فهم الكلمات، والسلوك والمفاهيم
يشبه المواليد الجدد تماماً الزائرين من بلد أجنبي: هم لا يتحدثون لغتنا أو يفهمون ما نقوله لهم، لكن سرعان ما يتعلمون. أثبتت الدراسات أن الأطفال يبدؤون بسماع أصوات آبائهم وأمهاتهم ولمّا يزالوا أجنّة داخل الرحم. حين يولدون، يشرعون في الإنصات إلى كلماتك وتراكيب الجمل كي يفهموا ما تقولين. كما يستعينون بقوة ملاحظتهم لتعلّم أشياء أكثر تعقيداً عن العالم المحسوس والشعوري، مثل الحب، والثقة، والوقت، والسبب والنتيجة.
متى يحدث هذا التطور؟
إن تعلّم كيفية فهم ما يقوله ويفعله الآخرون يبدأ قبل أن يولد طفلك. في البداية، لن يستطيع استيعاب الكلمات التي تستخدمينها، لكنه سيدرك الإحساس الذي تحمله (مثل الحب، والخوف عليه، والقلق والغضب). عند بلوغه الشهر الرابع، سيتعرّف إلى اسمه. وبين الشهرين الثامن والثاني عشر، سيفهم الأوامر البسيطة مثل "لا"، أو "لا تلمس". في الشهر السابع والعشرين تقريباً، يستطيع فهم الأوامر المركّبة من جزأين مثل " اذهب إلى المطبخ واحضر حذاءك". في عامه الثالث، يتّسع مخزونه اللغوي لمئات الكلمات بالإضافة إلى فهم جيد لمظاهر الحياة اليومية مثل التسوق لإحضار الطعام، ومعرفة الوقت، وتنظيف المنزل.
كيف يحدث ذلك؟
منذ الولادة حتى الشهر الأول
إن كل لحظة يقظة يعيشها الطفل تمدّه بالمعلومات الجديدة عن العالم الذي يتواجد فيه، محاولاً بذلك فهم ما يجري حوله. لأنه لا يمتلك المعلومات المتاحة للبالغين والأطفال الأكبر سناً، يسعى إلى بناء مخزون من المعلومات كل يوم. يؤكد الخبراء أن بإمكان الأطفال الصغار الاستيعاب أكثر مما يعتقد الأهل.
يستطيع الأطفال الرضّع التوافق مع مشاعر الأشخاص المحيطين بهم كإحدى غرائز البقاء لديهم. يفهم الطفل مشاعرك وما تفكرين به من نبرة صوتك وشفتيك، وسرعة تنفسك، وملمس بشرتك ولمعان عينيك أيضاً. هكذا، يرسم طفلك نسخته عن الحقيقة من خلال طريقة استجابتك له، فهو يعرف أهمية مكانته لأنك تحملينه عندما يبكي، وتحدقين بحنو بعينيه وتطعمينه حين يشعر بالجوع. مع تطور قدرات طفلك الحركية، تتحسّن ذاكرته، وتطول فترات انتباهه، وتنمو قدرته على الكلام إلى جانب مهاراته الاجتماعية، ويتمكّن في الوقت الحالي من الاستيعاب والفهم أكثر من ذي قبل.
من عمر الشهرين حتى الثلاثة أشهر
يواصل طفلك تشرّب كل ما يجري في البيئة المحيطة به. تغدو هوايته المفضلة مراقبة ما يحدث حوله، وهو الآن على دراية بأنك ستقومين بتهدئته وإطعامه واللعب معه عندما يحتاج إليك. ترتسم على وجهه ابتسامته الأولى الحقيقية في هذه الفترة تقريباً، فيملؤك الفرح، ويعرف أنها إحدى طرق التعبير التي يعلمك فيها عن رضاه. كما يستمتع بردة الفعل التي يحصدها مقابل بسمته. مع بلوغه الشهر الثالث، يضيف بعض أصوات القرقرة إلى ابتسامته، ويشرع بإقامة حوار معك في صورته البدائية.
من عمر الأربعة حتى السبعة أشهر
يعرف طفلك الآن اسمه وأنك تناديه عندما ترددينه، حتى أنه يرد عليك بالالتفات نحوك. لقد غدا أكثر تفهماً لنبرة صوتك أيضاً. عندما يكون صوتك سعيداً، تكون ردة فعله مرحة، أما إذا خاطبته بحدة، فقد يبكي. صار بمقدوره التمييز بين الوجوه المألوفة وتلك الغريبة عنه، وربما يبكي إذا وضع بين ذراعي شخص لا يعرفه.
من عمر الثمانية أشهر حتى الشهر الثاني عشر
يبدأ طفلك الآن بفهم التعليمات البسيطة. فلو قلت له "لا" عندما يحاول مسك مفتاح الكهرباء على سبيل المثال، ستجدينه يتوقف للحظات وينظر إلى وجهك، وقد يهز رأسه مردداً كلمة "لا"، كما أنه يختبر ردود أفعالك على تصرفاته. سيرمي الطعام على الأرض حتى يرى ردة فعلك، ثم يحفظها في مخزون الذاكرة. بعد ذلك، سيقوم بتجربة مماثلة في وقت لاحق ليرى إن كنت ستقومين بنفس ردة الفعل.
من عمر الشهر الثاني عشر حتى الثامن عشر
في حوالي الشهر الثامن عشر، يستطيع طفلك أن يفهم ويستخدم 50 كلمة على الأقل. كما يمكنه إتباع تعليماتك حتى لو تضمنت فعلين منفصلين، كأن تقولي مثلاً: "اجمع هذه المكعبات وضعها في خزانة الألعاب".
من عمر الشهر التاسع عشر حتى الثالث والعشرين
يبدأ طفلك بإدراك حقيقة أن رغباته قد لا تتفق بالضرورة مع رغباتك. سوف يحاول إثبات ذاته، كأن يصرّ على شبك يديه عندما تريدين الإمساك بيده. كما صار يعرف المفاهيم البسيطة مثل الفراغ والأبعاد. ربما يستطيع الآن جمع أجزاء لعبة "مكعبات أحجية" بسيطة، ويميّز الفرق بين شكل المثلث والمربع، ويمكنه وضع كل شكل في مكانه الصحيح على لوحة الأشكال حين يطلب منه ذلك.
يشرع في فهم السبب والنتيجة، فهو يعرف الآن أنه عندما يجذب الرافعة في أحد ألعابه مثلاً، سيظهر له المهرج.
تفيد هذه المهارة الجديدة إذا كان طفلك مستعداً للتدرّب على المِبوَلة (وعاء يتغوّط فيه الطفل أو يتبوّل) (قد لا يظهر هذا الاستعداد قبل عدة أشهر إضافية).
بين الشهرين الرابع والعشرين والسادس والثلاثين
يستطيع طفلك الآن استيعاب اللغة بشكل جيد. يقول علماء التطور أن معظم الأطفال في سنّ الثانية من العمر يفهمون 150 كلمة على الأقل ويضيفون حوالي 10 كلمات جديدة كل يوم. وبما أن تعلّم اللغة يأتي بصورة عفوية، قد يحوّل طفلك جهوده الآن صوب المفاهيم الأكثر تعقيداً والتي تشمل مشاعره.
بين سنّ العامين والثلاثة أعوام، يتمكّن طفلك من فهم حجر الأساس في العلاقات الإنسانية: مثل الحب والثقة. يعرف أنك وبقية أفراد العائلة تهتمون لأمره وتقفون دائماً في صفّه. لقد تعلّم هذه المفاهيم الهامة من طريقة معاملتك له خلال السنوات الأولى من عمره. كنت دائماً تغدقين عليه بحنانك، وتلبّين رغباته وتحافظين على أمنه وسلامته. كل هذه الأمور مجتمعة ساهمت في نشوئه طفلاً مطمئناً ومتفائلاً.
بدأ طفلك يستوعب أيضاً جوانب الحياة اليومية الأكثر تعقيداً، مثل التسوّق لإحضار الطعام، ومعرفة الوقت، وتنظيف المنزل جرّاء مراقبتك تؤدين أعمالك اليومية. كما وصل إلى فهم أعمق للطريقة التي يجب أن يتعامل بها مع الآخرين (مرة ثانية، من خلال مشاهداته لك). إن أسهل وسيلة تضمن أن يغدو إنساناً عطوفاً ومتعاوناً في المستقبل، هي التأكد من أنك تعاملين الآخرين (وهو بالذات) بالطريقة المطلوبة.
ما هي الخطوة التالية؟
تتضاعف سريعاً أعداد الكلمات التي يستطيع طفلك فهمها والنطق بها. ففي سنّ السادسة، يكون لدى معظم الأطفال مخزون من المفردات يصل إلى حوالي 13.000 كلمة. في السنوات القليلة المقبلة، سوف يبدأ باستيعاب الأفكار والمواقف الأكثر تعقيداً مثل العمليات الحسابية، وإدراك الصواب من الخطأ، وماذا سيحدث في المستقبل.
ما هو دورك؟
إن حديثك مع طفلك وقراءتك له يساعدانه على تعلّم مهارات الاتصال الصحيحة. يستطيع الطفل عموماً فهم الكلمة قبل قدرته على النطق بها.
إن اللعب معه يساهم في تعريفه بكيفية سير الأمور في العالم من حوله. قومي بتحفيزه بألعاب مناسبة لعمره وتلك التي تشجّع تطوره الجسدي والعقلي.
كوني عطوفة واظهري حبك وحنانك لطفلك. هذه هي أفضل طريقة ليتعلّم المفاهيم العاطفية الهامة مثل التعاطف على سبيل المثال.
متى يستدعي الأمر القلق؟
إذا كان طفلك ما زال يجد صعوبة في فهم الأوامر والتوجيهات البسيطة وهو في سنّ الثالثة، عليك التحدث إلى طبيبه. ربما تفضلين أيضاً استشارة الطبيب إذا أبدى طفلك حيرة حقيقية عندما تطلبين منه القيام بأمر سهل. على سبيل المثال، إذا أريت طفلك عدة مرات كيف يفتح صندوقاً وما زال غير قادر على استيعاب الطريقة، ربما يعاني من تأخر إدراكي.