يقول الله تبارك وتعالى: “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب”. الآية 14 من سورة آل عمران
لابد من توطئة نقدم بها هذه الآية الكريمة وما جاء على نفس المعنى من الآيات الأخرى لنبين أن نظرة الإسلام إلى الدنيا نظرة تتسم بالتوازن والواقعية فالدنيا سبيل إلى الآخرة وهي لا تقابل الدين الذي أرسل الله به الرسل والأنبياء عليهم السلام ليسوس وينظم حياة المؤمنين ويجعلهم يسلكون الطريق القويم الذي لا ضرر فيها ولا ضرار ولا إفراط فيه ولا تفريط عملا بقوله جل من قائل (وابتغ فيما آتاك الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك). كما أن القرآن الكريم تضمن الدعاء المشروع للمؤمن بأن يهبه الله في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة قال جل من قائل (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
• والدنيا في الإسلام ليست ضرة للآخرة، الدنيا الحلال لم يحرمها الله على عباده المؤمنين (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)
• الدنيا الملعونة في الحديث هي دنيا الشر والإضرار بالغير، دنيا الفساد والإفساد، دنيا الظلم والعدوان، دنيا الطغيان، دنيا الاستعلاء بمعنى الكبرياء والظلم هذه هي التي لا يريدها الله لعباده (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
• الدنيا التي يحذر الله منها المؤمن ويحرص على أن لا تطغيه وتنسيه الرحيل المحتم عن هذه الدار إلى دار البقاء هي الدنيا التي تشغل عن طاعة الله وتمنع المؤمن من ابتغاء مرضاة الله والوقوف عند حدود الله لا يتجاوزها.
• أما الدنيا الحلال الطيبة فهي نعم المساعد والمعين على اكتساب الأجر والثواب (نعم المال الحلال عند الرجل المؤمن) و(لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله علما فهو يعلمه الناس ورجل آتاه الله مالا فسلكه على هلكته في سبيل الله) أوكما قال، واليد العليا (المعطية) خير من اليد السفلى (الآخذة) وهذا هو ما جعل الصحابة الفقراء يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ذهب أهل الدثور بالأجور).
نعود إلى الآية الكريمة وهي قوله تعالى (زين للناس حب الشهوات) في هذه الآية الكريمة كما يقول القرطبي وعظ لجميع الناس وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ومعنى تزيينها أن النفس البشرية والشيطان عليه لعنة الله يزين ما بث الله تبارك وتعالى وما سخر للإنسان فيجعلان الإنسان تغويه هذه الزينة ويخلد إلى بهارج الحياة الدنيا وتسترقه شهواتها التي عددت الآية الكريمة بعض مظاهرها.
في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) كما جاء في الحديث الآخر (طريق الجنة حزن (المكان الغليظ الخشن) بربوة وطريق النار سهل بسهوة) يقول القرطبي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة وهو معنى قوله “سهل بسهوة”.
تفصل الآية القول فيقول جل من قائل (من النساء) والنساء هنا من يمنعن أزواجهن من سلوك الطريق القويم ويدفعنه إلى إتيان الحرام ومن هنا جاء الهدي النبوي القائل (لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء (مقطوعة بعض الأنف ومثقوبة الإذن) ذات دين أفضل.
قوله تعالى (والبنين) فالولد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد مجبنة مبخلة).
قوله تعالى (والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة) والقنطار هو العقدة الكبيرة من المال والذهب والفضة مما يحبها الإنسان حبا شديدا فالحرص على جمعها أو الإكثار منهما إلى درجة الكنز لهما كما ورد في الآية الكريمة (والذين يكنزون الذهب والفضة) فيجمعونهما من الحلال والحرام ولا يؤدون حق الله فيهما بدفع زكاة أموالهم والإخلاد إلى هذه الأموال من ذهب وفضة والتباهي بهما والطغيان على الآخرين في ذلك الهلاك وتلك هي الفتنة.
قوله تعالى (والخيل المسومة) والخيل إذا ما اتخذت للجهاد والدفاع عن النفس والعرض وليس للتباهي والانشغال بها عن الآخرة مباحة و ليست محرمة إذ الخيل مباركة معقود في نواصيها الخير. والخيل فيها كل الخير عندما لا تكون دافعة للخيلاء والتكبر والظلم والطغيان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الخيل ثلاثة: لرجل اجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر) والمسومة التي ترعى في الحقول والمروج.
قوله تعالى (والأنعام والحرث) والأنعام هي الأغنام والإبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) والحرث هو إثارة الأرض لفلاحتها ولا بد من تأويل ذلك الحديث الذي يقول عن المحراث (لا يدخل دار قوم إلا دخله الذل) بما أوله به القرطبي حيث قال (إن الذل هنا ما يلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة والسلاطين معنى قوله في هذا الحديث والله اعلم الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من اشرف الصناعات وذلك لما يخشي النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها فحظهم على التعيش من الجهاد ولا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة ألا ترى أن عمر قال (تمعددوا (تمعدد الغلام أي شب وغلظ) واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل ) فأمرهم بملازمة الخيل ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها انتهى من تفسير القرطبي الجزء4 الصفحة 36
قوله تعالى (ذلك متاع الحياة الدنيا) ما سبق ذكره هو لا شك من متاع الدنيا الزائل الفاني. قوله تعالى (والله عنده حسن المآب) المآب المرجع فإلى الله المصير وعنده الثواب لمن لم تفتنه الحياة الدنيا وزخارفها.