الجنس : العمر : 45 الأفق البعيد التسجيل : 18/10/2011عدد المساهمات : 121
موضوع: ♥ஐ « آيات القرآن التي تناولت الكذب »ஐ♥ஜ الأحد 11 مارس 2012, 6:59 am
مِن الإشكاليَّة المعرفيَّة تحييدُ ماهية ما يوسم بالصِّدق وما يُراد به الكذِب، وتقعيد الفاصِل بيْن الخَطأ والكذِب، ورجوعًا للكتاب المبين، نتلمَّس دقائق البيان في تمييز صُور الكذِب ومراتبه، وإعجاز البَلاغ في تجليةِ الفارق بيْن الصحيح والصادِق، والخطأ والكذِب .
مفهوم الكذب: الكاف والذال والباء، أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الصدق، وتلخيصه أنَّه لا يبلغ نهاية الكلام في الصِّدق. وكَذَّبه نسَبه إلى الكَذِب، وكَذَب عليك الأمر: وجَب عليك.
و المَكْذُوبَة: المرأة الضَّعيفة. وكَذَبَ لبَن الناقة؛ أي: ذهب. وكَذَبَت العين: خانها حِسُّها، وكَذَب الرأي: توهم الأمْر بخِلاف ما هو به. وكَذَبَتْهُ نَفْسُه: مَنَّتْه بغير الحق، وكَذَّب إذا حمَل على العدوِّ: جَبُنَ في القتال.
ويأتي بمعنى الخطأ؛ لأنه يشبهه في عدم الصواب، وإن افترقَا من حيث النيةُ والقصد.
فالكذِب هو إخبارٌ بما لا يُطابق الواقع ، فيكون الكذب متعلقًا بالقول على وجه أخص بالخبر دون سائرِ صِيغ الكلام.
ورد لفظ الكذب في القرآن الكريم في (251) موضعًا، على (6) أوجه ، وهي :
1- { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البقرة 10] (في قلوبهم مرض) شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها (فزادهم الله مرضا) بما أنزله من القرآن لكفرهم به (ولهم عذاب أليم) مؤلم (بما كانوا يكذبون) بالتشديد أي نبيَّ الله ، وبالتخفيف أي قولهم آمنا
2- { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الانعام 24] قال تعالى: (انظر) يا محمد (كيف كذبوا على أنفسهم) بنفي الشرك عنهم (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترونـ) ـه على الله من شركاء
3- { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [التوبة 77] (فأعقبهم) أي فصيَّر عاقبتهم (نفاقاً) ثابتاً (في قلوبهم إلى يوم يلقونه) أي الله وهو يوم القيامة (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) فيه فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بركاته فقال إن الله منعني أن أقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه ، ثم جاء إلى أبي بكر فلم يقبلها ، ثم إلى عمر فلم يقبلها ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات في زمانه
4- { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }[النحل 105] (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) القرآن بقولهم هذا من قول البشر (وأولئك هم الكاذبون) والتأكيد بالتكرار وما بعدها رد لقولهم إنما أنت مفتر
5- { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } [الحج 30] (ذلك) خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أو الشأن ذلك مذكور (ومن يعظم حرمات الله) هي ما لا يحل انتهاكه (فهو) أي تعظيمها (خير له عند ربه) في الآخرة (وأحلت لكم الأنعام) أكلا بعد الذبح (إلا ما يتلى عليكم) تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) من للبيان أي الذي هو الأوثان (واجتنبوا قول الزور) أي الشرك بالله في تلبيتكم أو شهادة الزور
6- { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [الزمر 3] (ألا لله الدين الخالص) لا يستحقه غيره (والذين اتخذوا من دونه) الأصنام (أولياء) وهم كفار مكة قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قربى مصدر بمعنى تقريبا (إن الله يحكم بينهم) وبين المسلمين (فيما هم فيه يختلفون) من أمر الدين فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار (إن الله لا يهدي من هو كاذب) في نسبة الولد إليه (كفار) بعبادته غير الله
7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } [الصف 2] (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون) في طلب الجهاد (ما لا تفعلون) إذ انهزمتم باحد
8- { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } [الصف 3] (كبر) عظم (مقتا) تمييز (عند الله أن تقولوا) فاعل كبر (ما لا تفعلون)
نجِد في القرآن الكريم أنَّ الله تعالى وصَف النفاقَ بالكذب، فكان معنى الكذب واقعًا على الحال، حيث إنَّ حالهم من أقوالهم وأفعالهم يخبر بخلاف ما في ضمائرهم، وعكس ما يقرُّ في قلوبهم، فالنِّفاق إظهارُ الخير وإبطان الشر، ويدخُل في هذا الاعتقادي منه والعَملي.
والأول: هو ما ذُكِر في الآية، وهو مُخرِج من الملَّة، فالمنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، ثم وصفَهم تعالى بالخداع، وهو مِن سلوكيات النِّفاق؛ بأن يسلك الفردُ وجهةً وهو يريد أخرى؛ ليتمكَّن من مقصوده، بعدَها وصفهم بأنهم مرْضى القلوب، بالشكِّ والشبهات والشهوات المُرْدِية، ثم ختَم كل تلك الصفات بقوله تعالى: ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]، فادِّعاؤهم الإيمانَ حالاً ومقالاً كان كذبًا وخلافًا لواقعهم.
ثم نجِد الله تعالى يتوعَّد مَن كذبوا عليه يوم القيامة، وهؤلاء ادَّعوا بأنَّ لله شركاءَ وصاحبةً وولدًا، لكن إذا أجرينا عليهم تعريفَ الكذِب الأوَّل، ففي مفهوم الآية الْتِباس؛ حيث فُقد شرْط، وهو مطابقة القول للاعتقاد، فهُم اعتقدوا ذلك اعتقادًا جازمًا؛ لذا لا يصحُّ التعريف اللُّغوي عليهم بأنْ يُوصفوا بالكذِب، بل يُوصفون بالخطأ أو الضلال، لكن في آية أخرى قال تعالى: ﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [المجادلة: 14]، وفي هذا القيد أنَّ الكذب هنا يشمل ما يعلم الكاذب أنَّه كذب وما لا يعلم، فيكون خلافه - وهو الصِّدق - إخبارًا عن المخبَر به على ما هو به مع العِلم بأنَّه كذلك، فالكاذب على الله قال عنه بغير عِلم، وهذا مِن أكبر الكبائر، بل هو أكبرها، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، وهذا أعْظم مِن القول على الله بغير علم، أمَّا ما بقِي على بابه فكان في قوله تعالى عنِ القاذف للمحصنة: ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 7]؛ أي: يَزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكِّدًا تلك الشهادات بأن يدعوَ على نفسه باللعنة إنْ كان كاذبًا، فإذا تَمَّ لِعَانُه سقَط عنه حدُّ القذف، فالكذب هنا كان: فيما رَمَاهَا به مِن الزِّنا.
نجِد أنَّ التكذيب - وهو وصفٌ للقول بالكذب - كان للسانِ والقلْب والفعل.
فالأوَّل: ورَد في قوله تعالى: ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 35]؛ أي كَذِبًا، وهي لُغة يمانيَّة فصيحة.
والثاني: وهو بالقلْب في قوله تعالى: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]؛ أي: لم يتوهَّم ولم يَرُدَّه، ففؤاد محمَّد - عليه الصلاة والسلام - صادق، فتكون عينُه أصدق، وهذا هو المعتاد عندَ البشر.
والثالث: في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة: 2]؛ أي: مكذبة، وقوعها لا شكَّ فيه؛ لأنَّها قدْ تظاهرتْ عليها الأدلَّة العقليَّة والسمعيَّة، ودلَّتْ عليها حِكمتُه تعالى.
وقد وردتْ صِيغ للكذِب في القرآن الكريم، منها:
1- الإكْذَاب: في قوله تعالى: ﴿ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِّبُوا ﴾ [يوسف: 110]، قالت عائشة - رضي الله عنها -: حتى إذا استيئس الرسل ممّن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك، وتقرأ بالتخفيف، وهي عند عاصم وحمزة والكِسائي: كُذِبُوا، رُوي عن ابن عباس: كانوا بشرًا، قال أبو منصور: إنْ صح هذا عنِ ابن عباس فوجهه عندي - والله أعلم - أنْ الرسل خطَر في أوهامهم ما يخطُر في أوهام البشَر من غير أن يكونوا حَقَّقُوا تلك الخواطرَ ولا ركنوا إليها، ولا كان ظنُّهم ظنًّا اطمأنوا إليه، ولكنَّه كان خاطرًا يَغْلِبُه اليقين، وهذا متجاوَزٌ عنه.
2- كَاذِبَة: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة: 2]؛ أي: ليس يردُّها شيء، كما تقول: حَمْلَةُ فلان لا تَكْذِب؛ أي: لا يَرُدُّ حملتَه شيء، وهي مصدر، فهي اسمٌ وُضِع موضعَ المصدر.
3- كِذَّابا: ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 35]؛ أي: لا يُكذِّب بعضُهم بعضًا، وهي لغة يَمانية فصيحة، ووردتْ كذا في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 28].
4- كذب: في قوله تعالى: ﴿ وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ [يوسف: 18]؛ لأنَّ يعقوب - عليه السلام - لما رأى القميصَ قال:كذبتُم؛ لو أكَلَه الذئب لمزّق قميصه.
قال الفرَّاء: بدم كذب، معناه مكذوب، والعرَب تقول للكذب: مكذوب، وللضَّعف: مضعوف، وللجلد: مجلود، فيجعلون المصادرَ في كثيرٍ مِن الكلام مفعولاً.
فالكذِب هو الإخبار عن الشيءِ بخلاف ما هو مع العِلم به، وقصد الحقيقة، فخرَج بالأوَّل الجهْل، وبالثاني المجاز، وهو يعمُّ ما يَعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يَعلم؛ بدليلِ التقييد في قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [آل عمران: 75] بقوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، ويستعمل "الكذب" كوصفٍ غالبًا في الأقوال، والحقُّ يكون في المعتقدات.
نخلص إلى نِقاط جامعة لما سلف :
1- يقال "الكذب" في المقال والفِعال والاعتقاد.
2- قد يُنسب "الكذب" إلى نفْس الفِعل كقوله تعالى: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ [العلق: 16].