::¦¦[✮]¦¦:: الدعاء وأهميته في الأزمات ::¦¦[✮]¦¦::
حاجة المسلم إلى ربه دائمة، فهو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، وما يصيب العباد من النعماء والخير فبفضله، ولا يمسهم شيء من الأذى والعنت إلا بعلمه وحكمته، ولا يرفع إلا بإذنه وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ [النحل:53]، ولا غنى للمسلم عن الضراعة واللجوء إلى خالقه في كل حال وفي كل زمان، أما في أزمان الفتن وضيق الحال وتقلب الأمور فإن الحاجة تزيد، فالعبد ضعيف بنفسه مهما أوتي من قوة وبأس.
وإن المتأمل في سيرة النبي وأحواله، ليرى منه العجب في تعلقه بربه واللجوء إليه والإلحاح على الله بالدعاء والطلب وعدم اليأس، مع أن دعاءه مجاب ورغبته محققة، أما عند مدلهمات الأمور ومفارق الطرق ومضايق الأحوال فإن نبينا يلجأ إلى ربه ويلح عليه في المسألة حتى إن أصحابه رضي الله عنهم ليشفقون عليه ويرحمونه من شدة تضرعه وسؤاله، قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: 9]، تستغيثون ربكم: تستجيرون به من عدوكم وتدعونه للنصر عليهم، فاستجاب لكم، فأجاب دعاءكم بأني ممدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم بعضاً، ويتلو بعضهم بعضاً، ثم ساق سنده عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله إلى المشركين وعدتهم ونظر إلى أصحابه نيفاً على ثلاث مائة، فاستقبل القبلة فجعل يدعو ويقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه وأخذه أبو بكر الصديق فوضعه عليه ثم التزمه من ورائه ثم قال: كفاك يا نبي الله ـ بأبي وأمي ـ مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ اهـ.
وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي يوم بدر: ((اللهم أُنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ [القمر:45])) اهـ.
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن الدعاء عند مواجهة العدو من أمضى الأسلحة وأقواها، قال تعالى عن عباده المجاهدين: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ فَـاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ [آل عمران:147، 148]، وقال تعالى مبيناً للمسلمين أن تفويض الأمور إليه سبحانه يفيد في وقت الأزمات وتحزب الأحزاب: ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:172-174].
وقال تعالى عن جند طالوت حين عاينوا جالوت وجنوده، وفر منهم من فر: وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ [آل عمران:250، 251].
وهكذا كل مسلم تنزل به نازلة أو تحل به أو بإخوانه نكبة، يلجأ إلى ربه بالدعاء والضراعة، في الصحيحين كان رسول الله يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)).
قال الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى: إنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع المسلمين بإضعاف عدو المؤمنين. اهـ.
والله تعالى قريب ممن دعاه، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، والدعاء خير كله فهو من أجل العبادات وأعلاها وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ومن رفع يديه والتجأ إلى ربه ودعا لنفسه ولإخوانه المسلمين لم يخسر شيئاً، بل يربح والله إحدى ثلاث خصال أخبر بهن النبي : ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته أو يصرف عنه من السوء مثلها أو يدخر له من الأجر مثلها قالوا: يا رسول الله إذا نكثر؟ قال الله أكثر)) أخرجه الحاكم وصححه، وأخبرنا النبي : ((الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)) أخرجه الحاكم، وما أحرى كل مسلم أن يستشعر كون المسلمين كالجسد الواحد الذي يتألم كله لشوكة تصيب أصبع القدم أو لجرح صغير في طرفه، فضلاً عن المواجع والآلام التي لا تطاق.
وتذكر أخي المسلم ذلك العجوز الفلسطيني الذي يهدم بيته على رأسه وهو ينظر، وتصور حال ذلك اللاجئ الطريد الهارب من الضرب والقصف، أو صاحبه الذي تمطره السماء قذائف وقنابل تهز الجبال وتصم الآذان وتحيل الصخر تراباً بإذن الله تعالى، وتفكر في تلك المرأة التي ديس شرفها وأهين عرضها وتخيل أنها أختك أو ابنتك، ألا تأخذك الحمية والغيرة؟
ويا من تنام شبعان آمناً مطمئناً بين عيالك تذكر آلافاً من المسلمين حلت بهم النكبات ونزلت بهم المصائب، ففرقت بين الولد وأبيه وبين الأم ورضيعها، ويا من ينعم بلذيذ المآكل والمشارب مع الصحب والإخوان تذكر إخواناً لك لا يجدون ما يسد جوعتهم أو يروي ظمأهم، وهم في خوف ورعب لا يطاق، ويا من يسكن البيوت الباردة في الصيف الدافئة في الشتاء وينام على الفرش الوثيرة، أتعلم أن إخواناً لك يفترشون الغبراء ولحافهم السماء وأمطارهم قذائف محرقة وشهب لاهبة لا تبقي ولا تذر، ما شعورك حين ترى صورة تلك العجوز التي تندب ولدها وتولول على مقتله بين يديها؟ وما ظنك لو كانت هذه العجوز أمك أو أختك أو قريبتك؟ أيهدأ لك بال أو تطمئن بك دار؟
ما أجهل أقواماً غفلوا عما أمامهم وألفوا حياة الدعة والراحة، والأمم من حولهم تطحنها الحروب وتعصف بها الكروب وهو في غفلة ساهون، وفي لعبهم سامدون وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد، ما بال أقوام أمنوا مكر الله تعالى وظنوا أنهم في مأمن من العذاب والبلاء؟ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [النحل:45-47]، لله درُ عينٍ بكت من خشية الله وخوف عقابه، ولله درُ عين ذرفت دمعها حزناً وألماً على مصاب المسلمين.
ولله درك أيها المسلم حين ترى ما حل بإخوانك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فترفع يد الضراعة إلى ربك سائلاً متضرعاً، تسأل الله لإخوانك كشف الضر وزوال البلاء، والله سبحانه لا يخيب راجياً ولا يرد سائلاً، وهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [يس:82].
بارك الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه غفور رحيم.