الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالثابت في الرواية : أن إِسْمَاعِيل ـ عليه السلام ـ جَعَلَ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رواه البخاري.
وظاهر هذا الحديث أن إسماعيل كان يناوله من حجارة مكة المكرمة.
وقد روي بأسانيد مرسلة ضعيفة أن الكعبة قد بنيت من خمسة جبال، منها جبل بيت المقدس، قال ابن حجر في فتح الباري عند شرح الحديث السابق: رَوَى الْفَاكِهِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَعِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم أَنَّهُ كَانَ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل: مِنْ حِرَاء وَثَبِيرٍ وَلُبْنَان وَجَبَل الطُّور وَجَبَل الْخَمْر، قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم: جَبَل الْخَمْر - يَعْنِي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة - هُوَ جَبَل بَيْت الْمَقْدِس. وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء إِنَّ آدَم بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل: حِرَاء وَطُور زَيْتَا وَطُور سَيْنَاء وَالْجُودِيّ وَلُبْنَان، وَكَانَ رَبْضه مِنْ حِرَاء . مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن طَلْحَة التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَنَّهُ أَسَّسَ الْبَيْت مِنْ سِتَّة أَجْبُل: مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ وَمِنْ الطُّور وَمِنْ قُدْس وَمِنْ وَرْقَان وَمِنْ رَضْوَى وَمِنْ أُحُد.
وهذه الروايات ـ على اختلافها ـ مراسيل، لا تقوم بمثلها حجة. وليس فيها، ولا في غيرها مما اطلعنا عليه، أن جبلا من هذه الجبال تحرك من مكانه، وإنما أُخِذ من حجارتها، وقد نص السهيلي في الروض الأنف وتاريخ مكة المشرفة على أن الملائكة هي التي كانت تأتيه بالحجارة، فقال: بناه عليه السلام من خمسة أجبل، كانت الملائكة تأتيه بالحجارة منها، وهي طور سينا وطور زيتا بالشام، والجودي وهو بالجزيرة، ولبنان وحراء وهما بالحرم، كل هذا جمعناه من آثار مروية. وانتبه لحكمة الله كيف جعل بناءها من خمسة أجبل فشاكل ذلك معناها إذ هي قبلة الصلوات الخمس عمود الإسلام، وقد بني على خمسة.
والله أعلم.