الجنس : العمر : 37 المدينة المنورة التسجيل : 11/03/2012عدد المساهمات : 24
موضوع: ۩Ξ҈Ξ۩ الإنابة إلي الله ۩Ξ҈Ξ۩ السبت 17 مارس 2012, 12:21 am
۩Ξ҈Ξ۩ الإنابة إلي الله ۩Ξ҈Ξ۩
أفضل الخلقِ وأهداهم أتمُّهم عبوديّةً لله ، وسرورُ القلبِ وشَرحُ صدرِه في إنابةِ العَبد إلى الله والإقبالِ عليه والاستعانةِ به ، والرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه عبادةٌ عظيمة من سنَنِ الأنبياء والمرسَلين ، قال جلّ وعلا عن داودَ عليه السلام : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }[ص:24] ، وقال عَن سليمانَ عَليه السلام : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ }[ص:34] ، وقال شُعيب عليه السلام : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }[هود:88] ، وقال نبيُّنا محمّد : { ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }[الشورى:10] ، وأثنى الله على خليلِه إبراهيم لاتِّصافِه بالإنابةِ إليه والرّجوعِ إليه في كلِّ أمر، قال جلّ وعلا : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ }[هود:75] ، ومِن دعاء الخليلِ عليه السلام : { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[الممتحنة:4].
والمنيبون إلى اللهِ هم خيرُ مَن يَصحبُهم المرءُ في حياته ، يقول سبحانه : { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }[لقمان:15].
والإنابةُ إلى اللهِ هي مفتاحُ السّعادة والهدايةِ ، قال سبحانه : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }[الرعد:27]. والبِشارة لأهل الإنابة : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى }[الزمر:17]. ولا يعتبِر بالآيات ولا يتَّعظ بالعِبَر إلاّ المنيب إلى ربِّه ، قال عز وجل : { تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ }[ق:8] . وهو المتذكِّر بنزولِ النّعم : { وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ } [غافر:13]. والإنابةُ إلى الله مانعةٌ من عذابِ الله ، { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ }[الزمر:54]. والجنّةُ أعِدَّت نُزُلا للقلبِ الخاشع المنيب ، قال جل جلاله : { وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ }[ق:31-33]. وأمَر الله جميعَ الخَلق بالإنابة إليه والرجوع إليه ، قال سبحانه : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ }[الروم:31].
وحقيقتُها الرجوعُ إلى الله ، وهي منزلةٌ أعلى من التوبة ، فالتوبةُ إقلاعٌ عنِ الذنب وندَم على ما فات وعَزمٌ على عدَم العودة إليه ، والإنابةُ تدلّ على ذلك وتدلّ على الإقبالِ على الله بالعِبادات ، { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }[هود:114].
الإنابة لغة :
تدور مادّة (ن وب) حول الرّجوع. يقول ابن فارس «النّون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على اعتياد مكان ورجوع إليه» [مقاييس اللغة (5/ 367) ]. تقول «أناب فلان إلى الشّيء، رجع إليه مرّة بعد أخرى، وإلى اللّه تاب ورجع»[ المعجم الوسيط (2/ 961) ]. وقال الرّاغب «الإنابة إلى اللّه تعالى: الرّجوع إليه بالتّوبة وإخلاص العمل» [المفردات (نوب) (508) ] . وفي التّنزيل العزيز: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) [الروم: 31] أي راجعين إلى ما أمر به، غير خارجين عن شيء من أمره. وقوله عزّ وجلّ: (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر: 54] أي توبوا إليه وارجعوا.
وقال الجوهريّ : «أناب إلى اللّه أي أقبل وتاب».
وقال ابن الأثير: يقال أناب ينيب إنابة، فهو منيب، إذا أقبل ورجع، وفي حديث الدّعاء: «وإليك أنيب» [انظر: الصحاح، للجوهري (1/ 229)، والنهاية، لابن الأثير (5/ 123)، ولسان العرب، لابن منظور (1/ 775) ] .
واصطلاحا :
الإنابة : إخراج القلب من ظلمات الشّبهات. وقيل : الإنابة : الرّجوع من الكلّ إلى من له الكلّ.
وقيل : الإنابة : الرّجوع من الغفلة إلى الذّكر، ومن الوحشة إلى الأنس.
وقال الكفويّ : الإنابة : الرّجوع عن كلّ شيء إلى اللّه تعالى [التعريفات (39)، والكليات للكفوي (308) ] .
وقال ابن القيّم : الإنابة : الإسراع إلى مرضاة اللّه مع الرّجوع إليه في كلّ وقت، وإخلاص العمل له [مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 467) بتصرف ] .
ومَن أكثرَ الرجوع إلى الله كان الله مفزَعَه عند النوازِلِ والبلايا والفواجِع، ومَع مَطلَع هذا العامِ حقيقٌ بالمرءِ أن ينيبَ إلى ربِّه وأن يحاسِبَ نفسَه على ما سَلَف وعلى ما اقتَرَف من عِصيان، يقول الحسن البصري رحمه الله: "إنَّ العبدَ لا يزال بخيرٍ ما كان له واعظٌ من نفسِه، وكانَتِ المحاسبَةُ هِمَّتَه، والمؤمِن في الدنيا كالغريبِ؛ لا يجزَع من ذلِّها، ولا ينافِس في عِزِّها، له شأنٌ وللنّاسِ شَأن"، واعمَل بوصيَّةِ المصطفى : ((كُن في الدنيا كأنّك غريبٌ أو عابرُ سبيل)) رواه البخاري، ومن كانتِ الآخرة همَّه كانت هِمَّته في تحصيلِ الزاد الصالح، وإذا استيقَظَت القلوب استعدَّت للآخرة، قال بعض السلف: "ما نِمتُ نومًا قطّ فحدّثتُ نفسِي أني أستيقِظُ منه"، ومَن اجتَهَد في محاسبةِ نفسِه ولَجَمها علَى العصيان نجا في الآخرةِ منَ النّدامة والخُسران.
حقٌّ على الحازِمِ أن لا يغفلَ عَن زلاّت نفسِه وخَطَراتها وخَطَواتها، بل يقودُها إلى ما يقرِّبها إلى ربِّها، فالمحافظَةُ على الصلواتِ جماعةً في بيوتِ الله من شعائرِ الإيمان، والدعوة إلى الله تنير البصيرةَ، وبِذِكر الله تلينُ القلوب، قال سبحانه: أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد:28]، ومجالسةُ العلماء والصالحين وملازَمَة دروسهم من أسبابِ خشيةِ الله ومراقبَتِه، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28]، وبِرُّ الوالدين مفتاحُ السّعادة، وصِلَة الرّحِم بركة في الوقتِ والرّزق، والمال الحلال سبَبٌ في صلاح الأبناءِ وإجابةِ الدعاء، وقِصَر الأمَل دافع للعَمَل، وتَذَكُّر الموت خيرُ واعِظ، وزِيارةُ المقابر والتأمُّل في أحوال الموتى تذكيرٌ بالآخرة، والتطلّع إلى سِيَر السّلَف يهذِّب النّفسَ ويحدو للعمل، قال ابن القيِّم رحمه الله: "ومن تأمَّل أحوالَ الصحابةِ وجَدَهم في غايةِ العمل مع غايةِ الخوف، ـ قال: ـ ونحن جمَعنا بين التّقصِيرِ بل بين التفريطِ والأمن، وكان الصِّدِّيق يقول: (وَدِدتُ أني شعرةٌ في جنبِ عبدٍ مؤمن)، وكان إذا قامَ إلى الصلاة كأنّه عودٌ مِن خشية الله".
عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: " اللّهمّ لك الحمد أنت نور السّموات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّموات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ. اللّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت" [رواه ومسلم (769) ] .
عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تمنّوا الموت فإنّ هول المطّلع شديد، وإنّ من السّعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه اللّه الإنابة" [رواه أحمد (3/ 332) وقال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد محتمل للتحسين ] .
عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في دعائه: " ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ! اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا ، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي" [رواه أبو داود (1353)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود إسناده صحيح ] .
والرّشيدُ مَن خاف على نفسِه الوقوعَ في الزّلَل أو الإقرارَ على الخَلَل، فالصحبةُ السيّئة تورِد المهالك، وإطلاقُ عَنانِ البَصَر في المحرَّمات مما يشاهَد في الفضائيّات والطُّرُقات يضعِف زَكاءَ النّفس، وإهمالُ الأبِ إصلاحَ أهلِ بيتِه تفريطٌ في الأمانة، واتّباعُ الهوى والشهواتِ يورد الندامة، وإطلاقُ اللّسان بالكذب وفي أعراضِ المسلمين يظلِم القلبَ، وإشغالُ النفس بما لا يعنيها حِرمانٌ لها ممّا يرفَع درجاتها، يقول إبراهيم بن أدهَم رحمه الله: "من علامةِ إعراضِ الله عن العبد أن يشغِلَه بما لا يعنيه"، والتّقصيرُ في إنكارِ المنكَر بالحسنى ضَعفٌ في النّصح، ودَواء السيِّئات كثرة الاستغفار، وتَرك الخطيئةِ أيسَر من طلبِ التّوبة، واغتَنِم الأعمالَ الصالحة قبل أن يحولَ بينك وبينها حائل، يقول المصطفى : ((اغتَنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغك قبل شغلِك، وحياتك قبل موتِك)) رواه الحاكم.
والموفَّق هو المنيب إلى الله بالرجوع إليه من العصيان، المكثِرُ من أنواعِ الطاعاتِ والقُرُبات.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة- رحمه اللّه- في قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) [الروم: 31] قال: تائبين .
وقال- رحمه اللّه- في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)[سبأ: 9] قال: تائب مقبل على اللّه- عزّ وجلّ-.[الدر المنثور (6/ 494، 552، 675) .
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج- رحمه اللّه- في قوله تعالى: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ)[لقمان: 15] قال: محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.[ انظر الدر المنثور (6/ 494، 552، 675) ] .
عن مجاهد فى قوله تعالى : (أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود: 75] حدّثنا بشر قال: الأوّاب: القانت الرّجّاع.[ تفسير الطبرى (7/ 79) ] .
عن قتادة، قوله (وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ) [الزمر: 17]: وأقبلوا إلى اللّه. [تفسير الطبرى (7/ 79) ] .
قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) [الزمر: 54] قال: الإنابة: الرّجوع إلى الطّاعة، والنّزوع عمّا كانوا عليه، ألا تراه يقول: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ.[ تفسير الطبرى (11/ 17) ] .
إنابة أولياء الله .. هي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة ، وتتضمن أربعة أمور : · محبة الله . · والخضوع له . · والإقبال عليه . · والإعراض عمّا سواه . فلا يستحق اسم المنيب الا من اجتمعت فيه هذه الأربع الخلال . الإنابة .. هي عكوف القلب على الله عزّ وجل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك .. عكوف القلب على محبة الله ، وعلى ذكره بالإجلال والتعظيم له ، مع عكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة .
قال محمود الوراق :
قدم لنفسـك تـوبةً مـرجـوةً *** قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها علق النفـوس فإنـهـا *** ذخر وغنم للمنيب المحـسـن
قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: الإنابة هي عكوف القلب على اللّه- عزّ وجلّ- كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته، وذكره بالإجلال والتّعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على اللّه وحده، عكف على التّماثيل المتنوّعة، كما قال إمام الحنفاء لقومه (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) [الأنبياء/ 52]،[ الفوائد، لابن القيم (196) ] .
الإنابة إلى الله: صفة أولياء الله وأنبياءه وأصفياءه .. قال تعالى : { إنَّ إبرَاهِيمَ لَحَلِيم ٌأوّاهٌ مُنِيب} وَقَالَ شُعَيب : { إن أُرِيدُ الاالإصلاحَ مَا استَطَعت ومَا تَوفِيقِي الا بِالله عَلَيهِ تَوكلّتُ وإليهِ أُنِيب }.
الإنابة إلى الله : سبب من أسباب صفاء الذهن , وقدرته على الاعتبار والتفكّر ، فإن الله تعالى لما ذكر الآيات الكونية في سورة ق ، ذكر منها {أفَلَم يَنظُرُوا إلىَ السَمَاءِ كَيفَ بَنينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَالَهَا مِن فُرُوج } إلى قوله سبحانه {تبصِرَة ً وذِكرَى لكلِّ عَبدٍ مُنِيب} ، فالعبد المنيب ينفعه الله ـ جلّ وعلا ـ بالذكرى ، وقال سبحانه: { هُوَ الذِي يُرِيِكُم آياتِهِِ وَيُنَزّلُ لَكُم مِن السَمَاء ِرِزقَا وَمَا يَتَذَكّرُ إلامَن يُنِيب}، وقال: { أفَلَم يَرَوا إلى مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم مِنَ السَمَاء ِوالأرض إن نَشَاء نَخسِف بهُمُ الأرض أو نُسقِط عَلَيهِم كِسَفَاً مِنَ السَمَاء ِإنَّ في ذَلِكَ لآيةً لِكلِّ عَبدٍ مُنِيب}.
الإنابة إلى الله : من أسباب دخول الجنّة ، قال تعالى : { وأُزلِفَتِ الجَنّةُ لِلمُتقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُل ِأوَّابٍ حَفِيظ* مَن خَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنيِب* ادخُلُوهَا بِسَلام ٍذَلِكَ يَومُ الخُلُود }.
الإنابة إلى الله .. سبب للهداية .. وطريق من طرق الاستقامة .. قال تعالى : { قل إن الله يُظّلُ مَن يَشَاء ويَهدِي إليهِ مَن أَنَاب}، وقال سبحانه : { اللهُ يَجتَبِي إليهِ مَن يَشَاء وَيهدِي إليهِ مَن يُنيِب }.
صلاح القلب وفلاحه وسعادته معلّق بالإنابة إلى الله .. الإنابة إلى الله ، سبب لخيري الدنيا والآخرة ، وقد بشّر الله تعالى أصحاب الإنابة فقال سبحانه : {والّذينَ اجتَنَبُوا الطَاغُوتَ أن يَعبُدُوهَاوَأنَابُوا إلى الله لَهُم ُالبُشرَى فَبَشّر عِبَاد}.
وقد ذكر الله في كتابه العظيم في غير موضع ، أن من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين .. أن ينزل بهم الشدّة والضر مما يلجأهم إلى توحيده ، فيدعون الله مخلصين له الدين ، ويرجون الله ـجلَّ وعلا ـ لا يرجون أحداً سواه ، وتتعلق قلوبهم بالله وحده لا بغيره ، وحينئذٍ،يحصل لهم من التوكل عليه ، ومن الإنابة إليه ، ومن حلاوة الإيمان وذوق طعمه ،والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض أو الخوف أو الجذب ، أوحصول اليسر وزوال العسر في المعيشة ، فإن تلك الأمور لذّات بدنية ، ونعم دنيوية قديحصل للكافر منها ، أعظم مما يحصل للمؤمن .
وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين في دينهم ، فأعظم من أن يتمكن مرء من الحديث عن وصفه ، أو أن يعبّر عن كنهه مقال ،أو يستحضر تفصيله بال ، وكل مؤمن له من ذلك نصيب بقدر إيمانه .
وأصل الإنابة .. محبة القلب وخضوعه وذله للمحبوب المراد .. وكمال الإنابة يكون بالفرح والسرور بالقرب منه جلّ وعلا . الإنابة إلى الله من أحب أنواع العبودية لله .. وإنما تتحقق الإنابة إلى الله ببذل النفس لله.. وتقديم محبة الله على كل ما سواه . والعلم يورث الخشية ..والزهد يورث الراحة ..والمعرفة تورث الإنابة ..
ومن أعظم أسباب انشراح الصدر..أن ينيب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى ، وأن يقبل عليه ، فحينئذٍ لاشيء أشرح لصدر العبد من ذلك . والناس في إنابتهم إلى الله على درجات متفاوتة :
* فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي ، وهذه الإنابة مصدرها مطالعات الوعيد .. والحامل عليها العلم والخشية والحذر. * ومن الناس من يكون منيبا إلى الله بالدخول في أنواع العبادات والقربات .. فهو ساع ٍ فيها بجهده ، قد حبب إليه فعل الطاعات وأنواع القربات ، وهذه الإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد .. ومصدرها استحضار الإنسان للثواب ، ومحبةالكرامة من الله ، وهذا القسم ابسط نفوساً من أهل القسم الأول ، وأشرح صدورا .. وجانب الرجاء ومطالعة الرحمة والمنّة أغلب عليهم ، و الا فكلّ واحد من الفريقين منيب بالأمرين جميعا .
* ومن العباد من يكون منيب إلى الله بالتضرع والدعاء والافتقار إلى الله ، والرغبة إليه سبحانه ، وسؤال الحاجات كلها منه .. ومصدر هذه الإنابة هو شهود الفضل والمنّة والغنى التام والكرم والقدرة الكاملة . فمن كان عارفاً بأن الله ـ جلَّ وعلا ـ متصف بذلك ، فإنه سينزل بالله حوائجه ، ويعلّق به آماله ، فإنابة هذا القسم من هذه الجهة مع قيامهم بالأمر . ولكن إنابتهم من هذه الجهة قاصرة ،لأن الإنابة ينبغي أن تكون من جهة الخوف ، و من جهة الرجاء ، ومن جهة التضرع ، ومن جهة المحبة . ولذلك فإن من ينيب إلى الله في وقت الشدائد .. فإنه لم يرزق الإنابة الخاصة ..وحينئذٍ تكون إنابة هذا القسم إنابة اضطرار لا اختيار .
* وأما أعلى أنواع الإنابة .. فإنابة الروح بجملتها إلى الله في جميع الأوقات ، بحيث يكون العبد دائم الاتصال بالله ، دائم الرجوع إليه سبحانه .. اعترافاً بنعمه ، وأملاً في فضله ، وخوفاً من عقابه ، ورجاءاً لكرمه ، مع تضرعه بإزالة ما يحصل لديه من المصائب ، ومن أنواع المكروهات ..