♥[◙]♥ الدعاء على الظلمة مشروع ♥[◙]♥
الحمد لله لا شريك له في ملكه، ولا مانع له في أمره، هو المتفرد بالأمر كله، سبحانه وبحمده جل ثناؤه، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
حديثنا اليوم يتركز حول الدعاء على الظلمة، هل يجوز أن ندعو عليهم أم نصبر على ظلمهم بدون مقاومة وننتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى؟
إن الدعاء على الظلمة مشروع لا سيما إن كان الظلم واقعًا على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافرًا، بل يجب الدعاء على الظالم الذي يحارب الإسلام وأهله إذا لم يوجد طريق لإيقاف عداوته وكف شره عن المسلمين بغير الدعاء. إن كف عدوان الظلمة والمتجرئين على الإسلام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قال تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلومًا فإنه أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له). يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ.
ولقد دعا نبينا في غزوة الأحزاب على الكفار والمشركين المحاصرين للمدينة النبوية فقال: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا)) رواه الجماعة عن علي بن أبي طالب .
وقنت رسول الله شهرًا يدعو على أحياء من العرب؛ لأنهم طلبوا من النبي أن يرسل لهم من يعلمهم أمور دينهم، فأرسل لهم سبعين رجلًا من الأنصار، فقتلوهم جميعًا، كما في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن رعلًا وذكوان وعُصَيّه وبني لحيان استمدوا رسول الله على عدوّ، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعلٍ وذكوان وعُصَيّه وبني لحيان.
ومن دعائه أيضًا: ((اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسنين يوسف)) يجهر بذلك .
وكذلك دعا على كسرى حينما مزق خطاب النبي فقال: ((اللهم مزق ملكه)).
أيها الإخوة الكرام، إن الدعاء على أعداء الدين من اليهود والنصارى المحاربين والمنافقين والعلمانيين الكارهين للدين له فوائد كثيرة، منها أن الدعاء في حد ذاته عبادة عظيمة بل هو لب العبادة وروحها؛ ولذا ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان بن البشير عن النبي في قوله: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قال: ((الدعاء هو العبادة)) وقرأ: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.
في الدعاء يتمثل توحيد الله في أنقى صورة وأسمى معانيه؛ ولهذا فقد أخبر القرآن الكريم بأن جميع الناس في النوازل والنكبات لا يدعون أحدًا إلا الله، قال تعالى: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ.
فالدعاء يحقق استحضار العبد لصفات الله تعالى وزيادة الإيمان بها والشعور بعظمتها، فهو إقرار من المؤمن بأن القوة لله جميعًا، وأن العزة لله جميعًا، وأن الله خالق كل شيء ورازق كل دابة، وأن الناصر هو الله والقاهر هو الله والضار والنافع هو الله. قال تعالى: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
إن الإحساس بكل هذه المعاني وتمثلها هي التي تقود المسلمين وتوصلهم إلى امتثال أمر الله: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فتحقيق هذا اليقين العظيم الذي يحصل بهذا الدعاء على الطغاة والمتجبرين يطرد الخوف الذي تولد في قلوب بعض المسلمين من الأعداء، وتجعلهم يحتقرون كل القوى في الأرض بجانب قوة العزيز الجبار الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن ميزان القوى الحقيقي هو أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، فتصغر عند ذلك في عيونهم كل قوة مهما عظمت إذا هم استمدوا قوتهم من الله رب العالمين.
والدعاء على أعداء الدين -يا عباد الله- تعبير صادق على عقيدة الولاء والبراء التي هي الرحى التي تدور عليه عقيدة التوحيد، ((أوثق عُرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله)).
والدعاء على من اعتدى على المسلمين وبغى عليهم علامة ظاهرة على إيمان العبد وتضامنه مع إخوانه المسلمين في كل مكان، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.
والدعاء أيضًا على من يحارب المسلمين إحياء لمعاني الجهاد في النفس، قال : ((من لم يحدث نفسه بالجهاد مات ميتة الجاهلية)). فالدعاء يربي قوة العزيمة وشدة البأس في نفس المسلم ليكون مستعدًا لدك حصون الباطل وأهله. قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
نسأل الله أن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميرًا لهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
معاشر المسلمين، دعونا نرى نتائج الدعاء على الظلمة في هذه الدنيا فقط، فمن ذلك أن الذي أفتى بضرب أو قتل من يقول بأن القرآن كلام الله يقال له أحمد بن أبي دؤاد، سأله الخليفة: هل قتلُ أحمد بن نصر الخزاعي كان ظلمًا، فرد عليه: ضربني الله بالفالج إن كان مظلوما والفالج -عافانا الله وإياكم- مرض خطير لا يستطيع الإنسان أن يتحرك ويبقى محبوسًا في جلده كالذي يقال له اليوم: شلل رباعي. وأراد الله أن يثبت ظلمه فأصابه هو بالفالج بعد أن سجنه الخليفة وصادر جميع أمواله وممتلكاته ويصبح طريح الفراش لمدة أربع سنوات ثم توفي.
وممن جعلهم الله عز وجل عبرة لغيرهم ممن تسبب في إيذاء الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أولئك الجلادون الذين كانوا يضربون الإمام بالسياط. كان هنالك رجلان أحدهما يسمى أبا ذر والآخر يسمى أبا العروق، أما أبو ذر فكان يضرب الإمام بين يدي المعتصم فأهلكه الله عز وجل شر ميتة، أصيب بالبرص فتقطع ببرصه نسأل الله العافية. وأما أبو العروق فيقول عنه عمران بن موسى: دخلت على أبي العروق الجلاد الذي يضرب الإمام أحمد لأنظر إليه فمكث خمسة وأربعين يومًا ينبح كما ينبح الكلب ولا يرد على أحد حتى مات. وهؤلاء جلادون يستطيعون أن يقولوا: نحن مأمورون ولا ذنب لنا، ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والأمثلة من كتب التاريخ كثيرة.
عباد الله، وا عجبًا من هؤلاء الظلمة والطغاة! ألم يتفكروا في مصائر من قبلهم من الأمم السابقة؟! كيف كان حالهم ومآلهم؟! أين عاد وثمود؟! أين فرعون والنمرود؟! أين القياصرة؟! أين الجبابرة؟! أين كسرى؟! أين وأين وأين؟! فيا أسفًا على الظلمة الفجار، يخطئون بالليل والنهار والشهوات تفنى وتبقى الأوزار. فلا يهولنّكم قوة الطغاة ولا كثرة عتادهم ولا طول طغيانهم، تعلموا الدعاء وألحوا واجأروا إلى ربكم واستنصروه على هؤلاء الأعداء، فلن ينصر في الأرض من حورب من السماء. فالدعاء -أحبتي في الله- لا ينبغي أن يترك بحال من الأحوال، وحتى لا يتعذر متعذر بالعجز عن الاستنصار لهذا الدين وأهله بأنه كبل بالأغلال وأوثق بأشد الحبال، فعن أبي هريرة أن النبي قال: ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)).
فالله أكبر يا ناصر المستضعفين، انصرنا وانصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، يا جابر المنكسرين اجبر كسرنا، وأعنا ولا تعن علينا، وانتصر لنا ممن ظلمنا.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...