♦ô♔ô♦ ثواب الذاكرين ♦ô♔ô♦
يقول الله تبارك وتعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب: 41، 42].
معشر المسلمين، إنَّ ذكرَ الله تعالى قد رغَّبكم الله فيه، وأمركم بالمداومةِ عليه، وجعله وسيلةً زلفى لديه، ووعد على ذلك عظيمَ الثواب، والنجاةَ من العقاب، فقال تعالى: وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 35].
فالذكرُ سهلٌ على اللسان، ثقيل في الميزان، أخبر رسولُ الله بأن ذكرَ الله تعالى أفضلُ الأعمال وأزكى الأقوال، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخير لكم من أن تلقوا العدوَّ فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذكرُ الله)) رواه أحمد والترمذي والحاكم[1].
ومعنى ذكر الله تعالى هو الثناءُ على الله عز وجل بأسمائه وبصفات كماله، وسؤالُه، وتنزيهُ الله عما لا يليق به.
وذكرُ الله تعالى يكون بالفعل للعبادات البدنية، ويكون باللسان، ويكون بالقلب. وأفضلُ الذكر ما كان بالفعل والقول باللسان وإخلاصِ الجنان، كالصلوات والحجِّ والجهاد في سبيل الله، ثم ما تواطأ عليه اللسان والقلب.
وأفضلُ الذكر بالقول تلاوةُ القرآن الكريم، لأنَّ القرآنَ العظيم حياةُ القلوب، ونور العقول، والهدى المستقيم، والقائدُ إلى رضوان الله تبارك وتعالى وإلى جنات النعيم، حرزٌ من الشيطان، وقربةٌ إلى الرحمن، تلاوتُه عبادة، والتفكُّر في معانيه فوزٌ وسعادة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله بكلِّ حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي[2]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يقول الرب تعالى: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضلَ ما أعطي السائلين، وفضلُ كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)) رواه الترمذي[3].
وذكرُ الله تعالى يكون بالكيفية والصفة الثابتة عن رسول الله ، كالذكر بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والاستغفار ونحو ذلك من أنواع الذكر الثابتة في السنة المطهرة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحانَ الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت)) رواه مسلم[4]، وعن سمرة بن جندب أيضًا قال: قال رسول الله : ((هي أفضل الكلام بعد القرآن، وهنَّ من القرآن)) رواه أحمد[5], وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)) رواه البخاري ومسلم[6].
والصلاةُ والسلام على سيدِ البشر من ذكر الله تعالى.
ولا يكون ذكر الله تعالى بالكيفية المبتدَعة والصيغ المحدثة، ففي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[7].
والذكر منه ما هو مقيَّد كالذكر بعد الصلوات، والذكرِ الذي يقال صباحًا ومساءً، والأذكار التي لها سبب. ومن الذكر ما هو مطلَق، فليحرصْ المسلم على مداومة الذكر لله تعالى في كل الأحوال ليكون من السابقين، عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكرِ الله))، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يضرِب بسيفه حتى ينقطِع)) رواه ابن أبي شيبة والطبراني[8].
ويستحَبّ للمسلم أن يداوم على صيغ الذكر الجامعة مع غيرها من أنواع الذكر الثابتة، ليفوزَ بالأجر العظيم، عن جويرية رضي الله عنها أن النبي خرج من عندها حينَ صلى الفجر وهي تُسبِّح، ثم رجع وهي جالسة بعد أن أضحَى، فقال: ((ما زلتِ على الحال التي فارقتُك عليها؟!))، قالت: نعم، قال: ((لقد قلتُ بعدك أربعَ كلمات، ثلاثَ مرات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنةَ عرشه، ومدادَ كلماته)) رواه مسلم[9]، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله : ((ألا أخبرك بأكثرَ وأفضلَ من ذكر الليل مع النهار وذكرِ النهار مع الليل؟! تقول: سبحان الله عددَ ما خلق، سبحانَ الله ملءَ ما خلق، سبحانَ الله عددَ ما خلق في الأرض والسماء، وسبحانَ الله ملءَ ما في الأرض والسماء، وسبحان الله عددَ ما أحصى كتابُه، وسبحان الله ملءَ ما أحصى كتابه، وسبحان الله عددَ كل شيء، وسبحان الله ملءَ كل شيء، والحمد لله كذلك)) رواه النسائي وابن حبان[10]، وعند الطبراني: ((وتكبِّر مثل ذلك))[11].
أيها المسلم، إنك مهما ذكرتَ الله تعالى، وأثنيتَ عليه فلن تُحصي ثناءً عليه، ولن تذكرَه كما يجب له سبحانه، وتذكَّر أن العالم العلوي والسفليَّ دائمُ الذكر والتسبيح لله تعالى، ولم يخرج من عزِّ وشرَف هذه العبودية إلا الكفرةُ من الجن والإنس، قال الله تعالى: تُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44].
فكن ـ يا عبد الله ـ من الذاكرين السابقين، قال الله تعالى: وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ [الأعراف: 205].
واعلموا ـ عباد الله ـ أن ذكرَ الله عز وجل أعطى الربُّ عليه من الثواب والجزاء ما لا يحيط به وصف، ولا يحصيه عدٌّ، يجد المؤمن ذلك وأثرَه في الدنيا، وما في الآخرة أعظم وأبقى.
فمن ثواب الذكر لله تعالى أن الله يذكر من ذكره في الملأ الأعلى، قال الله تعالى: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، ويكون الله مع الذاكرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((قال الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منه)) رواه البخاري ومسلم[12].
ومن ثواب الذكر طمأنينةُ القلب وثباتُه ويقينه، قال الله تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد: 28].
ومن ثواب الذكر أنه يورث الحبَّ لله تعالى، ويزيد الإيمانَ، وتتيسَّر به الأمور، وتنشرح به الصدور، ويحرِز به المسلم نفسَه من مكائد الشيطان، عن الحارث بن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن الله أمرَ يحيا بن زكريا أن يأمرَ بني إسرائيل بخمس كلمات، منها ذكر الله تعالى، فإن مَثَل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حِصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبدُ لا يحرِز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى)) رواه الترمذي وابن حبان[13].
ومن ثواب الذكر أنه يكفِّر الذنوبَ ويفرِّج الكروب.
وبالجملة فثوابُ الذكر لا يُعدُّ ولا يحصى.
عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))[14].
فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه أحمد (5/195)، والترمذي في الدعوات (3377)، وابن ماجه في الأدب (3790)، وصححه الحاكم (1/496)، وقال الهيثمي في المجمع (10/73): "رواه أحمد وإسناده حسن"، وحسنه الألباني في تعليقه على الكلم الطيب (1).
[2] سنن الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن.. (2910)، والبيهقي في الشعب (2/342)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1416).
[3] سنن الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ (2926) وقال : "حديث حسن غريب"، وكذا أخرجه الدارمي في فضائل القرآن (3356)، وابن نصر في قيام الليل (ص71) من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد، ومحمد بن الحسن ضعيف كما في التقريب، وكذا عطية العوفي ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/82) عن أبيه: "هذا حديث منكر، ومحمد بن الحسن ليس بالقوي"، وقال الحافظ في الفتح (9/54): "أخرجه الترمذي ورجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف".
[4] صحيح مسلم: كتاب الآداب، باب: كراهة التسمية بالأسماء القبيحة... (2137).
[5] مسند أحمد (5/20) بنحوه، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (1/122) بنحوه، قال الهيثمي في المجمع (10/88): "رجاله رجال الصحيح".
[6] صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب: الدعاء إذا علا عقبة (6384) واللفظ له، مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر (2704).
[7] أخرجه مسلم في الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718)، وهو عند البخاري أيضا بلفظ آخر.
[8] مصنف ابن أبي شيبة (10/300)، ومعجم الطبراني الكبير (20/166-352) بنحوه، وكذا أخرجه أحمد دون قوله: قالوا: ولا الجهاد... قال الهيثمي في المجمع (10/73): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح". ورواية أحمد صححها الألباني كما في صحيح الجامع (5644). وله شاهد من حديث جابر عند الطبراني في الأوسط (435ـ مجمع البحرين ـ)، والصغير (1/77) قال المنذري في الترغيب (3/204): "ورجالهما رجال الصحيح"، وكذا قال الهيثمي في المجمع (10/74).
[9] صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم (2726).
[10] عمل اليوم والليلة (166)، وابن حبان (3/112-830)، وكذا أخرجه أحمد (5/249)، والطبراني في الكبير (7930، 8122)، وصححه ابن خزيمة (1/371-754)، والحاكم (1/694)، وقال الهيثمي في المجمع (10/93): "رواه الطبراني من طريقين، وإسناد أحدهما حسن".
[11] المعجم الكبير (8/292-8122).
[12] صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: ويحذركم الله نفسه (7405)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: الحث على ذكر الله تعالى (2675) بنحوه.
[13] سنن الترمذي: كتاب الأمثال، باب: ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة (2863)، وصحيح ابن حبان (14/124-6233) وكذا أخرجه أحمد (4/130)، وأبو يعلى (3/141)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن خزيمة (3/195-1895)، والحاكم (1/582)، والألباني في صحيح الترغيب (552).
[14] أخرجه مسلم في الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه (384) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بنحوه.