۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
|
|
| [۞]:: الإسراء والمعراج .. التقاء الغيب وعالم الشهادة ::[۞] | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عروة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 وادي عروة التسجيل : 12/09/2011 عدد المساهمات : 217
| موضوع: [۞]:: الإسراء والمعراج .. التقاء الغيب وعالم الشهادة ::[۞] الأحد 08 يناير 2012, 11:38 pm | |
|
لم تكن رحلة الإسراء والمعراج معجزة منتهية المفعول, محددة الزمان والمكان, بل مازالت ماثلة أمامنا بما احتوته من أحداث وعبر, كما أنها مازالت منهلا عذبا تستفيد منه الأمة في معالجة قضاياها الراهنة اقتداء بالحبيب المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم.
ومعجزة الإسراء والمعراج علم غيب جعله الله شهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم, فكان الغيب مرئيا مشاهدا في عين وبصر النبي صلى الله عليه وسلم غيب تراه عينه, ويدركه عقله, ويستنير به فهمه, ويستوعبه قلبه, وتعيه مدركاته لتعلم الخلائق جمعاء أنه في أعلى مراتب الإيمان واليقين.
فالرحلة التي قام بها صلى الله عليه وسلم في إسرائه إلى بيت المقدس, ثم معراجه إلى ما فوق السماوات السبع لينتهي به المطاف عند سدرة لينتهي في دقائق معدودة ليعود فيجد فراشه مازال دافئا, كل هذا أمر لم يتكرر مرة أخرى مع بشر, وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى تميز هذه الحادثة عن بقية التاريخ الإنساني جملة وتفصيلا.
وفيما يتعلق بإسرائه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء:1] إنها لحظة لطيفة لا يدركها الإنسان بحواسه, فهي معجزة زمانية ومكانية, وهي منحة إلهية وتسرية ربانية للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث تجلى علم الغيب للرسول المجتبى فأصبح علم شهادة, وذلك في انتقاله اللحظي من مكة إلى بيت المقدس.
إن معجزة الإسراء والمعراج لا تخضع لقوانين الكون إنما هي استثناء, لأن الذي خلق المكان والزمان, اختصرهما وطواهما لسيد الأنام, كما لا يمكن أن يفسر ذلك وفق قوانين الأرض, فهو خروج جزئي وكلي عن قوانين الأرض ومدارك الإنسان. وهو ما تفرد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث جمع الله عز وجل له في حادثة واحدة بين هذين الخروجين. ففي الإسراء خروج جزئي وكشف محدد لعالم الغيب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم, إذ قد أصبح من الممكن للإنسان في العصر الحالي السفر من الشرق إلى الغرب في وقت قصير, مما يؤكد إعجاز حادث الإسراء في ذلكم العصر.
ومعجزة الإسراء هي كشف وتجلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن أمكنة بعيدة في لحظة خاطفة قصيرة, وكل من له علم بالقدرة الإلهية وطبيعة النبوة لا يستغربون من ذلك شيئا, فالقدرة الإلهية لا يقف أمامها شيء وتتساوي أمامها جميع الأشياء والمقدرات, فما اعتماد الإنسان أن يشاهده ويدركه بحواسه البشرية الضعيفة ليس هو الحكم في تقدير الأمور بالقياس أمام القدرة الإلهية, ومن جهة أخرى فإن من خصائص طبيعة النبوة أن تتصل بالملأ الأعلى, وفي هذا الأمر تجليات وفتوحات ربانية يمنحها اللطيف القدير لمن يصطفيه ويختاره من رسله.
والوصول إلى الملكوت الأعلى بأي وسيلة كانت -معلومة أو مجهولة- ليس أغرب من تلقي الرسالة والتواصل مع الذات العلية, ولهذا فقد صدق أبو بكر رضي الله عنه هذه المعجزة قائلا: إني لأصدقه بأبعد من ذلك, أصدقه بخبر السماء (رواه الحاكم في المستدرك 65/3) وأبو بكر الصديق يشير من واقع إيمانه العميق إلى أن هذه الحادثة ليست قضية مهولة ولا هي ضربا من الخيال, بل هي مسألة معتادة بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الله ورسله ومن كشف الغيب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عندما عاد وجادله المشركون في مكة غير مستوعبين لتلك المعجزة, وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى, جلى الله له المسجد رأي العين, فأخذ يصفه لهم ركنا ركنا.
كما يتجلى في رحلة الإسراء وحدة الرسالات السماوية وأصل التوحيد, فكل الرسل جاءت بدعوة الإسلام قال تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136] وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78], وقد التقى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة بإخوانه من الأنبياء, وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, إشارة إلى أن هذه الأمة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم, وأن آخر الرسل موصول بأولهم.
إن الله سبحانه كما أرسل الرسل بالعهد القديم, والعهد الجديد, فقد ختمهم برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل معه العهد الأخير والرسالة الخاتمة: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81], وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله, إلا موضع لبنة من زاوية, فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له, ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة, وأنا خاتم النبيين (أخرجه البخاري ومسلم).
لقد أصبحت هذه الرحلة رمزا أبعد وأوسع من حدود الزمان والمكان لتأكيد أن الإسلام هو دين الله الخاتم وهو الدين الذي أرسل بأصله الأنبياء والمرسلون لهداية العالمين.
إن حادثة الإسراء معجزة رسالة إلى يوم الدين, لابد فيها من الإيمان والتذكير بشرف الزمان الذي وقعت فيه, وشرف المكان الذي بدأت منه والمكان الذي انتهت إليه, وصولا إلى شرف النبي الخاتم الذي به تشرفت مفردات الوجود في هذه الحادثة وغيرها سواء الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
| |
| | | عروة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 وادي عروة التسجيل : 12/09/2011 عدد المساهمات : 217
| موضوع: رد: [۞]:: الإسراء والمعراج .. التقاء الغيب وعالم الشهادة ::[۞] الأحد 08 يناير 2012, 11:39 pm | |
|
تحدثنا في المقال السابق عن معجزة رحلة الإسراء, وأوضحنا أنها مثلت خروجا جزئيا عن القانون الكوني من حيث الزمان والمكان. واليوم نتحدث عن رحلة المعراج وهي إعجاز فريد خص الله سبحانه به سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره من الخلائق.
ففي لحظة لطيفة خاطفة صعد من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا, ومنها إلى سدرة المنتهى وهو ما يعد كشفا كليا للغيب, وخروجا كاملا عن قوانين الأرض, وتجاوزا لا تستطيع بلوغه حواس الإنسان ومداركه. ومما يجدر ذكره في هذه المعجزة الكبرى أنها أخذت بيد النبي صلى الله عليه وسلم ليتجاوز عوالم الكون ومحددات الوجود, وهي عوالم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
أما عالم الزمان فقد سبق القول ببيان كيف طوى الله عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم الزمان بما لا تبلغه العقول ولا تستوعبه الأفهام إلا إذا أدركت تلك العقول نفحات من الإيمان.
وأما عالم المكان فإنه صلى الله عليه وسلم تجاوز كل مكان وصله مخلوق, من نبي مقرب أو ملك مرسل, حيث تجاوز السماوات السبع إلى سدرة المنتهى, إلى حيث شاء الله عز وجل بما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
وتجاوز أيضا عالم الأشخاص مع ما لهم من الحب والكرامة عند الله سبحانه, سواء أكانوا أنبياء أم مرسلين أو ملائكة مقربين, بداية من آدم في السماء الأولى مرورا بعيسى وموسى من أولي العزم حتى أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم, بل تجاوز الأمين جبريل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فقال له نبينا صلى الله عليه وسلم: أفي هذا المكان يفارق الخليل خليله؟, فأشار جبريل إلى قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصَّافات:164]، وبخصوص عالم الأحوال فقد فاق رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم كل المقامات, وبلغ أعلى الرتب والدرجات, فإنه تجاوز مراتب المرسلين, ومر على أحوال الملائكة المقربين الذين وصفهم الله بقوله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]، وقال صلى الله عليه وسلم عن السماوات: (ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم).. (المعجم الكبير للطبراني 201/3, وشعب الإيمان للبيهقي 348/3) ولم يتحمل جبريل أنوار جلال الله تعالى, فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على تلك الأنوار وحده, ويتلقى الوحي والعلم والفضل من الله عز وجل دون واسطة جبريل, ليفضل الجميع بما تلقاه في تلك الحال, ويتحقق تفرده كما قال سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113].
ولقد ظهرت هذه المعاني كلها بعوالمها الأربعة في قوله تعالى: {وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} [النَّجم:7-18].
تلك كانت القضية الأولى في معجزة المعراج, وهي الخروج الكلي عن قوانين البشر وغيرهم في الحياة الدنيا, لتكون مثالًا ناصعًا وحجة واضحة لالتقاء عالم الغيب وعالم الشهادة, إظهارًا لقدرة الله تعالى ولفضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم, ومنها ننتقل إلى القضية الثانية التي تجلت في الإسراء والمعراج معا, وهي اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بإخوانه من رسل الله وأنبيائه في طريق صعوده إلى سدرة المنتهى, وفي هذا تأكيد على وحدة الرسالة التي أرسلوا بها جميعا إلى أهل الأرض, وهي نشر عقيدة التوحيد وتحرير البشرية من نير عبودية العباد إلى شرف عبودية رب العباد وحده لا شريك له.
وبالنظر إلى حوار خاتم الأنبياء والمرسلين مع إخوانه من الأنبياء نجدهم قد أقروا بنبوته صلى الله عليه وسلم إيمانا منهم وحرصا على إتمام هذه الرسالة التي جمعتهم في سلسلة واحدة وهدف واحد, إذ مصدرها من الله, وهدفها التحقق بمراد الله, وغايتها الوصول إلى مرضاة الله, فالأنبياء جميعا إخوة فيما بينهم, كل منهم يؤدي دوره الذي أنيط به, ويكمل شريعة الله بما يتفق والزمان والحال الذي أرسل فيه, حتى أتى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليكون اللبنة الأخيرة في هذا البناء الرباني, والكلمة الأخيرة في خطاب الله للعالمين, ولهذا ظهرت حفاوة الأنبياء في استقبالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يمر على أحد منهم من آبائه إلا بادره بقوله: (مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح, وقال له إخوانه: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح) (رواه البخاري 1410/3) كما نلاحظ رفقهم في وصاياهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق بالأمة وخوفهم عليها, حيث قال له الخليل إبراهيم عليه السلام: (يا محمد, أقرئ أمتك مني السلام, وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة, عذبة الماء, وأنها قيعان, وأن غراسها: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر) (رواه الترمذي وحسنه510/5), فيما أوصاه الكليم موسى عليه السلام بطلب تخفيف الصلاة من رب العزة وظل يراجعه حتى خففت من خمسين صلاة إلى خمس صلوات في اليوم والليلة.
لقد أظهرت حادثة الإسراء والمعراج حالة الحب والاحترام والتوقير بين الأنبياء جميعا, وأنه لا اختلاف بينهم في أصول دينهم, وأن همهم واحد وغايتهم واحدة, وهي عبادة الله وعمارة الأرض, وتزكية النفس, والأخذ بيد الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور العلم والرحمة والهداية. وهو أحوج ما تكون البشرية إليه اليوم, ولا يتحقق ذلك إلا بأن يعود كل أصحاب دين إلى ما كان عليه نبيهم من صلاح وقيم وإرساء الحب والاحترام بين أتباع الأنبياء جميعا.
| |
| | | | [۞]:: الإسراء والمعراج .. التقاء الغيب وعالم الشهادة ::[۞] | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|