۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المأمون

عضو جديد  عضو جديد
المأمون


الجنس : ذكر
العمر : 37
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 11/03/2012
عدد المساهمات : 24

❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖ Empty
مُساهمةموضوع: ❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖   ❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖ Icon_minitimeالسبت 17 مارس 2012, 2:39 am


❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖ Showua1


❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖

الإيثار هو تقديم الإنسان غيره على نفسه فيما هو في حاجة إليه من أمور الدنيا ابتغاء ثواب الآخرة ، فهو أعلى درجات المعاملة مع الناس ، يجلب حبّهم ، ويطرد غضبهم ، ويُذهِب حسدهم ، فضلاً عما يجده صاحب الإيثار من الثواب الكبير والأجر العظيم والخير العَمِيم في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }[الحشر:9].

عن أَبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فَأرسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقالت: وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ، ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُضيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ ؟) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا يَا رسولَ الله، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أكرِمِي ضَيْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي روايةٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فقَالَتْ: لاَ، إِلاَّ قُوتَ صِبيَانِي. قَالَ: فَعَلِّليهم بِشَيْءٍ وَإذَا أرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّمِيهمْ، وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأطْفِئي السِّرَاجَ، وَأريهِ أنَّا نَأكُلُ. فَقَعَدُوا وَأكَلَ الضَّيْفُ وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ) متفقٌ عَلَيْهِ.

معنى الإيثار : الإيثار لغة : التفضيل والتقديم .

قال اللهُ تعالى : (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا) (يوسف: 91) أي : لقد فضلك الله علينا، واختارك بالعِلْمِ والحِلْمِ والحُكْمِ، والعقل، والملك . ( لسان العرب جـ1 صـ26 ) ( تفسير القرطبي جـ9 صـ263 )

الإيثار شرعاً : هو تقديم الغير على النفْسِ وحظوظها الدنياوية، ورغبة في الحظوظ الدينية.

وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة. يُقالُ: آثرته بكذا، أي خصصته به وفضلته. (تفسير القرطبي جـ18 صـ28 )

لقد بلغ رسول الله في الإيثار ذروته وقمّته، إذ كان أجود الناس بالخير قليله وكثيره، فقد كان كما قال الشاعر:

مُتَيَّمٌ بالنَّدَى لو قال سائلُه: هَبْ لي جميعَ كَرَى عَيْنَيْكَ لم يَنَمِ
تروي لنا سيرته العطرة صورًا من إيثاره كشمس مُشرِقة في نهار السالِكين ونجم ساطع في ليل المهتدين، ومن ذلك إيثاره أصحابه على نفسه وهو جائع، الرسول كان يؤثر أصحابه الفقراء بشرب اللبن قبله، ولم يشرب إلا ما فضل بعدهم، وكان جائعًا مثلهم ، روى البخاري عن أبي هريرة قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، قال: ((أبا هريرة))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الْحَقْ)) أي: اتبعني، ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأُذِن لي، فدخل فوجد لبنًا في قَدَح، فقال: ((من أين هذا اللبن؟)) قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: ((أبا هريرة))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة فادعهم لي))، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفَّة؟! كنت أنا أحق أن أصيب من هذا اللبن شَرْبَة أتقوّى بها، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((أبا هريرة))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم))، قال: فأخذت القَدَح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يَرْوَى، ثم يردّ عليّ القَدَح، ثم أعطيه الآخر فيشرب حتى يَرْوَى، حتى انتهيت إلى النبي وقد رَوِيَ القوم كلهم، فأخذ القَدَح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم، فقال: ((أبا هريرة))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((بقيت أنا وأنت))، قلت: صدقت يا رسول الله، فقال: ((اقعد فاشرب)) فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب)) فشربت، فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مَسْلكًا، قال: ((فأرني))، فأعطيته القَدَح، فحَمِدَ الله وسمّى، وشرب الفَضْلَة. رواه البخاري.

قال القرطبى رحمه الله : الإيثار هو تقديم الغير على النفس و حظوظها الدنيوية ، و ذلك ينشأ عن قوة اليقين ، و توكيد المحبة ، و الصبر على المشقة ، أى يؤثرون على انفسهم بأموالهم ومنازلهم ، لاعن غنى ، بل مع إحتياجهم إليها. والإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال،والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

الإيثار هو علامة الإيمان والمظهر الخارجي للحب الصادق تجاه الإخوان، حيث التفاني والتضحية من أجل الآخرين لوجه الله، والمؤمن الصادق هو الذي يقدّم نفسه للخَطَر ليسلَم الآخرون، ويؤخّرها عند المكاسب ليغنموا، والمؤمن الصادق هو الذي يُتعِب نفسه من أجل راحة الآخرين، ويسهر ليله حتى ينام إخوانه، وهو لا يقيم وزنًا لحطام الدنيا حتى يقاتِل عليه أو ينفرد به.

فالأنصار لم يحبّوا إخوانهم المهاجرين ويتطهروا من الحسد تجاههم فحسب، بل وآثروهم على أنفسهم، ووصلوا من الإيثار سَنَامَه حينما تنازلوا عن حظّهم من الغنيمة رغم حاجتهم الشديدة، قال الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، فهم لم يجعلوا عَوَزَهُم وحاجتهم الشديدة تبريرًا لترك الإيثار.

ولا يغيب عنا أن الإيثار هو قمة الفضيلة، وأن بلوغها بحاجة إلى عملية تربوية متواصلة، وذلك بالاستعاذة بالله سبحانه من الحرص والبخل وشُحّ النفس، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. فبالقدر الذي يسعى الإنسان إلى المزيد من العلم والتقدّم ينبغي أن يسعى إلى تزكية نفسه وكمال أخلاقه، وإنما اعتبر القرآن الوقاية من شُحّ النفس هي الفلاح؛ لأن شُحّ النفس رأس كل خطيئة وانحراف في حياة الإنسان، فهو أساس الكفر والشرك والظلم والحسد، قال : ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحّ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على سَفْك دمائهم واستحلال محارمهم)) رواه مسلم. شُحّ النفس يؤدي إلى الأنانية وحبّ الذات، وهذا يؤدي بشكل طبيعي إلى الحسد والظلم.

وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصرِفُ بَصَرَهُ يَميناً وَشِمَالاً، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ) فَذَكَرَ مِنْ أصْنَافِ المالِ مَا ذكر حَتَّى رَأيْنَا أنَّهُ لاَ حَقَّ لأحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ. رواه مسلم.

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أنَّ أمْرَأةً جَاءَتْ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فَقَالَتْ: نَسَجْتُها بِيَدَيَّ لأَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإنَّهَا إزَارُهُ، فَقَالَ فُلانٌ: اكْسُنِيهَا مَا أحْسَنَهَا! فَقَالَ: (نَعَمْ) فَجَلَسَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في المَجْلِسُ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا، ثُمَّ أرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ: فَقَالَ لَهُ الْقَومُ: مَا أحْسَنْتَ! لَبِسَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مُحتَاجَاً إِلَيْهَا، ثُمَّ سَألْتَهُ وَعَلِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً، فَقَالَ: إنّي وَاللهِ مَا سَألْتُهُ لألْبِسَهَا، إنَّمَا سَألْتُهُ لِتَكُونَ كَفنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. رواه البخاري.

وعن أَبي موسى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ.
(أرْمَلُوا ): فَرَغَ زَادُهُمْ أَوْ قَارَبَ الفَرَاغَ.

استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا، ولم يذوقوه، أتى عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمرو ينظر إليه فقال: ابدأ بهذا، ونظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه فقال: ابدأ بهذا، وكل منهم يؤثر الآخر على نفسه بالشربة، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد، فقال: بنفسي أنتم.

روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال لغلامه: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تَشَاغَلْ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه.. فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال أبو عبيدة: وصل الله عمر ورحمه، ثم قال: تعاليْ يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان.. حتى أنفذها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعاليْ يا جاريه، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا.. فاطلعت امرأة هي امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسرّ بذلك فقال: "إنهم إخوة بعضهم من بعض".

قال شقيق بن إبراهيم البلخى قال لي إبراهيم بن أدهم: أخبرني عما أنت عليه؟ قلت: إن رُزقت أكلتُ، وإن مُنعتُ صبرتُ، قال: هكذا تعمل كلاب بلخ، فقلت: كيف تعمل أنت؟ قال: إن رزقت آثرتُ، وإن منعت شكرتُ.

اشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً، وكان صائماً، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات. فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاوياً. وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً.

كان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً، ويجلس يروحهم -أي بالمروحة-، وهم يأكلون.
وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم.

قال الراغب الأصفهاني: " عاتب رجل خليله، فقال: لو علمت أن يومي أهنأ من يومك لاخترت أن أؤثرك به ".

قال عبد الرحمن بن يزيد بن جبار: ما رأيت أحداً أفضل من القاسم أبي عبد الرحمن بن أبي القاسم، كنا بالقسطنطينية، وكان الناس يرزقون رغيفين رغيفين، فكان يتصدق برغيف، ويصوم ويفطر على رغيف.

قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيهاً أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه متمارين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا.

خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية في ميراث له، فطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد، فركبه إلى إفريقية، فقدم بذلك الميراث وهو خمسمائة دينار، فأتاه الناس يسلمون عليه، وأتاه ربيعة فأغلق الباب عليهما، ودعا بمنطقته فصيرها بين يدي ربيعة، وقال: يا أبا عثمان، والله ما غيبت منها ديناراً إلا ما أنفقناه في الطريق، ثم عد مائتين وخمسين ديناراً فدفعها إلى ربيعة، وأخذ هو مثلها قاسمه.

جاء فضيل بن مرزوق -وكان من أئمة الهدى زهداً وفضلاً- إلى الحسن بن حي، فأخبره أنه ليس عنده شيء، فأخرج له ستة دراهم، وقال: ليس معي غيرها. قال: سبحان الله ليس عندك غيرها، وأنا آخذها؟ فأبى ابن حي إلا أن يأخذها، فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة.

قال رواد بن الجراح: كنت ليلة مع إبراهيم بن أجهمْ فأتاه، رجل بباكورة، فنظر حوله هل يرى ما يكافئه، فنظر إلى سرجي، فقال: خذ ذاك السرج، فأخذه، فسررت حين نزل مالي بمنزلة ماله.
قال قتيبة بن سعيد: لما احترقت كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار.

عن الواقدي قال: أضقت مرة، وأنا مع يحيى بن خالد، وحَضَر عيد، فجاءتني الجارية فقالت: ليس عندنا من آلة العيد شيء، فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني، فأخرج إلي كيساً مختوماً فيه ألف دينار، ومائتا درهم، فأخذْته، فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي، فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي، فأخبرتها، فقال: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس، قالت: ما صنعت شيئاً، أتيت رجلاً سوقة، فأعطاك ألفاً ومائتي درهم، وجاءك رجل من آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟! فأخرجتُ الكيس كله إليه فمضى، فذهب صديقي التاجر على الهاشمي -وكان صاحبه- فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه فعرفه التاجر، وانصرف إلي، فحدثني بالأمر.
قال: وجاءني رسول يحيى يقول: إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي، فركبت إليه، فأخبرته أمر الكيس، فقال: يا غُلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفي دينار للتاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك، فإنها أكرمكم.

قال الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبو سيعد بن أبي حنيفة المؤدب: كنت آتي أباك فيدفع إلي الثلاثة دراهم وأقل وأكثر ويقعد معي، فيتحدث، وربما أعطاني الشيء، ويقول: أعطيتك نصف ما عندنا. فجئت يوماً، فأطلت القعود أنا وهو. قال: ثم خرج ومعه تحت كسائه أربعة أرغفة. فقال: هذا نصف ما عندنا. فقلت: هي أحب إلي من أربعة آلاف من غيرك.

قال المروذي: رأيت أبا عبد الله وجاءه بعض قرابته فأعطاه درهمين. وأتاه رجل فبعث إلى البقال، فأعطاه نصف درهم.

عن يحيى بن هلال، قال: جئت أحمد فأعطاني أربعة دراهم.
وقال هارون المستملي لقيت أحمد بن حنبل، فقلت: ما عندنا شيء. فأعطاني خمسة دراهم، وقال: ما عندنا غيرها.

قال المروذي: رأيت أبا عبد الله قد وهب لرجل قميصه، وقال: ربما واسى من قوته.

جاءه أبو سعيد الضرير، وكان قال قصيدة في ابن أبي دؤاد، فشكا إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال: يا أبا سعيد، ما عندنا إلا هذا الجذع. فجيء بحمال، قال: فبعته بتسعة دراهم ودانقين. وكان أبو عبد الله شديد الحياء، كريم الأخلاق، يعجبه السخاء.

قال المروذي: سمعت أبا الفوارس ساكنَ أبي عبد الله، يقول: قال لي أبو عبد الله: يا محمد، ألقى الصبي المقراض في البئر، فنزلت فأخرجته، فكتب لي إلى البال: أعطه نصف درهم. قلت: هذا لا يسوى قيراط، والله لا أخذته. قال: فلما كان بعد دعاني، فقال: هذا لا يسوى قيراط، والله لا أخذته. قال: فلما كان بعد، دعاني، فقال: كم عليك من الكراء؟ قلت ثلاثة أشهر. قال: أنت في حل. ثم قال أبو بكر الخلال: فاعتبروا يا أولي الألباب والعلم، هل تجدون أحداً بلغكم عنه هذه الأخلاق؟!

عن يعقوب بن شيبة، قال: أظل العيد رجلاً، وعنده مئة دينار لا يملك سواها، فكتب إليه صديق يسترعي منه نفقة، فأنفذ إليه بالمائة دينار، فلم ينشب أن ورد عليه رقعة من بعض إخوانه يذاكر أنه أيضاً في هذا العيد في إضاقة، فوجه إليه بعينها. قال: فبقي الأول لا شيء عنده، فاتفق أنه كتب إلى الثالث وهو صديقه يذكر حاله، فبعث إليه الصرة بختمها. قال: فعرفها، وركب إليه، وقال: خبرني، ما شأن هذه الصرة؟ فأخبره الخبر، فكربا معاً إلى الذي أرسلها، وشرحوا القصة، ثم فتحوها واقتسموها.

قال ابن لبابة الحافظ: كان بقي بن مخلد من عقلاء الناس وأفضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يُقدمه على جميع من لقيه بالمشرق، ويصف زهده، ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقة قرطبة، فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه.

قال أبو البركات إسماعيل ابن أبي سعد الصوفي: كان الشيخ أبو بكر بن زهراء الصوفي برباطنا، قد أعد لنفسه قبراً إلى جانب قبر بشر الحافي، وكان يمضي إليه كل أسبوع مرة، وينام فيه، ويتلوا فيه القرآن كله، فلما مات أبو بكر الخطيب، كان قد أوصى أن يدفن إلى جنب قبر بشر، فجاء أصحاب الحديث إلى ابن زهراء، وسألوه أن يدفنوا الخطيب في قبره، وأن يؤثره به، فامتنع، وقال: موضع قد أعددته لنفسي يؤخذ مني! فجاؤوا على والدي. وذكروا له ذلك، فأحضر ابن وهراء وهو أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي فقال: أنا لا أقول لك أعطهم القبر، ولكن أقول لك: لو أن بشراً الحافي في الأحياء وأنت على جنبه، فجاء أبو بكر الخطيب ليقعد دونك، أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا، بل كنت أجلسه مكاني. قال: فهكذا ينبغي أن تكون الساعة. قال: فطاب قلبه، وأذن.

هذا أبو عبيد الله محمد بن عبده الصاداني وَهَبَ رجلاً اختلت حاله -لا يعرفه- في ساعة واحدة ما مبلغه ألف دينار.

قال منصور الغضاري: شاهدت الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في الغلاء بمصر وهو ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوي.

كان الزاهد عبد الله بن عثمان اليونيني لا يقوم لأحد تعظيماً لله ولا يدخر شيئاً، وله ثوب خام، ويلبس في الشتاء فروة.وقد يؤثر في البرد، وكان ربما جاع ويأكل من ورق الشجر.


أشعار

أَرُدُّ شُجَـاعَ الـجُوعِ قَدْ تَعْلَمِينَهُ *** وَأُوثِـرُ غَيْـرِي مِنْ عِيـالِكِ بِالطُّعْمِ
[أبو خِرَاش الهُذَليّ]

تَـرَاهُ خَمِيصَ البَطْنِ وَالزَّادُ حَاضِرٌ *** عَتِيـدٌ وَيَغْـدُو فِـي الْقَمِيصِ الْمُقَدَّرِ
وَإِنْ مَسَّـهُ الإقْـوَاءُ وَالْجَهْدُ زَادَهُ *** سَمَـاحًا وَإِتْـلافًا لِمَـا كَانَ فِي الْيَدِ
[قال دريد بن الصِمَّة]


حكم

1- (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانِ).
2- (لمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ).
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ)؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلاً فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا, قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي).
4- إنَّ أخاك من آساك.
5- رب أخ لك لم تلده أمك.
6- هذا جناي وخياره فيه *** إذ كل جان يده إلى فيه
يعني: أوثرك به على نفسي إذ كان غيري يأكله دونك.
7- (لك ما أبكي ولا عبرة بي). يضرب للرجل يشتد اهتمامه بشأن أخيه.
8- وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
9- على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم

قال ابن القيم: ".. فالإيثار ضد الشح؛ فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه والشحيح، حريص على ما ليس بيده، فإذا حصل بيده شيء شح عليه، وبخل بإخراجه؛ فالبخل ثمرة الشح، والشح يأمر بالبخل " مدارج السالكين.

أشار ابن القيم إلى أن الرغبة في مكارم الأخلاق مما يعين على الإيثار، فقال: ".. وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق " مدارج السالكين.


الإيثار من علامات محبة الله عز وجل

فقال ابن القيم أن هناك علامتين من علامات محبة الله عز وجل :
الأولى : أن يسترخص العبد كل تضحية في سبيل محبوبه , مثل أهل الشهادة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله .
الثانية : أن يخالف هواه وإرادته ويجعل إرادته تابعة لإرادة حبيبه , مثل أن أتنازل عمّا أحب من ملذات الحياة لأجل من أحب وهو الله فأنفق الغالي والنفيس وأعطي لخلقِه ما يعز عليّ تقربا له سبحانه ومخالفة لهوى نفسي التي تأمرني بتحقيق كل شهواتها ولو على حساب الآخرين.


مراتب الإيثار , كما قسمها الإمام ابن القيم رحمه الله

1- أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما يرضي الله ورسوله وهذه هي درجات المؤمنين من الخلق، والمحبين من خلصاء الله.
2- إيثارُ رضاء الله على رضاء غيره وإن عظُمت فيه المحن، ولو أغضب الخلْق. وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه.
3- أن تنسب إيثارك إلى الله لا إلى نفسك , فالله هو المعطي لا أنت .


درجات الإيثار :

الإيثار على ثلاث درجات :

الدرجة الأولى : أن تؤثرَ الخَلْقَ على نفسكَ فيما لا يَخْرُمُ عليك ديناً ولا يقطع عليك طريقاً، ولا يُفسدُ عليك وقتاً .

بمعنى أن تقدمهم على نفْسِكَ في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتَعْرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين، ومثل أن تؤثرهم بمالك وتتَعَهُدَ كَلاً مضطراً مستشرفاً للناس أو سائلاً، وكل سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله، فلا تؤثر به أحداً، فإن آثرت به فإنما تؤثر الشيطان على الله وأنت لا تعلم .

الدرجة الثانية : إيثار رضا الله تعالى على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المُؤَنُ وضعف عنه الطوُلُ والبدن .

بمعنى أن العبدَ يريدُ ويفعلُ ما فيه مرضاة الله تعالى، ولو أغضب الخَلْقُ، وهي درجة الأنبياء، وأعلاها للرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فإنه قاوم العالم كله، وتجرد لله للدعوة إلى الله واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق ،من كل وجه ،ولم يأخذه في إيثار رضا الله لوْمَة لائم، بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصوراً على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته وإعلاء كلماته وجهاد أعدائه حتى ظهر دين الله على كل دين وقامت حُجَّتُهُ على العالمين، وتمت نعمته على المؤمنين، فبلَّغَ الرسالةَ وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعَبِدَ الله حتى آتاه اليقينُ من ربه فلم ينْل أحدٌ من درجة هذا الإيثار ما نال صلوات الله وسلامه عليه . ( مدارج السالكين لابن القيم جـ2 صـ309 : صـ312 )

الدرجة الثالثة : أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار، لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء فإن الذي آثره هو الحق، لا أنت، فهو المؤثر حقيقة، إذ هو المعطي حقيقة . ( مدارج السالكين لابن القيم جـ2 صـ315 )


* الأسباب التي تعين على الإيثار :

هناك أسباب يمكن أن تعين المسلم على الإيثار، يمكن إجمالها في ثلاثة أسباب كما يلي :

1 – تعظيم الحقوق : إذا عظمت الحقوق عند المسلم، وقام بواجبها ورعاها حق رعايتها واستعظم إضاعتها، وعلم أنه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدها كما ينبغي، حرص على تطبيق خُلُق الإيثار في حياء .

2 – مقت الشُّحِ : إذا مقت المسلم الشح والتزم الإيثار، فإنه يرى أنه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلا بالإيثار .

3 – الرغبة في مكارم الأخلاق : بحسب رغبة المسلم في مكارم الأخلاق يكون إيثاره، لأن الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق .
( مدارج السالكين لابن القيم جـ2 صـ311 )


فوائد الإيثار:

يمكن أن نوجز فوائد الإيثار فيما يلي:

1) الإيثار دليلُ كمال الإيمان وحسن الإسلام .

2) الإيثار طريقٌ موصل إلى محبة الله ورضوانه .

3) الإيثار سبيلُ الألفة والمودة بين المسلمين .

4) الإيثار دليل سخاء النفس البشرية .

5) الإيثار مظهر من مظاهر حسن الظن بالله تعالى .

6) الإيثار دليل علو الهمة والبعد عن صفة الأنانية .

7) الإيثار يجلب البَركة ويُنَمي الخير .

Cool الإيثار طريق موصل إلى الفلاح لأنه يقي الإنسان من داء الشُّح.

9) الإيثار من علامات حُسن الخاتمة للعبد المسلم.

10) الإيثار من علامات الرحمة التي تضمن لصاحبها بفضل الله تعالى الجنة وتعتقه من النار .


إن المجتمع الذي يوجد فيه من يُؤثِر غيره على نفسه كما يوجد فيه من يزهد فيما عند غيره ويقتنع بما يؤتيه الله ويفضّل أن يُنفِقَ على نفسه من كَسْب يده، إنّ هذا المجتمع جدير بأن يعيش في أمن واستقرار، يظله الحب والتعاون والوئام.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
❖❦❖ الإيثار من علامات الإيمان ❖❦❖
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأخلاق الحميدة - الإيثار
» ►•◄ ما الذي بقي من علامات يوم القيامة ؟ ►•◄
»  {؛« .»؛} علامات الغريق {؛«' .»؛}
» ►۞[علامات تدل على حسن الخاتمة ]۞◄
» ::[◙]:: حفظ اللسان من علامات حسن الإسلام ::[◙]::

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ الإسلام .. دين السلام ۩-
انتقل الى: