[☼]◄ هل من يقظة قبل الحسرة ؟ ►[☼]
في عالم يضج بالمكائد الشيطانية ويزخر بالشهوات الحيوانية ينغمس الإنسان إذا ترك لنفسه العنان في معمعة النزوات الثائرة التي تسعر من فورة الرغبات الإنسانية وتأجج من لهفته في الأخذ من كل ملذات الدنيا حلالا كان أم حراما , فلا يقف أمام النفس الأمارة بالسوء شيء إذا أطلق لها العنان وترك لها المجال لتكون سيدة الإنسان فتكون هي القائد المتصرف في إرادته وشؤونه فيتبعها مسلوب الإرادة في غمرة السهو والغفلة .
نحن نشهد انفتاح العالم بعضه على بعض واختلاط الثقافات المتنوعة من كل الأجناس وشتى الأصناف ومختلف الأبعاد , فلم يعد هناك بعيد ولا مستتر عن أنظار العالم فالعالم مكشوف على بعضه متواصل فيما بينه بأحدث التقنيات , وليس بالإمكان إغلاق هذا الانفتاح الهائل الذي شمل مشارق الأرض ومغاربها , ولكن بالإمكان أن يتوجه إلى مسار أفضل مما هو عليه , ذلك يكون بالإرشاد المتزن للنفس والمقدرة على ضبطها باعتدال دون غلو ولا تفريط .
في عالم المتاهات يقع الإنسان في غفلة مريعة تنسيه أصل خلقه والحكمة من وجوده في الدنيا , فليس شيء أسهل على النفس البشرية أن تركن للغفلة وترفل في الشهوة , ولكن ما حالنا ومصيرنا إن دامت هذه الغفلة وأرخت سدولها علينا وأطبقت بأقفالها على قلوبنا ؟ فأي فلاح سنحظى به إذا لم يحالفنا النجاح بالخلاص من هذه الغفلة المريعة ؟ وأي أمل بإعادة الاستقامة المنشودة والاستقرار النفسي المتزن إذا طال التمادي في الغفلة ؟ إنها متاهة لا يعرف أولها من آخرها , إنها متاهة الضياع متاهة الصراعات التي أهلكت أقواما وأقواما , فما نجا منها إلا من تبصر بنور اليقين وجاهد النفس للسير على الصراط المستقيم .
لقد قضينا سنوات عديدة في غفلة مريبة وصراعات نفسية عتيدة وانقياد لنفس عنيدة حتى ضعفت إرادة العقل الرشيد وانحدرت الرجاحة إلى الحضيض فسرنا مسيرين لما يملى علينا من مكائد ولما ينصب لنا من شراك ونحن نقع فيها كالفراش المبثوث , لا تبصر ولا وعي لما سيؤول إليه المصير بعد ذلك الوقوع الفاضح , انبهرنا بالمنظر المستعر فغفلنا عما سيصيبنا من ذلك الوقوع الآثم .
ألا أيتها النفس فاستيقظي واعلمي أن الدنيا وشيكة أن تطوي صحائفها وترتحل أو نرتحل منها على مشهد عظيم , إما موت قبل فناء المعمورة وسكرات ليس عنها محيد , وإما أن ترجف الراجفة تتبعها الرادفة , وحينها تكون القلوب واجفة ويعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ويصاب الإنسان بالحسرة والندم على ما فرط فيها , ويومئذ ليس للندم مكان ولا للحسرة عنوان .
وبما أن الفرصة لا زالت متاحة لكل ذي سمع شهيد وعقل رشيد فالمبادرة باليقظة وتعجيل الندم قبل الفوات من بوادر تصحيح مسار النفس إلى الأفضل , فإن مجابهة الغفلة بيقظة متبصرة وندم صادق يبعث كوامن الخير في نفس الإنسان ويعين على صراع الشيطان ويرجح إرادة العقل اللبيب على طغيان النفس الأمارة بالسوء , المهم في ذلك الصدق والإخلاص في القول والعمل , وترك التسويف فإنه مظنة النجاة , ووأد لليقظة ومرتع خصب للغفلة , فلنبادر إلى يقظة عاجلة صادقة قبل الحسرة والخسران , فهل إلى ذلك من سبيل ؟ فالبدار البدار قبل فناء الأعمار ولنتوكل على الله العزيز الحكيم في أمرنا كله , فمن توكل على الله فهو حسبه .
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .