هو نوع من أنواع الصيد، تُدرب فيه الصقور على تعقب الفريسة، ثم قتلها والإبقاء عليها دون المساس بها، حتى يأتي مدربها، أو تطير عائدة إليه. ويسمى فن القنص بالجوارح "البَيْزَرَة" أو "البزدرة"، ويطلق على الشخص، الذي يمارس هذا النوع من الفن، اسم "البازيار"، وفي حالة الصقور، "الصقَّار".
والصقور أحد أنواع الطيور الجارحة، التي تعيش في معظم أنحاء العالم. ويوجد منها نوعان: الصقور الحقيقية، مثل الباز والباشق، وهي تراقب فرائسها من مكان مرتفع ثم تنقض عليها. والصقور الحوامة، وهي التي تحلق في الجو باحثة عن فرائسها.
وخلال فصل الشتاء، تهاجر الصقور التي تعيش في المناطق الباردة، إلى مناطق دافئة للتزاوج. وتضع أنثى الصقر من بيضة إلى ثلاث بيضات، في كل موسم تزاوج، وعندما تفقس الصغار، تكون مغطاة بزغب خفيف، سرعان ما يُستبدل بزغب أكثف. ولا تستطيع فراخ الصقور الطيران، إلاّ بعد شهرين من الفقس، يتبدل خلالها الزغب بالريش
وتقتنص الصقور أنواعاً مختلفة من الفرائس، تشمل الثدييات الصغيرة (مثل الأرانب والفئران والسناجيب)، والزواحف، والحشرات، والطيور الأخرى. ومن الصقور من تخصص في صيد الأسماك، سواءً بالانقضاض المفاجئ عليها، أو بالغوص تحت الماء، بحثاً عنها.
صقر من النوع الحر
وتستخدم الصقور حاسة البصر القوية، التي تمكّنها من رؤية فريستها من ارتفاعات شاهقة. وتُعزى قوة إبصار الصقور، إلى احتواء شبكية عينيها على أعداد من الخلايا العصبية الضوئية، أكبر بكثير، عن مثيلها في الإنسان والحيوانات الأخرى. وتتجمع الخلايا الضوئية، في مكان يُطلق عليه "البقعة الصفراء"، تكون شدة الإبصار فيه أقوى ما يمكن. وفي عين الإنسان يوجد مكان تجمع واحد من الخلايا الضوئية، أما في حالة الصقر، فيوجد تجمعان. وشكل مقلة الصقر، يختلف، إلى حد ما، عن مقلة الإنسان، والحيوانات الثديية الأخرى، مما يسمح بوصول الأشعة الضوئية إلى هذين التجمعين
نبذة تاريخية
لا يعرف على وجه التحديد، أي الأمم كانت أول من استحدث الصيد بالصقور. ومن المعروف أن قدماء المصريين استأنسوا الصقور، ووظفوها للتخلص من القوارض المنتشرة حول صوامع تخزين الغلال، بل اتخذوها رمزاً من رموزهم، أسموه "حورس" فأقاموا له التماثيل، في الكثير من المعابد.
تدريب الجوارح
كذلك، من الثابت تاريخياً، أن العرب أيضاً، استأنسوا أنواعاً عديدة من الجوارح، منذ زمن بعيد. وأجمع الباحثون في كتب البيزرة، على أن أول من صاد بالصقر ودَرَّبه، هو الحارث بن معاوية بن ثور بن كنده؛ وسبب ذلك أنه وقف ذات يوم عند صياد ينصب شبكة للعصافير، فانقض صقر على عصفور علق في الشبكة وأخذ يأكله، وما لبث أن علق جناحا الصقر بالشبكة. فأمر به الحارث فحُمِل إليه، ووضعه في بيت، وأوكل له من يطعمه ويرعاه. وكان يحمله على يده، وذات يوم وهو سائر به رأى الصقر حمامة فطار عن يد صاحبه إليها، وأخذها وأكلها، ثم عاد إلى صاحبه. فأمر الحارث عند ذلك بالعمل على فهم طبيعة الصقور، وكيفية تدريبها وتهذيبها، لتستخدم في الصيد. ومن ذلك التاريخ، عرف العرب رياضة القنص بالصقور، وعشقوها، ونشروها في منطقة الجزيرة العربية، وتوارثها الأبناء عنهم حتى يومنا هذا.
الصقر الشاهين
وقد ورد في القرآن الكريم، ما يشير إلى أن العرب كانوا يعرفون تعليم الجوارح الصيد قبل الإسلام، وذلك
في قوله تعالى: " وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ "
الباز
ومن أشهر من صاد بالصقور في فجر الإسلام، حمزة بن عبد المطلب، رضوان الله عليه. وفي عهد الدولة الأموية، غدا اقتناء الجوارح والضواري، والاستمتاع بالصيد بها، والسّخاء في الإنفاق عليها، واتخاذ الوسائل العلمية في تدريبها على الصيد، والسهر على صحتها، مظهراً من مظاهر الحياة. وكان يزيد بن معاوية، أشهر ولاة بني أمية حباً في القنص، وتربية الجوارح.
باشق العصافير
وفي عصر الدولة العباسية كانت هواية الصيد بالصقور، في مقدمة الرياضات، التي أقبل عليها الملوك والأمراء وأغنياء القوم. ومما زاد من هذا الإقبال، تأثرهم بالتراث الفارسي؛ فقد كانت لهذه الرياضة، مكانة كبيرة عند الفرس.
العقاب الأسفع الصغير
وانتشرت هذه الرياضة، أيضاً، في أوروبا، منذ القدم، حيث مارسها الملوك والأمراء والنبلاء، وبعض العامة. وفي العصور الوسطى، انتشرت شعبية هذه الرياضة بدرجة كبيرة، خصوصاً في طبقة الأغنياء. فراجت تجارة الصقور وصيدها، وظهرت طائفة من المتخصصين في تدريب الصقور على القنص. ومع بداية القرن العشرين، بدأ نجم هذه الرياضة في الأفول؛ إذ صارت الصقور مهددة بالانقراض