⇭☠⇭ لفظة الشيطان ونظائرها في السياق القرآني ⇭☠⇭
أولاً : لفظة الشيطان في السياق القرآني:
لقد وردت لفظة الشيطان وتصريفاتها المختلفة ( شيطاناً ، شياطين ، شياطينهم ) ( ثماني وثمانين مرة ) ، منها تسع وستون مرة معرفة ب( ال ) أو بالوصف ، ومرة واحـدة بلفظـة ( شيطانـاً ) نكرة ، وثماني عشرة مرة بلفظة ( شياطين ) معرفة ب( ال ) أو بالإضافة .
أما على صعيد المكي والمدني من السور ، فلقد وردت لفظة الشيطان واشتقاقتها ثلاثاً وخمسين مرة في ثنايا السور المكية ، وخمساً وثلاثين مرة في السور المدنية .
وقد وردت هذه اللفظة وتصريفاتها في ثنايا ست وثلاثين سورة من سور القرآن الكريم احتلت السور الواقعة في أول المصحف العثماني القدر الأكبر منها فأخذت البقرة ، والنساء ، والأعراف ثماني لفظات لكل سورة ، ثم تلتها في الترتيب الأنعام بست لفظات ، ثم الإسراء ، ومريم بخمس لفظات لكل سورة ، ثم الحج ، والمجادلة بأربع لفظات لكل سورة ، ثم آل عمران ، ويوسف بثلاث لفظات لكل سورة ، ثم المائدة ، والأنفال ، والنحل ، والنور ، والصافات ، وص والزخرف ، والشعراء بلفظتين لكل سورة ، ثم إبراهيم ، والحجر ، والكهف ، وطه ، والفرقان ، والنمل ، والقصص ، والعنكبوت ، ولقمان ، وفاطر ، ويس ، وفصلت ، ومحمد ، والحشر ، والتكوير ، والأنبياء ، والمؤمنون ، والملك بلفظة واحدة لكل سورة .
ثانياً : لفظة الطاغوت في السياق القرآني :
وردت لفظة ( طاغوت ) على صورة واحدة وهي : صيغة الإفراد في كتاب الله عز وجل ثماني مرات .
وقد وردت هذه اللفظة في السور المكية مرتين فقط ، أما الألفاظ الست الباقية فجاءت في السور المدنية .
أما السور التي وردت فيها هذه اللفظة فخمس ، أخذت سورة النساء أكبر نصيب من هذه اللفظة فوردت فيها ثلاث مرات ، ثم تلتها سورة البقرة بلفظتين ، ثم المائدة ، والنحل ، والزمر بمرة واحدة .
ثالثاً : لفظة إبليس في السياق القرآني :
وردت لفظة ( إبليس ) في سياق آيات الكتاب العزيز على هيئة واحدة ، وكان ورودها أحد عشر مرة باللفظ الصريح ، ومرة واحدة بصفته ( السفيه ) كما أجمع على ذلك أهل التأويل .
وقد أخذت السور المكية النصيب الأعظم من هذه اللفظة فوردت إحدى عشرة مرة فيها ، وبقيت لفظة واحدة لسورة مدنية واحدة .
أما عدد السور التي وردت فيها هذه اللفظة فعشر سور وهي : سورة الحجر ، وص حيث احتوت كل منهما على لفظتين ، ثم تلتها سورة البقرة ، والأعراف ، والإسراء ، والكهف ، وطه ، والشعراء ، وسبأ ، والجن بمرة واحد لكل سورة .
لطائف مستنبطة مما سبق :
يمكننـا استنباط بعض المعانـي ، واللطائـف من الإحصائيـات السـابقة حـول ورود لفظـة الشيطان ونظائرهـا في كتاب الله وذلك على النحو التالي :
1- وردت ألفاظ ( شيطان ، إبليس ، طاغوت ) بمجموعها مائة وثماني مرات موزعة بين آيات وسور هذا الكتاب المنير ، وهذا العدد يدل على أهمية هذه القضية للبشر ، ذلك أن هذا القرآن هو كتاب هداية وإرشاد ، والشيطان هو عنصر ضلال وإضلال ، فوجب التحذير منه وبيان حقيقته .
2- ورود هـذه الألفاظ في السور المكية (66 مرة ) أكثر منه في السور المدنية ( 42 مرة ) دليل على اتخاذ هذا الموضوع أهمية أكبر في العهد المكي للدعوة ، حيث جاء القرآن على قوم جاهليين تمكن منهم الشيطان ، واستحوذ عليهم ، وليس أدل على ذلك من واقعهم القائم على الكفر ، بحيث لم يبق إلا عدة نفر على دين التوحيد في الجزيرة ، فكان لزاماً أن يبين لهم القرآن خطر هذا الشيطان ، ويوضح لهم خطواته وغاياته .
3- لم يُذكر إبليس في السور المدنية إلا مرة واحدة ، وكان ذكره في القرآن المكي هو الأغلب ، وهذا باب عظيم من حسن الوعظ حيث يُذكِّر القرآن الناس بمنشأ الشياطين وقبح صفاتهم المتمثلة في إبليس عليه لعنة الله ، ويذكِّرهم بقبح صنيعه مع أبيهم آدم عليه السلام ، ويبين لهم العداوة القائمة أبداً بينهم وبينه ، ليكون ذلك حافزاً على التنفير من اتباعه ، فكان ذكره بشكل مكثف في السور المكية يناسب حال الناس مع الشيطان في ذلك الزمان ، أما لما تجلت حقيقة إبليس وموقفه من آدم عليه السلام وعُرِف ذلك للقاصي والداني ، لم يكن هناك حاجة لذكره في العهد المدني إلا على سبيل الإعذار والتذكير فورد مرة واحدة في سورة البقرة .
4- في حين كانت ألفاظ ( شيطان ، إبليس ) ترد بشكل أكبر في السور المكية ، لاحظنا أن لفظة ( طاغوت ) وردت في السور المدنية ثلاثة أضعاف ورودها في السور المكية ، فلماذا ؟
عرفنا أن الطاغوت هو مرتبة عليا في الكفر والطغيان يفوق الشيطان في الإجرام ، وهذا النوع من الشياطين لم يكن بارز الظهور في العهد المكي حيث سذاجة العقول وجهالة الأحلام ، أما في المدينة فقد ظهر اليهود بمكرهم وخبثهم وتجرئهم على الله ، مع من اتبعهم من المنافقين ، فظهر التجرؤ على خصائص الألوهية من صرف العبادة ، والحكم فكانت الحرب على هؤلاء في المدينة أقوى وأعتى .
5- خلو سورة التوبة – على طولها – من هذه الألفاظ إشارة على ضعف وبطلان الشياطين ، وعدم صمودهم أمام الحق ، لا سيما ذلك الحق القوي بألفاظه ، القوي بمعانيه ، الشديد على الباطل ، والذي تمثل في سورة التوبة ، ففرت منها الشياطين خوفاً وفرقاً .
من كتاب اشيطانوخطواته وغاياته
وائل علي البشير
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ ( قال قتادة : " من الجن شياطين ومن{مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ الإنس شياطين ، يوحي بعضهم إلى بعض . وقال : بلغني أن أبا ذر كان يوماً يصلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن ) . فقال : أوَ إنَّ من الإنس شياطين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) .
وقد ذهب البعض إلى أن ما ورد في الآية لا يعني أبداً وجود شياطين من الإنس بل المقصود بقوله تعالى ( شياطين الإنس والجن ) أي أن مع كل إنسي شيطان من الجن ، ومع كل جني شيطان من الجن ، وقد حُكي هذا القول عن عكرمة والضحاك والسدّي والكلبي وقـد استندوا على حديث رواه ابن عباس في تفسير هذه الآية حيث قال : " مع كل جني شيطان ، ومع كل إنسي شيطان ، فيلقى أحدهما الآخر فيقول : إني قد أضللت صاحبي بكذا فأضلَّ صاحبك بمثله ، ويقول الآخر مثل ذلك ، فهذا وحي بعضهم إلى بعض وهذا الحديث في إسناده ضعف " وقـد رد الإمام ابن جريـر الطبري على هذا التأويل عند تفسير هذه الآية بكلام طويل نذكـر طرفـاً منه : " جعـل عكرمـة والسدِّي في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما عدوَّ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ}الأنبياء الذي ذكرهم الله في قوله : أولادَ إبليس دون أولاد آدم ودون الجن ، وجعل الموصوفين بأنهم بعضهم{عَدُوّاً يوحي إلى بعض زخرف القـول غروراً ، ولـدَ إبليس ، وأن مَن مع ابن آدم من ولـد إبليس يوحي إلى مَن مع الجنّ من ولده زخرفَ القول غروراً ، وليس لهذا التأويل وجـه مفهـوم ، لأن الله جعل إبليس وولده أعداء ابن آدم ، فكـل ولـده لكـل ولـده عدو ، ولقد خص الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعـل لهم من الشياطين أعداء ، فلو كان معنياً بذلك الشياطين الذي ذكرهم السدّي ، الذي هم ولـد إبليس ، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبر عنهم أنهم جعـل لهـم الشياطين أعـداء وجه . وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائـه مثـل الذي جعـل لهـم ، ولكن ذلـك كالذي قلنـا من أنه جعـل مردة الإنس والجـن لكـل نبي عدواً يوحي بعضهـم إلـى بعض من القـول ما يؤذيهم به " .
أما القول الأول – الذي يجعل الشياطين من الجن والإنس على السواء – فقد رجحه أكثر المفسرين ، وهو الظاهر والأولى من الآية ، حيث ذهب إليه الطبري وابن كثير ، وابن عطية في تفاسيرهم وحسبنا بهؤلاء الأعلام الأفذاذ حجة لنا على هذا القول .
أما إذا أردنا أن نتلمّس مقصدنا في إثبات هذا المذهب من آيات الكتاب العزيز ، فهذا ظاهر في آخر سورة حيث يُثبت فيها الحق سبحانه أن الوسواس الخناس – الذي هو الشيطان بلا مِن شَرِّ}نزاع في معناه – هو من الجِنَّة كما هو من الناس على حد سواء : الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ
ومن هؤلاء الشياطين إنسهم وجنهم تنبثق زمر من الشياطين المتخصصة بصفة من الصفات ومهمة من مهام الإغواء والإضلال ، وها هي تلك الأصناف كما وردت في سياق آيات الحق سبحانه وتعالى :
الفرق بين كلمة شيطان وأخواتها في نفس المنظومة:
الجنً عامة هو الستر ولذلك سُمّي الجنين جنيناً.
الجنّ: مقابل الإنس وهو أقوام لا يُرون بالحواس والجان هو أبو الجنّ كما أن آدم هو أبو الإنس.والكلمات جني، عفريت، ابليس، شيطان كلها من مرادفات جنيّ ولكل واحدة منها معنى خاص بها.
ابليس: إسم لشيطان واحد أو جنّي واحد، وكان إسمه عزازيل أطلق عليه اسم ابليس عندما طُرد من الجنة بعدما عصى الله تعالى بعدم السجود لآدم واعترض على أمر الله تعالى. والإبلاس لغة هو اليأس التّام. ويقال مبلسون أي آيسون من رحمة الله تعالى يأساً كاملاً. ()
شيطان: الشيطان من شطن أو شيط أي احترق من الغضب.
وشيطان بمعنى من ابتعد عن الحق ابتعاداً لا عودة فيه من شطن. أو من احترق من الغضب عندما يرى المؤمنين يعبدون الله تعالى *شيطان صفة تطلق على كل ذي صفة ذميمة للإنسان أو الجنّ حتى لو كان حيواناً.
عفريت: هم أبطال الجنّ. كل من بلغ القمّة والإبداع في عمله يسمى عفريتاً عند الجن. كما نسمي الأبطال عند الإنس. ولهذا جاء في قصة داوود (قال عفريت من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) العفريت يأتي بقدرات هائلة ليست بمعجزة كما فعل الذي عنده علم من الكتاب في القصة نفسها (الذي عنده علم من الكتاب استخدم ما يعرف في عصرنا الحالي بالإنتقال الضوئي).
شيطان مارد: الذي ينفلت عن نظامه ويكون في عصيانه رأساً (وحفظاً من كل شيطان مارد) يطلع للسماء مرة أو مرتين متجاوزاً للتوعد فبعث الله تعالى له شهباً يحرقه. وإذا طغى الجنّ يسمى مارداً مثل الطاغية عند الإنس.
شيطان مريد: هو الشيطان المستمر في العصيان (ويتبع كل شيطان مريد) وهو الذي يتلبس الإنسان لأن همّه إفساد البشر.
شيطان رجيم: هو اشيطان المطرود عن الخيرات ومنازل الملأ الأعلى (فاخرج منها فإنك رجيم) (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:17)
الجنّ: اختلف المفسرون في معناها وقيل أن كل العوالم المستترة تسمى جنّاً حتى الملائكة. وكل ملك جنّي وليس كل جنّي ملك. والنورانيون ملائكة والأشرار شياطين وبينهما الجنّ كما قال الراغب (وإن منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) كما يقابل الإنس المقربون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال.
الجِنّة: هم جماعة الجنّ (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) سورة الصافّات آية 158. أو من يصاب بالجنون من تأثير الجِنّ (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ) سورة سبأ آية 8 . (وقالوا معلّم مجنون) و(لشاعر مجنون) تدل على إصابة الجنّ له.
الشياطين عموماً لها عدة وظائف، والجن يوسوس في الصدور والقلوب وقد ثبت علمياً وطبياً أن للقلب دماغه كما أن للرأس دماغه فالقلب ليس عضلة فقط تضخ الدم إنما له دماغه وله تناسق مع الدماغ في الرأس.
الجِنّ: تعاملهم مع الإنس ممكن جداً برغم أنهما من أصلين مختلفين. خلق الله تعالى الجن من نار عندما كانت الأرض كرة ملتهبة فعاشوا فيها ثم لمًا بردت الأرض خلق الله تعالى آدم.
خلق الله تعالى الجن وسخّرهم لخدمة الإنس والتلبس دليل على ضعف البشر فإذا كان الإنس قوياً وسخّر الجنً له يضعف الجن وينقاد ويخدم الإنس خدمة تامة. فإذا ضعف الإنس قوي الجنّ وأخذ يتلاعب به كما يشاء. فالخوف إذا تمكن من الإنسان صعب أن يزول إلا بالإستعاذة ولذا قدّم الله تعالى الخوف على الجوع في الآية: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات). والجن هو مخلوق موجي يستطيع أن يتحرك كيفما شاء وأينما شاء ولا يحول بينه وبين الإنسان جدار أو حائط أو سد أو غيره. (يا معشر الجنّ الإنس أن استطعتم أن تنفذوا في أقطار السموات والأرض لا تنفذون إلا بسلطان) والسلطان هو غاية القدرة والنفوذ. يدعونا الله تعالى في القرآن إلى اقتحام الجن ونهانا عن الإستعاذة بهم لأنهم ضعفاء أمام الإنسان القوي.
الشياطين هم أشرار الجنّ والكافرون منهم. مهمة الكافرون من الشياطين إكمال مهمة ابليس، فمنهم الذين بفسدون عقيدة الإنس (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) والمهمة الثانية هي للذنوب كالخمر والميسر والفرار عند الحرب والتبذير. فالشياطين يوسوسون (وسوسة) ويُضلون (إضلال) ويُغوون (إغواء).