~¤¦¦☤¦¦¤~ المنظمة الدولية ~¤¦¦☤¦¦¤~
تعريفها وعناصرها
المنظمة الدولية International Organization هي «مؤسسة دائمة ذات إرادة ذاتية وشخصية قانونية دولية مستقلة تنشئها مجموعة من الدول بقصد تحقيق أهداف مشتركة يحددها ويبين كيفية الوصول إليها الاتفاق المنشئ للمنظمة».
وهكذا فلابد لعدِّ مؤسسة ما منظمة دولية بالمعنى الدقيق للتعبير من توافر العناصر الآتية:
1ـ الديمومة والاستمرار Continuity
لا تعد مؤسسة ما منظمة دولية إلا إذا كانت دائمة ومستمرة، وليس المقصود هنا الديمومة المطلقة، بل استمرار المنظمة ما دام ميثاقها المنشئ نافذاً. فذلك ما يميزها من المؤتمر الدولي الذي وإن كان من الناحية التاريخية خطوة أولى نحو التنظيم الدولي، لكنه ذو طبيعة عارضة وكيان مؤقت. كذلك فعنصر الديمومة في المنظمة الدولية لا يعني أن تعمل أجهزتها كافة بصفة دائمة ما دامت المنظمة كلها تمارس اختصاصاتها بصفة مستمرة. مثال ذلك استمرار منظمة الأمم المتحدة[ر] على الرغم من توقف عمل أحد أجهزتها الرئيسة وهو مجلس الوصاية عن العمل لانتهاء نظام الوصاية[ر] منذ استقلال بالاو[ر] Palau عام 1994.
2ـ عنصر الإرادة الذاتية والشخصية المستقلة Independent Personality
لابد لوجود المنظمة الدولية من أن يكون لها شخصية قانونية مستقلة تمكنها من ممارسة إرادة ذاتية خاصة تتميز بها من إرادة الدول المكونة لها، وهذا أيضاً ما يميز المنظمة الدولية من المؤتمر الدولي International Conference الذي يحقق أغراضه بإبرام مجموعة من الاتفاقات أو إقرار عدد من التوصيات التي تستمد قوتها الملزمة من إرادة الدول الأعضاء؛ وبالتالي لا يتمتع بأي إرادة ذاتية، ولا يعد بإجماع الفقهاء شخصاً من أشخاص القانون الدولي[ر]. وإذا كانت إرادة المنظمة الدولية تعبر في النهاية عن إرادات الدول الأطراف فيها فإن خصوصية هذه الإرادة تتجلى عند اتخاذ قرارات بالأغلبية، فهذه القرارات تلزم جميع الدول الأعضاء سواء من صوَّت معها أو ضدها ما دامت حققت هذه القرارات الأغلبية المطلوبة بموجب النظام الأساسي للمنظمة. كذلك فإن آثار تصرفات المنظمة تنصرف إلى المنظمة ذاتها بحسبانها شخصاً دولياً مستقلاً (مثل القرارات الخاصة بالموازنة).
3 ـ الصفة الحكومية Intergovernmental Character
يجب من حيث المبدأ أن يكون أعضاء المنظمة الدولية دولاً أو أشخاصاً دولية بالمعنى المعروف في القانون الدولي. ولعل هذا هو السبب الذي حمل بعضهم على إطلاق عبارة المنظمات الدولية الحكومية Governmental Organizations على هذه المنظمات تمييزاً لها من المنظمات الدولية غير الحكومية[ر] Non Governmental Organizationsالتي تنشأ عن طريق اتفاقات تعقد بين جماعات أو هيئات خاصة تنتمي لجنسيات مختلفة كما اللجنـة الدوليـة للصليـب والهـلال الأحمـر الدولي International Committee of the Red Cross and Red Crescent والاتحادات الدولية الأخرى كاتحاد البرلمانيين الدوليين، على أنه ظهر في تعامل المنظمات الدولية الحكومية تعامل وثيق أحياناً بين بعضها وبين المنظمات غير الحكومية المقاربة في نشاطاتها كالتعامل بين منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) واتحاد شركات الطيران (IATA).
ومن جهة أخرى تسمح دساتير بعض المنظمات الدولية أن تضم في عضويتها كيانات دولية لا تتمتع بالاستقلال الكامل كاتحاد البريد العالمي (UPU) الذي سمح لأقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي[ر] أن تكون عضواً فيه نظراً لطبيعة أغراضه الوظيفية[ر]، في حين تسمح دساتير منظمات أخرى أن تكون عضوية الدولة تضم أفراداً لا يمثلون حكوماتهم كمنظمة العمل الدولية التي تحتم أن يتألف وفد كل دولة من مندوبين عن الحكومات ومندوبين عن العمال وآخرين عن أرباب العمل وأن يصوت مندوبو العمال وأرباب العمل بصورة مستقلة عن نظرائهم مندوبي الحكومات إذا رأوا ذلك مناسباً.
4ـ الصفة الاتفاقية Contractual Character
ما دامت المنظمة الدولية مؤسسة بين دول وما دام مبدأ السيادة ـ أحد ركائز التنظيم الدولي المعاصرـ يقضي بأن لا تعلو على سلطة الدولة أي سلطة دنيوية أخرى إلا بإرادتها فالمنظمة الدولية إنما تنشأ بالاتفاق الحر للدول الأعضاء فيها وذلك بموجب وثيقة تأسيسية هي في جوهرها معاهدة دولية[ر: اتفاقية دولية] تخضع لما تخضع له المعاهدات من نظم في ظل القانون الدولي. وقد يسمي بعضهم الوثيقة التأسيسية ميثاقاً charter أو دستوراً constitution أو عهداً covenant أو نظاماً أساسيا statute أو صكاً pact فذلك لا يهم في كثير أو قليل. ما يهم هو أن تبين وثيقة التأسيس هذه أهداف المنظمة ومبادئها واختصاصاتها والأجهزة المختلفة المنوط بها تحقيق هذه الأهداف والأحكام التي تحكم سير العمل داخلها.
5ـ الشخصية القانونية للمنظمة الدولية
لم يتم الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمة الدولية إلا بعد مناقشات فقهية طويلة انتهت مع ولادة الأمم المتحدة، إذ نصت المادة الرابعة بعد المئة من ميثاقها، (وهو بإجماع الفقه والاجتهاد دستور العلاقات الدولية) على أن «تتمتع المنظمة في بلاد كل عضو من أعضائها بالأهلية القانونية التي يتطلبها قيامها بأعباء وظائفها وتحقيق مقاصدها» ثم حصل أن اغتيل الكونت فولك برنادوت وسيط الأمم المتحدة الأول في القضية الفلسطينية على يد العصابات الصهيونية فاستشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة محكمة العدل الدولية عن رأيها في مدى حقها بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بالعاملين لديها. وفي تضاعيف الفتوى الصادرة عن المحكمة في هذه القضية الاستشارية جاء ما يؤكد «أن المنظمة شخص دولي، ورغم أن هذا لا يعني أنها دولة أو أنها كيان فوق الدول بل يعني أنها شخص من أشخاص القانون الدولي قادرة على حيازة حقوق وتحمل التزامات وأن لها المحافظة على حقوقها بإقامة الدعاوى». وهكذا حسم أمر تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية كشخص اعتباري في مقابل تمتع الدول بالشخصية القانونية كشخص اعتباري من أشخاص القانون الدولي. وما عاد يجادل في شخصية المنظمة الدولية أحد من الفقهاء المرموقين. ويمكن أن تُتلمس آثار تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية في ثلاثة مجالات رئيسة هي:
1) صلاتها بأشخاص القانون الدولي الأخرى، إذ يمكن للمنظمة الدولية في الحدود التي يقتضيها تحقيق أهدافها أن تشارك في تكوين العرف الدولي، والدخول في علاقات تعاقدية مع الدول والمنظمات الأخرى، وقبول التحكيم وإقامة الدعاوى أو أن تكون طرفاً مدعاً عليه في دعوى.
2) صلاتها بدولة ما، إذ يمكن للمنظمة الدولية أن تتعاقد مع هذه الدولة في ظل قانونها الداخلي لشراء أو استئجار ما يلزمها من عقارات أو أدوات أو وسائل نقل أو تجهيزات.
3) لكن شخصية المنظمة الدولية تتجلى بأجلى معانيها في مجال بنيانها الداخلي كمؤسسة قانونية، فلها أن تنظم على النحو الذي تراه مناسباً المركز القانوني legal status للعاملين فيها وفق ما أصبح يعرف بالقانون الدولي الإداري.
أنواع المنظمات الدولية
تعددت التصنيفات التي يمكن أن تندرج المنظمات الدولية تحتها:
1ـ فمن حيث الأهداف والمقاصد: هنـاك منظمات عامة الأهداف General Organizations كعصبة الأمم سابقاً[ر] ومنظمة الأمم المتحدة[ر] حالياً وجامعة الدول العربية[ر] ومنظمة الوحدة الإفريقية[ر] ومنظمـة المؤتمر الإسلامي[ر]. وهناك منظمات متخصصة Specialized Organizations كمنظمة الصحة العالمية[ر] ومنظمة العمل الدولية واليونسكو ومنظمة العمل العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
2ـ ومن حيث العضوية يمكن تصنيف المنظمات الدولية إلى منظمات عالمية أي إن عضويتهـا مفتوحـة ـ من حيث المبدأ ـ للدول كافة Organizations of Universal Character كالأمم المتحدة واتحاد البريد العالمي والمنظمة العالمية للملكية الفكرية… الخ، ومنظمات إقليمية Regional Organizational أي إن باب العضوية فيها مفتوح لدول إقليم أو قارة معينة كجامعة الدول العربية ومنظمة الدول الأمريكية والاتحاد الأوربي، ومنظمات عقائدية أي إن باب العضوية فيها مفتوح لدول ذات توجه عقائدي معين، وهي حالياً تتمثل في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الدول الإسلامية بغض النظر عن قوميات أعضائها أو قاراتها أو ارتباطاتهم السياسية الأخرى أو شكل الحكم فيها.
3ـ من حيث السلطات التي تمارسها: يميز الكتاب بين منظمات تمتلك سلطات قوية تمكنها من فرض إرادتها على الدول الأعضاء كالاتحاد الأوربي[ر] وخاصة بعد معاهدة ماسترخت لعام 1994 حيث تعدّ تجاوزاً، ومنظمات فوق الدول super national أو فوقمية (وهذا مصطلح عربي منحوت من كلمتي فوق الأممية) وهي نادرة في هذه الأيام، ومنظمات لا تمتلك من السلطات ما يمكنها من القيام بأكثر من تنسيق نشاطات أعضائها والتوفيق بين اتجاهاتهم وتوحيد طرق عملهم عن طريق توصيات recommendations أو اقتراحات لها إلزام أدبي أكثر منه قانوني، وهذه حال معظم المنظمات الدولية المعاصرة التي هي بتعبير بعض الكتاب منظمات بين الدول inter states أو بينمية (وهو مصطلح منحوت من كلمتي بين الأمم)، ومصطلحا الفوقمية والبينمية أخذا في الشيوع في كتابات مؤلفي التنظيم الدولي منذ أكثر من ثلاثين عاماً حتى أصبحا مألوفين ليستحقا الإشارة.
التنظيم الإداري والمالي للمنظمة الدولية
بدأ الفقه يستقر على قواعد تحكم فروع المنظمات الدولية وتمثيل الدول فيها ويمكن إيجازه فيما يأتي:
1ـ إذا كان أحد فروع المنظمة الدولية محدود العدد فيراعى في اختيار أعضائه التوزيع الجغرافي الكفيل بتمثيل مناطق العالم أو مدنياته الأساسية وقدرة الدول الأعضاء على المساهمة في تحقيق مقاصد المنظمة. مثال ذلك مجلس أمن الأمم المتحدة فهو مؤلف حالياً من خمسة عشر عضواً خمسة منهم دائمون يملكون حق النقض لمركزهم العالمي المتفوق، وعشرة منهم منتخبون لمدة عامين غير قابلين للتمديد على أساس التمثيل الجغرافي العادل. هذا الفرع المتميز هو الذي أعطي حق إصدار قرارات ملزمة قانوناً لجميع أعضاء المنظمة.
2ـ أما الفرع المفتوح العضوية كالجمعية العامة للأمم المتحدة فيعطى اختصاصات أوسع من اختصاصات الفروع المحدودة ولكن يحدد بصلاحيات أقل فهو يصدر غالباً مجرد «توصيات» لها قوة أدبية مهمة أما قوتها القانونية فما زالت محل جدل في الفقه والاجتهاد.
3ـ والقاعدة أن الفرع التنفيذي في المنظمة يكون محدود العدد أما الفرع التشريعي أو شبه التشريعي فيكون مفتوحاً للأعضاء كافةً.
4ـ والقاعدة أيضاً أن فروع المنظمات الدولية تتكون من ممثلي حكومات الدول الأعضاء ولكن يرد على ذلك بعض الاستثناءات حيث يختار الأشخاص بصفاتهم الشخصية أو لكفاياتهم الفذة كما هي الحال في عضوية محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية[ر] والمجلس التنفيذي لليونسكو.
أما سلطات المنظمة الدولية فتصنَّف في الزمر الآتية:
1- البحث والدراسة والمناقشة العلنية Discussions and Delliberations.
2- الدخول في معاهدات دولية conclusion of treaties: وقد نظمت اتفاقية ڤيينا لعام 1986 أحكام المعاهدات التي تبرمها المنظمات الدولية مع بعضها أو مع الدول.
3- اتخاذ القرارات: وهذه القرارات أنواع، فمنها النظم الداخلية وقواعد الإجـراءات rules of procedures، ومنها القرارات العامة general decisions، ومنها التوصيات recommendations، ومنها القرارات بالمعنى الدقيق أي القرارات الملزمة كتلك التي يتخذها مجلس الأمن إعمالاً للفصل السابع من الميثاق decisions شريطة انسجامها مع مبادئ الأمم المتحدة، ومنها قرارات تعديل ميثاق المنظمة، وهي مجرد توصيات تحتاج لإنفاذها إلى تصديق الدول على التعديل وبأغلبيات مختلفة. تقوم المنظمة بمهامها عن طريق الأشخاص الطبيعيين الذين يشكلون ملاكها الإداري، وتنظم اللوائح الداخلية للمنظمة طرق تعيينهم وترقيتهم وصرفهم من الخدمة كما أن هؤلاء العاملين يتمتعون بالحصانة القانونية[ر] اللازمة لحسن قيامهم بمهامهم من دون عرقلة بما يسمى الحصانة الوظيفية وهي أقل من الحصانة الدبلوماسية[ر: الدبلوماسية] كما تتمتع المنظمة في بلد مقرها والبلاد التي تعمل فيها بحصانات وامتيازات تمكنها من أداء مهامها على أكمل وجه.
أما مالية المنظمة الدولية فتقوم على اشتراكات الدول الأعضاء وهذه تحدد عادة وفق قاعدة القدرة على الدفع the capacity to pay وهذه القاعدة تبنى على معيار مركب يقوم على المقارنة بين الدخول القومية للدول الأعضاء مع مراعاة متوسط دخل الفرد ومحصلة الدولة من العملات الصعبة، وما قد تتعرض له بعض الدول من أزمات اقتصادية في بعض الفترات، وعلى هذا فحصَّة الولايات المتحدة الأمريكية حالياً من واردات الأمم المتحدة تزيد على 20% في حين لا تتجاوز حصة بالاو 0.01% .كما تضم واردات المنظمة دخولها من منشوراتها أو ما قد تتلقاه من تبرعات غير مشروطة من الدول والأفراد. وفي الاتحاد الأوربي خصوصاً تشتمل وارداته على ما تفرضه السلطات المعنية فيه من ضرائب ورسوم على مواطني الدول الداخلة فيه مباشرة ومن دون حاجة إلى تشريع داخلي.
أما نفقات المنظمة فمنها العادي كالمبالغ المرتبطة بنفقاتها الإدارية من رواتب وأجور وتعويضات ومساعدات، والاستثنائي كنفقات الطوارئ وحفظ السلام وتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق النكبات والحروب، وقد أفتت محكمة العدل الدولية أن واجبات الدول واحدة في تحمل نفقات المنظمة الدولية سواء أكانت عادية أم استثنائية.
وتخضع موازنة المنظمات الدولية للقواعد العامة التي تحكم الموازنات الداخلية للدول مثل قاعدة سنوية الموازنة وعموميتها وتوازنها. أما إقرار الموازنة والتصديق على حساباتها الختامية فأمران يوكلان في معظم الأحيان للجهاز الرئيس في المنظمة الدولية (الجمعية العامة في الأمم المتحدة). ومن الجائز أحياناً أن يتولى الجهاز الرئيس في منظمة دولية الإشراف ولو رمزياً على موازنة منظمة أخرى ترتبط بالأولى ارتباط تعاون وتنسيق. فالجمعية العامة للأمم المتحدة مثلاً تنظر في أي ترتيبات مالية متعلقة بالموازنة مع الوكالات المتخصصة Specialized Agencies وتصادق عليها وتدرس الميزانيات الإدارية لتلك الوكالات لكي تقدم لها توصياتها (م 17 من ميثاق الأمم المتحدة).
وفي النهاية لابد من التأكيد على أن ميثاق كل منظمة يحكمها في كل ما تقدم وهو المرجع في حال تباين ما عرض أعلاه مع ما ورد في ميثاق المنظمة المعنية.