⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
✯ الباب الرابع ✯
◈ أحكام الجهاد من خلال سورة الأنفال ◈
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
☜ بين يدي سورة الأنفال ☞
سورة الأنفال إحدى السور المدنية التي عُنيت بجانب التشريع , و بخاصة فيما يعلق بأمر الجهاد في سبيل الله عز و جل , فقد عالجت هذه السورة بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات و تضمنت كثيرا من التشريعات و الأحكام الحربية و الإرشادات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتباعها في قتالهم الأعداء و تناولت أيضا جانب السلم و الحرب و أحكام الأسر و الغنائم (41)
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
▩ فمن الأحكام التي نستخلصها من سورة الأنفال ما يلي ▩
1. الإعداد للجهاد :
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه في سورة الأنفال : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
ومن قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
جاء في سيرة نور الدين زنكي : أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه : والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفرّ .
وأول الإعداد في سبيل الله هو الإعداد الإيماني فبالإيمان تقوى صلة المرء بربه، ويستمد منه العون، ويأتيه الفرج بعد الكرب، قال تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}(42) , والإيمان يعتبر أيضا أساس لازم لجميع التكاليف الشاقة كالجهاد ونحوه، فإذا أتم المرء هذا الإعداد صار مؤهلا لأداء هذه الفريضة وصار أهلاً للتأييد والتثبيت الإلهي، ولذا فقد خاطب الله نبيه : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } إلى قوله {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} (43) , والإيمان هو المحور الذي تقوم عليه الجماعة المسلمة، ويرتكز عليه أي كيان يريد القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله، ويتأتى ذلك بتطبيق الأخلاق الإيمانية من المودة والأخوة والإيثار والتراحم ونحو ذلك داخل الصف المسلم ليكون كما أراد الله " بنياناً مرصوصاً ". ,
وبالإيمان يجبر النقص والضعف في العدد والعدة لدى المسلمين أمام أعدائهم، قال تعالى : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } (44)، فإن اتصاف هذه الفئة القليلة بالصبر وتحليها به عوضها النقص العددي لديها فنصرها الله تعالى .
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
2. قتل أسرى بدر أفضل من استعبادهم :
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بشأن أسرى بدر ، وهم سبعون ، فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة ، ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام ، فقال عمر لا والله ما أرى ذلك ، ولكني أرى أن تمكننا ، فنضرب أعناقهم ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر .. فقال " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة .. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال : ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، إذ قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) الآية . وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ،إذ قال : ( ربنا اطمس على أموالهم و أشدد على قلوبهم ) . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ثم قال أنتم اليوم عالة . فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . فأنزل الله تعالى قوله : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) قال عمر فلما كان من الغد غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد - هو وأبو بكر - يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ما يبكيك ؟ وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما.
فقال أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد من أخذهم الفداء . فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه - وقال لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر ).
فكان بنزول آية ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) البيان الشافي للنبي صلى الله عليه و سلم و للمسلمين في أن قتل الأسرى في غزوة بدر كان أفضل من استعبادهم .
ولقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أسرى الحرب على قسمين :
الأول : النساء والصبيان والشيوخ غير القادرين على القتال، والذين لا رأي لهم في الحرب.
الثاني : الرجال البالغون المقاتلون.
وقد جعل الإسلام للحاكم فعل الأصلح بين أمور ثلاثة في أسرى الرجال البالغين المقاتلين المنُّ أو الفداء أو القتل.
والمن : إطلاق سراحهم دون مقابل.
والفداء : قد يكون بالمال، وقد يكون بأسرى من المسلمين، ففي غزوة بدر كان الفداء بالمال، وروى أحمد والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل.
قال تعالى : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) . (45)
وروى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراح الذين أخذهم أسرى، وكان عددهم ثمانين، وكانوا قد هبطوا عليه وعلى أصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم.
والقتل : كما أنه يجوز له قتل الأسير إذا كانت المصلحة تقتضي قتله، كما ثبت أنه قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر، وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
3. الغنائم :
لقد أختلف الصحابة رضوان الله عليهم في أمر الغنائم فقال من جمعها : هي لنا . وقال من هزم العدو لولانا ما أصبتموها ، وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق بها منا . قال عبادة بن الصامت : فنزعها الله من أيدينا . فجعلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء فكان في ذلك تقوى الله , و طاعة رسوله , و إصلاح ذات البين وأنزل الله تعالى قوله : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) وفي قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل إن كنتم أمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان و الله على كل شئ قدير ) أي أعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من أموال المشركين في الحرب سواء قليلا أو كثيرا ( فإن لله خمسه ) قال المفسرون : تقسم الغنيمة خمسة أقسام , فيعطى الخمس لمن ذكر الله تعالى في هذه الآية , و الباقي يوزع على الغانمين " للرسول " أي سهم من الخمس يعطى للرسول صلى الله عليه و سلم , " ولذي القربى " أي قرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم بنو هاشم و بنو عبد المطلب , " و اليتامى و المساكين وابن السبيل " أي و لهؤلاء الأصناف من اليتامى الذين مات آباؤهم , و الفقراء من ذوي الحاجة , و المنقطع في سفره من المسلمين .
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
4 . مهادنة العدو :
من أحكام الجهاد الواردة في سورة الأنفال إمكانية مهادنة العدو كما قال الله تعالى في سورة الأنفال : ( و إن جنحوا للسلم فأجنح لها و توكل على الله ) فهذه الآية الكريمة تبين أن العدو إذا مال للصلح و المهادنة فيمكن الميل إليه و إجابتهم إلى ما طلبوا إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين .
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
5 . الثبات للعدو و ترك الفرار من الزحف :
من أحكام الجهاد التي نستخلصها من سورة الأنفال الثبات و ترك الفرار من الزحف .
و ذلك لقوله تعالى : ( إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) "الأنفال آية 45"
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) ,
ولحديث عبد الله بن أبِى أوفى رضِىَ الله عنهما فِي صحيح البخارِي " لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " .
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙