّق بأمر الفتن والنّصّ على أعيان المرتدّين والمنافقين، ونحو هذا ممّا لا يتعلّق بالبيّنات والهدى.[ تفسير القرطبي (1/ 186) ] .
7- قال القرطبيّ في قوله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... ) [ الأنعام: 19] أي ومن بلغه القرآن، وقيل: ومن بلغ الحلم. ودلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبّد.[تفسير القرطبي (6/ 399) ] .