وظائف الدولة في الفكر السياسي
1- أفلاطون : يرى أن ظهور الجماعات المختلفة قد حدث نتيجة للحاجات البشرية التي لا يملك إشباعها إلا حين تطبيق مبدأ التكامل ، حيث لا يستطيع الفرد أن يعيش على أساس الاكتفاء الذاتي و بالتالي يتصور أفلاطون الجماعة نظام للخدمات يقوم فيه كل عضو بقدر من الأخذ و العطاء ، و اختصاص الدولة هي تأطير و تنسيق تبادل الخدمات لإشباع حاجات الأفراد .
و على هذا فإن أهمية الأفراد تتوقف على قيمة العمل الذي يؤذونه و من تم فإن الحرية التي تكلفها الدولة ليس غرضها تمتع المواطن بإرادة حرة بقدر ما هي لتمكينه من اداء الخدمات المطلوبة منه .
و من هنا تتحدد وظيفة الدولة في كفالة حرية الاختيار و مراعاة مبدأ تقسيم العمل و التخصص في القيام بالأدوار المختلفة . وقد حاول أفلاطون تحليل الدولة بدرجة أعمق فكشف التحليل عن وجود ثلاث وظائف ضرورية هي إشباع الحاجات الطبيعية و حماية الدولة ، وقد اتبع ذلك ظهور ثلاث طبقات هي : العمال ، الحراس ، الحكام .
و يمكن تلخيص أراء أفلاطون عن الدولة فيما يلي :
أن تقسيم العمل و التخصص في المهن شرطا للتعاون الاجتماعي.
أن مشكلة الملك الفيلسوف هي تنظيم الأمور على أحسن وجه .
أن أقصى فائدة للدولة هي أقصى فائدة للمواطنين أي أن هدفها هو تحقيق التوافق التام بين الأفراد ز ما يتوقع شغله من وظائف الدولة الهامة .
2- أرسطو : يعرف أرسطو الدولة بأنها " جماعة ذات تنظيم مشترك " و أعتقد أن الدولة تنشأ نتيجة تطور تاريخي ، أي أنها تمر بعدة مراحل حتى تصل إلى مرحلة الدولة . وقد بدأ دراسته في أصل الدولة بدراسة الأسرة وهي النوع البدائي للمجتمع وقد تكونت الأسرة نتيجة للحاجات الضرورية التي يشعر بها الإنسان ، و هي الحاجة إلى الطعام و المأوى و التناسل . فإذا ما سعى الأفراد إلى تحقيق حاجات جديدة تكون مجتمع القرية و هي إتحاد لعدة أسر ، أما الدولة فإنها المرحلة العليا للمجتمع و تتكون من إتحاد عدة قرى . و تقوم الدولة بتوفير الظروف اللازمة للحياة في المدنية.
و بهذا يرى أرسطو أن الدولة هي نوع من الجماعة التي تتمثل في إتحاد أفراد مختلفين يستطيعون بحكم ما بينهم من فوارق أن يسدوا حاجاتهم عن طريق تبادل السلع و الخدمات .
ويؤكد أرسطو في هذا الصدد على ثلاث مقومات للدولة هي :
الضرورات الأولية للحياة من تغذية و سلاح و عتاد و موارد.
حجم الدولة التي ينبغي أن تكون متوسطة في السعة.
رقعة الأرض التي تقع عليها الدولة .
3- سيشرون : يرى أن الدولة نشأت بشكل طبيعي نتيجة لغريزة الإنسان الاجتماعية و شبه الدولة شركة للمواطنين و توجد لتمدهم بالمساعدات اللازمة مادامت خاضعة لقوانين العدالة .
4- أوغسطين وتوما الإكويني: يرى أوغسطين في تفسير نشأة الدولة أن البشر قد دخل إلى الأرض نتيجة معصية أدم و هبوطه إلى الأرض و توالده فكثر الناس و تفرقوا إلى طوائف و جماعات كل يسعى اتجاه ما تم تكونت المدن أو الدول بمرور الأيام ، ولقد نشأت في هذا المجال مدينتين ترجع إليهما سائر المجتمعات البشرية هما المدينة الأرضية و مدينة الله . الأولى شريرة و الثانية خيرة كاملة .
عموما الإكويني فيرى أن الدول نشأت من تجمعات الإنسان ، و هي هيئة موحدة بتنظيم أفرادها . ويرى أن النظام في الجماعات الإنسانية يصدر عن العقل و الإرادة و من تم فهو يقوم على ضرب من التعاقد .
و يؤكد أن وظائف الدولة تنحصر في أمور أربعة :
تحقيق الأمن والطمأنينة في الحياة.
تحقيق النظام و العدالة.
ترويج الحد الأدنى من الأخلاق.
حماية الدين .
5- الفكر الإسلامي : يجب في البداية التفرقة بين نشأة الدولة الإسلامية من ناحية و بين أراء الفلسفة الإسلامية حول نشأة الدولة بصفة عامة .
فقد تناول المفكرون الإسلاميون موضوع نشأة الدولة و أرجعوها إلى تعدد حاجات الإنسان و عدم قدرته على القيام بها وحده و لجوءه إلى غيره للتعاون من أجل تحقيق الأهداف المشتركة مما أدى في النهاية إلى ظهور المجتمع المنظم أبي الدولة .
و يتناول الغزالي على سبيل المثال نشأة الدولة موضحا أنها نتيجة للاجتماع البشري فيقول أنها قامت لحفظ العباد من اعتداء بعضهم على بعض . ويقول :" ومعلوم أن السلطنة و الإمارة لو تعطلت لبطل الدين و الدنيا جميعا ،وثار القتال بين الخلق ،وزال الأمن ، وخربت البلاد ، وتعطلت المعايش..."
و يرى الفارابي أنه لا يمكن يصل الإنسان إلى الكمال الذي تدفعه إليها الفطرة الطبيعية إلا بتعاونه مع غيره من الأفراد. و أن هناك اختلافا في قدرات الأفراد و استعداداتهم و حاجاتهم و بالتالي نشأ ما يسمى " الحقوق و الواجبات " و التخصص حتى يكمل البعض البعض الآخر .
أما بالنسبة لنشأة الدولة الإسلامية فيمكن تحديدها مراحلها كما يلي :
بدأت الدعوة إلى الإسلام تم أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس جهرا .
كانت بيعة العقبة الأولى و الثانية بمثابة حجر الزاوية في بناء الدولة الإسلامية .
وجد المسلمون في المدينة الذي مثلت الإقليم الذي استقروا عليه بأمان ، كما كان نظام الإسلام خير نظام للحكم و نشأت أول حكومة إسلامية كاملة .
قامت الدولة الإسلامية في المدينة بتنظيم الدفاع و حماية الأمن و نشر العلم و العدل و عقد المعاهدات و إيفاد السفراء. و كان النبي رئيسا لهذه الدولة .
6- أصحاب نظرية العقد : يمثل نظرية العقد في نشأة الدولة كل من هوبز و لوك و روسو و جاءت أفكارهم كما يلي :
- توماس هوبز: تميزت حالة الطبيعية الأولى في رأيه بالشك و الريبة و الحروب في كل وقت ، إلا أنه بمرور الوقت فقد أدرك الناس أن الحرب أسوء الشرور و اتفقوا على التنازل عن حقوقهم كاملة ليد رجل و أحد يملك كل الحقوق و يقوم هو بصيانة الأمن و تحقيقه . و هكذا نشأ المجتمع و الدولة . و يستطرد في بقوله أن الدولة تأتي إلى الوجود بطريقتين ، الأولى بواسطة المؤسسات التي يتخذ بواسطتها الناس تلقاء ذاتهم . وبالثاني بواسطة حق التملك و هما يحملان معنى العقد . وتقوم الدولة بصفة أساسية برعاية الأمن و تحقيق الطمأنينة لأبناء الشعب .
- جون لوك : يحدد جون لوك نشأة الدولة في عدة نقاط هي :
- أن حالة الطبيعية الأولى حالة سلام و أمان تسود فيها علاقات التعاون المتبادل ، و يعيش الناس في حرية تامة لا يحكمهم إلا القانون الطبيعي الفطري ، و الناس متساوون في الحياة و الحرية و الملكية .
- إن نقطة الضعف في حالة الطبيعية هو الافتقار إلى عنصر السيادة المنظم و المنفذ الطبيعي بين الناس .
- حيث أنه لم يمكن تنظيم و تدعيم حياة و حرياتهم فقد تعاقد الناس و اتفقوا بإرادتهم الحرة على تكوين مجتمع سياسي . طرفاه الشعب من جهة و الحكومة أو الملك من جهة اخرى فالتعاقد من أجل إنشاء الدولة كان بين الطرفين .
- أن العقد الاجتماعي يضمن الموافقة من جانب الأغلبية على التنازل عن جزء من حقوقهم الطبيعية فيما يتصل بالدفاع عن أنفسهم و معاقبة الخارجين عن القانون الطبيعي إلى المجتمع ككل ، فالتنازل غير مطلق .
- جون جاك روسو : يرى أن الدولة جاءت نتيجة للتعاقد بين الأفراد . فيبدأ أفكاره بتحليله للطبيعة الإنسانية حيث يرى أن الإنسان خير بطبعه و بسيطا و عاطفيا . و تتمثل هذه الحالة أساسا للحرية الكاملة و المساواة و حالة الطبيعة هي المفضلة للمجتمع المدني ، إلا أن زيادة عددا السكان و التقدم الاقتصادي أدخلا الصراع و التوترات في حالة الطبيعة و أدى إلى عدم التكامل . كما أدى التقدم الاقتصادي النامي إلى ظهور نسق الملكية و تفكير الإنسان في هذا الإطار و بالتالي أصبحت الطبيعة الإنسانية أكثر تعقيدا و ظهر الصراع و العداء و بالتالي فقدان الأمان . ومن هنا ظهرت الحاجة على الذات الإنسانية و من تم بحث الإنسان عن العقد الذي يعني أن يضع كل إنسان نفسه و قوته تحت توجيه الإرادة العامة مكان السيادة .